الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مرجعية الحزب الاشتراكي الموحد من خلال ارضيات المؤتمر الوطني الثاني

محمد أولوة

2006 / 12 / 5
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


يعتبر التمسك بالاشتراكية وبمبادئ الفكر الاشتراكي، بالاختيار الديمقراطي كأساس للبناء الاشتراكي وبتمثل هوية الشعب المغربي بكافة مكوناتها الثقافية، أهم مرتكزات المرجعية الاديولوجية والفكرية للحزب الاشتراكي الموحد.
I- التمسك بالاشتراكية وبمبادئ الفكر الاشتراكي.
فعلى هذا المستوى وجب التذكير ببعض المسلمات على مستوى التمسك بالاشتراكية وهي:
أ- أن الاشتراكية نظام اجتماعي نقيض للنظام الرأسمالي المسيطر على السلطة/الدولة والمحتكر لوسائل الإنتاج والساعي للربح الأقصى، والمخادع بديمقراطيته المزيفة التي تخفي استغلال طبقة الكادحين. وعلى النقيض من ذلك فالاشتراكية تعتبر الإنسان أساس للتنمية والحياة، فهو مصدر الثروة والحياة وليس الرأسمال أو الآلة، وبالتالي وجب تحريره من كل أشكال الاستغلال ماديا ومعنويا، والاهتمام به لضمان عيشه والرقي به. وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا في ظل النظام الاشتراكي الذي تنتفي فيه نسبيا الطبقات، وينعدم استغلال الإنسان للإنسان، وتتم فيه إرساء مساواة حقيقية وتوزيع عادل للثروات المادية وفق مبدأ: "كل حسب قدرته ولكل حسب عمله".
ب- الاشتراكية ليست وصفة جاهزة بل هي قيم تبنى عبر مراحل تاريخية، هدفها الأول والأخير ضمان حرية الإنسان وحقوقه الأولية ومناهضة الاستغلال والظلم، والنضال لتحقيق مصالح الكادحين ومطامح المحرومين والإنسانية جمعاء. وسيادة القانون وتساوي المواطنات والمواطنين أمامه ومساندة الشعوب من اجل تحريرها وانعتاقها...
وعليه فالاشتراكية في المرحلة الراهنة تعني على المستوى العالمي، مواجهة شراسة الرأسمالية ووحشية العولمة والنهب الرهيب لثروات الشعوب وتلويث البيئة وتهديد الحياة الإنسانية، ومناهضة الامبريالية في سعيها لتوسيع نطاق التهميش وتفقير الشعوب بل قارات بكاملها وضمنها القارة الإفريقية.
ووطنيا فإنها تعني مواجهة البطالة والتجهيل وجشع البرجوازيين، والنضال من أجل مواطنة كاملة وحقوق فردية وجماعية، واعتراف هوياتي مؤسس لكافة المكونات الثقافية للشعب المغربي. أو بعبارة أخرى، فهي السعي وراء إرساء دعائم مجتمع ديمقراطي يزول فيه الاستغلال، ونظام يقيم العدالة الاجتماعية، نطام من الشعب وإليه، عن طريق الوعي والتنظيم الذاتي للقوى العاملة.
أما بخصوص مبادئ الفكر الاشتراكي، فإن التمسك بها في مرجعية الحزب الاشتراكي الموحد ينبني على:
1- النقد: وذلك باعتبار الفكر الاشتراكي استمرار نقدي ومجدد للتراث الإنساني، وهو ما يتنافى مع الإطلاقية والدغمائية، ويقتضي مساءلة النظرية الاشتراكية على ضوء التجارب المحلية والعالمية حتى لا تضفى عليها صفة الأوصولية أو الجمود، ونعث أي نقد لها بالتحريفية... أو بمعنى آخر، أنه لا تقديس للأفكار أو الأشخاص، وأن الضرورة تحتم ممارسة النقد باستمرار واختيار مدى صلاحية أفكار معينة وفق فائدتها بالنسبة للمرحلة المعاشة، وذلك أن الواقع يتغير ومعه الأفكار، التي هي الأخرى تتغير فلا يبقى منها إلا الأصلح كما تعبر عن ذلك الآية التالية: "فأما الزبد فيذهب هباء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". أو كما قال انجلز في هذا الشأن: "إن نظريتنا (أي الاشتراكية العلمية) ليست عقيدة يجب أن تحفظ عن ظهر قلب وتكرر بشكل آلي، بل دليل عمل، نظرية للتطور، عرض لمسلسل تطوري يشمل عدة مراحل..." وكما أكد ذلك محمد عابد الجابري بقوله: "إن بعض الماركسيين في البلدان المتخلفة خاصة، يفهمون الاشتراكية العلمية وبالتالي الماركسية كعقيدة يجب أن يكون لها ما للعقائد المنزلة، في ما أن الماركسية كما وصفها بناة صرحها هي دليل عمل لا اقل ولا أكثر".
2- الاجتهاد: وذلك بالإقرار بعدم امتلاك الحقيقية، واعتبار الأفكار وبرامج الحزب ومبادئه نسبية ويتعلق تطبيقها بالظروف والوضع التاريخي لمرحلة معينة. لذا يقتضي الاجتهاد الانفتاح على النقاش الهادف إلى تطوير إدارة الصراع المجتمعي في شطره الراهن، بما يقدم الحزب وفق الإشكالات التي تواجهه. لذا ينبغي على مستوى الاجتهاد الاهتمام في الدرجة الأولى بالواقع بدل النظرية وفق مقولة "التحليل الملموس للواقع الملموس"، لأن الأفكار والمبادئ تتخطى زمنها، ويبقى تراث الفكر الاشتراكي والإنساني عموما مفتوحا للقراءة والاجتهاد، بل وللتأويل أيضا كما قال لنين وهو يتحدث عن الماركسية بأنها:" نظرية أرست فقط الأحجار الأساسية لعلم يتغير. على الاشتراكيين أن يعمقوها في كل الاتجاهات إذا أرادوا ألا تتجاوزهم الحياة." وكما قال ماركس نفسه حين سئل عن خصائص المجتمع الشيوعي الذي أعلن عنه، حين قال أن المسالة مجرد فرضيات رهينة في النهاية بالبحث العلمي وتطور الواقع الاقتصادي والاجتماعي وليس بعلم الغيب والنبوءة.
3- الممارسة: أي أن الانتقال إلى الاشتراكية لا يتأتى عبر التبني فقط للفكر الاشتراكي والشعارات التقدمية والنوايا الحسنة، ولكن كذلك وأساسا، بالتجسيد العملي لذلك الفكر و لتلك الشعارات في الممارسة العملية انطلاقا من الواقع المحلي بكل تنويعاته الدينية العربية والامازيغية... وارتباطا بالتراث الثقافي والمحيط والتعبير عن الهموم والحاجات الحقيقية للشعب المغربي والوطن. وبالتالي فان التحدي لا يكمن في التشبث اللاهوتي بالتسميات : (الماركسية، اليسار، الاشتراكية... وما شابه ذلك.) ولا التهافت على تأسيس التيارات أو إنتاج أفضل الأفكار والنظريات أو تسطير أجود البرامج وارفع المطالب، ولكن التحدي الحقيقي هو في القدرة على ترجمة كل ذلك إلى عمل، إلى حركة سياسية يكون من شانها عمليا، خلق ظروف ملائمة لتطور الإنسان وتقدم المجتمع، وتجسد في النهاية مبادئ الفكر الاشتراكي على ارض الواقع. وهو ما لن يتأتى بدون تغيير طرق التفكير والمراجعة الشاملة للممارسة السياسية قصد الخروج من المفاهيم والممارسات السياسية التقليدية، وكذا بدون ربط الممارسة السياسية بالخيارات الفكرية والأهداف الإستراتيجية وتطابقها.
4- الفلسفة والمنهج: حيث ينبني تصور الحزب للمجتمع البديل (المجتمع الاشتراكي) على أسس نظرية ومنهج لفهم القوانين المتحكمة في تطور المجتمع، من منظور التماسك المادي بين الحياة الاجتماعية والجدل كعلم للتطور ونظرية النضال الطبقي، ومن ثمة تشكل المادية التاريخية والمادية الجدلية مرجعية ومبادئ الفكر الاشتراكي الذي يتبناه الحزب. حيث تسلح المادية التاريخية الحزب بمعرفة القوانين الموضوعية لتحليل الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتكشف الأساس المادي للحياة الاجتماعية والقوانين التي تحكم تطورها. على اعتبار أن أي نشاط إنساني وراءه دوافع مادية، وأن العملية التاريخية الاجتماعية تحددها عوامل مادية.
أما المادية الجدلية فتشكل الأساس الفلسفي لبرنامج الحزب وإستراتيجيته وتكتيكاته وكل أنواع نشاطه، وهنا يمكن الحديث عن جدلية الأفكار والممارسة العملية، حيث تأتي الأفكار من تلك الممارسة، أي أن الوجود يحدد الوعي، كما يتم توظيف تلك الأفكار بشكل عام في ارتباط بما تطرحه الممارسة من إشكالات، وبعبارة أخرى، ربط المعرفة بالوجود بالعالم الموضوعي الذي يتطور عن طريق قانون التناقض، ولأسباب كامنة في ذلك العالم وليس بفعل قوة تتجاوز الطبيعة. وعلى مستوى آخر، يتعلق الأمر في هذا السياق كذلك بجدلية العلاقة بين الممارسة الديمقراطية داخل الحزب والهدف الاستراتيجي، والتي بدونها لن يتحقق بناء المجتمع الاشتراكي المنشود.
II- الاختيار الديمقراطي كأساس لبناء الاشتراكية:
وهنا وجب التأكيد على أن الديمقراطية خيار استراتيجي وليس أداة تكتيكية للاستيلاء على السلطة، حيث يجب النظر إليها والتفكير فيها، كمكتسب للإنسانية بفضل نضالات القوى الاشتراكية عكس القوى الرأسمالية التي تحد من اتساعها، بل إلغائها في ظروف معينة، كما هو الشأن زمن الفاشية والنازية... وأن الديمقراطية ليست ذات بعد واحد، بل خيار ديمقراطي في كل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث سيادة سلطة الشعب وفصل السلط وسمو القانون واحترام حقوق الإنسان ومساواة المواطنين في أحوالهم وأوضاعهم المادية والمعنوية... كما أن الديمقراطية والاشتراكية متلازمتان، فالبناء الاشتراكي ليس مشروعا مؤجلا، بل إنه يتأسس يوميا من خلال سيرورة الاختيار الديمقراطي. وبناء على هذا، يمكن القول أن الممارسة الفعلية للبلدان التي فشلت فيها الاشتراكية لم تكن تتفق مع المشروع الاشتراكي لغياب الديمقراطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يتم الاحتكار الشمولي للحزب الواحد وإلغاء التعددية، وخنق الحريات وعبادة الشخصية... الشيء الذي أثر سلبا على صورة ومصير الاشتراكية في العالم.
وارتباطا بخيار الحزب الاشتراكي الموحد، فالديمقراطية المنشودة على مستوى المجتمع، يقتضي الأمر إشاعتها وسط التنظيم الحزبي، لأن الديمقراطية غاية ووسيلة في آن واحد. وما تبني خيار التيارات داخل الحزب إلا بعدا من الأبعاد التنظيمية لترجمة الديمقراطية على المستوى الداخلي كمسألة مقدسة. فالتيارات هي أدوات ديمقراطية تساهم في تحقيق الهدف الاستراتيجي للحزب، ألا وهو بناء المجتمع الاشتراكي الديمقراطي والذي لن يتحقق كذلك خارج إشراك الشعب في النقاش الداخلي للحزب بكل شفافية. ولضمان ذلك وجب خلق الفضاء الديمقراطي داخل الحزب المستوعب لاشتغالات التيارات والجاعل من صراعاتها إضافة ايجابية ومن اختلافاتها قوة تطارحية في اتجاه تطوير مفهوم الاشتراكية في أبعادها النضالية والإنسانية... كما تقتضي الديمقراطية الداخلية الامتثال للقواعد الديمقراطية المتفق عليها ديمقراطيا بشكل تشاركي مع مراعاة كافة المواقف والآراء المعبر عنها، وضمان حق جميع التيارات في التمثيل داخل الأجهزة والتداول على المسؤولية، بعيدا عن أية ديكتاتورية طليعية أو توجيه من قيادة تسلطية مزعومة، عملا بهذه الجملة الرائعة التي وردت في رسالة وجهها برودون إلى ماركس، ولو أنها جاءت في سياق أخر حيث قال له: " علينا أن لا نجعل من أنفسنا زعماء لتعصب جديد ومبشرين بدين جديد حتى ولو كان دين العقل ودين المنطق، لنقبل جميع الاعتراضات ونشجعها ولنشجب كل تقوقع وكل صوفية..."
III- تمثل هوية الشعب المغربي، بجميع مكوناتها الأمازيغية، الدينية والعربية المندمجة.
فالحزب الاشتراكي الموحد ذي هوية يسارية تجعل منه حزبا مكافحا من اجل سيادة العدالة الاجتماعية والديمقراطية وبناء المجتمع الاشتراكي، وذي هوية حداثية متمثلة في تشبعه بقيم التنوير والعقلانية وتمسكه بالمساواة بين الرجل والمرأة وعدم اعتبار قضايا هذه الأخيرة خارج الحقل السياسي. كما أنه متمثل لهويته الأمازيغية كذلك، بدفاعه عن الحقوق الثقافية للمكون الأمازيغي من منظور ديمقراطي تقدمي، عن طريق دسترة الأمازيغية، وتعميم تدريسها، ورد الاعتبار للغة والثقافة الامازيغيتين في صياغة المنظومة التعليمية والتربوية، ولما لا، تمكين المجال الأمازيغي من تدبير شؤونه العامة، وتحويل اللغة الأمازيغية إلى وسيلة للتعبير الرسمي في تعايش وتفاعل مع اللغة العربية.
أما عن الهوية في ارتباطها بالدين، والإسلام تحديدا، فالحزب الاشتراكي الموحد يرى أنه من الضروري حل المسألة الدينية، وتدبيرها بشكل يؤصل مفهوم العلمانية في الثقافة المغربية، وذلك من خلال الاعتراف بأن ما يشكل الانتماء الهوياتي ولحمة الشعب المغربي، هو انتماؤه لهذه الأرض ولإنسانها، وما ارتضاه كنظام لهذه الأرض ولما توافقت عليه مكوناته في إطار من حرية التفكير والاعتقاد حقوقا ومسؤوليات، فهذا الشعب هو مغربي، مغاربي، أمازيغي، إفريقي وعربي قبل أن يكون مسلما أو يهوديا أو من عبدة الأوثان... فمن هذا المنظور التقدمي لمفهوم فصل الدين عن الدولة، لن يبقى أي مجال لأي كان للاعتداء على مجال السياسة، باعتبار أن الدين هو وحي من الله، أما السياسية فهي شان من صنع البشر. وبدون هذا الفصل لن يكون للسياسة أي معنى ولا لفصل السلط كذلك. وبالفصل بينهما ستتم إزاحة البساط من تحت أقدام الإسلام الحزبي الذي يعمل على تسييس الدين وتديين السياسة من أجل الانقضاض على السلطة لممارسة حكم البشر على البشر باسم الدين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-