الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لالش ورأس السنة الايزيدية

امين دنايي

2024 / 4 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


.

لالش هو المعبد الاعرق والاقدس عند الايزيديين ويعود تاريخ لالش إلى 512 ألف عام بحسب المخطوطات السومرية وأسم لالش في اللغة الأيزيدية الاكدية يعني (شلال الشفاء)ويقع في شمال العراق بين ثلاثة جبال هي جبل المشت،جبل الحزرت وجبل المعرفة الذي يرمز إلى سلطان آدي على الكون،هذه الجبال تعكس أشكال هندسية وتحوي معادن نفيسة وشلالات الغمر العظيم وأماكن مركزية لينابيع المياه النقية المشبعة بألالماس والذهب في تركيبتها،فضلاً عن أن تلك المياه بقيت منذ اكتمال تكوين القشرة الأرضية تحظى بإستقطابها للطاقة الإيجابية من المصدر في منظومتنا الكونية وصورتها العليا.
بنى انليل لالش الجديدة على كوكب الأرض وفق هندسة ايزيدية خفية مقدسة لتشكل نقطة البداية في السيطرة على الكوكب في الموقع الأكثر كثافة لطاقة الكون الإيجابية على الأرض ،فهي مركز سرّتها(الأرض) وخميرتها وقدس اقداسها.(فواز فرحان ، الأيزيدية هندسة الاسرار المقدسة).


لالش مكان التأمل والطاقة الإيجابية والعبادة والخير ومكان التقاء الارواح النقية ونشر المحبة وتجري فيها طقوس ومراسيم الأعياد والمناسبات ومنها عيد رأس السنة(سري سالئ) الذي يصادف الاربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي.وهو عيد الخليقة ونشوء الكون.


رأس السنة الأيزيدية:

ومن المعروف أن ألسنة الحقيقة في الأيزيدية كانت ولاتزال تبدأ في الأول من نيسان الشرقي والتي تكتمل بدايتها مع الاعتدال الربيعي ويسمى الايزيديون هذا اليوم والذي يصادف في أول أربعاء من التقويم الشرقي الايزيدي٬يتأخر عن التقويم الغربي بثلاثة عشر يوماّ.وهذا التقويم يشكل الأساس الذي تستند عليه الأعياد والطقوس المقدسة في الايزيدية،واساس هذا التقويم كان يقوم على دراسة حركة الشمس وثوراتها.وان هذا التقويم تم اختصاره أكثر من مرة بطريقة لا تؤثر على دقة الحسابات الفلكية، وتتناسب ومستوى العالم الذي نعيش فيه من تأثيرات متبادلة بين الشمس ومنظومة الكواكب التي تدور حولها وكذلك بينها وبين الطبيعة والكائنات والمخلوقات التي تعيش على كل كوكب من كواكبها.(فواز فرحان، الأيزيدية حقول المعرفة المقدسة).
بعيد رأس السنة الأيزيدية أو سري سالي باللغة الأيزيدية٬ ولهذا التوقيت بالذات أهمية كبيرة عند الايزيديين ليس لأنه يوم عيد بل لأنه يصادف بداية دورة جديدة من الدورات الشمسية على نطاق واسع وكذلك بداية ظهور تأثير الخصوبة على كوكب الأرض٬ ويتعلق بأبعاد واسعة من التأثيرات الفلكية على مجمل منظومتنا الشمسية وما تحتويه من كائنات ومخلوقات.وتمثل رأس السنة يوم الخلق المقدس لكل ما هو حي الكينونة والوجود على الاطلاق وليس في عالمنا المادي الأرضي وحده

وبالعودة لرأس السنة الايزيدية التي تبدأ في الثالث عشر من نيسان الشرقي فإن المرور على هذا الزمن الدقيق في تحديد البداية يلعب دوراً كبيراً في الطقوس الايزيدية وتواريخها ، فظهور المواسم يكون هو الآخر النتيجة الحتمية لحركة الشمس في الدوائر الملكية السماوية ، فالقياسات السنوية تحتسب استناداً للانقلابات الصيفية والشتوية وكذلك استناداً للإعتدالين الربيعي والخريفي ، حيث تبدأ السنة الايزيدية عند بداية ولوج الاعتدال الربيعي ، فهي لحظة عبور الشمس لخط الاستواء باتجاه الشمال صاعدة باتجاه النصف الثاني العلوي من دائرة الأبراج .
حدد الايزيديون يوم رأس السنة ( سري سالي ) والانبعاث الجديد كتعبير لفظي دقيق وسليم لهذه الحالة(حالة الاستفادة والتوظيف الايجابيين للطاقة القادمة لنا من الشمس) في مستويات عليا من الوعي جسدتها نصوص مقدسة في أعمق تفاصيلها ، ففي هذه الفترة بالتحديد تتجدد البصيرة الروحية لتتحول الى نقية تماماً ، ومن تمكن من الاستفادة منها يقوم برفع جودة الوعي لديه الى مستويات عليا ، ومن ينجح في هذا الجانب يتحكم في عقله وعاطفته ويتمكن بالتالي من العبور لأعماق حقيقته ورؤية الجانب السببي لوجوده .
ويتم الاحتفال برأس السنة الأيزيدية (سري سالي) شري شاري لأنها تمثل الوقت الكوني الدقيق لتجمع المستويات الأربعة المقدسة ويوم الخلق المقدس لكل ما هو حي في الكينونة والوجود على الاطلاق وليس في عالمنا المادي الأرضي لوحده.(1-فواز فرحان٬الايزيدية صدى الحضارة٬ط1.دار الكتاب الاول للطباعة والنشر٬كوترسلوه٬ المانيا الاتحادية٬ 2019 .ج8.
2-فواز فرحان٬ الايزيدية حقول المعرفة المقدسة٬ط1.دار الكتاب الأول للطباعة والنشر٬ كوترسلوه٬المانيا الاتحادية٬ج5.)

يوم الأربعاء وشهر نيسان:


وقسماً كبيراً من نصوص الأيزيدية المقدسة تشير بمنتهى الوضوح إلى ما حدث في أول اربعاء نيسان الكوني العظيم من بدء شرارة النبض والخلق،وحتى لو تمعنا جيداً في معنى نيسان أو نيشان الاكدي فإنه يشير إلى النبض أو بداية الخلق وهو يمثل الأرقام الأربعة والعناصر الأربعة والمبادئ الأربعة وكل ما يمت بصلة إلى القدسية العظيمة للاربعاء المقدسة في المعرفة الأيزيدية.

ومن جهة ،مثلت قدسية الاربعاء لحظة الخلق الأولى في التجلي لعرش الهيكل الكوني المقدس ( في أول أربعاء نيسان الشرقي وضع الخالق اللوح والكرسي والقلم ) وهي اشارة واضحة للكينونة والوجود وسلطان العلم والنور ، ومن جهة أخرى تمثل تكامل عملية الخلق في المستويات الأربعة للوعي وقدسيتها ، والبعض يعتبر الأربعاء هي اليوم الأول في عملية الخلق وهذا التبرير نسبي بالتأكيد قياساً للحقيقة المطلقة ، فالخلق بدأ قبل ظهور الأيام الدهرية الرمزية في كل العوالم والأبعاد ، لكن تسامي المستويات الأربعة وكمالها أعطى لهذه الجزئية في المعرفة الايزيدية قدسية لها مكانتها العظيمة في الأدب الايزيدي القائم على تفسير العلوم النوعية للسبقات والنصوص المقدسة.(فواز فرحان٬الايزيدية صدى الحضارة٬ط1.دار الكتاب الاول للطباعة والنشر٬كوترسلوه٬ المانيا الاتحادية٬ 2019 .ج8.
2-فواز فرحان٬ الايزيدية حقول المعرفة المقدسة٬ط1.دار الكتاب الأول للطباعة والنشر٬ كوترسلوه٬المانيا الاتحادية٬ج5.)

تمثل قدسية الاربعاء في العلم الايزيدي لحظة الخلق الأولى في الكينونة والوجود٬وهو يوم مقدس لدى الايزيديين تتوقف فيه جميع الأعمال٬ وهو يوم للراحة والتأمل والعبادة.وشهر نيسان في الأيزيدية هو رمز استمرار الحياة والتجدد.ومن اشهر الربيع الجميلة حيث الأرض مكسوة بالنباتات والورود الملونة بأنواعها المختلفة.وبما أن هذا الشهر مقدس ولأن نيسان عروس الأشهر عند الايزيديين فلا تضاهيها عروس٬لا يتزوجون فيه ولا يحرثون أرضاً.اما بخصوص مغزى عدم الزواج في هذا الشهر٬ربما عدت الممارسات الجنسية فيه امتداداً للقوة الاخصابية النائمة التي بدأت تستعيد نشاطاتها و دفعاتها لتعود لسيرتها الأولى.والزواج المقدس هو تأمين لخصب المراعي والماشية٬مثلاً في استراليا يعتقدون لحد الان أن إله الشمس المذكر يهبط من عليائه مرة كل سنة ليحتضن إلهة الأرض المؤنثة.

إذن احتضان إله الشمس مع إلهة الأرض تجعل من الأخيرة حبلى بمئات الأصناف من الحشائش والأعشاب وثمار الأرض لتخرجها خيرات للبشر٬وهذا هو سر تحريم حراثة الأرض٬ وتحريم الزواج عند الأيزيديين في شهر نيسان إذ يقترن بزواج الملائكة(الآلهة)٬ وفي هذا الصدد يقول الأستاذ فواز فرحان: “في نيسان هناك تحولات كونية كبيرة في الفترة الواقعة بين أول نيسان الشرقي الى نهايته يكون هناك تزاوج بين الملائكة في حالات روحية عليا والايزيديون القدماء حرّموا الزواج على البشر في نيسان كي لا يشبّهون أنفسهم بالملائكة وحالات الزواج الروحية التي تحصل في الأعلى” .

كما أن الايزيديين يجرون في هذا الشهر مهرجانات الربيع(طوافات-جما)حول معابد القرى والمدن٬تبدأ في اليوم الثاني بعد عيد رأس السنة مباشرةً وتستمر إلى بداية شهر حزيران.اما في سنجار٬تقام هذه الطوافات في فصل الخريف.



العيد… طقوس و مراسيم:

تجري التهيئة للعيد بكل معانيها المعروفة٬ من قيام العوائل بشراء الملابس وجمع البيض او شرائه مع صبغ البيوت وترتيبها وقبل العيد بيوم٬يقوم الشباب والشابات بجولات حول قراهم وبين التلول القريبة من القرية لجمع ازهار النيسان٬كما تقوم النساء بعمل الخبز الخاص بالاعياد الايزيدي يسمونه (سةوك) وتوزيعه على الجيران ترحماً على أرواح الموتى ويقمن بزيارة القبور ومعهن الخبز(سةوك) والبيض وأطعمة أخرى لتوزيعها فيما بينهن وعلى الناس الفقراء إشارة إلى تبادل الزاد والمحبة ولأجل أرواح الموتى.ويوزع في هذه الأيام اللبن أيضاً.اما الرجال فيقومون بنحر القرابين حسب الإمكانيات المادية .كما تقوم العوائل بسلق البيض والذي يرمز إلى تخثر وتجميد الأرض بواسطة خميرتها “لالش” وتلوينه بألوان الربيع الزاهية والذي يرمز إلى زينة الارض وجمالها والطبيعة الملونة في فصل الربيع.

وفي معبد لالش تقام مراسيم السما(طقس ديني) ومع إنشاد التراتيل الدينية يتم إيقاد القناديل أو الفتائل و وضعها على الأحجار الموجودة في باحة المعبد الخارجية في سوق المعرفة من قبل الحاضرين وعددها 365 فتيلة بعدد أيام السنة. إذ يتحول گلي لالش إلى شعلة من النور لأستقبال العام الجديد معلناً ولادة الربيع وتجدد الحياة ونفح الحركة في السهوب التي غرقت في نوم طويل تحت غطاء كثيف من الثلوج والأعاصير والبرد القارس.

ومع صباح العيد الباكر ومع بزوغ خيوط الشمس٬يقومون بوضع الندى المتجمع على الحشائش على وجوههم علهم يعيدون شبابهم ٬ويستقبلون العيد بوضع قشور البيض الملون وأزهار النيسان ونبات كارى(اللاعية) بواسطة الطين على أبواب البيوت دلالة على احتفال أهل الدار بهذا العيد واستقبال الزائرين والبشارة بقدوم الخير والتجدد وابتهاجاً بالربيع والسنة الجديدة.بعدها يتعايد الأهالي والأصدقاء والأطفال في البيوت والمعابد٬ ويكثر اللعب بالبيض في الشوارع والبيوت بين الأطفال والشباب والشابات والمسنين ٬وكسر البيض يرمز إلى تحطيم وانفجار الدرة في بدء الخليقة. ويقوم الفلاحون في هذا العيد بزيارة الحقول والمزارع ونشر قشور البيض الملون بين البساتين لغرض زيادة الخير والبركة في الإنتاج الزراعي.كما يكرم رعاة الأبقار والاغنام في هذا العيد.(امين فرحان جيجو٬ القومية الأيزيدية جذورها مقوماتها معاناتها٬دار الكتب والوثائق٬ بغداد٬ 2010.
-عزالدين سليم باقسري ٬مةرگةه ٬ط1. دهوك٬ 2003.
-جورج حبيب٬الايزيدية بقايا دين قديم٬ط1.مطبعة المعارف٬بغداد.)


وقد انتقل هذه المناسبة الايزيدية ٬أي رأس السنة٬ إلى أقوام أخرى ومنهم السومريين وكانوا يحتفلون به بإسم (زاكموك) أي الولادة أو التجدد.والبابليين الذين احتفلوا بهذا العيد واختاروا له تسمية (اكيتو)وتعني الحياة. والفرس اخذوا فكرة رأس السنة من الايزيديين وسموها نوروز ثم سرقها الأكراد منهم بنفس الإسم.

و"صاحب تشويه التاريخ الايزيدي اسقاطات تاريخية للأعياد أيضاً ،من خلال القول أن الايزيدية أخذت من الأعياد السومرية والبابلية والأشورية تسمية أعيادها بينما الحقيقة أن الأعياد في تلك الحضارات في الأساس كانت أعياد ايزيدية ، مثلاً يفصل البعض بين رأس السنة الايزيدية وعيد أكيتو البابلي فقط استناداً للتسمية ويذهب البعض الى اعتبار ان الايزيديون أخذوا من البابليين هذا العيد بينما في الحقيقة أن العيد كان ايزيداً ومارسه البابليون لأن ديانة الدولة البابلية كانت ايزيدية ، مثلما لا يمكن القول أن رأس السنة مصطلح عربي أخذه الايزيديون من العرب فقط لأننا تلفظه بالعربي وهذا الأمر ينطبق على نفس المصطلح بالكردية سري سالي"( فواز فرحان ، الأيزيدية صدى الحضارة، ط١).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا