الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس من وظائف الدولة المدنية مكافحة الالحاد والفكر اللادينى

منى نوال حلمى

2024 / 4 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



بديهى أن " المكافحة " تعنى بالضرورة مواجهة الأشياء ، التى تسبب الأذى والضرر للبشر ، فتعطل ارتقائهم ، وتحررهم ، وتحد من قدراتهم الابداعية ، وتفقدهم المكتسبات والميزات المتحققة ، عبر الزمن .
نحن مثلا نكافح الادمان ، والفقر والأمية والبطالة والارهاب والفيروسات ، لأنها خطر على الفرد والمجتمع .
لكن لماذا ينشئ الأزهر ، مركزا لمكافحة الالحاد والفكر اللادينى ؟؟. هذا يعنى أن المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر ، تتعامل مع " الالحاد " ، على أنه أذى، مثل الأمراض و الارهاب والفساد .
ان الالحاد موقف فكرى فلسفى ، من الأديان بشكل عام ، حيث يعتقد الشخص أنها صناعة بشرية ، جعلت البشر عبيدا لقوى غيبية لا دليل عقلى منطقى يؤكد وجودها . وهم يعبدونها بطقوس محددة ، ويقدمون لها القرابين . والآلهة خلقها الانسان على صورته ، وأضفى عليها القدسية ، ليفسر الظواهر الغامضة والمخيفة ، ويرتاح نفسيا أن هناك قوى عليا حكيمة ، كلية القدرة ، ترعاه ، وتحدد كيف يعيش ، وأين يذهب بعد الموت .
" الالحاد " قناعة فكرية ، تتناغم مع شخصية الانسان ، وطريقة تفكيره ، وتساؤلاته ، وتأملاته ، وموقفه من " الحرية " باعتبارها الغاية الكبرى من الوجود . وهو أولا ، وأخيرا ، من حقوق الانسان الأساسية ، التى اعتمدنها المواثيق الدولية ، والدساتير المحلية للدول المدنية الحديثة .

وتلازم وجود "الالحاد " مع وجود الأديان منذ نشأتها . كان هناك دائما مجموعات من البشر ، تشك وتسأل ، وتفكر بشكل مختلف ، وترفض الفكرة الأساسية من جذورها ، وهى تعطيل العقل واخضاعه للخرافات والأساطير ،
ووصاية وهيمنة الكهنوت ، ورجال الدين .
كيف يكون " الالحاد " خطرا ، وجب مكافحته ، وهو " فكرة مسالمة " وليست تنظيما مسلحا ، لديه امكانيات مادية واعلامية يسخرها لفكرته ، ولا يدعو الى القتل ، والعنصرية والكراهية ، ولا يرفع شعارات مثل : " الحد تسلم " .. أو " الالحاد هو الحل " ؟؟.
هل سمعنا عن شاب أو شابة ، لا تؤمن بالأديان والآلهة والرسل والأنبياء والكتب المقدسة ، تفجر نفسها داخل جامع أو كنيسة أو معبد ، أو حافلة أو قطار ، لاعلاء راية الالحاد وكلمة الرب ؟؟. هل سمعنا عن جمعية اسمها " جمعية نصرة الالحاد " ، أو تنظيم " دولة الالحاد فى العراق والشام " ، يسفكون دم غير الملحدين ، ويبيعون النساء فى سوق النخاسة ؟. هل يستخدم الملاحدة ، أو اللادينيون ، مكبرات الصوت المرتفعة ، لالقاء الدروس الالحادية ، غير مبالين بمشاعر وخصوصية الآخرين فى بيوتهم ؟؟. وهل يريدون فرض زى واحد على المرأة الملحدة ، حتى تتميز عن المرأة المؤمنة ؟؟. وهل يطمحون الى السيطرة على كوكب الأرض ، لتتحقق " الخلافة الالحادية " ؟؟. وهل ينشئون الحضانات والمدارس لتعليم " الالحاد " من الصغر ؟؟. وهل هناك ملصقات ، تعلق فى كل مكان ، تبشر ب" الالحاد " ؟؟. وهل " الالحاد " منقسم الى مدارس ومذاهب
وطوائف ، كل منها تقاتل الأخرى ، وتزعم أنها " المتحدثة الشرعية " باسم
" الالحاد " ، وأنها الوحيدة التى تمثل دون غيرها " الالحاد الحق " ، أو
" الالحاد الصحيح " ؟؟.
يؤكد التاريخ ، ان الاعتداءات والتفجيرات والحرق والذبح والقتل والتهديدات الارهابية ، والاغتيالات ، تمت قديما وحديثا ، من قبل التيارات الدينية المتشددة المنظمة . وتؤكد أيضا أن " الالحاد" ، أو الفكر اللادينى هو الذى تعرض للمطاردات والنبذ ، واُتهم أصحابه بالجنون ، والعقد النفسية ، وافساد الأخلاق .
وكانت هناك دائما الحروب الدينية ، والغزوات الدينية ، فى كل مكان ، لفرض دين أو مذهب محدد ، وتُسمى " الحروب المقدسة ".
فى كل برامج اليوتيوب ، يتكرر السؤال الساذج الجاهل " ما الذى يمنع الملحد من أن ينكح أمه ، طالما أنه لا يؤمن بوجود الاله ؟ ". ما هذه العقلية " النكاحية" بامتياز ، الذى ينقصها بديهيات التفكير المنطقى ، والأخلاق ؟؟. لا يسألون مثلا عن السرقة أو الكذب ، وانما هو " النكاح " ، ولا شئ آخر .
نحن لا نملك احصائية واحدة موثقة ، تعلن أن الجرائم والانحرافات الأخلاقية ، التى يرتكبها " الملحدون " ، أكثر بكثير بشكل لا يقارن ، من تلك التى يرتكبها " المؤمنون ".
فى مصر ، بدأنا مؤخرا ، نسمع مطالبات لاصدار قانون يجرم الالحاد ، بالسجن أو بالغرامة .
كيف نعامل " الملحد " ، أو " اللادينى " ، كمجرم ، يعاقب بالعقوبات الجنائية . ألا يعتبر هذا القانون ازدراء للملحد المسالم ، واهانة له ، لمجرد أن أفكاره وعقيدته ، مختلفة عن السائد ؟؟. ألا يضرب مثل هذا القانون ، حرية الانسان ، و" مدنية " الدولة فى مقتل ، ويرسخ التأسلم الشكلى ، والاسلام الاستعراضى ، ويمهد مصر لجنود الدولة الدينية الارهابية .
ان " الالحاد " أو " اللادينية " ، أهم مقياس لحرية الانسان ، وأولها حريته فى اختيار الأفكار التى يحب العيش بها . الحرية لا تتجزأ .
مثلما نحترم حرية الاعتقاد ، لابد من احترام حرية اللاعتقاد . ليس من الضرورى أن نحبها ، ولكن من الضرورى ضمان كافة حقوقها .
" الالحاد " منذ عرفه البشر ، شئ طبيعى ، تماما مثل " الايمان " . وبالتالى فان فكرة " مكافحته " تبدو عبثية ، غير مبررة ، وضد تنوعات الطبيعة . وخاصة اذا كنا نرث الأديان والايمان ، كما نرث لون العيون ، وطول القامة مثلا .
ان مقياس الدول الراقية حضاريا وانسانيا ، يتحدد بكيفية ضمانها للحريات العقائدية الدينية ، وحريات الفكر اللادينى ، وتعاقب خطاب الكراهية العقائدى ، وتجرم " تديين الفضاء العام ".
وربما يطالب البعض ب"
منذ عام 2014 ، لم يحدث شئ فى تجديد الخطاب الدينى ، الا التوسع فى بناء المساجد ، واصلاح وترميم المساجد . وصل عدد مساجد مصر الى 150 ألف مسجدا ، تكلفت 10 مليار جنيه . وهذا معناه أن المؤسسات الدينية ، تشخص مشكلة الخطاب الدينى ، أن المصريين لا يصلون بالقدر الكافى ، وأن هناك
" نقصا " فى الصلاة .
واذا أضفنا الاحتفال بالمناسبات الدينية ، والندوات الاسلامية ، وتدريبات على الدعاة ، ونشر الفتاوى الدينية ، وغيرها ، فى دولة المفروض أنها مدنية ، نجد انفاقا مفرطا من أموال الشعب ، وموارد الدولة ، تحتاجه المدارس والمستشفيات.
ليست من وظائف الدولة ، الانفاق على العقائد أيا كانت . وليس من بين مسئولياتها ، التأكد أن الشعب متدين ، ويؤدى العبادات والطقوس الدينية ، ويعيش حياته بما يرضى الاله المعبود ، لدخول الجنة فى الآخرة .
وظيفة الدولة أن تنفق فيما يرتقى بحياة الشعب ، هنا على الأرض ، وهو على قيد الحياة ، وليس هناك فى الآخرة بعد أن يموت .
أخشى أن نسمع أصواتا ، تطلب " مكافحة " دول العالم الملحدة أو اللادينية ، مثل الصين ، ونعتبره " جهادا كوكبيا فى سبيل الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي