الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تولستوي... والنبي محمد

عبد الحسين شعبان

2024 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تُعتبر رواية "الحرب والسلم"، للأديب والفيلسوف الروسي ليو تولستوي (1828 - 1910)، الرواية الأكثر شهرة وانتشارًا، والتي شاهدنا فيلمًا مقتبسًا عنها في ستينيات القرن الماضي، من بطولة أودري هيبورن و هنري فوندا، ومن إخراج فكتور كينغ، لكن آراءه بخصوص النبي محمد (ص)، لم تكن قد اشتهرت، إلّا في العقود الخمسة المنصرمة، وإن كان كتابه "حِكَم النبي محمد" قد نشر قبل ذلك بفترة طويلة، وترجمه سليم قبعين إلى اللغة العربية في العام 1912 (مطبعة التقدم - مصر).
وكان مالك منصور، حفيد محمد عبده مفتي الديار المصرية وأحد أركان حركة الإصلاح الديني منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، قد أشار إلى أن متحف تولستوي يحتوي على رسالتين متبادلتين بينهما، علمًا بأن تولستوي كان قد وجّه رسالةً إلى عبده أبدى فيها رغبته في تأليف كتاب عن النبي محمد (ص)، وطلب منه مساعدته في جمع الأحاديث الشريفة وتدقيقها، والتي تُعدّ من كَلِمْ النبي، لاعتقاده إن أحاديث النبي ومواعظه وحِكَمِه، هي ما يحتاجه بني البشر، بغضّ النظر عن دينهم وملّتهم، لأن الأنبياء هم ملك للبشرية جمعاء.
وقد شجّع الشيخ محمد عبده تولستوي على ذلك، دون النظر إلى أنه من دين آخر، وقال يكفي أن يكتب تولستوي، أديب روسيا، وأعظم كتابها عن النبي (ص). وبالفعل فقد جمع تولستوي في كتابه نحو 600 حديثًا من أحاديث الرسول الكريم، وضمّها في باقة ملوّنة ومتنوّعة، تُمثّل القيم الإنسانية السامية.
وكان تولستوي قد أبدى انبهاره بالنبي محمد (ص)، واعتبره من كبار المصلحين في التاريخ، الذين خدموا البشرية خدمةً جليلةً، ويكفيه شرفًا أنه هدى أمةً برمّتها إلى الحق، وجعلها تجنح إلى السلام وتجد طريقها إلى المدنية والتقدم.
ويعود سبب اهتمام تولستوي بالسيرة المعطرّة للرسول الكريم، هو انهمامه بقضايا الخير والشر والدين والأخلاق، وانفتاحه على الثقافات العالمية بحثًا عن القيم الإنسانية، حيث كان قد تعرّف على الأدب العربي، وأراد الاستزادة من الإسلام ورسالته الإنسانية لتعميق جوهر ثقافته، بالاطلاع على فلسفة النبي محمد ورؤيته الاجتماعية.
وكان قد قرأ منذ وقت مبكّر حكايات "علاء الدين والمصباح السحري" و"ألف ليلة وليلة" و"علي بابا والأربعون حرامي" و"قمر الزمان بن الملك شهرمان"، وقد أشار إلى ما تركته الحكايتان الأخيرتان في نفسه من أثر كبير، وهو لم يبلغ الرابعة عشر من عمره، ولغرض إشباع رغبته بالتعرف على نفائس الأدب العربي، اتّجه لدراسة اللغتين العربية والتركية في كلية الدراسات الشرقية بجامعة قازان (كازان) الروسية (1844)، لكنه لم يستمر في الدراسة، التي لم تعجبه فيها طريقة التدريس العقيمة، كما قال.
لقد دافع تولستوي عن الإسلام وقيمه السمحاء، رادًّا على الاتهامات التي كانت توجّه إليه وإلى نبيّه، والتي كان يتم ترويجها من جانب "جمعيات المبشّرين"، ولذلك اتّجه إلى تأليف كتابه المذكور، وفي مقدمته ذات البُعد الإنساني كتب قائلًا: إن تعاليم الشريعة الإسلامية لا تقل في شيء عن تعاليم الديانة المسيحية. وبهذا المعنى أراد تولستوي أن يؤكّد أن قيم الأديان مشتركة ومتقاربة، وأن رسالة النبي محمد (ص) هي امتداد لرسالة النبيين موسى وعيسى عليهما السلام، وهو ما يؤكّده القرآن الكريم.
كما اعترف تولستوي بمكارم أخلاق الصحابة وزهدهم وطهارة سيرتهم واستقامتهم ونزاهتهم، مشيرًا إلى أن من فضيلة المسلمين أن دينهم أوصى خيرًا بالمسيحيين واليهود، وكتب ذلك في مقدمته الجليلة عن حِكَم الرسول، وربما قصد بذلك صحيفة المدينة، التي سنّها الرسول بعد هجرته من مكّة إلى يثرب (المدينة المنورة).
وتُعتبر تلك بمثابة نواة لفكرة المواطنة في الدولة العصرية، وإن كانت بصورة جنينية، ومن أهم الحكم التي تأثر بها هي "لا يؤمن أحدكم حتى ليحب لأخيه ما يحب لنفسه"، بمعنى إيمانه بالمشترك الإنساني الجامع لبني البشر.
اتفق تولستوي ومحمد عبده أن الدين والإنسان يشكلان أساس الحياة، وأن قيمة الإنسان لا يمكن تقديرها بأي ثمن، ووظيفة الدين هي النهوض بالإنسان وعقله، كي يبني الحياة ويعيش بسلام.
وجاء في رسالة محمد عبده المؤرخة في 8 نيسان / أبريل 1904، أي قبل 6 سنوات على رحيل تولستوي 1910 ، مخاطبًا إياه: "أيها الحكيم الجليل، لم نحظ بمعرفة شخصك، ولكن لم نُحرم التعارف بروحك، فقد سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك آلفت بين نفوس العقلاء ونفسك...".
وردّ تولستوي عليه بخطاب رقيق قال فيه: أيها الصديق العزيز، إن خطابك أدخل في نفسي عظيم السرور، حين جعلني على تواصل مع رجل مستنير، وإن يكن من أصل ملّة غير الملّة التي ولدت عليها وربيت في أحضانها، فإن دينك وديني سواء، وإن كانت المعتقدات مختلفة، وهي كثيرة، ولكن لا يوجد إلّا دين واحد هو الصحيح... وكلّما نزعت المعتقدات إلى البساطة وخلصت من الشوائب، اقتربت من الهدف المثالي الذي تسعى الإنسانية إليه، وهو اتحاد الناس جميعًا.
الرسالة الأخلاقية التي تمسّك بها تولستوي في أعماله الإبداعية، هي التي كانت وراء قناعاته بالمشترك الإنساني للأديان وفي بحثه عن السلام واللّاعنف والتسامح، بما فيها مراسلاته مع المهاتما غاندي، وهذه الرسالة هي التجسيد العملي لقول الرسول الكريم: إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وحين سئل من أحب عباد الله إلى الله، قال: "أحسنهم خلقًا" و"خالق الناس بخلق حسن". ورُوي عن الحسن عن أبي الحسن عن جدّ الحسن، "أحسن الحُسن الخلق الحسن".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - معقولة ؟
فارس الكيخوه ( 2024 / 4 / 17 - 17:01 )
السيد الكاتب.تحياتي.معقولة ؟ لماذا لم يعطي لتولستوي حديثا صحيحاً ومتفق عليه..أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحق الإسلام- ما اجمل هذا الحديث وما انفعه للبشرية جمعاء....!عن أي سلم تتحدث وعن اي مدنية وتقدم تتحدث ؟ عجيب وغريب من كاتب يأتي هنا ليكتب لنا ويجمل عن دين سلب وسبي وقتل أجداده ؟؟؟؟؟في اي كتب تقرارؤن؟؟؟؟؟؟؟؟


2 - مراجعات أم اضطراب هوية ثقافية ؟ 1
محمد بن زكري ( 2024 / 4 / 19 - 17:45 )
عندما يتحول الماركسي إلى ليبرالي ، قد يكون أشد خصاما للاشتراكية من تيار مدرسة شيكاغو للاقتصاد . وعندما يتوب إلى الإسلام ، قد يكون أشد قربا إلى تيار السلفية الإسلامية . وغالبا ما يحدث ذلك مع التقدم بالسن !
وفي تعريف بكاتب المقالة في الويكيبيديا ، نقرا أنه كان قد انتمى للحزب الشيوعي . فإذا به في هذه المقالة مسلمٌ قد حَسُن إسلامه !
يقول الكاتب : وبالفعل فقد جمع تولستوي في كتابه نحو 600 حديثً من أحاديث [الرسول الكريم] ، وضمّها في باقة ملوّنة ومتنوّعة ، تُمثّل [القيم الإنسانية السامية] !
فهل يعتقد حقا بسردية الرسالة التي نقلها السفير الإلهي جبريل ، من الله كليّ القدرة المتربع على عرشه فوق السماء السابعة ، إلى رجل من قبيلة قريش في قرية مجهولة بالصحراء على كوكب الأرض ؟!
وأين هي القيم السامية ، في شريعة ملك اليمين من العبيد والإماء وسبي النساء وهتك أعراضهن وتعدد الزوجات وامرأة مؤمنه وهبت نفسها للنبي وقطع الرؤوس وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والصلب وجائزة الحوريات ؟!
ثم ما قول الكاتب في أحاديث : ’’اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم‘‘ و ’’نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر‘‘ و ’’أُمِرتُ أن أقاتل ..


3 - مراجعات أم اضطراب هوية ثقافية ؟ 2
محمد بن زكري ( 2024 / 4 / 19 - 17:48 )
و ’’أُمِرتُ أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ... فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم‘‘ ؟
ويقول : ويكفيه {محمد} شرفًا أنه [هدى أمةً برمّتها إلى الحق ، وجعلها تجنح إلى السلام]
فأية (أمة) تلك التي هداها النبي محمد إلى (الحق) ؟ وهل هو يقصد أكذوبة (الأمة العربية) أم فرية (الأمة الإسلامية) ؟
وهل يقصد أن ’’فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ‘‘ ، هو هداية إلى الحق ؟
وهل يرى الكاتب أن (السلام) ، هو غزو الأوطان والعدوان على الناس الآمنين في ديارهم وقتل الذكور وسبي الإناث ونهب الأموال والاستيلاء على الأملاك ؟ ألم يقرأ عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الغزاة المسلمون في بلاد شمال أفريقيا واسبانيا .. وغيرها ، غدرا وعدوانا ؟
ويقول : ويعود سبب اهتمام تولستوي [بالسيرة المعطرّة للرسول الكريم] ، هو انهمامه بقضايا الخير والشر والدين والأخلاق] .
فهل يعني الكاتب بالسيرة المعطرة ، قتل الأسرى في غزوة بدر (النضر بن الحارث وعقبة بن ابي معيط) ، واستثناء ..


4 - مراجعات أم اضطراب هوية ثقافية ؟ 3
محمد بن زكري ( 2024 / 4 / 19 - 17:50 )
واستثناء صهره سعيد بن العاص من الفدية ، واستثناء عمه العباس من سوء معاملة الأسرى ؟ وهل يعتبر مذبحة بني قريظة ، والسطو المسلح على أملاك وأموال بني النظير ، وسبي نسائهم (واغتصاب صفية) .. سيرة معطرة ؟
ويقول الكاتب : كما اعترف تولستوي [بمكارم أخلاق الصحابة وزهدهم وطهارة سيرتهم واستقامتهم ونزاهتهم] !
فهل يقصد أن ما قام به الخليفة أبوبكر من حرق الفجاءة السلمي (حيا) ، هو من مكارم الأخلاق ؟ وأن ما قام به الصحابي خالد بن الوليد من شوي رأس الصحابي مالك بن نويرة ، واغتصاب امرأته ، هو من مكارم الأخلاق ؟ وهل يقصد أن قناطير الذهب وملايين الدنانير والدراهم التي خلّفها عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وعمرو بن العاص وغيرهم من الصحابة ، هي من قبيل الزهد والاستقامة والنزاهة والطهارة ؟! وأية مكارم أخلاق وطهارة لقُطّاع الطرق المعتدين الغزاة القتلة ؟
حاشية : يلاحظ أن كثيرا من الشيوعيين السابقين ذوي الأصول الإسلامية ، عندما تتقدم بهم السن ، يعتزلون الشيوعية ؛ فمنهم من يتحول إلى أقصى اليمين الليبرالي ، ومنهم من ينتكس إلى السلفية الإسلامية ، حتى إن الأمر يكاد أن يكون ظاهرة ثقافية تستدعي الدراسة والتفسير


5 - قديم يتجدد بتجدد سيطرة فكر طبقة بورجوازية كولونيال
حميد فكري ( 2024 / 4 / 21 - 02:35 )
هي النتيجة الطبيعية ، لتحول الشخص من فكر مادي جدلي تاريخي ،الى فكر ميثالي ديني سطحي ، وإن كان بنفحة ليبرالية براقة، هي في النهاية ،لا تأتي بجديد ، بل قديم يتجدد بتجدد سيطرة فكر طبقة بورجوازية كولونيالية متخلفة ، يؤكد عجزها التاريخي ، في أن تتخطى أزمتها البنيوية المتجددة.

اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي