الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحول الدين من ظاهرة إلى مظاهرة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 4 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين حينما يتحول إلى تراث فكري ومجرد تراكم أفكار وتجارب بشرية محضة يخرج من دائرة الفعل الأخلاقي القيمي، ليتحول إلى أداة أجتماعية وسلطوية تستخدم لقمع الإنسان الحر الطبيعي وتمسخه إلى كائن منسلخ عن وجوديته الحقيقية، وبذلك يفقد هذا الدين التحول صلته بالمنبع الأول وقيم وجوهر نشأته، فلم يعد الدين نصيرا للفقراء والمظلومين وأهل الحق وتنتزع منه روح الرحمة والإحسان والعمل الصالح، ما نجده اليوم في كل الديانات على مختلف مناشئها وأشكالها وتوجهات قادتها لا يدل على أنها لها صلة أكيدة ومباشرة مع الديان، اليوم أيضا نجد أن التدين والإيمان بالأديان خرج من طور العقلانية الطبيعية المبنية على حق الحرية وحرية الحق في الخيار البشري في سلوك الطرق الحياتية المناسبة، وترك الأمر في النهاية لسلطة الرب أو الإله الخالق ليقرر مصير الإنسان في نهاية العلاقة بينهما، هذا الخروج لم يولد فقط عنفا وكراهية بين الناس بل أيضا ولد كراهية خفية للدين، ومن ثم إلقاء اللوم على الله في أنه سن أديان تسمح لمعتنقيها أن يكونا أكثر كرها للإنسان من عدوه التقليدي إبليس.
فقد كانت كل الأديان عندما مارست ثورة القيم والمثل العليا لم تمارس العنف والتطرف والقسوة التي هي من أساسيات أدوات بناء الظلم والكراهية في المجتمع الإنساني، الديانات البوذية والهندوسية والمجوسية وديانات العراق القديمة التي قبل إبراهيم الخليل لم تكن تدعوا للعنف، ولكنها تدعوا الإنسان للخلاص من شعوره بالتعالي على الغير حتى لو كان حيوانا، لقد أعاد الدين بثوراته الأعتبار للذات الإنسانية وحض على فكرة أن الإنسان واحد لا يختلف فيه الجوهر باللون أو الشكل أو حتى في علاقته مع الديان، هذه هي فلسفة الإسلام كثورة وكفكرة أنطلقت من مقولة كلكم من آدم وآدم من تراب، هذه الثورة التي جمعت كل تجارب التحرر التاريخية وصاغتها في منظومة فكرية ترى في الإنسان محور الوجود، والذي يجب أن يكون مؤمنا بحقه في الحياة حتى دون تدخل الرب، إذا أيقن وتعقل أن خياره أفضل من خيار الرب.
الإيمان بالله وبالدين وبأشياء أخرى قضية خاصة لا تتعدى العقل الفردي واليقين الشخصي كمبدأ عام لا يجوز أن يتحول هذا الإيمان عن مساره الطبيعي، وكل إنسان بالطبيعية الجوهرية للدين كونه (كونه ظاهرة عامة حاضرة في التاريخ الإنساني كله)، فيكون وفقا لهذا التعريف الواسع من أن المؤمن والمتدين ومن لا يؤمن ولا يتدين غير ملزم أن يبرر لأحد أو يشرح لمتسائل عنها ولماذا أتخذ هذا الموقف أو ذاك، لأن الدين أصلا هو من حدد آلية السؤال والمسائلة والكيفية والأختصاص والوقت، أما علاقة الإنسان بالإنسان وبالأخر وبالمنطق العقلي تحتاج لترجمة وصدق في التجسيد وإخلاص في ما نؤمن به أو لا نؤمن، ولأننا معرضون دائما لمثل هذا السؤال ومطلوب منا تبرير كل تصرف بموجبها ينبع من كون أنها علاقة ظاهرية مادية ومعنوية متعددة الأطراف ومتشعبة بالنتائج، وحتى يكون الإنسان إنسانا طبيعيا عليه أولا أن يحترم قانون الطبيعة وأحكام الظاهرة التأريخية الإنسانية من عمقها الجوهري لا من شكليات محدثة ألصفت به وشوشت مبدأ الدين، والذي يرسم حدود الأنا ومن دون مزاحمة ولا تعد ولا طغيان من أحد لأحد.
من نتائج تحول الدين من محرك دائم للحركة وقيادة الإنسان نحو الفضيلة بما يقدم من عوامل دفع وتشجيع إلى مجرد تراث تقليدي نسير عليه وبه بالمسلمات والبديهيات دون فحص ومراجعة، هو أيمانك الواهم بما تعتقده على أنك الأقرب إلى الله من غيرك، وأنك الأصلح لوحدك لتمثيل مبادئ السماء وقيمها وقوانينها دون غيرك من البشر، ولا يستوجب عليك أن تكون أكثر قربا من الإنسان كل الإنسان خارج المسميات الخاصة، ولا أشد حرصا على الوجود الإنساني من العبث به أو التعدي عليه لأنك تتبع تضخمات الأنا المريضة بداء العظمة، هنا يكون موقعك وموقفك الحقيقي ليس فقط كم الله والدين والوجود هو سعيك لأن تفسد في الأرض بعد إصلاحها، لأن الحال لا يعجبك أولا يتوافق مع فهمك والقيم التي أستلمتها من كان قبلك دون أن تكسبها من تجربة عقلية أو أجتهاد في البحث عن موقف ما، التراث قد يخدع البعض ممن عقولهم ما زالت تحبو على إيقاع كلماته وأفكاره ولكها لا تخدع الله أبدا، إذا كن ما تكون الحساب ما زال يروي كل حركاتك وسكناتك ولا يغادر أي جزئية مهما تصاغرت، ولا تغتر بصمت الله عنك فصمته يعقبه انتقام رهيب وويل للمنذرين.
إن أخطر ما يمكن أن يمر على الإنسان أو ما مر، هي عملية تحول القيم الدينية ووضعها في قوالب جامدة لا يمكنها أن تتحرك مع تحرك الإنسان فردا أو مجتمعا، فكلما مر عليه الزم صار عبء ثقيل حتى يصل لدرجة منع الإنسان من الحركة وتقيده بأفكار ونظريات ورؤى لا تنتمي لا لزمانها ولا لمكانها، وهنا يقع الإنسان ضحية والدين ضحية وينسب المظلوم مظلوميته لغير الجهة الحقيقية فيتجرأ على ما علاقة له بما حدث، هذا الوهم أو لنقل هذا الفهم الخاطئ لدور الدين كرسه المعبد المتزمت، المعبد الذي لا يعرف الله وإن وجد أصلا وتكلم وتحرك وهو يدعي أنه يمثل الله، فالله ليس إدعاء بل حضور مطلق وفعل مستمر وإرادة لا يمكن تجيرها لأحد، لكن أيضا الله قد ترك الدين في حياة الإنسان مثل حكمة إن تقلدها وعمل بها فقد كسب النجاح دون أن يتكلف شيئا سوى أنه أستخدم عقله للاستدلال على الطريق الصحيح وأتباع الحكمة ومرادها الخاص والعام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب