الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجانب الأخر من التاريخ....

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 4 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كثيرا ما نعت التاريخ بانه خادع ومزور وأعتباطي وغير منصف، وأنه مجرد رغبة وشهوة القوي والمنتصر والخ من النعوت التي تقدح به كمعرفة، وكدليل على أنه فعل البشر في الوجود ماضيا وحاضرا وحتى مستقبلا دون على ما فيه حتى بدون منطقية أصولية، وأعتبروا أن التاريخ وجه واحد في معظمة بالحقيقية مؤلم ومنحاز ومقرف، لكن لا أحد تكلم عن الوجه الأخر من التاريخ، الوجه الذي يثير فينا الرغبة بأن الامل ربما من عبره يمكن ان تعي للإنسان بعضا من قدرته على صنع تأريخ أخر، تأريخ يضع خطواتنا في مكانها الصحيح، فنسجل حضورا وفعلا وجوديا لعل من يأت بعدنا يفهم "أن القوة والأنتصار والسلطة قد تكون مجرد فاعل يمكن تجريده من السطوة لصالح وعي الإنسان وقدرته على أن يستعيد التوازن بين مبررات وجوده وقيمة الحركة في الوجود" هذا الأمل نجده في الوجه الأخر من التاريخ وهو موجود ومسجل لكنه غير شائع وغير معروف لأن القوة والسلطة والأنا طمست معالمه.
يقول أحد الفلاسفة التاريخ هو "كنز مدفون في كهف مظلم نرى منه فقط ما يسطع عليه النور"، أما الغالب منه فقد تراكمت الأحداث عليه حتى لم نعد نملك الوقت الكافي لمشاهدة الجزء البعيد عنا، الذي ربما فيه الحقيقة كلها، من عادة الإنسان أن يبرز نجاحاته ولكنه يحاول دفن فشله عميقا وهو قد نال الأثنين معا في يده ومن فعله، فالنجاح الكل تنتسب له وتعلن عنه، لكن طبقات الفشل الكثيرة والمتكررة لا احد يقلبها، والكل تتبرأ منها، مع العلم أنه لولا الفشل لم يسجل الإنسان أي نجاح أو تقدم، هذه حقيقة من حقائق التاريخ، كما انها حقيقة وجودية مدركة ومعلومة لكنها تعاني من التجاهل الدائم.
من خفايا التاريخ المغيب الكثير من الأحداث التي تقرا لليوم بمنطق من كتبها وليس بمنطق الحدوث أو الحقيقة، نراها تهمين على ذاكرة الإنسان دون أن تثير فيه أسئلة وجودية مثل، لماذا حصل كل هذا؟ ما هي المبررات الأخلاقية والعقلية التي تدفع بهذا الأتجاه والنوع من الفعل؟ بل ما هو دور العقل والشعور الإنساني عندما حصلت تفاصيل هذا الحدث؟ كيف لي وأنا أعيش بعيدا عن الحدث وأسبابه ووقائعه أن أجسد شعور الذين شاركوا فيه مطعين مختارين أو مجبرين عليه؟ بل ما هو مبر الغازي مثلا أن يجيش الألاف من الناس لتقتل ألاف أخرى لا يعرفونها، وليست بينهم أي علاقة ضديه أو تناقض مصالح فقط لينتصر القائد الفلاني أو الملك الفلاني ويبسط نفوذه هنا وهناك؟ هذا الجانب السوداوي الذي يسكت عنه تاريخ الوجه الواحد ولا يتكلم عنه أحد، لأن الحاكم الفلاني أو القائد الفلاني برغم من ذهابه منذ مئات بل وألاف السنين ما زال يبسط قوته على عقلنا من خلال شعورنا بالأنتساب للنصر، وعدم شعورنا بألم المغلوب وويلات القهر التي عاناها من فرضت عليه الحرب لتمجيد مبدأ أو تمجيد سلطان.
لقد كان التاريخ في وجهه الغالب المدون عند الكثير حتى من الذين صنفوا أنفسهم دارسي التاريخ كعلم منهجي أكاديمي مجرد ملعبا وملاذاً لترجمة طموحات أنتماء ليس إلا، والهدف منها خلق ثقافة تاريخية تعكس توجهان أنا لا واعية يحركها الأنتساب لفعل الفاعل وليس حكما لمنطق عقلاني باحث عن الحقيقية حتى ولو على نكران الرغبة في أن نساير العقل المتوارث الجمعي، ويحدث هذا عادة فقاً لقواعد متطرّفة وجاهلة منحازة وفيها إصرار على السير في نفس الطريق المعلن في شكوكه وظنيته، فلا علاقة لها بمنهج البحث التاريخي المعروف وأساليب البحث ومناهج الدراسة الأكاديمية، فهذا البعض يقرأ التاريخ لغرض واحد هو إعادة انتاج أحقاده وتمريرها لمآرب خاصة من أجل إفساد العقول وخنقها في هذه الدوامة، دوامة أننا ننتسب للمنتصر حتى لو كان كاذبا قاتلا متوحشا عدوا للإنسانية لأنه يمثل غرورنا ويمثل لإنعكاس وإسقاط لأثار فشلنا وخيبتنا أن نقول للتاريخ قف، وهذا الأمر يستوجب البحث عن آليّات علميّة وعمليّة للخروج من هذه الأزمة الفكرية المزمنة.
هذا الفشل الذي اسميته مزمن وهو بالحقيقة كذلك كان واحدا من مأسي الإنسان وتكرار عملية ظلمه، هنا أتكلم على الإنسان مجرد من السلطة والقوة والذي يكون دائما هو ضحية التأريخ، لقد آن الأوان لوضع نهاية لهذه الأوجاع التاريخية "الأزمة المزمنة"، التي بدأت تنخر في وجه الوجود ممن جسد الحاضر الذي أصبح بفضل حكايات التاريخ رماديا لا يبشر بغد أبيض، سواد الماضي وتأريخه لم يترك لعيون العقل السوي أن ترى حلما، أو حتى أفتراض أن نحلم غدا بحياة طبيعية خالية من الظلم والأستعباد والقهر، فكل ما في التاريخ ذي الوجه الواحد يبشّر بانتشار الحروب والأزمات بين أبناء المجتمع الواحد حتى طالما هنام أنا يسمح لها أن تتمدد ويسمح لها أن تقول كلمتها بكل حرية، ناهيك عن الأزمات السياسية التي تحدث بين هذه الدولة وتلك، نتيجة للتفسير الخاطئ للحدث التاريخي وتحميله أكثر مما يحتمل.
هذه الأزمة وهذا الواقع المنحرف عن أساسيات المنطق الوجودي الطبيعي يجب أن يعاد وضعه على سكة الحقيقة، الموضوع ليس خيارا ولا هو أقتراح طوباوي بل هو لازمة ضرورية لإعادة الإنسانية لعقل الإنسان، البعض يقترح إعادة كتابة التاريخ مثلا (حين نفكر بإعادة كتابة هذا التاريخ ينبغي أن نوجه انتباهنا إلى بضعة أمور منها، أن التاريخ ليس مجرد أقاصيص تحكى، ولا هو مجرد تسجيل للوقائع والأحداث إنما هو تفسير لها، والاهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع بين شتاتها وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات، ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان، كذلك التاريخ ليس كما يُخيل للبعض، مجرد حروب ومعاهدات أو سلالات حاكمة تسقط وأخرى تقوم، إنّه قبل هذا وبعده خبرة حضارية، ومشروع للتعامل مع الإنسان) الكاتب هنا يؤشر لجملة من الحقائق أنا أضيف لها ما هو أهم وأخطر، وهو حينما نعود لكتابة التاريخ أيضا نقع في ذات الخطأ الأول ونستحضر "الشخصنة" بكافة ما تحمل من ثقل تأريخي ونفسي وعقلي، إذا لا يمكن كتابة تأريخ دون خلفية ودون أراء مسبقة، هنا سيكون الحل ليس في إعادة كتابة التأريخ كما يقول من سبق من الكتاب، بل بإعادة ترتيب وضع العقل للقراءة من خلال فهم الحدث كليا وتفصيليا والبحث بما بعده وما قبله، وربط النتائج بالمقدمات من خلال تفكيك الحدث وأيضا سماع رأي التاريخ المخالف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع