الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البناء الاجتماعي Social structure ( 1 )

سعد سوسه

2024 / 4 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اعداد : د . سعد سوسه
الهدف من المورفولوجيا Morphology الذي يعني دراسة الهيكل المادي للمجتمع هو إعطاء صورة عامة وشاملة عند كل الشروط والظروف الاجتماعية وإبراز النواحي العامة في حياة المجتمع عن طريق العد والإحصاء وتصنيف الوحدات الاجتماعية إلى فئات ثم تبين العلاقة بين الفئات …، ويوجه الاهتمام إلى الوحدات السكانية وانتماءاتها الإقليمية، وتوزيع الإمكانات الصناعية والمهن المختلفة والدخل والخدمات الاجتماعية وما إلى ذلك، وهذا فهم واسع لكلمة (بناء) لانه لا يكاد يغفل شيئاً في حياة المجتمع ( 1 ) .
وتركز المورفولوجيا – بالإضافة إلى ذلك – على العوامل الجغرافية والبيئية وتوضح أثرها في شكلية وديناميكية المجتمع كدراسة آثار المناخ والتضاريس الأرضية الطبيعية وعلى نوعية الحياة الاجتماعية … ( 2 ) .
ويمكننا ان نعد الدراسة المورفولوجية مدخلاً في دراسة (البناء الاجتماعي) –على الرغم من اعتبارها في ما تقدم فهماً واسعاً للبناء – لأنها تستجمع المحسوس أو الملموس من المظاهر المادية التي يمكن من الوصول إلى المجرد (المتصور) وهو البناء الاجتماعي .
على الرغم من إمكانية تقديم تعريف محدد للبناء الاجتماعي بالاعتماد على التنظيرات التأسيسية سواء في الاجتماع أو الانثروبولوجيا، إلا انه من غير الممكن الاتفاق على تحديد جامع ينال قبول المهتمين في شتى الاختصاصات، ناهيك عن أصحاب التخصص الواحد، وهذه الإشكالية يمكن ان تعزى – باعتقادنا – إلى اشتمالية مفهوم البناء الاجتماعي على (مكونات) يشكل كل منها مفهوماً بذاته، الأمر الذي يجعل الاتفاق عسيراً أن لم يكن محالاً، ولكن ذلك لا يمنع من وجود اتفاق نسبي على (وجود) البناء الاجتماعي الذي يمكن للباحث ان يحدد ملامحه كما يراها على وفق ما يقدم من مسوغات.
ويعزز قولنا ما قدمه باحث عربي بارز تناول الإشكالية التي تكتنف مفهوم البناء الاجتماعي منذ التأسيس الفلسفي حتى استخداماته الحالية في مختلف المجالات المعرفية، فهو يرى كل الجهود والمبالغات في (التأنق) في اختيار الكلمات والألفاظ لم تفلح في وضع تعريف واحد واضح تتفق عليه، حتى ان الأمر وصل إلى حد الإخفاق في التمييز – لدى بعض الأساتذة المتخصصين في العالم العربي على الأقل – بين (البنائية) كما تستخدم في الكتابات الأنثروبولوجية البريطانية و(البنائية) الفرنسية التي ظهرت أولاً في الكتابات الأنثروبولوجية على يد ليفي ستروس L. Strauss ثم اتسع مجالها وامتد إلى الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والفن وغيرها ( 3 ) .
بيد ان مفهوم البناء الاجتماعي يحتل مساحة خاصة في الاجتماع والانثروبولوجيا، فقد برزت استخداماته فيهما وعدت أي أية نظرية اجتماعية بنائية بقدر معين؛ ينطبق هذا على نظريات بارسونز T. Parsons كما ينطبق على نظريات التوسير Althusser، وينطبق على كلود ليفي ستروس L-Strauss، وعلى مالينوفسكي Malinowyski، وعلى ايفانز برتشارد E. pritchartd، وغيرهم. ( 4 ) .
ترجع جذور استخدامات البناء الاجتماعي إلى منتصف القرن الثامن عشر وبخاصة مؤلفات الفيلسوف مونتسكيو التي تعد أساس علم الاجتماع المقارن التي مهدت لفكرة التناسق الاجتماعي الكلي والتي تناولها كثير من المنظرين، وقد شكل مفهوم البناء الاجتماعي علامة بارزة في الفكر الانثروبولوجي منذ ظهور المدرسة البنائية والوظيفية في أوربا وأمريكا باعتبار الثقافة كياناً مكوناً من أجزاء تتلاحم وتعتمد على بعضها البعض في كل مقعد – complex whole - متكامل يتسم بدرجات عالية من الاستقرار إلا أنه ليس استقراراً أو ثبوتاً مطلقاً من جراء ما يحصل فيه عبر الزمن ( 5 ) .
ولعـل فكـرة البناء الاجتماعي تجلت بشكل علمي فـي مؤلفات هربـرت سبنسر H. spencer حيث ماثل المجتمع بالكائن العضوي وقد ساعدت هذه المماثلة على استخدام فكرتي البناء والوظيفة --function-- (الوظيفة : يمكننا تعريفها بأنها (متطلبات أساسية، أو ثانوية، فردية أو جمعية، تحدد أساليب سدها بناءات فيزيقية واجتماعية معينة) ) في الدراسات الانثروبولوجية، فقد أكد سبنسر دائمــاً ضرورة وجود (التساند الوظيفي والاعتماد المتبادل بين نظم المجتمع) ( 6 ) .
ويكاد علماء الاجتماع والانثروبولوجيا ان يجمعوا – ولا سيما الذين يركزون على الدراسات الحقلية للمجتمعات المحلية الصغيرة التي يسهل فيها تحديد خصائص البناء الاجتماعي والتعرف على مكوناته – على ان البناء الاجتماعي هو نسيج العلاقات الاجتماعية الدائمة التي تظهر على هيئة أنساق social systems (النسق : هو الوحدة الشاملة التي تتألف من عدد كبير من العناصر والمكونات المتفاعلة، على الرغم من كثرتها وتعقدها مع ضرورة التسليم بأن كل جزء أو عنصر من العناصر الداخلية تؤدي وظيفة معينة تساهم في تكوين (الكل) وتماسكه ) متبادلة التأثير والتفاعل ولكل منها وظائف اجتماعية في الجماعات والأفراد الذين تنظم علاقاتهم وتحدد أدوارهم المتباينة بتباين المواقف التي يمارسونها.( 7 ) .
وقد أثار تعريف راد كلف براون Rad cilffe Brown للبناء الاجتماعي في مقاله الموسوم (on social structure) مشكلات تتعلق بالتفرقة بين (البناء الواقعي) و(الصورة البنائية)، وهي التفرقة التي تقوم بين الأشخاص في المجتمع على اختلاف مدى ما تتمتع به تلك العلاقات من خصائص الاستمرار والثبات، وبغض النظر عما إذا كانت تلك العلاقات تربط بين أفراد أو جماعات، وقد أدى الغموض الذي أحاط بتلك التفرقة القائمة على أساس ذلك التعريف الواسع بـ ايفانز بريتشارد Evans pritchard إلى أن يقتصر في دراسته للبناء الاجتماعي على تلك العلاقات التي تقوم بين الجماعات التي تتمتع بدرجة عالية من الثبات والاستمرار في المجتمع – كالقبائل – والبدنات – وكانت المادة المستمدة من دراسته لقبائل النوير Nuer تعطي أساساً حقلياً لهذا ( 8 ) .
وقد ظل الجدال محتدماً بيـن المهتمين بدراسـة البناء الاجتماعـي، ومن ذلك النقد الذي قدمه ليفي ستروس Levi strauss في مقال حمل العنـوان نفسـه الذي قدمـه بـراون R. Brown الذي هو (في البناء الاجتماعي) فهو يرى ان البنية لا تتعلق بالواقع التجريبي – كما يرى براون R. Brown – بل بالنماذج التي تقوم ببنائها انطلاقاً من هذا الواقع التجريبي.
ويثير أيان كريب في كتابه النظرية الاجتماعية مشكلة أخرى يمكن ان تعزى إلى النظرة إلى النسق باعتباره فعلاً قد أخذ صفة الثبات فهو يرى أن نقاط الضعف المختلفة في مفهوم البناء الاجتماعي عند الوظيفية البنائية يمكن ارجاعها إلى هذه النظرة، وهذا المنظور بحسب ما ينقله كريب عن ديفيد ليكود ليس بمقدوره التفريق بين ما يدعى بالتكامل الاجتماعي وتكامل النسق، وبعبارة أخرى لا تمتلك الوظيفية البنائية تصوراً للبناء الاجتماعي باعتباره مركزاً لافعال البشر وما يمتلكه من معانٍ ويكون متفضلاً عنها، ويبين أيان كريب – بعد بيانه لجملة من الانتقادات – بأن هناك صعوبة كامنة في بعض الكلمات من قبيل (النسق) أو (البنية) و(المجتمع) لان معانيها تتداخل دون أن تتطابق تماماً، وهذه (الكلمات) لم تكن ذات أهمية في استعمالاته محاولاً – فيما بعد – استعمالها بدقة لذلك، أضطر إلى استعمال هذه (الكلمات) بوصفها إشارات لمظاهر معينة من الواقع الاجتماعي ( 9 ) .
ولابد ان نبين بأننا لم نقصد الخوض في الانتقادات الموجهة تجاه فكرة البناء الاجتماعي من خلال ما تقدم بقدر ما قصدنا بيان الإشكاليات التي أثارها هذا المفهوم سواء بين ذوي التخصص الواحد أو بينهم وبين أصحاب التخصصات الاخرى، والتأريخ النقدي حافل بالكثير منها، ولكننا أردنا أيجاد العناصر المشتركة بين المهتمين بهذا المفهوم الذي تتمحور حوله دراساتهم، ولكن جل هذه الدراسات تؤدي إلى فكرة شمولية التفاعل الاجتماعي من حيث التساند المتبادل بين مكونات الكيان الاجتماعي الذي يقوم على هذا الأساس.
ان الاتجاه البنائي بمفهومه البريطاني أمسى الاتجاه السائد في معظم الدراسات الأنثروبولوجية العربية ، ولكن هذا الاتجاه مثله مثل أي اتجاه آخر تتبناه العلوم الاجتماعية، لابد وان ينطوي على عناصر مرنة يمكن تطويعها في الاستجابة إلى المستجدات الموضوعية التي تفرض إعادة النظر فيه، ومن ثم اقتضاء تكييفه بما يتواءم مع الواقع الموضوعي، وان كانت التحديات اكبر من إمكانية تجديد هذا الاتجاه أو ذاك فلا مناص من البحث عن بديل يلبي الضرورات القائمة ( 10 ) .
ولعل ابرز مثال يوضح ما تقدم هو إسهام عالم الاجتماع الأميركي تالكوت بارسونز T. Parsons، فقد وضع الأسس النظرية للبناء الاجتماعي العام القائم على التوازن الدائم بين عناصره من خلال توزيع دقيق لوظائف العناصر الاجتماعية ومهماتها ومصالحها، وقد أنصب اهتمامه على شرح وتفصيل أدوار اعتبرها أساسية في تفسير الوظائف الاجتماعية التي تساهم في توطيد أسس النظام الاجتماعي العام منها:
1- السيطرة على التوترات عند بروزها.
2- الخضوع لقيم اجتماعية تلعب دور ثوابت اجتماعية.
3- تحقيق أهداف هذا النظام لما فيه مصلحة كل الأطراف.
4- تكييف النظام مع بيئته حيث لكل نظام خصوصياته.
5- التنسيق بين الأجزاء الأساسية للنظام.(11 ) .
وقد أعتبر بارسونز نظريته في (البناء الاجتماعي) الأساس في تفسير الظواهر الاجتماعية والواقع الاجتماعي ولم يعترف بوجود النظريات الاجتماعية الأخرى. ( 12 )
وعلى الرغم مما أثير من انتقادات ضد تأسيس راد كلف براون إلا انه يظل مدخلاً مهماً في دراسة (البناء الاجتماعي). يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة