الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجاموس الأبيض والاسناد والتوثيق

أحمد صبحى منصور

2024 / 4 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة :
السؤال يقول : ( حضرت ندوة لجماعة من السلفيين فى القاهرة كانت كلها هجوما عليك وأستحى من نقل ما قالوه عنك ، باختصار ( شيطنوك ) ، الى درجة انى خفت أن يندفع بعضهم فيأتى لأمريكا ليقتلك . والحمد لله أنك فى أمريكا . المهم ان فيه ناحية موضوعية بعيدة عن الهجوم الظالم عليك . فقد تكلم شيخهم يفتخر بأنك لا تعرف أن الأحاديث النبوية تم توثيقها بالسند والاسناد ،وهذا فى المؤلفات التاريخية الموثقة . وهذا السند والاسناد غير موجود فى توثيق التراث الدينى المسيحى واليهودى . وحاز على إعجاب السامعين وهللوا له . ورأوا كلامه مقنع . كيف ترد عليهم سيادتك ؟ ).
أقول :
أولا :
1 ـ هم يتهموننى ظلما وعدوانا وبلا دليل . وأنا لا أتهمهم بل أصفهم بأنهم وأمثالهم فى كل زمان ومكان ( نوع فريد من الجاموس الأبيض الأنيق الذى يسير على قدمين فقط .) . لستُ متجنيا عليهم فى هذا الوصف ، فهذا ما قاله رب العزة جل وعلا عن المشركين الذين هم أضلُّ سبيلا من الأنعام . إقرأ قوله جل وعلا :
1 / 1 : ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) الفرقان )
1 / 2 : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) الاعراف )
1 / 3 : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) الأعراف ).
2 ـ هؤلاء لا أمل فى هدايتهم . ينطبق عليهم قول الله جل وعلا :
2 / 1 : ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) البقرة )
2 / 2 : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة )
2 / 3 : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) الكهف )
2 / 4 : ( وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198) الأعراف ).
ثانيا : عن الاسناد والعنعنة التى يقوم عليها دينهم السلفى .
1 ـ بإمكانك أنت ترد عليهم . قل لأحدهم : ( قال أبوك إن الوالى محمد على باشا الذى أقام الدولة الحديثة فى مصر قال : ( مصر مزرعة يسرقها اللصوص ) . ستقول لأبيك : من روى هذا الحديث عن محمد على باشا . سيقول أبوك : سمعته من أبى الذى عاش فى عصر حسنى مبارك . ستقول لأبيك : وممّن سمعه أبوك ؟ سيقول : سمعه أبى من أبيه الذى عاش فى عصر جمال عبد الناصر . ستقول له : وممّن سمعه جدك ؟ سيقول : سمعه من زوج خالته الذى عاش فى عصر الملك فؤاد الأول . ستقول : وممّن سمعه زوج الخالة . سيقول : سمعه من جاره فلان الفلانى الذى عاش فى عصر السلطان حسين . ستقول له : وممّن سمعه هذا الجار فلان الفلانى ؟ سيقول سمعه من زوج عمته الذى أدرك عصر الخديوى توفيق وثورة عرابى . ستقول له : وممّن سمعه زوج العمّة ؟ سيقول سمعه من صديقه فلان الذى عاش فى عصر الخديوى إسماعيل . ستقول : وممّن سمعه الصديق فلان . سيقول : سمعه من جاره الذى عاش فى عصر الخديوى عباس . ستقول : وممّن سمعه هذا الجار ؟ سيقول : سمعه من قريبه فلان الذى أدرك عصر محمد على باشا .. هذه سلسلة الاسناد والسند والعنعنة .
2 ـ هل هذا توثيق يقوم به ( وحى إلاهى ) مفترض أنه يؤسس دينا ؟ الذين صنعوا وإخترعوا هذا الاسناد فى العصر العباسى كان بينهم وبين النبى محمد عليه السلام حوالى قرنين من الزمان . قفزوا فيها خلال هذا الاسناد المزور خلال العصر الأموى ثم عصر الخلفاء ( الفاسقين / الراشدين بزعمهم ) الى عصر النبى محمد عليه السلام . وهذا عبر رواة ماتوا دون أن يعرفواشيئا عمّا أسنده أولئك الملاعين فى العصر العباسى عنهم . هل كان لدى أولئك الرواة الموتى أجهزة تسجيل يوثقون بها ما سمعه فلان عمّن سبقه وعمّا رواه لمن أتى بعده ؟ الذين يؤمنون بهذه الأحاديث ويعتبرون هذا الاسناد توثيقا يفتخرون به. أليسوا نوعا فريدا من الجاموس الأبيض الأنيق ؟
ثالثا : ليس فى تاريخ ( المحمديين ) توثيق .
1 ـ الجاموس الأبيض الأنيق الذى يسير على قدمين فقط ـ لا يعرف شيئا عن مناهج المؤرخين ، وأنها روايات لا توثيق فيها ، فالتاريخ ليس دينا ، ولا يكون دينا إلا فى الأديان الأرضية الشيطانية ومنها أديان المحمديين السلفيين مع إختلافها فيما بينها. ومع هذا فإن ( تاريخ التأريخ ) عند المؤرخين ( المسلمين ) أروع من نظيره فى الغرب. هناك أنواع متعددة من المادة التاريخية ، منها تاريخ الأشخاص ( الطبقات ) و تاريخ المدن والأقطار وتاريخ الأسرات الحاكمة . ولكن الأهم هو التاريخ الحولى ، وهو الذى يؤرخ حسب الحول أو العام ، يستعرض فيه المؤرخ ما حدث خلال هذا العام فى كل ( العالم الاسلامى )، ويبدأ بما قبله . ينقل عن السابقين عاما عاما كنشرة أخبار عالمية ، ثم إذا وصل الى العصر الذى يعيش فيه أصبح يكتب من واقع المعايشة والمعاصرة . وبعد ينقل عنه المؤرخون اللاحقون ما كتبه عن عصره، فإذا وصل أحدهم لعصر سجّل ما هو شاهد عليه . وهكذا سارت الحوليات من تاريخ الطبرى ـ اشهرها ـ الى تاريخ إبن إياس الذى عاصر سقوط الدولة المملوكية وإستعمار العثمانيين لمصر ، ثم بعده الجبرتى الذى عاصر الحملة الفرنسية وخروجها ووصول محمد على للسلطة ، وسجل هذا فى تاريخه ( عجائب الآثار ) و ( مظهر التقديس فى خروج الفرنسيس ) .
2 ـ ولكن هذا التأريخ الذى يكتبه المؤرخ المعاصر لوقته ليس حقيقة مطلقة ، إنه إن صحّ فحقيقة تاريخية نسبية ، وهذا يحتاج الى باحث تاريخى متمرس يفحص الروايات المتداخلة والمتناقضة من واقع تعمقه فى تاريخ العصر وتاريخ ذلك المؤرخ نفسه ومنهجه ومدى صُدقيته وإلمامه بما ينقل ومصادره التى يحصل منها على المعلومات . ولأن معظم الروايات تدور حول السلطان فإن ما يخرج منها خارج القصر لا يعبر عن حقيقة ( المطبخ السياسى ) داخل القصر ومكائده . هذا علاوة على ظروف المؤرخ نفسه ، وهل هو قريب من السلطان أم عنه بعيد ، وهل هو فى مأمن أم يخشى على حياته .
3 / 1 ـ ونعطى مثالا بالطبري وتاريخه . فقد نقل الروايات المتداولة فى عصره فيما يخص أخبار السابقين فى تاريخ الأمم السابقة وتاريخ المسلمين قبل عصره. واتسم هذا النقل بتعدد الروايات والعناية بالسند والعنعنة مثل ما كان سائدا فى علم الحديث أي يقول " حدثنا فلان عن فلان عن فلان ". وقد يأتي براويات مختلفة فى الحدث التاريخي الواحد ، ويترك للقارىء الباحث مهمة الفحص ونقد الروايات ، وقد أشار إلى ذلك فى مقدمة تاريخه . والروايات التى نقلها الطبرى عن خلق العالم والأمم السابقة ، وخصوصا الفراعنة تمتلىء بالخرافات وفيها خطل كبير ، ولا يعيب هذا الطبرى فى شىء ،لأنه أوضح منهجه هو تدوين الروايات دون نقدها و التمييز بينها من حيث الصحة و الخطأ ، ولأن هذا النقل للروايات المتداولة فى عصر الطبرى يتيح لنا الحكم على ثقافة العصر وتصوراته وافكاره عن السابقين . أى إن هذه الروايات ـ مع كذبها ـ فهى صادقة فى رسم لوحة تاريخية لمعتقدات وثقافة الناس فى عصر الطبرى ، تلك الثقافة السمعية التى كان يغذيها ( القصاصون ) فى المساجد، وتتحول خرافاتهم الى احاديث و روايات تاريخية. وكان الناس يتداولونها مصدقين لها ، ومعتقدين فيها لو ارتبطت بالدين وتاريخ الأنبياء . وكان سهلا تصديق تلك الأكاذيب (السند والعنعنة ) ، مهما بلغت خرافاتها . والثعلبى فى ( قصص الأنبياء ) هو المثل الكلاسيكى على هذا النوع من التأريخ للماضين .
3 / 2 ـ وبسبب كثرة الروايات التى نقلها الطبرى فى التاريخ الإسلامي تضخمت الأحداث التى رواها عبر روايات متعددة ، ولكنه عندما وصل إلى التاريخ لنهاية العصر الذي يعيشه اختار طريق الإيجاز والاختصار ، ثم أنهى التاريخ حتى سنة 302 مع أنه مات سنة 310 ، وحرمنا من التأريخ للسنوات الثماني الباقية، كما حرمنا أيضا من تفصيلات كثيرة حدثت فى السنوات الأخيرة التى أرخ لها باختصار ، وخصوصا عندما تولى الخلافة العباسية المقتدر بالله سنة 295 ، حتى أنه مثلا ذكر التاريخ لسنة 300 هـ فى أقل من نصف صفحة ، وأرخ لكل من سنوات 297 ، 298 ، 299 فى أقل من صفحة .. والسنوات الأخرى فى حدود الصفحتين وأكثر . هذا بينما نراه ينطلق فى التأريخ للقرون السابقة على سجيته، خصوصا فى السنوات التى امتلأت بالأحداث ، فعلى سبيل المثال استغرق فى تاريخه لسنة 132 هـ حوالي خمسين صفحة غطى فيها سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية خلال ذلك العام ، وفى سنة 251 كان الطبري شابا معاصرا للأحداث وكان ينقل من خلال المشاهدة والمعاينة وليس عن طريق الروايات والإسناد والعنعنة ، ومع ذلك استطرد فى رصد أحداث ذلك العام الذي شهد صراعات مختلفة فى داخل عاصمة الخلافة العباسية ومحاولات لخلع الخليفة المستعين وأسهب الطبري فى تسجيل أحداث هذا العام حتى ملأ حوالي سبعين صفحة .
3 / 3 :ـ وهنا تسأول عن السبب الذي جعل الطبري يختصر فى تأريخه للسنوات الأخيرة فى خلافة المقتدر بالله وهو ـ أي الطبري ـ فى هذه الفترة كان يعيش مرحلة النضج الفكري والعطاء المتدفق ، وقد أصبح علما مشهورا مقصودا بالرحلة للتعلم وله جملة من الأتباع والتلاميذ يكتبون عنه وينشرون ما يكتب !. إن السنوات التى آثر الطبري اختصارها وهو يعيش أحداثها ـ تلك السنوات قد شهدت كثيرا من الحركات والتقلبات والصراعات ، وكنا نتمنى أن نرى شرحها وتفصيلها لدى الطبري عمدة المؤرخين . ولكنه أمسك عن الخوض فى تفصيلاتها مع إنه كان شاهد عيان عليها . فى تلك السنوات حدثت مؤامرة لعزل الخليفة المقتدر سنة 296 وفشلت المؤامرة بعد نجاح المتآمرين فى اعتقال المقتدر . وأسفرت المؤامرة عن مقتل ابن المعز الذي بايعه المتآمرون خليفة ، وقد ذكر السيوطى فى كتابه ( تاريخ الخلفاء ) أن الطبري حين ذكر له تلاميذه خبر تلك المؤامرة وعزل المقتدر وتولية ابن المعز فإنه تنبأ بفشل المؤامرة وعلل ذلك بأن كل واحد من المتآمرين " عالي الرتبة " و" الزمان مدبر والدنيا مولية " وصدقت توقعات الطبري ، فقد فشلت المؤامرة وعاد الخليفة الصبي " المقتدر بالله " وعادت أمه " السيدة " ـ وذلك لقبها ـ تمسك بزمام الأمور فكثر عزل الوزراء وتوليتهم مع شراء المناصب ومصادرة الأموال وتلك أعراض "الزمان " حين " يدبر" و"الدنيا " حين "تولى " ظهرها ، ولذلك لم يذكر الطبري نبوءته تلك فى تاريخه ، بل ذكر الأحداث مختصرة كأنه يكتب شيئا يكرهه ولا يريد حدوثه . ولعل الإجابة تكمن ليس فقط فى الظروف السياسية التى عاشها الطبري فى سنواته الأخيرة ولكن أيضا فى أثرها على حياته الشخصية . لقد تولى المقتدر الخلافة وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، أي كان أصغر من تولى الخلافة وتمت بيعته يوم الأحد 14 ذي القعدة 295 هـ وكان الطبري وقتها قد تجاوز عمره السبعين ، وأصبح أستاذ عصره فى التأريخ والتفسير والحديث ، وقد أراد الخليفة المقتدر أن يكتب كتاب وقف تكون شروطه متفقا عليها بين العلماء فقيل له : لا يقدر على عمل ذلك إلا محمد بن جرير الطبري ، فاستدعاه الخليفة وقربه إليه ، وبعد أن عمل للخليفة ما أراد سأله الخليفة حاجته فأبى الطبري أن يأخذ منه شيئا . وفى هذا دليل على مكانة الطبري الشخصية والعملية فى سنواته الأخيرة ، وحقيق بتلك المكانة أن تجعل صاحبها ينطلق فى التأريخ لعصره المتأخر فى حرية وتعمق وتأصيل . إلا أن " التعمق " فى بحث السنوات الأخيرة يظهر السبب الحقيقي الذي اضطر معه الطبري للإيجاز ثم للكف نهائيا عن تسجيل الأحداث التاريخية للسنوات الثماني الباقية من عمره . لقد اختل نظام الدولة العباسية فى تلك السنوات فى الفترة الأولى من خلافة المقتدر ويقول المؤرخ الذهبي " اختل النظام كثيرا فى أيام المقتدر لصغره " ومن الطبيعي أن يمسك الطبري قلمه عن تسجيل الكثير من أحداث زمن اعتبره " مدبرا " وتاريخ دنيا اعتبرها " مولية " تعطى الناس ظهرها . فى فترة الاضطراب هذه سيطر عوام الفقهاء الحنابلة على الشارع وتزعمهم ابن الجصاص وابن عرفة ، وغيرهم من المتشددين السّنيين ، ممن ليس لهم ذكر ولا مقدرة علمية ، وإن كانت لهم المهارة فى السيطرة على الغوغاء ، ومن الطبيعي أن يجد أولئك فى الطبري منافسا خطيرا حين قدم من طبرستان إلى بغداد ، وعاش فيها إماما فى التفسير و الحديث ، ولذلك اضطهدوه وكفّروه وطاردوه إلى أن اضطر للاختفاء فى بيته ، وقام رئيس الشرطة " نازوك " بحمايته . بل إنه حين مات حبيس داره ظلوا فى حصارهم له حتى منعوا دفنه نهارا . ومن الطبيعي ـ والطبري محاصر فى بيته لا يستطيع الخروج منه ـ أن يعجز عن كتابة السنوات الأخيرة من تاريخه . ومن الطبيعي أيضا وهو يحتاج لحماية الدولة العباسية أن يمسك قلمه عن نقدها مهما بلغ الخلل فيها ، ومهما بلغ تحكم السيدة أم المقتدر ( شغب ) فى أمور الدولة العباسية .. فكما قال الطبري " الزمان مدبر والدنيا مولية ..".
5 ـ هذا الجاموس الأبيض الأنيق لا يعرف معنى ( التوثيق ). حين تريد ( توثيق ) عقد عليك أن تذهب به الى مصلحة الشهر العقارى ، ومعك ما يثبت هويتك ، فيقوم الموظف المسئول بتوثيقه شاهدا عليه شهادة حضور . فهل ينطبق هذا على ( إسنادهم ) الكوميدى ؟
6 ـ هذا الجاموس الأبيض الأنيق لا يعرف أن التوثيق كان موجودا ورسميا فى العصور الوسطى ، خصوصا فى العصر المملوكى . كان بناء المؤسسات الصوفية من زوايا وخوانق ومدارس وأربطة وجوامع طريقة لأن يحفظ المماليك وأعوانهم ممتلكاتهم من المصادرة إذا حدثت بهم كوارث ، وكانت تحدث بهم كوارث . لكى يحتفظوا بإقطاعاتهم الزراعية والعقارية كانوا يوقفون عليها أملاكهم ، ويجعلون فيها أنشطة لتعليم الفقه والحديث والتفسير ومكتبات ومكاتب لتعليم الأطفال ، ومنازل لاقامة الصوفية الذين يدعون لصاحب الوقف ، ومؤذنين وفرّاشين . الانفاق على العاملين وعلى الطلبة يكون من ريع الوقف. ويجعل صاحب الوقف نفسه قائما على ذلك ، ينفق بعضه ويحتفظ بالباقى لنفسه وورثته . ويقوم بتوثيق هذا فى عقد ، فيه كل التفصيلات والشروط ، وعليه الأختام . هذه الوثائق لا تزال محفوظة فى دار الوثائق المصرية ودار الكتب المصرية . ولأنه لم يُقصد بها أن تكون تأريخا فهى أصدق المصادر التاريخية ، توضّح جانبا لم يهتم به المؤرخون المعاصرون ، والذين تتلون كتاباتهم بالهوى مع أو ضد من يكتبون عنهم فى عصرهم . إعتمدنا على هذه الوثائق فى رسالتنا للدكتوراة عن أثر التصوف فى مصر العصر المملوكى .
7 ـ هذا الجاموس الأبيض الأنيق لا يؤمن أن القرآن الكريم هو الحديث الوحيد الذى يؤمن به المؤمن الحقيقى ، وهو الذى لا إسناد فيه ولا عنعنة ، وهو الذى لا ريب فيه ، وهو الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وهو الذى تولّى الله جل وعلا حفظه الى آخر الزمان ، وهو الذى به إكتمل الاسلام ، واصبح لا مجال فيه للزيادة أو النقص ، وهو الذى إتخذه المحمديون مهجورا ، ووضعوا فوقه أحاديث شيطانية تقيم لهم أديانا أرضية ، ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان .
أخيرا :
إقرأ لنا بحث الاسناد فى الحديث ، وهو منشور هنا ، وسبق نشره فى مصر من أكثر من ثلاثين عاما . ومع هذا فلم ينجح فى تحديد نسل الجاموس الأبيض . ولا يزال الجاموس الأبيض يزداد بالملايين فى مصر ، وهذا مع إرتفاع سعر اللحوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال