الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأريخ الخرافة

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 4 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المقدمة والبيان
لعل موضوع الخرافة من العناوين التي أخذت حيزا مهما في الدراسات المعرفية وبالأخص الجانبين التأريخي الديني والتأريخي الأدبي، فقد كانت الخرافة قديما تشكل جزء مهم من الوعي المعرفي في مراحل مبكرة من تأريخ الإنسان، حتى أن الكثير من المؤرخين والباحثين في المعرفة والأنثروبولوجيا وحتى في علم اللغة تنالوا موضوع الخرافة في مجمل أو من مجمل أهتماماتهم الرئيسية والمبكرة، فمثلا في الثقافية العربية المدونة نجد أن ورود كلمة الخرافة حاضرة في المفردات بمعانيها التأريخية واللغوية والأصطلاحية.
الخرافة كما تشير الأبحاث والدراسات إلى أنها تعني في العرف اللغوي الفاكهة الفاسدة، كذلك رجل خرف أي رجل فسد عقله أما لعارض أو مرض أو شيخوخة حاكمة، وفي كلا الاستخدامين في الفاكهة أو الخرف العقلي المعنى القصدي هو تجاوز الحد الطبيعي لوجود الشيء وفساده المحتم لأسباب عديدة، أما علماء اللغة فيقولون "إن أصلها يرجع إلى اسم شخص من قبيلة تدعى «عذرة» استهوته الجن، فكان يحدِّث قومه بما يرى، لكن لا أحد كان يستقبل كلامه بالرضا والقبول، بل كانوا يكذِّبونه ويقولون هذا حديث خرافة"، وهي حديث مستملح كذب فكانوا يجرون الخرافة على كل حديث لا يصدِّقونه، ولكن يستملحونه، وقد نقل ابن الأثير ضمن حديثه في تعريف الخرافة رواية عن النبي الأكرم أنه قال «خرافة حق»، بمعنى أن الخرافة لا تكون دائماً حديثاً كذباً، ولكن قد تكون لها واقعية وصحة، كذلك فإن بعض كتب اللغة، وقد أطلقت الخرافة على كل حديث أو كلام كذب وأسطوري يفتقد إلى الواقعية وإلى الصحة.
على كل حال فإن موضوع الخرافة من الناحية المعنوية والتعريفية مكثر فيها الدراسة وواضح لدى الكثير من القراء، ولكن تأريخ الخرافة هو الموضوع الذي قل في بحثه المؤرخون والمعرفيون، لسبب بسيط جدا وهو ان ليس هناك مدونات تأريخية قديمة تتكلم عن الخرافة كعنوان بحثي مستقل، مثلما تكلمت عن الادب والدين والحساب والفلك وغيرها من المعارف، ثم أن هناك خلطا عند الكثير بين الخرافة والأسطورة ودمج بينهما في المعنى والصورة والأستخدام المعرفي، أما الحقيقية التي أزعمها وأحاول أن أبرهن على إثباتها في هذا السفر، فهي (أن تاريخ الخرافة هو تاريخ الجهل وأن الجهل هو أصل الأشياء ولأن العلم والمعرفة مكتسب طارئ، لذا فتاريخ الخرافة هو تاريخ الجهل حتما وهو تاريخ الإنسان أصلا).
الأنسان بطبيعته يولد جاهلا ولا يعرف غير ما تمليه الطبيعة التي خلق عليها من سلوكيات حتمية ضرورية ولازمة للبقاء، وهي ما يعرف بالفطرة الأولية وهذه الخاصية يشترك فيها كل البشر بدرجة واحدة دون تفاوت أو أختلاف كبير، تماما كما هي عند الكائنات الأخرى تنمو وتتطور حسب عوامل كثيرة أهمها التغذية التربية البيئة المكانية الصحة العامة وأخيرا وسائل النشأة، فيبدأ الإنسان مرحلة العلم من السماع والإحساس الجسدي برد حر ضجيج هدوء وهكذا من خلال الملامسة والحس أولا، ومن السمع والتذوق والشم ثم من البصر لاحقا، الدراسات العلمية الحديثة تقول أن مساهمة البصر في التعرف على الخارج عند الوليد تتأخر أسابيع وربما أشهر عكس بقية الحواس الأخرى، هذا يعني بالمحتصر أن سيرورة التعلم تبدأ حسية طبيعية أولا قبل أن يستطيع المولود لاحقا الفرز والتشخيص الذي هو مبدأ العلم عند الإنسان.
هنا لا بد من أن أشير عن معنى طارئية العلم والمعرفة وثبوت حالة الجهل، هي أن المتعلم كلما راكم من العلم والمعرفة يبني تصورات مستجدة دوما ويطور من معارفه، فيتحرك دوما نحو الأمام تاركا الجهل خلفه وربما لا يمكنه العودة لحالة الجهل أبدا، هذا التطور والتراكم لا ينتقل جينيا لمن هو بعده بل ينتقل الجهل وكأن العلم والجهل دورة مغلقة تبدأ وتتكرر من نفس النقطة، نعم قد تنتقل إلى أخرين بواسطة الشيوع والتعلم والتدوين والمشافهة والتجارب، لكنها لا تنتقل عبر الجينات أو العوامل الوراثية أبدا، هنا يمكننا أن نقول أن الجهل أصل، والأصل هي نقطة البدء التي تنطلق منها نفس العملية في كل مرة وتحت نفس الظروف، يمكن للمتعلم مثلا أن ينقطع عن التعلم وينتكس لكنه أبدا لا يعود إلى نفطة البدء نقطة الجهل، فالعقل الذي تعلم عبر حياته يحتفظ دائما بمناطق خاصة من تكويناته بما تعلم، ويمكن له أستخدامها عن اللزوم أو تحت فعل معين.
التحليل البسيكولوجي للخرافة يساعد على معرفة الأبعاد الحقيقية والتاريخية التي ساعدت على بقاء الخرافة وأنتشارها غي ضل تطور معرفي وعلمي تاريخي متواصل، حتى أن مفهوم الخرافة المعلن اليوم وصل الى دائرة العلم وظهر مصطلح "الخرافة العلمية"، فإذا كانت الخرافة أصلها جهل كيف لها أن تلتصق بالعلم وتنتسب له وتصبح واحدة من مفرداته الشائعة، الحقيقة أن العلم لا علاقة له بالخرافة ولا يمكن ان تكون جزء منه، إنما هي خرافة بعض العقول التي لا تعرف العلم ولا تتقيد بقوانينه، فتضع تصوراتها عن بعض المظاهر والمواضيع العلمية دون أن يكون لها برهان أو يقين، فالعقل الخرافي أو العقل الخرف هو من صنع مفهوم الخرافة العلمية وروج لها، تماما كما يحصل في نطاق الدين كمعرفة غير تجريبية تسللت لها الخرافة بكل سهولة لأسباب وعلل كثيرة سنتناولها في طيات البحث لاحقا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جودي سكيت.. يكشف عن أشياء مستحيل أن يفعلها ومفاجأة عن علاقته


.. تساؤلات حول تقرير واشنطن بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية في غ




.. بعد الوصول إلى -طريق مسدود- الهدنة لا تزال ممكنة في غزة.. «ج


.. المستشفى الإماراتي العائم في العريش.. جهود متواصلة لدعم الجر




.. تحرك دولي لإطلاق تحقيق مستقل بشأن مقابر جماعية في قطاع غزة