الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لتّجريب الرّوائيّ ومولد السلبانيّة الأدبية الحديث

محمد خريف

2024 / 4 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


التّجريب الرّوائيّ ومولد السلبانيّة الأدبية الحديث

مولد السّلبانيّة الأدبيّة الحديث باعتباره مصطلحا مستهلما أو مقتبسا من مصطلح والسالب رديف الموجب في الدارة الكهربائية خلال الثورة الصناعية هو إذن مفهوم حديث يمثل نقلة نوعية فارقة جعلت لمفهوم الكذب الأدبي مع بلانشو أبعادا أخرى في كتابه"نصيب النار"* وقد تناول فيه بالنقد نصوصا روائية لافتة في الأدب الفرنسي الحديث نذكر منها على وجه التخصيص رواية" أدولف" ل " بنجمان كونستون"** وهي رواية في مصائب الحبّ بطلاها أدولف وألينور ومن المأثور عنه مايكتب حسب بلانشو في"نصيب النار" : " قلبي يشقي بكل ماعنده ويتحسّر على مايفقد"
: « Mon cœur se fatigue de tout ce qu’il a et regrette ce qu’il n’a pas3 »
في رواية ألأسلبة هذه تجربة لغويّة فلسفية وجدانية لولبيّة غير متناهية بموت العشيقة ضحية الحب الصادق" ألينور"مستمرّة على لسان الراو3ادولف متكلما بضمير الأنا سالبا الحب من صدقه بتعمّد الكذب وسرقة المشاعر من أجل السلوّ والتحرر من اكراهات الحب الصادق فكان خطابه الرّوائيّ خطابا مختلفا تقوم فيه مفارقات سوء النية مقام توافقات جسن النية الزائف مدشنا بذلك تجربة ما يعرف "بالسّلبانيّة الأدبيّة"التي وان كانت في البداية محدّدة في الزمان بعصر النهضة والمكان بأ وروبا وكان الوعي بهذا المولودالجديد متزامنا مع إرهاصات التجريب الرّوائي المختلف مع سرفنتس ومن لف لفه من من نقاد الأدب الفرنسي أمثال بلانشو اثر الحرب العالمية الثانية إذ سطع نجم السلبانية في كتابه " نصيب النار "*الذي تناول فيه مظاهر من مفارقات كتابة التجريب المختلف ومفارقاته السالبة في الأعمال الروائية لكونستون وبويي وسارتروغيرهم .هذا والسلبانية باعتبارها حركة أدبية مفارقة ظهرت في البداية مع سرفنتس في رواية "دون قيشوط "سالبة الرّواية مما ترزح تحته من أثقال زيف مفاهيم التقليدالروائي القديم وتراكماته الاستعارية المكرّسة لمفاهبم الأخلاق المثلى الايجابية و لأغراض الفروسية،وفد تواصل مدّ السلبانية الناهل من تعاليم الفلسفة الجدلية لهيقل و تحاليل علم النفس لفريد إلى أن شغل به سارتر في كتابه " مَ الادب ؟ ، لاسيما في فصله الخاص ب "وضعية الكاتب عام1947 "*وقد وجد صلة بين*
السلبانيّة الأدبية وتيارالسّريالية الأدبي القائم بالأساس على فكرة تهديم الذاتي والموضوعي كماربط طهورها بمفاهيم سوء النية وهذه الطبيعة التي ترفع شعار الوعي البرجوازي والانا البرجوازي اذ على السلبانية أن تمارس بالدرجة الأولى على هذه الطبيعة التي لم تكن كما يقول باسكال سوى عادة أولى وهذا يعني بادئ ذي بدء القضاء على فوارق التسليم بين الحياة الواعية والحياة اللاواعية، وبين الحلم واليقظة ، وهذا يعني اضمحلال الذاتية "ص 220 وص 221 ، لكن السلبانية وهي تقتفي أثر السريالية في أن تهدم بدورها الموضوعية وفرقعة العالم ص222 والسلبانية وان كانت مظهرا من مظاهر الحرية فان البناء أمر آخر " ص 268 . وللسلبانيّة كما ورد في مقال لريتشارد كليين بعنوان :"سلبانيّة وأدب" ترحمه من الانكليزية إلى الفرنسية لورون فرّي***علاقة بالزيف أي الكذب الأدبي الذي يوقع به البات المادح المتلقي الممدوح في المصيدة حيث هبه عملة كلاميةزائفة ليحصل منه على عملةمالية حقيقية وذلك ضرب من الخسران المبين كما يقول الجاحظ والرابح سارق سالب بكلامه الكاذب غيره ولعل نادرتي الجاجظ "كلام بكلام"و"كذب بكذب" تعدا شارة من شارات الوعي المبكر بالمفارقة بين ماهو من القول وماهو من الفعل بالرغم من كونه ينتمي إلى الأدبيّ بمفهومه العام المطلق والادب بمفهومه الاصطلاحي الغربي االمحدّد حسب التصنيف الثنائيّ لريتشارد كايين آذ يسبق الأدبي تاريخيا في نظره الأدب
ولنا في الأدب العربي الساخر ولاسيما في كتابات الجاحظ ما يمت بصلة الى السلبانية الادبية في مفهومها الأدبي الواسع المندد بظاهرتي الكذب والسرقة بما في ذلك من تضمين لمظاهر من سوء النية في النوادر وأبطالها تعريضا منه بأهل الشعوبية ومذاهبهم فيالبخل حيث يقول في نادرة" كذب بكذب"**** مثلا
: " رجل سرّنا بكلام، وسررناه بكلام. هو حين زعم أني أحسن من القمر، وأشدّ من الأسد، وأن لساني أقطع من السيف، وأن أمري أنفذ من السّنان هل جعل في يدي من هذا شيئا أرجع به الى بيتي؟ ألسنا نعلم أنه قد كذب؟ ولكنه قد سرّنا حين كذب لنا، فنحن أيضا نسرّه بالقول ونأمر له بالجوائز، وإن كان كذبا، فيكون كذب بكذب وقول بقول. فأما أن يكون كذب بصدق وقول بفعل، فهذا هو الخسران المبين *" وهي من النصوص الوجيهة التي تظل على طرافة حجاجها الواقعي متمرّد على منظومة قيم العِرض عند العرب ومنها قيم الكرم الحاتمي نابذة للكذب والسرقة غير قاطعة معهما إذا لزم الأمر والعين بالعين والمقايضة بعملة الكلام الزائف يقضيها المنطق الجديد باعتبار القول صفقة كذب وسرقة لايمكن أن يقوم بها الكلام مقام الفعل وكأني بالجاحظ في نادرتي "كلام بكلام " و"كذب بكذب" يدشن لجمالية ظاهرة إنسانية ضرورية للحياة جديرة أن يعترف الكاتب بالانتساب إليها والاحتفاء بها باعتبارها مذهبا أو تيمة جديدة من تيمات الأدب المتمرّد الساخر من سلوك آهل الشعوبية وبدعهم في البخل وبعيدا عن تيمة الكاذب السارق عند الجاحظ في النوادر والهمذاني في المقامات كان السؤال مع بلانشو وغيره أمثال أيْكُو هل للأدب أن يكذب ؟ وان قلنا هل للأدب أن يسرق أيضا اوَليست مقايضة الكلام بالفعل سرقة أيضا ؟ انه لسؤال الوعي المختلف قالعا الوهم القائل بصدق الأدب وأمانة القائم والقائم مفردا أوجمعا و مراسمه العنعنة ومن شارته السند الصحيح وحجة شاهد العيان ؟ ولعل خوف الجاحظ من الخسران المبين مغبة الكذب والسرقة في صقفة قول بفعل لاقول بقول أو كذب بكذب يضمر المحاكاة الساخرة من صناعة الكذب والسرقة بالكلام ورواج سوقها من كساد سوقها التي تجعل من لعبة قول كاذب سارق طريفا إلى الربح والخسران في نفس الوقت ومنه نشأة ضرب من السلب الأدبيّ يتطوّر في مابعد تطورا نوعيّا مع نماذج من التجريب الروائي الحديث غربيّه وعربيّه وبما أن الاختلاف يصنع المعنى كما يقول ميخائيل لوتمان ومن المفارقة يأتي الانسجام، فإنّ عدوى السّلبانيّة الأدبيّة باعتبارها تجربة شقّ عصا الطاعة وعدم الرضاء بالموجود السّائد والجري بلا انتهاء وراء سراب المنشود المختلف واعتبار الكتابة ضربا من الموت قصد التحرر من قيد الحياة وهي الانقلاب الراديكالي كما يذهب إليه بلانشو في اعماله والسلبانية تنتقل ماسخة ممسوخة من روائيّ إلى آخر ومن ناقد الى آخر ساعية إلى تهديم الصارم من سنن المثل وخرق المقدّس وأمّ الباب في كل ذلك الوفاء للرأي العام واتّباع الخط المستقيم الذي يتعارض مع فكرة السّلبانية الأدبيّة في تمشيها الراديكاليّ وهي تكتسح مجالات التجريب الروائيّ المفارقفي أعمال روائيّة روائيّة لافتة نذكر منها على سبيل المثال أعمال صاد الشاذة وماماثلها من أعمال سارتر**** وألبير كامي وامبرتوأيكو دون الغفلة عما تأثر بها أو تماهى معها من كتاب الرّواية عند العرب في العصر الحديث أمثال محمّد شكري وعبد الحميد عبّود فصار لأدب الهدم والكذب فالسّرقة جماليّة بديلة لجماليّة البناء والصدق والوفاء لقيم البرجوازية وغيرها من قيم المثل الأفلاطونيّة والدينيّة .
*Blanchot La part du feu © Éditions Gallimard, 1949
**Constant :Adolphe Édition de référence , Paris, Garnier Frères, Libraires, 1849
… Richard Klein : Négativité et Littérature Traduction de Laurent Ferrip. 77-89https://doi.org/10.4000/labyrinthe.1899
- **** الجاحظ-:البخلاء الطبعة الاولى -دار الجيل-بيروت1993
***** Jean Paul Sartre Qu’est ce que la littérature éditions Gallimard,1948








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة