الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء الله بين الميثولوجيا والدين السياسي

طلعت خيري

2024 / 4 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقاء الله الأخروي لقاء اعتقادي ، مصدره دعوات الرسل والأنبياء والكتب المنزلة ، ضمن سلسلة من الأفكار الدعوية التصحيحية التي دعت الى الاستعداد له ، عبر أنشطة إيمانية وعملية دنيوية ، لكن اللقاء خالي من الأدلة الملموسة ، التي تحث الفرد الى الإيمان به ، فالنصوص التي دعت إليه ، عبارة عن أمثال تقريبية ، إما اقتباس سيكولوجي من حالة الهلع الذي صيب الفرد عند تعرضه للعوارض المهلكة ، وإما أمثال مادية على التغيرات التي تطرأ على نبات الأرض بين الموت والحياة ، وأمثلة أخرى كثيرة في هذا الباب ، لقد أخفى الدين السياسي والميثولوجيا معالم لقاء الله الأخروي ، بمختلف المغريات الدنيوية ، فعندما طرح التنزيل على الوثنيين نمط اللقاء وجدوا صعوبة في استلهامه أو الإيقان به ، لأنه يتعارض مع المصالح السياسية والاقتصادية لعقيدة الملائكة بنات الله ، وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ، ضللنا عبارة سياسية موجهة الى القاعدة الجماهيرية لتعكس استحالة البعث والنشور الأخروي ، ضللنا تعني تبعثرت أجسادنا وأصبحت كالتراب ، أئنا لفي خلق جديد ، في حياة أخرى جديدة ، بل هم بلقاء ربهم كافرون

وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ{10}

أكثر إنكارا للقاء الله الأخروي ، هم أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية ، والمنتفعين من طقوس الميثولوجيا والدين السياسي ، والمؤيدين لهم من أصحاب الأهواء والرغبات الشخصية ، ولقد وسعت الوثنية المكية دور الملائكة بنات الله ، في هيمنتها على الأنشطة المعيشية لقربهن له ، لتخفي جانب أخر يضر في مصالحها ، وهو دور الملائكة في الموت ، وفي طرح جديد ضرب التنزيل صميم العقيدة الميثولوجية الملائكية ، فقال قل لهم يا محمد ، يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ، ثم الى ربكم ترجعون


قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ{11}

من أبعاد طرح لقاء الله الأخروي للإيقان به اعتقادا ، وقد لا يوقون به ، لعدم وجود الدليل الملموس ، ففي كلا الحالتين لابد من توضيح ماهية ذلك اللقاء، للاطلاع عليه قبل بلوغ اليوم المصيري ، مع ترك حرية الاختيار الذاتي للفرد للإيقان به ، فإذا ما وقع اللقاء فعليا ، وخرج من اللايقينية الى اليقينية الواقعية ، سيكون رد الفعل اللايقينية الوثنية مخالف لتوقعاتهم الاخروية ، ولو ترى يا محمد ترى رؤية تصورية وليس واقعية ، اذ المجرمون ، عبارة مجرمون ، لا تعني مرتكبي الجرائم في الدنيا ، إنما أجرموا بحق أنفسهم ، فالعبارة انبثقت من رد فعلهم الواضح في قولهم ، ربنا أبصرنا وسمعنا ، ولو ترى اذ المجرمون ، ناكسو رؤوسهم عند ربهم، ربنا أبصرنا وسمعنا ، فارجعنا نعمل صالحا أنا موقنون

وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ{12}

ان حرية الاختيار الذاتي للإيمان بلقاء الله الأخروي ، قمة الحرية والعدالة ، وان فرضه بالقوة لا يتلاءم مع الطبيعة الخلقية للإنسان، فالتخويف المادي يشل حركته ونشاطه في كافة المجالات ، كما ان الإيمان بلقاء الله الأخروي لا يعني العدمية ، على ان الحياة لا قيمة لها لطالما لها نهاية ، بل بالعكس الحياة فرض طوعي بيولوجي ، بينما الاعتقاد الأخروي أمر أختياري ، قال الله عنه ، ولو شئنا لأتينا كل نفس ، هداها ولكن حق القول مني لأملان ، جهنم من الجنة والناس أجمعين

وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{13}

الحياة الدنيوية فيها اختيارات متعددة ، ومتاحة لكل التوجهات ، دون أي عائق ، وهذا لا يقتصر على عالم الأنس، بل وحتى على علم للامرئي عالم الجن ، ولكن في يوم اللقاء الأخروي ، لا اختيار أمام العالمين ، والأمر كله بيد الله ، فالذين اختاروا الحياة الدنيا ، ليس في الآخرة من نصيب ، وهذا اختيارهم الحر دون وسائل ضغط ولا إكراه ، فمن المؤكد هم نسوا الآخرة ، لان لا مصلحة لهم فيها ، فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ، أنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون

فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{14}

لقاء الله الأخروي ، لا يحتاج الى كم هائل من العبادة والعمل الصالح ، ربما اعتقاد واحد ، يكفي للحصول على مزايا اليوم الأخر ، قال الله ، ِانَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ، مصدر الشرك بالله الميثولوجيا والدين السياسي ، وان الابتعاد عنهما يكفي لنيل رضا الله وهذا اقل تقدير من عنده ، ولكن هنالك من يريد توسيع نشاطه العملي والإيماني خوفا منه ، وطمعا في مزايا الآخرة ، إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمده وهم لا يستكبرون ، تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، يدعون ربهم خوفا من عذابه ، وطمعا بمزايا الآخرة ، ومما رزقناهم ينفقون ، وهذه الأعمال البسيطة تقابلها مزايا أخروية ، لا تعد ولا تحصى ، ولم تخطر على بال بشر، فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين ، جزاء بما كانوا يعملون

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ{15} تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{17}

في نهاية المطاف ، يستوي لقاء الله الأخروي ، على المصير التالي

أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ{18} أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{19} وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ{20}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا