الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العروبة والإسلام

عيد الدرويش

2006 / 12 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلاقة بين العروبة والإسلام , لم تكن يوما من الأيام إشكالا من حيث التداخل والتوافق بين المفهومين ويطالعنا البعض من الدارسين متذرعا بأن هناك إشكالية حقيقية ويبتغون من وراء ذلك التوفيق فيما بينهما درءا لأي خطر قادم , أو كاد سينشب , و من ينظر إلى العلاقة بينهما من زاوية ضيقة , وهذا دليل عدم درايته بالمسألة من كل جوانبها لتبدو الصورة غير واضحة المعالم , ومخيفة للغاية بنتائجها , ومرجع ذلك إلى أمرين اثنين لا ثالث لهما, فالأول :هو ذلك التردي والقصورالمعرفي لعدم قراءتنا للتاريخ بشكل جيد وللنتاج الفكري للأسلاف بشكل كامل , وكلما ادلهمت الأزمات وتلبدت السماء بالأخطار المحدقة بأمتنا وضعنا اللائمة على أنفسنا , وإن كنا نستحقها بكل المعايير في مواضع كثيرة , وعندما لا نشخّص المسائل بشكل سليم يتساوى في الفعل مع عدم المعرفة بها , والنتيجة في كليهما عكسية
أما الثاني :أصبحنا نستمد المعرفة وفق مصطلحات ومعايير ومبادئ ارتضاها لنا الآخرين , فهي غريبة على مبادئنا وتراثنا وقد غرّبتنا عن ماضينا الذي يجب أن نستمد منه المعرفة , وهذا ليس انغلاقا على الذات أو تعصبا لمبدأ ولكن لتبقى لنا شخصيتنا الحضارية التي نفاخر بها الآخر , ويحترمنا الآخر بدرجة تمسكنا بها , وبقدر ذلك التمسك هي درجة تلك الهجمة الشرسة على حضارتنا , وإن النظرة التي رآها بعض المتعصبين لمنهجية بعض القوميات هي التنكر للإسلام ودوره الحضاري فإن القومية في ظل العروبة تتجاوز الحدود الإقليمية الضيقة التي يراها البعض وقد تكون الخشية على العروبة والإسلام من معتنقيهما أكثر من غيرهم والتفريق بين المفهومين والتبرئة من أحدهما حينا ومن الآخر حينا آخر , وهذا ما ذكره المرحوم الدكتور أحمد بهاء الدين رئيس تحرير مجلة العربي قبل أكثر من أربعين عاما فقال (من يتبرأ من دينه مسلما كان أو مسيحيا لنصرة عروبته, ما أوشكه أن يتبرأ من عروبته نصرة لدينه , إذا تبدل حال بحال ) فقد كثر دعاه الطرفين حتى تمزقت العروبة وتمزق الإسلام لعوامل فرقتنا تكاد تنتهي عندما نعقد العزم على أن نكون خير أمة أخرجت للناس
إن ابن خلدون قبل ستة قرون قد وضّح ذلك الأمر , وأوقف الجدل الدائر الذي لا ينتهي حول العلاقة بين العروبة والإسلام في مقدمته الشهيرة , فيوجز ذلك بالقول "لا نجاح لدعوة دينية من غير ولاء قومي " هذا الولاء كان هو العروبة التي تحدث عنها كما يصف ابن خلدون العرب فيقول " بأن العرب لا يحصل لهم الملك , إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية , أو أثر عظيم من الدين , والسبب في ذلك أنهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة والأنفة والمنافسة في الرياسة , فقلما تجتمع أهوائهم , فإذا كان الدين بالنبوة كان الوازع لهم من أنفسهم , فيذهب خـَلـقُ الكِبر والمنافسة منهم , فيسهل انقيادهم واجتماعهم " وهذا ما جاء في قوله تعالى (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم , ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) الأنفال : 63
ومن السيرة النبوية نرى إن الرسول (ص) الذي بعث بأمر الله يذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويأخذ بمحمودها وقال (ص): إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق, ففي الجاهلية هناك أخلاق اتسم بها العرب, فكانوا بحاجة إلى روح , فالدين الإسلامي هو الروح التي وحدتهم بدل تنافرهم وتنابزهم , واكتملت أخلاقهم بالإسلام , والتي كانوا يتحلــّون بقسم منها .
فقد وجد العرب وحدتهم وقوتهم وعزتهم بالإسلام , ففتحوا البلاد ونشروا الرسالة في أصقاع الدنيا, ولم يقتصر الإسلام على العرب بل انخرطت به شعوب أخرى وجدت ضالتها بالإسلام , وساهم مبدعوها في المشاركة في صناعة الحضارة العربية الإسلامية لما وجدوا في الإسلام شريعة حققت لهم التكافؤ والعدالة والمحبة , توافقت مع تطلعاتهم واستجابة روحية ومادية لهم , وهذا ما سهل انخراطهم فيه رغم أنهم كانوا يدينون بديانات أخرى مابين وضعية وسماوية , فالإسلام في كل مفرداته يشمل الأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام , وهذه الديانات كلها نزلت في ارض العرب وتحدث القران عن كل هذه الديانات وقصص الأنبياء والرسل , كما تحدث عن ديانات أخرى كالصابئة والمجوس , وابن خلدون يرى إن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية وتعزيز علاقة القيم الروحية بالجانب الاجتماعي , فالقيم الدينية تزيل التنافس والتباغض والتحاسد عند أهل العصبية، وتفرد الوجهة إلى الحق , وهكذا كان العرب في فتوحاتهم في صدر الإسلام .
إن تداعي الأمم والشعوب على أمتنا العربية الإسلامية ورسولنا الكريم لأننا أصبحنا كغثاء السيل مع تحقق شرط الكثرة , وان القادم من الأيام أصعب بكثير مما نستبصر إن لم نعد إلى ديننا وعروبتنا ليجمعا شملنا , ولأنهما الروح والجسد , فلا يمكن أن يعيش الجسد بدون روح والعكس صحيح , ولعلنا هنا نجانب بهذا الرأي ابن خلدون كما أسلفنا , ولهذا إن كنا أيضا نناشد في ذلك العصبية , فهي عصبية تحتوينا نحن والآخر في الإطار الإسلامي فالإسلام هو القوة لنا ولغيرنا.
ومهما تقدمت البشرية وارتقت , فإنها لن تصل بمعاييرها الأخلاقية والإنسانية بمثل ما جاء بها الإسلام , فقد كان سابقا لتطور البشرية.
فعندما لبس العرب عباءة الإسلام أهابهم العالم , وعندما قطعوها لم تعد هي العباءة التي كانوا يرتدونها , وكل قطعة منها لن يستطيعوا بها أن يستروا عيوبهم , لأنهم تهالكوا أمام الجاه والرياش والمال , وتنافسوا على أهواء وإغراءات الباطل والميل إلى الدنيا , ففشا الخلاف والصراع , فتجزأت الأمة إلى فرق وطوائف وسادت بينها النعرات الطائفية , فضعف قوة العروبة , وضعفت قوة الدين , فالسيف الذي يحز رقبة العروبة , هو ذاته السيف يحز رقبة الإسلام , وعندما انصرفت الأمة ذات يوم إلى الحق , ورفضت الدنيا والباطل , وأقبلت على الله اتحدت في وجهتها, فعظمت الدولة وتحققت الانتصارات , وحتى لا ينظر إلينا البعض بأننا نكتب من الخيال , ويبرر ذلك بأن الظروف اختلفت جملة وتفصيلا , ولكن الواقع يشهد , فإلى حزب الله أفلا تنظرون ؟؟؟...................








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنيش: صاروخ الشهيد جهاد مغنية من تصنيع المقاومة الإسلامية وق


.. الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي




.. 121-Al-Baqarah


.. 124-Al-Baqarah




.. 126-Al-Baqarah