الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين المؤمن والملحد

محمد يعقوب الهنداوي

2024 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أيها المؤمن المنكود: إذا كنت لا تمتلك حرية التفكير والاختيار وتبديل عقيدتك فلا قيمة لإيمانك على الإطلاق إذ لا دور لك فيه!

المؤمن، بنظري وفي محاولة لتكثيف المعنى واختزال الكلمات، هو:

الشخص المتوافق مع المؤسسة الدينية وتبليغاتها وعقائدها وافكارها ودعواتها والملتزم بطقوسها وممارساتها والمطيع لتشريعاتها وأعرافها وقواعدها وممنوعاتها ومسموحاتها وما تفرضه على اتباعها من ضرائب (مادية ومعنوية) وشروط والتزامات وقيود واعتبارات!

وكما ان المؤسسة الدينية ابنة ونتاج بيئتها ومجتمعها وارثها التاريخي والثقافي والاقتصادي والمجتمعي، فمن الطبيعي كذلك أن يكون المؤمن بها مرتبطا تلقائيا بذلك كله.

والعامل الأهم والاكثر حسما وجوهرية هو ان المؤسسة الدينية مرتبطة بالحاكم (أو الفئة أو الطبقة او الشريحة او الجماعة الحاكمة) وتشاركها معظم، ان لم يكن جميع، مصالحها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وخصوصا في المجتمعات التي تستمر فيها السلطات العائلية او القبلية لفترات طويلة نسبيا، كما هو الحال في الدول الاسلامية المعروفة (الأموية والعباسية والفاطمية والمملوكية والعثمانية والوهابية وما شابه) وكذلك معظم الأنظمة التي تحكم حالبا في البلدان الاسلامية المنكوبة شعوبها بهم!

وأول شروط التماهي والتداخل والانسجام بين مصالح الطرفين، (المؤسسة الدينية) و(المؤسسة السلطوية)، هو قدسية كرسي الحكم وشرعية الحاكم، وبالتالي شرعية تشريعاته وممارساته وفرماناته وضرائبه وامتيازاته ومصالح وامتيازات أسرته وحاشيته!

أي ان المؤسسة الدينية هي، بصفة او أخرى، الوجه الآخر المكمل للسلطة السياسية بكل ما تعنيه وتشمله وتفعله، وهي الوجه الآخر والشريك الفعلي والمدافع الأمين عن الظلم والتسلط والاستبداد الذي تمارسه سلطات الحكم المطلق التي تشيع في البلدان التي تهيمن عليها المؤسسة الدينية.

ومن هنا يكتسب (المؤمن) تعريفه، فهو ذلك الكائن المرتبط بالمؤسستين الدينية والسلطوية في مجتمع معين والمتوافق معهما والموافق والمساند والمدافع عن كل ما تقررانه وتفعلانه، والقتل والقتال والتضحية بكل ما يملك (وما لا يملك مثل مصائر أطفاله ومصالحهم ومستقبلهم) والموت دفاعا عنهما دون تساؤل او تردد، بل يطيع طاعة مطلقة، وجزاؤه يوم القيامة بتزكية وضمانة وتصديق ومباركة المؤسسة الدينية!

ومن نافل القول أن ذلك يعني قبول واقتناع وتقديس الفرد (المؤمن) لكل ما يصدر عن المؤسسة الدينية من مقولات وتبليغات وعقائد وخرافات وقوانين وأعراف وتشريعات وخصوصا ما يخص شؤون الثروة والسلطة والجنس وسلوكيات المؤمن ليس في المجتمع وحسب، بل وحتى في غرفة نومه ومع زوجته وأفراد أسرته ومن يشاركه أسرار بيته، وكما يقول احد الشعراء (تدخل بين الانسان وثوب النوم وزوجته!)

ولأن أهم ما يهم رجال المؤسسة الدينية هو الجنس فسيكون الجنس على راس أولويات العبادة وفقا لما يخدم مصلحة القائمين على المؤسسة الدينية والمؤسسة السلطوية على السواء!

وانطلاقا من هنا، فالمؤمن لا علاقة له بأية قوة غيبية أو إله او سلطة فوقية لأن المؤسسة الدينية هي التي تتولى ذلك وهي التي تنظم كل شيء نيابة عنه وما عليه سوى الطاعة: طاعتها وطاعة القائمين عليها - وكلاء وممثلو الله على الأرض!

أي ان المؤمن ليس من مهامه وواجباته ومتطلبات دينه (أن يفكر) أصلا، بل العكس هو الصحيح، اي ليس من حقه أن يفكر، فالتزامه بعقيدته يوجب عليه ألا يفكر على الاطلاق وفق مبدا (لا تفكر لها مدبر) فثمة من يفكر عنه اذا تطلب الأمر أي تفكير!

والمؤمن كذلك، ليس معنيا ولا يهمه اثبات وجود الله أو نشأة الكون او ظواهر الطبيعة وتفسيراتها وأسباب الكوارث والمصائب والأمراض والزلازل والبراكين وأسبابها وكيفية التحكم بها وتقليل أضرارها أو تطوير العلوم والمساهمة في تقدم البشرية، قدر ما يهمه اثبات صحة عقيدته وطائفته ومذهبه وزمرته وعصبيته القومية والقبلية، فهذه كلها تقررها له المؤسسة الدينية التي يتبعها، والتي عليه اثبات ولائه المطلق والدائم لها والاستماتة دفاعا عنها وبلا ادنى مساءلة، وهذه كلها موروثة بحكم الولادة والنشأة في بيئة وتحت اشراف المؤسسة الدينية المعنية،

وخذ الشيعي مثلا، فهو لا يعنيه اثبات وجود الله، الذي أبلغته مؤسسته الدينية وأكدت له أنه موجود، بل يصر على ان الله لن يكون ولا يمكن أن يكون الا ذلك الموافق لأمزجة ومصالح وخيالات طائفته وقدسية ومعصومية رموزه وخصوصا قدسية ومعصومية علي بن ابي طالب وسلالته والمتحدرين منه والمحسوبين عليه، وأن يكون مقتنعا بأن الله لم يخلق الكون بكل ما فيه إلا:

لأجل فاطمة وبنيها وبعلها وأبيها!

أما اذا كان (مثلا) من الطائفة المضادة أو يقف الى جانب الطرف الآخر (معاوية ويزيد وعثمان وعمر وعائشة وأبيها ومن حالفهم ووالاهم) فمن الخير له ألا يكون موجودا أصلا في المجتمع الشيعي!

والعكس صحيح!

ويمكن طبعا، وكتحصيل حاصل، توسيع ذلك التعريف ليشمل كافة طوائف ومذاهب وفروع واشتات الإسلام واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية وغيرها من الأديان! فلكلّ سيده الأرضي المتمثل بمؤسسته الدينية التي هو عبد لها وهي التي تقوم بالتفكير نيابة عنه، بينما هو عليه الطاعة والعبادة والامتثال والتبعية العمياء!

* * *

والمؤمن، على هذا الأساس لا يفكر ولا يتحمل مسؤولية قراراته وولاءاته وانحيازاته أمام الله وأمام الناس لأن شفعاءه الدينيين هم من يتولى ذلك عنه، على عكس الملحد الذي يفكر ويتحمل مسؤولية تفكيره ووعيه واختياراته، فهو لا شفيع له يوم القيامة!

وأشدد على ان المؤمن هو:

تابع مطيع أعمى أبكم أصم، يعطي الأولوية للنقل على العقل ويتبع مؤسسته الدينية في ايمانه المطلق واصراره على قدسية وعصمة وقدسية الموروث بكل تفاصيله وخرافاته ومعطياته وخوارقه ومعجزاته ورموزه وعدم جواز المساس بها، ورفض التجديد فيها بل وحتى منع التفكير بأي من تفاصيلها لأنه يقود الى التشكيك، والشك طريق جهنم، وطبعا ممنوع عليه حرية الانتقائية والاختيار ناهيكم عن تبديل الدين (فمن بدّل دينه اقتلوه!)

أما (الملحد)، واستخدم هذه المفردة بعموميتها تجاوزا هنا، فهو الشخص الذي يتمرد على كل ذلك ويرفضه ويمارس ما يناقضه وفقا لما يمليه عليه عقله وقناعاته واجتهاداته ونتائج تفكره!

وربما يستند ذلك الرفض الى تفكير عميق واجتهادات شخصية، أو دراسة علمية وادراكات واعية واكتشافات فكرية ومعرفية عميقة، أو ربما كان مجرد رفض انفعالي وتمرد عفوي يسنتند الى طبيعة التمرد لدى الكائن البشري،

بل وربما كان تأثرا بتيارات مجتمعية أو آراء قادة فكر أو أدباء وكتابا مشهورين أو شخصيات مؤثرة يجد الفرد آراءها ومواقفها وما تدعو اليه أكثر عقلانية وإنسانية ونقاوة وصدقا ومبدئية (بالنسبة له ولإدراكه) من خرافات المؤسسة الدينية وعفنها ورجعيتها ونفاقها الذي افتضحت به في كل المجتمعات، وبين أتباع جميع الأديان (السماوية) ذات الطابع الغيبي الغالب، كنقيض للأديان الطبيعية البدائية المستندة الى طقوس أقرب الى ظواهر الطبيعة والتناغم معها.

والمهم في شخصية (الملحد)، استنادا الى هذه العناصر، هو التمرد ورفض الموروث وقدسيته وعصمته المزعومة!

وهذا يبرز نقطة جوهرية بالغة الأهمية هنا وعلى مسار الحوارات والصراعات والتطور الإنساني، وهي تستحق التشديد ان:

المؤمن يطيع ويقلد ولا يفكر، ويلقي مسؤولية اختياراته وممارساته وتطبيقات حياته الدينية واليومية على قادته الدينيين، بينما الملحد يفكر ويتحمل مسؤولية تفكيره ووعيه واختياراته!

وشتان ما بين الاثنين!

وفي الحقيقة ليس هناك (ملحد)!

بل ان هذه مفردة من قاموس المؤسسة الدينية يقصد بها الشتيمة والطعن والادانة اخترعها اللاهوتيون لوصم من يرفض خرافاتهم،

فالملحدون، كما يحب هؤلاء أن يصنفونهم بغية عزلهم وشتمهم وادانتهم ونبذهم بالجملة، أفراد لا يجمع بينهم سوى رفض وعدم القبول بالخرافات والأوهام التي يروجها تجار الدين في مجتمعاتهم.

ويتفاوت هؤلاء من المستوى البسيط الساذج الذي لا يتقبل، لأسباب تخص فطرته السليمة البسيطة وتلقائيته، أن تكون هناك قوة علوية خرافبة بكل هذا الجبروت والعظمة المزعومة وأن تكون ظالمة غبية عشوائية لا تدرك ولا تسمع ولا تصغي لعذابات الانسان، كما يراها الفرد الرافض لذلك الظلم وتلك العشوائية، وخاصة حين يتمتع عطارو الدين وباعة الخرافة بما ينهبونه من فقر الفقير واستباحة نساء الجماعة البشرية واستمتاعهم بكل الشهوات ببهيمية جارفة وجشع رهيب،

فماذا سيصنع تجار الدين وعطارو الوهم لهؤلاء؟

ليس أسهل من وصمهم بتهمة قاتلة مريبة كريهة مجتمعيا هي (الالحاد) والسعي الى نبذهم واستباحة دمائهم وما يملكون.

والفرق هائل بين هذا النوع البسيط المنتهك الحقوق من الناس الرافضين لخرافات المؤسسة الدينية وعقم الموروث، وبين العلماء الذين يدركون بحكم وعيهم ومعارفهم وابحاثهم ان الدين هو حفنة أكاذيب وحفلة بهيمية ينصبها المعممون والملالي لأنفسهم على حساب عقول ومصالح الأغلبية،

وهذا هو النوع الأبرز والأهم من المفكرين الرافضين لخرافات المؤسسة الدينية ونفاقها وأكاذيبها، لكنهم ينتمون الى صنف العلماء والمثقفين والمبدعين الذين يمتلكون قدرات أفضل ومناهج فاعلة أكثر للتصدي للمؤسسة الدينية ونفاقها وزيفها.

اذن، فمجرد استخدام مفردة (ملحد) ووصم الناس بها هي جريمة يرتكبها المعممون والملالي وخطباء المنابر بحق المجتمع ووعيه وعقله ومصالحه وسلاامة توجهاته ومستقبله وآفاق تطوره ومصائر ابنائه.

وعليه، فليس من واجب (الملحد)، كما يسمونه، أن يثبت شيئا سوى ان رجل الدين دجال محترف ولص جشع وكائن بهيمي يخدع الناس ويسرق المجتمع كله على جميع المستويات.

أما نقض خرافات رجل الدين فليس من واجبات (الملحد) وتكذيبه واثبات ان ليس هناك شيء في السماء سوى الهباء ولا ينزل منها سوى المطر وفضلات الطيور!

واذا كان تجار الدين يتمتعون بكل هذه السلطات والمزايا والأدوات الرهيبة ماديا ومعنويا وهذه السلطة المرعبة على عقول الناس، فماذا يمتلك (الملحد) البسيط بالمقابل؟

لا شيء في الحقيقة سوى العقل الناصع والوعي السليم والتفكير الصادق والجرأة اللامحدودة والمجازفة بتحدي المؤسسة الدينية وتعريض نفسه للنبذ والنفي والاستفراد والمحاربة الشرسة التي تتضمن القتل الصريح بتهمة الكفر!

وهذا ما يحصل في مجتمعاتنا بوضوح!

فهل ننتظر من (منكر الخرافة) البسيط هذا أن يثبت شيئا في مواجهة مؤسسة الكذب الرهيبة التي اسمها الدين والمذهب والطائفة وسيوفها وقوتها الجمعية بما فيها الأسرة والعشيرة والمقهى ومكان العمل وتصادر حتى أنفاس الحياة؟

فتحية لكل (ملحد) كائن منفرد أعزل بمواجهة مؤسسة الرعب اللاهوتية الكهنوتية التي تختزن قوى تاريخية مرعبة في وعي الملالي وخبثهم وحقارتهم كما تختزن دورها ورعبها التاريخي في عقول البسطاء والسذج الأبرياء من ضحايا هذه المؤسسة على مر التاريخ حتى لم يعد فيهم من يجرؤ على التحدي إلا اذا بلغت به الجرأة الحمقاء حد ركوب صهوة دمه والخروج للقتال بلا درع ولا وقاية!

وبينما يدعو (المؤمن) بكل بلادته الى السلبية والاستسلام للكوارث والمصائب بحجة مصدرها الغيبي، بل وبعض المؤسسات الدينية تحرم حتى العلاجات الطبية مثل التلقيح وزراعة الأعضاء وغسيل الكلى لأن تلك العلاجات تعتبر تمردا على إرادة الخالق، لكن هذا (المؤمن) نفسه يقفز للطائرة ويقصد مستشفيات الغرب للعلاج حتى من عجزه الجنسي ناهيكم عن الأمراض الأكثر استفحالا وخطورة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة ممتازة في الصميم
فارس الكيخوه ( 2024 / 4 / 20 - 17:41 )
سيدي الكاتب تحياتي..يقول الدكتور علي الوردي - انا لا اخاف من ذلك المخلوق الذي لا يؤمن بالله ،بل انا اخاف من ذلك المؤمن الذي يقتل الآخرين من أجل أن يثبت وجود الله -..

اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah