الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الإنسان العربي

محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا

2024 / 4 / 28
المجتمع المدني


الإنسان لا يولد إنساناً، ولكنه يكتسب الإنسانية _ إيرازم.
في هذا الزمان إنك تجد الجميع إما مدنيين أو عسكريين وإما سكان مدن وإما تجار، وإما فنانين وإما علماء، وإما ملاكين أو أي شيء آخر، إلا أن يكونوا بشراً. إن لقب إنسان لم يعد مقدساً وعظيماً إلا بالكلمات وفي بطون الكتب، أما في الحياة فلن تجد من يهتم به ولا من يسأل عنه _ بيلنسكي.

من المعروف تاريخياً إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حدد حقوق ذلك الإنسان بأن لكل فرد حسب الإعلان: الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية، والحق بالمساوة أمام القانون، ومنع القبض على أي إنسان وحجزه بشكل تعسفي، بالإضافة إلى حقه باختيار عمله وحمايته من البطالة وحقه بالتعلم والصحة وحرية الرأي. ومن المعروف من التاريخ أيضاً أن تلك الحقوق كانت عرضة للانتهاك بشكل مستمر من قبل السلطات السياسية المستبدة.
وعلى الصعيد الإسلامي فقد كتب الرسول في المدينة المنورة " وثيقة المدينة " وهي أول عقد اجتماعي في الإسلام بين المهاجرين والأنصار واليهود والمشركين، بحيث حددت الحقوق والواجبات بين مكونات تلك الدولة بحيث أقرت حقوق الإنسان: في الحرية الدينية، والعدل، والمساواة، والأمن " وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن في المدينة ". كما صدرت البيانات حول حقوق الإنسان، وفي " البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان " الذي أعلن في مقر اليونسكو عام 1984 أن هذه الحقوق شرعها الخالق وليس من حق بشر، كائناً من كان، أن يعطلها أو يعتدي عليها. ومن هذه الحقوق حسب البيان: حق الحياة، حق الحرية، حق العدالة، حق الملكية، الحقوق الاقتصادية، حق التعبير والرأي، حق الفرد في محاكمة عادلة، الحرية الدينية وحقوق الأقليات، وحق الحماية من تعسف السلطة.
أما على الصعيد العربي لم يحتو ميثاق الجامعة العربية التي تأسست عام 1945 على أي اهتمام بحقوق الإنسان العربي. لكن في عام 1968 أنشأ مجلس الجامعة العربية اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، وفي عام 1982 اعتمد ميثاقاً لحقوق الإنسان العربي، لكنه لم يظهر إلا عام 1993، وبسبب قصوره عدل عام 2004، ودخل مرحلة التنفيذ عام 2008. ويلاحظ أن الأنظمة العربي كانت تتهرب من اعتماد ميثاق يتضمن حقوق الإنسان العربي.
لقد اعترفت تقارير التنمية العالمية الصادرة عن البنك الدولي إن الفقراء في دول العالم الثالث، ومنها الدول العربية، يحيون حياة خالية من الحريات الأساسية كحرية التصرف وحرية اتخاذ القرار وحرية الرأي، وكثيراً ما ينقص هؤلاء الفقراء الغذاء المناسب والمأوى والتعليم والصحة، وهذه الحاجة تحول دون تمكنهم من حياة كريمة مما يجعلهم في كثير من الأحيان عرضة للإصابة بالأمراض والهزات الاقتصادية والكوارث الطبيعية بالإضافة لطغيان المؤسسات الحكومية والاجتماعية بحيث أنهم لا يملكون من القوة والنفوذ ما يجعلهم يستطيعون التأثير على القرارات الهامة التي تؤثر تأثيراً مباشراً على حياتهم.
ونتيجة عدم قبول الآخر في العالم العربي، واحترام حقوق الإنسان حيث تقول المادة الرابعة عشر من ميثاق عام 2004: أن لكل شخص الحق في الحرية والأمان على شخصه. كما أن المادة الرابعة والعشرين تسمح له بالحرية السياسية، وحرية التجمع بصورة سلمية. لكن ممارسة الأنظمة العربية لم تهتم لا نظرياً ولا عملياً بحقوق الإنسان، فهذه الأنظمة في النهاية هي أنظمة مستبدة ولا تهتم إلا بما يضمن سيطرتها واستقرارها السياسي حتى أنها لا تتقبل ما يخالف توجهها السياسي. ونتيجة ذلك تحول الإنسان العربي شيء أشبه بالسلعة. وعلى رأي تيودور مايرغرين فإن " حرية الكلام ليست غاية في حد ذاتها ولكنها وسيلة ضرورية للتوصل إلى الحقائق ونشرها، هذه الحقائق اللازمة لحياة البشر وتقدمهم. لذا فإن قمع حرية الكلام يؤخر كل تقدم ثقافي: فقد يضطر الناس إلى النكوص إلى حالة بدائية من البربرية والإيمان بالخرافات والخوف " .
لقد تكلم هيجل عن جدلية السيد _ العبد، ويلاحظ أن السيد في العصور القديمة كان خارج الإنسان، أما في العصور الحديثة فقد أصبح العبد داخل الإنسان. فقد أصبح الإنسان في العصور الحديثة عبد ذاته، أسير نفسه، وأكثر ما يظهر هذا العبد الداخلي في الأنظمة الاستبدادية حيث يتجذر القهر والقمع والظلم في داخله عبر " العبودية الطوعية " بحيث أنه يتأقلم مع عبوديته ويرضى بالقهر، مما يخلق اغتراب الإنسان عن نفسه حتى أنه يصبح كما يقول أبو حيان التوحيدي " الغريب من هو في غربته غريب.. الغريب من نطق وصفه بالمحنة بعد المحنة، ودل عنوانه على الفتنة عقيب الفتنة.. الغريب من إن حضر كان غائباً، وإن غاب كان حاضراً " . وغربة الإنسان بين الإلهي والإنساني في داخله سجلته ملحمة جلجامش، ثلثاه من الآلهة وثلث من الإنسان، لكن ما يمزق جلجامش أن جانب الإنسان هو الذي ينتصر، وحتى يهرب من الفناء يبحث عن الخلود، ورحلة الخلود تكرس الجانب الإنساني. لكن هناك مأساة أخرى تواجه الإنسان، إنها مأساة الإنسان في مواجهة ظل الله على الأرض، الحاكم المستبد. حاكم مستبد أحرق الجانب الإلهي في الإنسان، وحطم الجانب الإنساني كذلك، وحول الإنسان إلى سلعة، عليه واجبات لا تطاق وبلا حق من حقوق الإنسان التي تعترف بها القوانين الدولية.
لقد اعتبر غرامشي " أن السؤال عن الإنسان ما هو، السؤال الأساسي في الفلسفة ". ويتابع " إن سؤالنا عن الإنسان ما هو، ليس سؤالاً مجرداً وموضوعياً، وإنما هو سؤال متولد من تفكيرنا في ذواتنا وفي الآخرين، ومما نريد أن نعرف، تبعاً لتغيرات تفكيرنا، مما شهدناه، ومما نحن فيه، ومما يمكننا أن نصير، وذلك لنعرف في الحقيقة، ضمن أية حدود، نحن صانعو ذواتنا، صانعو حياتنا، صانعو مصيرنا " . هذا الإنسان الذي يريده غرامشي سيد مصيره، يريده فاعلاً وصانعاً يعمل على تغيير البيئة الاجتماعية، كيف يبدو في المجتمع العربي؟ إنه كما يرى الدكتور مصطفى حجازي في كتابين عن الإنسان العربي: الإنسان المقهور والإنسان المهدور ، وحسب وجهة نظره فإن سيكولوجية التخلف من الناحية الإنسانية هي سيكولوجية الإنسان المقهور، القهر الذي تمارسه عليه الطبيعة التي هي خارج سيطرته، ثم القهر الذي تمارسه عليه السلطة السياسية وتفرض عليه الرضوخ. وفي كتابه الثاني يطور الدكتور مصطفى اطروحته حول الإنسان العربي ويعتبر " الإنسان المهدور "، والهدر أكثر جذرية من القهر، ويحدد الدكتور مصطفى الهدر بأنه التنكر لإنسانية الإنسان وعدم الاعتراف بقيمته وحصانته وكيانه وحقوقه. ويمكن إضافة صفة أخرى للإنسان العربي " الإنسان الذي اختار " العبودية الطوعية "، حسب تعبير المفكر دولابواسي، ويحدد تلك العبودية الطوعية بأن: " كل الأشياء تصبح طبيعية حيال الإنسان حين يتعودها.. فهكذا فعلة العبودية الطوعية الأولى هي العادة " . ذلك أن الناس الذي ولدوا وعاشوا في ظل العبودية يعتبرون أن الوضع الذي هم عليه هو الوضع الطبيعي ويقتنعون بعبوديتهم. ولا يختلف توصيف الدكتور هشام شرابي للإنسان العربي عن العبودية الطوعية " إن خصائص الاتكالية والعجز والتهرب هي من صميم السلوك البورجوازي_ الاقطاعي، والواقع أن الاتكالية والعجز والتهرب تجسم شعوراً بورجوازياً _ إقطاعياً هو الشعور بعدم القدرة " . ويمكن ببساطة أن ترى العبودية الطوعية داخل الإنسان العربي، فرغم حراك الشعب العربي من أجل الحرية والعدالة والكرامة، لكنه بعد إخفاق " الزلزال العربي " لأسباب داخلية وخارجية عاد ذلك الإنسان العربي إلى مكانه كإنسان يجد الطمأنينة في عبوديته الطوعية. وربما يكون توفيق الحكيم أفضل من صور تلك العبودية الطوعية في الإنسان العربي في مسرحية " أهل الكهف "، فأهل الكهف هم أبناء العصر الماضي، وحين يكتشفون العصر الجديد يشعرون بالغربة، وبدل أن ينخرطوا في العصر الحاضر ويصارعوا من أجل مستقبلهم يفضلون العودة إلى كهف الماضي، يدفعهم شعورهم بعدم القدرة على العيش طوعياً في الحاضر والتأقلم معه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Lawyer arrested on LIVE TV


.. اللاجئون السوريون في لبنان.. ما أبرز معاناتهم وما مصيرهم؟




.. عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. هل هو مشروع جزائري أم إماراتي؟


.. إصابة عدد من موظفي الأمم المتحدة جراء إطلاق نار عند معبر #رف




.. فيديو: انتقادات حقوقية لنظام بطاقات الدفع لطالبي اللجوء في أ