الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخابرات العسكرية الأسدية تتابع أمورَ البندورة وتهمِل سلاحَ الطيران

نصر اليوسف
(Nasr Al-yousef)

2024 / 4 / 28
المجتمع المدني


في مقالٍ لي سابق، نشرْتُـه تحت عنوان: "لبؤات آل التاجر وشقاء المواطنين"، تحدثتُ عن ظروف استدعائي إلى "فرع فلسطين" المشؤوم، وهنا أتابع الحديث وأدخل في بعض التفاصيل،،،
بناء على اتفاقٍ مسبق بين صديقي و"العميد الواسطة"، وصلتُ إلى مـقـر الفرع المذكور في الوقت المحدد، وعرّفت نفسي بأني ضيف سيادة العميد (فلان الفلاني). وبعد بضعة دقائق، اصطحبني أحد عناصر الاستعلامات إلى مكتبٍ في الطابق الرابع. دق باب المكتب، ثم فتحه وأدى التحية، فدخلت أنا وانصرف هو.
تبادلت مع "العميد الواسطة" بضع عبارات عادية، وبعد فترة قصيرة، دق البابَ عنصرٌ وأدى التحية، فأشار لي العميد أن أذهب معه.
اصطحبني العنصر إلى مكتبٍ في الطابق الثالث. وهناك سَـلّـمْـتُ مذكرة الاستدعاء لرجل في منتصف الخمسينيات من العمر، يرتدي لباساً مدنياً؛ كما الآخرين. وبعد فترة من التدقيق في دفتر سميك وكبير المساحة، اصطحبني إلى غرفة صغيرةِ المساحة، فيها من الأثاث كرسـيّان وطاولة، وخرج.
بعد فترة من الانتظار، كانت أشبه ما تكون بقرن من الأعمال الشاقة، دخل شابٌّ أسمر الوجه، نحيف الجسم، جلس على أحد الكرسيين، وأمَرَني أن أجلس على الكرسي المقابل، ودفع إلي باستمارة من عدة ورقات، وطلب مني أن أملأها بصدق وأمانة، وحذرني من مغبة التكتم على أية معلومة، وإلا واجهتُ أشياء لا تُـسِـرّ البتة!!!
بينما كنت منهمكا في ملء الفراغات، وفي اختيار أفضل صيغ الإجابات على ما تضمَّنتْه تلك الاستمارة من أسئلة، كان المحقق النحيف، تارة يقف خلفي وينظر إلى ما أكتب، وتارة أخرى يذهب إلى النافذة ويتبادل إيماءات مع آخرين، وتارة يجلس على كرسيّه، وينظر إليّ نظراتٍ ملؤها العدوانية والتحفّـز.
انتهيتُ من ملء الاستمارة وراجعتُها، ثم دفَـعْـتُـها إلى ذلك المخلوق الذي تقطر قسمات وجهه ســمّاً زعافاً...
أخذها وبدأ يقرأ ما كتبت، إلى أن وصل إلى بند الأحزاب التي انتسبت إليها... نظر إليّ والشرر يتطاير من عينيه، ومفاصل فكّـيه تتقلص وتنبسط؛ ثم قال لي بصوت حاد وعالٍ:
ـ هلق أنت نصير في الحزب؟
ـ أي، نعم،،،
ـ من سنة 1972 ولساتك نصير؟
ـ إي والله، هاد اللي صار...
ـ يعني، مانك عضو في أي حزب تاني؟
ـ لا والله يا معلم!!!
تقلصت شفتا ذلك المخلوق، وضاقت عيناه، واتكأ بيده اليسرى على الطاولة، وأبعد اليمنى عن جسده إلى الخلف، وفتح كفه، وصاح بصوت مرتفع:
ـ هلق،،، ما قلت لك لا تكذب ولاك!!!
وقبل أن يصل كفه إلى الهدف، اندفع رجل إلى داخل الغرفة، وصاح بالمحقق:
ـ ولك لاه لاه لاه يا زلمييي... ما قلنا لك هيك!!
اشْـتَـبَـكَـتْ في مداركي مشاعرُ لا يستطيع وصفها إلا الله. خجل، إهانة،، ذلّ،، فرح ٌبالنجاة من كف ذلك الوغد...
ثم طلب الرجل الجديد من ذلك المحقق القميء أن يهدأ، وأخذ منه الاستمارة، وطلب منه أن يتركنا وحيدين. فقال له:
ـ والله يا سيدي نبّــهتو وحذّرتو إنو ما يكذب، ومع ذلك،،، قال شو؟ قال الأخ مانو منظم بأي حزب سياسي غير حزب البعث العربي الإشتراكي.
ثم التفت إلي وقال:
ـ إي شو عليه!! لسّا عندنا وقت كتير، إي والله لطالع منك الخمير والفطير، يا خاين...
أحببت المحقق الجديد، لأنه حماني من ذلك المخلوق الأحمق. وبإشارة حاسمة منه، خرج المحقق الأول المتعطش لإهانة الآخرين، فيما جلس المحقق الجديد مكانه، وكانت لا تفارق محياه بسمة لطيفة جداً، وأشار لي بالجلوس بأدب واضح. ثم قال:
ـ هايا الكر آ بيعرف (هذا الحمار لا يعرف) إنو سيادة العميد موصينا فيك، ولذلك لا تآخذو.
ثم باشر بقراءة أجوبتي بتأنٍ، وتوقف طويلاً عند سيرتي الذاتية. وبعد فترة طويلة من الصمت، قال لي:
ـ ليك يا أستاذ! هلق سيادة العميد طالبك بدو يشوفك قبل ما يطلع من الدوام. ومشان انتمائك السياسي، الحقيقة في عندنا معلومات مؤكدة تثبت غير هيك. بقى بتحب تغير شي قبل ما آخدك لعندو؟
فقلت له:
ـ والله العظيم أنا لا أنتمي إلى أي حزب سياسي...
فضحك، وقال:
ـ بعرف، بعرف،،، بس الشغلة ما بتحتمل التلاعب بالألفاظ... هون مكتوب "الأحزاب السياسية التي انتميت إليها". نحنا منعرف إنك فعلاً حاليا تارك حزب صلاح جديد... بس إنت كنت عضو فيه، ولفترة طويلة. وإذا أصريت على الإنكار، فمهما كانت واسطتك قوية، لا يمكن إلا أن يصدر قرار بالـتّحفُـظ عليك ريثما يتم اتخاذ الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالة،،،
ثم أسهب في شرح الخطوات، موضحا أنها تستغرق فترة طويلة جداً، سأكون خلالها قيد الاعتقال في الفرع، وما يترتب على ذلك من...... إضافة إلى فقدان عملي في موسكو.
ثم سألني ما إذا كنت أريد أن أعيد النظر في إجابتي، فأجبت بالنفي.
فقال لي:
ـ على راحتك،،، تفضل معي لعند سيادة العميد.
أمام مكتب العميد، أشار إلي أن أبقى بجانب الباب، أما هو، فدخل وأغلق الباب خلفه، وبعد حوالي خمس دقائق فتح الباب ودعاني للدخول.
كانت ملامح وجه العميد مختلفة تماما عن تلك التي عرفتها في الصباح. تحدث إلي بنبرة جافة خالية من أي احترام. وقال:
ـ شوف يا نصر،،، الناس اللي حكوا فيك بحترمون، وبحطون على راسي... بس إذا بدك اياني ساعدك، لازم أنت تساعد حالك.
فقلت له:
ـ أنا مستعد يا سيادة العميد، شو بتريد أنا جاهز.
قال:
ـ بدك ما تخبي شي، ولا أي شيء أبداً،،، لإنو "إذا أكلت إنت وجماعة صلاح جديد بندوراية وحدة، نحنا منعرفا"..
هلق روح تغدا وفكّـر مليح،،، والمساء الساعة "ستي" (السادسة) بتجي لهون، وبدي شوف كلام تاني، مختلف....
فرحت كثيرا لأنه لا يزال بإمكاني مغادرة "فرع فلسطين" ومع ذلك بقي صدى كلمات العميد يتردد في ذاكرتي.
"فرع فلسطين" - فرع من فروع المــخــابــــرات العــســــكريـــة. أي أنّ نطاق صلاحياته واهتمامه يجب أن ينحصر ويتركز في حدود القوات المسلحة... ومع ذلك ترى عناصره وعناصر كل فروع المخابرات العـسـكريـة، يراقبون من يأكل البندورة خلال اجتماع سريّ للغاية تَعقدُهُ على بعد آلاف الكيلومترات خليّةُ حزبٍ سياسي. لكن كلَّ أنواع المخابرات الأسدية، بكل فروعها وعناصرها لم يعرفوا كيف تم تجنيد الطيار محمد بسام العدل، وكيف جرت ترتيبات هروبه بطائرة "ميغ 23" الحديثة إلى إسرائيل.
النظامُ الذي بناه حافظ الأسد، لم يكن يوماً مهتماً بشؤون الوطن ولا بشؤون المواطنين، بل ركز ويركز كلَّ اهتمامه على الاستئثار بالسلطة المطلقة والتشبث بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معتقل سري لتعذيب الفلسطينيين والعملية برفح تهدد بكارثة إنسان


.. نتنياهو يذهب إلى رفح رغم تصاعد المظاهرات المطالبة بصفقة الأس




.. شاهد:-حان الوقت للإطاحة بالديكتاتور!-.. عائلات الأسرى الإسرا


.. كلمة أخيرة - الأونروا: 24 ساعة وبعدها سيكون العالم أمام حقيق




.. كلمة أخيرة - التهجير من الشرق والوسط... متحدث الأونروا يكشف