الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارل بوبر ومعايير العلمية (الجزء الأول) ترجمة: أحمد رباص

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 4 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تقديم:
كان كارل بوبر مهتما بالتمييز (ترسيم الحدود) بين العلم وأشباه العلوم . تلك مسألة مهمة وما زالت ذات راهنية. بالفعل، من الواضح أن المصداقية التي تُعطى للمعرفة الناتجة عن المنهج العلمي وتلك الناتجة عن المنهج التأملي ليست هي نفسها. من أجل الإلمام بهذا الموضوع، اقترح ترجمة مقال باتريك جوينيي Patrick Juignet.
1- أصل تمشي بوبر
خلال إحدى الندوات، أشار بوبر إلى أصل تمشيه، مذكرا أنه في بداية القرن العشرين، عندما كان طالبا، رأى ظهور وفرة من "النظريات الجديدة، غير المكتملة في كثير من الأحيان" (بحث غير مكتمل، ص: 60). في ذلك الوقت، كان مهتما في نفس الوقت بنسبية أينشتاين، والتحليل النفسي الفرويدي، وعلم النفس الأدلري، والماركسية. وكانت هذه النظريات موضع نقاش حاد بين الطلاب. شعر كارل بوبر بعد ذلك بأن المذاهب الثلاثة الأخيرة “على الرغم من ادعائها العلمية، شاركت في الأساطير القديمة أكثر من العلوم” (بحث غير مكتمل، ص: 61).
بدت نظرية ألبرت أينشتاين مختلفة بالنسبة إليه. وأشار إلى أنه، وفقا لأينشتاين نفسه، لن يكون من الممكن الدفاع عن نظريته إذا فشلت في اجتياز اختبارات معينة. أعلن أينشتاين أنه “إذا لم يكن هناك انزياح أحمر للخطوط الطيفية بسبب إمكانات الجاذبية، فلن يكون من الممكن الدفاع عن النظرية النسبية العامة” (أينشتاين ألبرت، 1917، نقلا عن بوبر وترجمته، بحث غير مكتمل، ص: 49). وفقا لبوبر، فإن موقف النقد الذاتي هذا الذي يعترف بأننا نستطيع إبطال نظرية ما يعد سمة من سمات العلم.
في هذا الصدد، قال بوبر: "هكذا توصلت إلى نتيجة في نهاية عام 1919 مفادها أن الموقف العلمي هو الموقف النقدي. لم تكن تبحث عن إثباتات، بل عن تجارب حاسمة” ( نفس المرجع، ص: 49).
يتعلق الحدس الثاني لكارل بوبر بالاستقراء. لقد توصل إلى فكرة أن الكثير من المعرفة لا يتم عن طريق الاستقراء، بل عن طريق الاستنباط. ومن هذا المنظور، تناول انتقادات ديفيد هيوم الذي أظهر أن الاستقراء يكون في بعض الأحيان باطلاً، وأنه في جميع الأحوال لا يمكن التحقق منه بطريقة كونية (لأنه سيكون من الضروري معرفة كل الوقائع حتى نهاية الزمن). قام بوبر بتوسيع المشكلة وتطبيق الاستدلال على المعرفة العلمية؛ فهو، على حد تعبيره، "أعاد صياغتها بطريقة موضوعية" (نفس المرجع، ص: 115) من خلال تطبيقها على العلاقة بين النظرية والملفوظات التي تصف الوقائع المرصودة في إطار العلوم التجريبية.
وخلص من ذلك إلى أن العلم، على عكس الأفكار المتلقاة منذ بيكون، لا يتميز بتمش استقرائي، بل استنباطي. إن تصور النظريات المجردة سابق ومستقل عن الوقائع الناتجة عن الملاحظات والتجارب. وهكذا عارض دائرة فيينا التي أكدت أن الاستقراء يجعل من الممكن إيجاد قوانين علمية. إن إعادة صياغته للعلم كعملية استنباطية وفرت أساسا منطقيا لمعيار التفنيد من خلال التجربة.
على أساس هذين المبدأين، خلص إلى أن التحقق في العلم غير كاف. إن ملاحظة عدد معين من الوقائع التي تدعم نظرية ما لا تؤكدها بشكل يقيني وكوني. وهذا يترك الباب مفتوحا للتهاون، لأننا نجد دائما عددا معينا من الوقائع التي تؤكد نظرية ما، حتى لو كانت خيالية. التحقق التجريبي المباشر لا يكفي لتأكيد صحة وعلمية المعرفة.
2- معايير العلمية
طرح كارل بوبر مشكلة التمييز بين التمشي العلمي والتمشي التأملي (شبه علم، إيديولوجيا) من حيث المنهج بالمعنى الواسع (أي الجمع بين الطريقة النظرية والعملية لإجراء البحث). بالنسبة لبوبر، يجب أن يعمل العلم بطريقة استنباطية، وينتقل من عموم النظرية إلى خصوص الواقعة التجريبية. هكذا، يجب أن تتم على ثلاث مراحل: النظرية، استنباط النتائج، التجربة التي يمكن أن تدحض النظرية.
يتضمن التحقق من صحة المنهج الذي يدعي أنه علمي أربع مراحل:
أ - تقييم تماسك النسق النظري؛
ب - توضيح الشكل المنطقي للنظرية؛
ج - المقارنة بالنظريات الأخرى؛
د - الاختبارات التجريبية.
هذه النقطة الأخيرة هي التي سوف نقف عندها، لأنها المساهمة المحددة لكارل بوبر.
يقترح بوبر معيارا يعتبره أكثر أهمية من التحقق للحكم على صحة النظرية، وهو "التفنيد" (الذي يُترجم غالبا بالمصطلح الإنجليزي "falsification" المناسب قليلا). ووفقاً لهذا المعيار فإن ملاحظة واقعة تجريبية واحدة غير مؤيدة للنظرية تدحضها. لاحظ أن هذا يعني 1/ الطابع الاستنباطي للعلم و 2/ اكتمال وكونية النظرية المعنية. فإذا سلمنا بهذين الجانبين، وإذا كانت هناك واقعة واحدة تخالف النظرية، فهي بالضرورة خاطئة. والمعرفة التي تعطي إمكانية الدحض هذه يمكن اعتبارها علمية، لأنها تعطي إمكانية التحقق القوي من صحتها.
بالنسبة إلى كارل بوبر:
"إذا كانت هناك تأكيدات نبحث عنها، فليس من الصعب العثور، بالنسبة إلى لغالبية العظمى من النظريات، على تأكيدات أو عمليات إثبات" وبالتالي "إن النظرية غير القابلة لأن تدحض بأي حدث يمكن تصوره تكون مجردة من الطابع العلمي". إن اختبار النظرية هو “محاولة إثبات خطإها ( زيفها ) أو دحضها”. يجب أن نلاحظ أن "بعض النظريات قابلة للاختبار بشكل أكبر، وأكثر عرضة للتفنيد من غيرها، وتتحمل، بطريقة ما، مخاطر أكبر". وفي المجمل، فإن معيار علمية النظرية "يكمن في إمكانية إبطالها أو تفنيدها أو حتى اختبارها" (الحدوث الافتراضية والتفنيدات: نمو المعرفة العلمية، ص: 64-65).
تعتبر إمكانية الدحض بالنسبة إلى بوبر معيارا أساسيا للعلمية: يجب أن توفر النظرية إمكانية إجراء “تجارب حاسمة
تسمح بدحضها حتى تصبح مؤهلة كعلمية. وهذا يعني أن النظرية صارمة وتسمح بالتنبؤات الدقيقة. أما إذا كانت غامضة وتقدم تنبؤات غامضة أو قابلة لتفسيرات فضفاضة أو قابلة للتأويل، فهي غير قابلة للدحض ولا يمكن اعتبارها علمية. إن تصور بوبر منطقي، لأن المعرفة التي تدعي الحقيقة (بمعنىىأنها ملائمة للواقع) دون أن القدرة على اختبارها من قبل المجتمع العلمي هي معرفة مشبوهة ولا يمكن أن تكون جزءا من متن علمي مقبول.
وطالما أن نظرية قابلة للدحض لك يتم دحضها، يقال إنها "مؤيدة". بالنسبة إلى بوبر، يحل التأييد محل التحقق. الهدف هو الاقتراب من المعرفة الحقيقية قدر الإمكان. هذه المقاربة للصحيح أو "رجحان الصدق" يحل محل الحقيقة المطلقة. إنه تقريب للحقيقة (بحث غير مكتمل، ص: 110)، وهو افتراض محتمل قدر الإمكان، بسبب الحالة الراهنة للمعرفة. في الواقع، يُظهر تاريخ العلم أنه بمرور الوقت، تظهر نظريات أفضل، وأنها تشمل النظريات السابقة أو تطيح بها. يتقدم العلم من خلال استبدال المعرفة الموجودة بمعرفة أكثر صدقًا قليلًا، أي أكثر اكتمالًا قليلًا وأكثر عالمية قليلًا. لكن نظرية علمية مؤيدة ليست نهائية أبدا، حيث قد يحدث دحض لها في يوم من الأيام.
المصدر: https://philosciences.com/karl-popper-et-les-criteres-de-la-scientificite








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز