الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرد الثاني لسيرجي توكاريف على ستيفن دَن

مالك ابوعليا
(Malik Abu Alia)

2024 / 4 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الكاتب: سيرجي الكساندروفيتش توكاريف

ترجمة: مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

الزميل المُحترم دَن:

لا أعتقد أنني سأُواصل النقاش معك على صفحات "الأنثروبولوجي الأمريكي" أكثر من ذلك. يبدو لي أن ردّي المُوجز على مُراجعتك كافٍ تماماً. لكن من أجلك، أود أن أُقدّم رداً أكملَ على انتقاداتك، لأنني أرى أنك غير قادرٍ على فهم بعض الأفكار الأساسية في كتابيَّ عن الدين. ولكنني أتفق معك في أن "الحوار بين العُلماء الأمريكيين والسوفييت" قد يكون قيّماً.
أولاً، رداً على بعض المسائل المُحددة. فيما يتعلق بمسألة جذور الشعوذة (السحر الشرير)، فإنك في الواقع تقبَلُ وجهة نظري القائلة بأن لها جذوراً اجتماعية: أحدهما أقدم، وهو العداء الحارجي بين القبائل، والثاني، من أصلٍ لاحق، وهو ظهور التناقضات الداخلية في المشاعة. أنت تقول: "هذه فكرةٌ مُثيرةٌ للاهتمام تستحق المُتابعة". هذه الفكرة تأكدت أيضاً من خلال الاعتبارات العامة (العداء بين القبائل هو بطبيعة الحال أقدم من الانقسام الطبقي الداخلي في المشاعة) والحقائق الملموسة. لكن لا ينبغي للمرء، بالطبع، أن لا يُبسّط المسألة من خلال التأكيد أن العداوة بين القبائل وحدها هي العاملة في المراحل الأُولى من التطور، في حين أن التناقضات الداخلية وحدها هي التي تعمل في زمنٍ لاحق. ولا ينبغي لأحد أن يستخلص من فكرتي، الاستنتاج المُبسط الذي توَصّلتَ اليهِ أنت: وهو أن الانقسام الطبقي ينعكس بالضرورة في السحر الذي يُمارسه الفقراء ضد الأغنياء، والأغنياء ضد الفقراء. المُعتقدات والطقوس غير مُرتبطة بشكلٍ مُباشرٍ وميكانيكي بالعلاقات الاجتماعية. العلاقة بينهما أكثر تعقيداً.

ثانياً، هُناك مسألة الجذور الاجتماعية للعبادة الجنائزية. من الغريب بالنسبة لي أنك فَشِلتَ في فهم الفكرة الأساسية من الفصل الخامس من كتابي، والتي تتعلق بالمفهوم الأساسي الذي يقوم عليه الكتاب ككُل: العبادة الجنائزية هي شيءٌ مُشتق من المُمارسة الواقعية في التعامل مع الموتى. إن العادات الجنائزية (بمعنى أي مُمارسة تقليدية مُعينة في التعامل مع جُثث الموتى)، كانت موجودةً، وهي موجودة، وستظل كذلك بين جميع الشعوب، وتغوص جذورها في عُمق التاريخ القديم. وفي شكلٍ غريزي، فإن جنين هذه المُمارسة موجودة حقاً بين الحيوانات. نشأت الطقوس والمُعتقدات الدينية المُرتبطة بالموتى، وفُرِضَت على تلك العادات عليها في زمنٍ لاحق. واليوم هي تتلاشى تدريجياً، مع التارجع العام للدين، بينما تبقى العادات الجنائزية. ولهذا السبب، أكتُبُ أن عاداتنا الجنائزية هي استمرارٌ لتقاليد أقدم بكثيرٍ من أي دين. لقد اعتدنا على ربط الجنازة بالايمان بحياة الروح ما بعد القبر، وما الى ذلك، وبالتالي، من الصعب على الكثيرين (بمن فيهم أنت) أن يفهموا أن هُناك عادات جنائزية خالية من أي عُنصرٍ ديني. لا أستطيع أن أتفقَ مع اطروحتك على الاطلاق بأن أي مُمارسة جنائزية هي ذات طابع "ديني وظيفي".
فيما يتعلق بالعلاقات بين عبادة الموتى وأشكال الدين الأُخرى، يبدو لي أنني كتبت بوضوح كافٍ في كتابي (الأشكال الباكرة للدين) أنه يجب أن ننظر الى العبادة الجنائزية مثلما نفعل مع الأشكال التاريخية الأُخرى للدين (الطوطمية، الشعوذة، الشامانية، النيغوالية، وما الى ذلك) والتي لكُلٍّ منها جُذورها الاجتماعية المادية، ولكن لا ينبغي وضعها على "المُستوى التصنيفي" مع عناصر دينية مثل الارواحية والسحر والصنمية. إن الشكل التاريخي للدين، هو ليس شيئاً مُطابقاً ومُساوياً لعُنصرٍ من عناصره (الارواحية وما الى ذلك). أنا لم أكتُب أبداً أن الأشكال الأُخرى للدين "ليس لها أساسها الخاص بها". سيكون ذلك سخيفاً حقاً لو كنت قد فَعلتُ ذلك. لقد كَتَبت، وما زلتُ أُؤكد، أن العناصر الفردية للدين، ليس لكُلٍّ منها أساسه الخاص، باستثناء، بالطبع، أن لكُل دين "أساس" واحد، وهو الحياة المادية الاجتماعية. وقد شَرَحتُ ذلك بالتفصيل في الكتاب في الصفحات من 27-31، وفي أماكن أُخرى. ومثالٌ على ذلك، المُعتقدات الارواحية لها تنوع كبير في أُصولها. بعضها ينشأ من المُمارسات العلاجية للشامانية والشعوذة (التجسّد الروحي للأمراضي)، وبعضها الآخر بسبب الخوف من الموت ومن نفس المُمارسات الجنائزية (الأشباح)، وبعضها الآخر من المُمارسة الزراعية (تجسيد النباتات)، وما الى ذلك.
أنت كَتَبت: "أن الأنشطة السحرية سيكون لها أساسها الخاص في رغبة الانسان في التأثير على مسار الطبيعة بطُرُق لا تسمح بها قُواه الخاصة وحالته التكنولوجية في زمنٍ مُعين". أنت هُنا على حق جُزئياً. لكن ليس هذا هو أساس السحر بشكلٍ عام، ولكنه فقط أساس "السحر المنزلي". السحر الجنسي له جُذوره وأساسه الخاص، والسحر العلاجي له أساسه، والشعوذة لها أساسها الخاص، وما الى ذلك. لقد كَتَبْتُ بالمناسبة، بمزيدٍ من التفصيل حول جذور أنواع السحر في مقالتي "طبيعة السحر وأصله" في كتاب (مجموعة أبحاث وبيانات حول مسائل المُعتقدات الدينية البدائية) 1959.
قد يتفق المرء مع أفكاري وقد لا يتفق معها (بعض العُلماء السوفييت لا يتفقون معها أيضاً)، لكنني أعتقد أنني عرضتها بوضوحٍ كافٍ، ولا يوجد فيها ما يتعارض مع الماركسية.
يبدو لي أننا فد نتفق على كُل هذه المسائل التفصيلية، لو تعمَّقَ كُلٌّ منا في مفاهيم الطرف الآخر. سيكون من الأصعب التوصل الى اتفاقٍ بالطبع حول المسألة الأساسية: مفهوم جوهر الدين وجذوره. لا أستطيع أن أطلبَ منك أن تتفق مع النظرة الماركسية الشاملة للدين كظاهرة للوعي الاجتماعي مشروطة تاريخياً. لكن هُنا أيضاً، كُنت سأكون مُبتهجاً أكثر لو أنك بذلتَ جُهداً أكبر للتوصل الى فكرةٍ أكثر صحةً حول مفهومي الأساسي، ولم تنسب لي أفكاراً لا تعود لي.
أنت مُخطئ عندما ترى أن الباحثين الماركسيين (وأنا منهم) ينظرون الى الانسان "ككائنٍ ثُنائي الأبعاد"، وأنهم يُنكرون الدور الهائل للعُنصر اللاعقلاني والعاطفي في حياة الانسان الاجتماعية، ويُنكرون حاجة الانسان الطبيعية للتجريب. لا أحد منا يُنكر ذلك. كما أن لا أحداً يُنكر أن هُناك علاقةً وثيقةً بين هذا المجال اللاعقلاني والعاطفي وجذور الدين. وأخيراً، لا يُنكر أحدٌ منا أن الدين قام عبرَ تاريخه بوظيفةٍ ضرورية في حياة المُجتمع (والا لما كان موجوداً). إن انكار كُل هذا سيكون أمراً سخيفاً. الفرق بيننا نحن الماركسيين وبينكم، يكمُن في حقيقة أننا نعتقد، أن الدين لا يؤدي وظيفته الاجتماعية الا في ظل ظروفٍ تاريخيةٍ مُعينة، وأن تلك الظروف التاريخية التي ولَّدَت الدين وغذته حتى يومنا هذا، عندما تزول، فإن الدين الذي نشأ على أرضيتها سوف يتلاشى تدريجياً أيضاً.
لا آملُ على الاطلاق أن توافق على هذه الأُطروحة الماركسية الأساسية، ولكن سيكون من الجيّد لو بَذَلتَ جُهداً في فهمها، ولم تنسب الى العُلماء الماركسيين أفكاراً ليست لديهم.
سأرد على انتقاداتك الأُخرى باختصار، بخصوص معارفي حول أحدث الأدبيات حول تاريخ الدين باللغة الانجليزية: بالطبع هُناك العديد من الكُتب التي لا أعرفها، لأنه من الصعب جداً مُتابعة طوفان الأدبيات العلمية جميعها. ولكن من بين الأعمال التي أعرفها، لم أرَ عملاً عُبِّرَ فيه عن أفكارٍ رئيسيةٍ جديدة حول هذه المسائل. بالتأكيد، لا بد أنه قد فاتني شيءٌ ما.
إن عمل غولدفايزر حول الطوطمية مألوفٌ تماماً بالنسبة لي، لكنني لاأتفق مع مُحتواه، كما أنني لا أتفق مع النظرة العدمية لليفي شتراوس. لقد كَتبتُ حول هذا باختصار في مقالتي في مجلة (الانثروبولوجيا المُعاصرة) نيسان 1967.
لقد تعمدت أن لا أتطرق في كتابي النظري الى مسألة آخر الحركات الخلاصية (الألفية)، لأن هذه المسألة لا تتعلق مُباشرةً بموضوع الكتاب. ومع ذلك، في كتاب (الأديان في تاريخ شعوب العالَم) كَتَبت عنها بشكلٍ عابِر. انني على درايةٍ تامةٍ بكتاب فيتوريو لانتيرناري (وهو الآن قيد الترجمة من أجل نشره في الاتحاد السوفييتي، ومن المُحتمل أن أكتُب مقدمةً له)، وهو كتابٌ جيد. ولكن رُبما أنت لا تعرف عملاً أكثر جديةً (وماركسياً) من ذاك، حول هذه المسألة، وهو كتاب بيتر وورسلي Peter Worsley (على البوق أن يصدح) The Trumpet Shall Sound، والذي تُرجِمَ ونُشِرَ هنا وكُنتُ مُحرراً له (1963). لكن هذه المسائل، أكرر، ليس لها علاقة مُباشرة بالمسائل التي تناولتها في عملي النظري.
إن انتقاداتك للبروفسور بوريس بورشنيف غير عادلة. فهو أحد أبر المؤرخين وأكثرهم جديةً (تخصصه الرئيسي هو تاريخ فرنسا في العصور الوسطى)، وهو رجلٌ ذو آفاق واسعة للغاية. إنه بعيد تماماً عن النظرة الفولتيرية للدين بوصفه مؤامرة قام بها الكهنة، وقد فَهِمْتَ بشكلٍ خاطئ جُهودهُ لتضييق الحدود التاريخية لمفهوم الدين ذاته. هذا الجُهد مُستمد فقط من الرغبة المشروعة في دراسة الدين من وجهة نظر تاريخية صرف. صحيح أنني لا أتفق مع بورشنيف في تضييق مفهوم الدين، ولكنني أفهم بالضبط المُنطلق المشروع الذي ينطلق منه، وأتفق كذلك، مع انتقاداته الأُخرى. مثلاً، أنني لم أتمكن من تقديم تحليلٍ سيكولوجيٍّ عميق لمُحتويات المُعتقدات الدينية(أ).
اذا رأيتَ أنه من الضروري نشر مُناقشتنا الصغيرة هذه على صفحات إحدى المجلات الأمريكية، فلن أعترض. ومع ذلك، أُفَضِّلُ نشرَ مقالةٍ أكثر شُمولاً حول نفس الموضوع في مجلة (الاثنوغرافيا السوفييتية).
وأنا أتفق معك دائماً في ضرورة بذل الجهود لتحسين تبادُل الكُتُب بين العلماء في بلدينا.

أ- يؤسفني بشدّة أن توكاريف لم يُدافع عن بورشنيف بالقدَر الكافي.

ترجمة لمقالة:
S. A. Tokarev (1968) Rejoinder to Dunn, Soviet Anthropology and Archeology, 7:3, 44-46








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين