الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى يوم الفلاح المصرى- 30 إبريل

بشير صقر

2024 / 4 / 30
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


تقديم :

تتلاقى فى الثلاثين من إبريل عدة مناسبات هامة تتصل مباشرة بنضالات الفلاحين المصريين ، ففيه استشهد بقرية كمشيش صلاح حسين السياسى الفلاحى الأشهر أهم من تصدى عمليا ونظريا لأشرس أنواع الإقطاع فى مصر.

وأبرز من حمى حما قانون الإصلاح الزراعى الصادر فى 9 سبتمبر ؛ 1952بعد حركة ضباط الجيش بسبعة وأربعين يوما؛ حيث أعلن فى سرادق عزاء بالقريةعن صدور قانون يعيد توزيع الأرض الزراعية المكتنزة لدى الإقطاعيين علي الفلاحين الفقراء والمعدمين. وناشد فلاحى قرية كمشيش ومصر بالامتناع عن السخرة فى الأراضى المكتنزة.. ونفذه فى قريته. بل لم يكل من الإبلاغ عن تهرب الإقطاع فى قريته من تنفيذ قانون الإصلاح الزراعى بتواطؤ اجهزة الدولة لمدة 9 سنوات ونجح فىى ذلك وأثبته.. واسترد الفلاحون الأرض المهربة.

وأول من تنبأ فى مصرعام 1966من السياسيين باندلاع حرب عدوانية وشيكة ( حرب 1967) تتقاطع مع نشاط رجعى واسع ومحموم تم تدشينه فى عام 1965 فى عزاء والدة الإقطاعى عمدة كمشيش.

وأبرز من طالب بإبعاد من قاوموا تطبيق قانون الإصلاح الزراعى ومن تهربوا من تطبيقه من كبار ملاك الأرض الزراعية أو ساعدوا فى ذلك أو تواطأوا عليه من أجهزة الدولة وخصوصا أجهزة الحكم المحلى وأجهزة الأمن. ومصادرة قصورالإقطاعيين ومنازلهم التى كانت تتخذ أوكارا لمقاومة تنفيذ القانون وإرهاب الفلاحين ومطاردتهم وخنق حركتهم الداعمة للقانون.
ونوضح أن عديدا من فلاحى الإصلاح الزراعى فى كثير من قرى مصر وكمشيش بالمنوفية ومنطقة الأشراك بالبحيرة قد طردوا من الأرض التى ملكتها لهم الدولة ودفعوا ثمنها لهيئة الإصلاح الزراعى علي 40 قسطا سنويا نظرا لامتناع الهيئة المذكورة عن مد الفلاحين بمستندات توزيع الأرض لتقديمها للقضاء .. ومن ثم خسروا قضاياهم وعوقبوابأحكام ريع باعتبارهم مغتصبين للأرض حيث بلغ ريع الفدان فى تلك الأحكام مئات الألوف من الجنيهات ولازالت بعض قضاياهم منظورة أمام القضاء وسيُبتّ فيها فى 30 مايو 2024 بمحاكم البحيرة والأسابيع القادمة بمحاكم المنوفية.

مخاطر تحيق بالزراعة فى مصر:

يمثل ضيق الرقعة الزراعية أولى المخاطر التى تعانى منها الزراعة حيث يعيش السكان بمختلف نشاطاتهم فى مصر- وعددهم يتجاوز المائة مليون نسمة - على مساحة لا تتجاوز(1 / 40) من إجمالى المساحة الجغرافية .

كذلك توقفت الدولة من خلال وزارة استصلاح الأراضى عن الجانب الأعظم من عمليات ومشروعات الاستصلاح منذ منتصف السبعينات بل وألغت اسم الوزارة المختصة بذلك واستبدلته باسم الشركة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية . وما لديها من بقايا أراضى الاستصلاح القديمة لا تقوم بتوزعها علي صغار وفقراء الفلاحين الذين أضيروا من قانون الإيجارات الجديد ( 96 / 1992) أو طردوا من اراضى الإصلاح الزراعى بل تبيعها للشركات الاستثمارية أو تعطيها كحق انتفاع للمستثمرين العرب.

كذلك تفاقمت مشكلة الإسكان الريفى التى صارت أقرب للوباء المستعصى علي العلاج نظرا لعدم وجود أراضى فضاء تملكها الدولة بالريف وبسبب الإحجام عن ابتكارحلول راديكالية لتخطيط القرى تعيد بناء الكتلة السكانية فى الريف بشكل رأسى وتعزل مساكن الفلاحين عن المخازن والأجران وحظائرالدواب والطيوروالمرافق العامة.

وتتعرض الرقعة الزراعية للتناقص جراء التجريف والبناء والزيادة السكانية والتوسع فى مصانع الطوب اللبن.
ويتوازى مع ذلك ويفاقمه جملة المخاطر التى تكتنف مياه النيل والعقبات التى تعترض استمرار تدفق مياهه بعد بناء السد الأثيوبى وبعد تفجر الأوضاع فى السودان.

لذا فإن أكثرالإشكاليات خطرا على الزراعة تتمثل فى الآتى:

توقف عمليات الاستصلاح الحكومى منذ عصر السادات ، وعدم تشجيع العمليات الاستصلاح الأهلية التى كان يقوم بها الفلاحون الذين يقطنون حواف الوادى بالصعيد واستيلاء الدولة وكثير من حكام الأقاليم والمتنفذين بالريف علي المساحات التى استصلحها الفلاحون الصغار بدعوى أنها أراضى دولة وتم استصلاحها دون تصريح .. بينما الدولة تعرف ما يقوم به الفلاحون ولم تكلف نفسها وقفهم منذ البداية بل تحركت عندما حل اللون الأخضر محل لون الصحراء وصارت المساحات التى استصلحت مهيأة للزراعة ومن ثم تم الانقضاض عليها وسلبها بذريعة امتلاك الدولة لها.

كما شكل ارتداد الدولة وتنكرها لواجباتها ووعودها بشأن الامتناع عن تحرير عقود تمليك أرض ألاصلاح الزراعى لقطاع واسع من الفلاحين تطبيقا لقانون الإصلاح الزراعى الذى كان علاجا لتركز الثروة فى حوزة 2%- 3% من السكان وترك فقراء الفلاحين ومعدميهم دون مصدر رزق ومساهمتها وإمعانها فى طرد الفلاحين من أرض الإصلاح كما هو قائم في ربع القرن الأخير بابتداع نوع جديد من المحاكم منذ عصر السادات يتشكل ويُنتقى من خارج الجهاز القضائى باسم محاكم القيم .. وتلك المحاكم أصدرت مالا يقل عن نصف أحكام طرد فلاحى الإصلاح الزراعى منذ إنشائها.

وكان تنصل الدولة من دورها التنفيذى فى صلتها بالتخطيط الزراعى والإدارة الزراعية وفتح الباب علي الغارب أمام التفريط في زراعة القطن طويل التيلة والانسحاب من سوقه العالمى وبالتالى توجيه ضربة في الصميم لعديد من الصناعات المستفيدة من زراعته مثل صناعة الغزل، وصناعة النسيج، وصناعة الصباغة ، وصناعة الملابس الجاهزة وغيرها.. ومن ثم التدهور السريع لتلك الصناعات والأنشطة المرتبطة بها.

ولم يقتصر التدهورعلي ذلك بل امتد لمستلزمات الإنتاج الزراعى ( البذور ، الأسمدة ، المبيدات ، الآلات ، الأعلاف ، اللقاحات والأمصال البيطرية) التى انتقل تداولها إلى تجار القطاع الخاص ، والشركات العولمية الكبرى التى تتحكم فى الإنتاج الزراعى بسيطرتها علي إنتاج وتوزيع مستلزمات الزراعة فى الأسواق العالمية.

وكذلك رفع الدعم عن أسعارهذه المستلزمات، وعن أسعار فوائد القروض التى يروجها بنك التنمية والائتمان ( البنك الزراعى حاليا).

وارتفاع أسعار الإيجارات الزراعية منذ عام 1997 من ستمائة جنيه سنويا للفدان حتى بلغ حاليا مالا يقل عن (30 ألف جنيه). بزيادة تقدر بـ (50 مثلا ) من أسعار ما قبل تنفيذ القانون ، وتقدر بحوالى ( 20 مثلا ) بأسعار ما بعد تنفيذ القانون مباشرة.

وهو ما يعنى محاصرة نمط الإنتاج الفلاحى الصغير التى يتبناه فقراء وصغار الفلاحين الذين يمثلون 75 % من فلاحى مصر ويعجل بالقضاء عليه وعلي الجزء الأعظم من الفلاحين الذين يستخدمونه؛ ومن ثم انخفضت جدوى حرفة الزراعة لمستويات غير مسبوقة فترك المستأجرون الأرض المستأجرة ؛ وشرع قطاع ملاك الأرض الصغار والملاك الغائبين عن القرية فى التخلص من أراضيهم بالبيع للزراع الأكثر يسرا ومقدرة علي تحمل انخفاض جدوى الزراعة وصعوباتها.

إشكالية جديدة تنتشرفى أوساط الزراعة .. الفوضى:

وقد أفضى هذا الارتداد عن السياسات القديمة التى ارسيت فى العقدين التاليين لاستيلاء الجيش فى يوليو 1952علي السلطة خصوصا فيما يتصل بدور الدولة فى الإدارة المباشرة لأمور الزراعة ، وتوفير مستلزمات الإنتاج ( بذور، أسمدة ، مبيدات...إلخ ) للفلاحين ، والتنصل من استكمال إجراءات الإصلاح الزراعى تجاه من سددوا من الفلاحين كامل أثمان أراضيهم بمنعهم من الحصول على عقود تملّكها.

ناهيك عما اتخذه مؤتمر هيكلة الزراعة المصرية بقيادة البنك الدولى وصندوق النقد ووكالة التنمية الدولية الأمريكية ودعم ومساهمة وزارة يوسف والى بحى الدقى بمدينة الجيزة من توصيات تفصم العلاقة بين الدولة والزراعة المصرية تماما وتلغى الدور الإجتماعى للأرض الزراعية ، وتمهد لوضع قانون جديد للإيجارات الزراعية (96 / 1992) يبطل الجانب الجوهرى في قانون الإصلاح الزراعى ، ويضع العلاقة بين المالك والمستأجر رهن قوى السوق والعرض والطلب ، ويبث جرثومة الفوضى فى الزراعة المصرية . ويخلق المقدمات الضرورية لاعتبار ملاك 3 أفدنة فأقل ليسوا فلاحين تمهيدا لاستبعادهم - فيما بعد - من عضوية الجمعيات التعاونية الزراعية وحرمانهم من خدماتها وهكذا .


والعبث فى المنظومة القانونية الزراعية بإلغاء عديد من القوانين فائقة الأهمية للأرض والزراعة ومنها القوانين التى تحافظ علي استمرار خصوبة التربة وإنتاجية المحاصيل ودرء الأمراض والآفاتالزراعية مثل قانون الدورة الزراعية وقانون التجميع الزراعى ، ولوائح الإرشاد الزراعى التقنية وتعديل قوانين أخرى مثل قانون التعاون الزراعى ليتيسر الاستيلاء علي القطاع التعاونى لصالح كبار الزراع والمستثمرين؛ كما حدث للقطاع العام الصناعى. والشروع فى التخلص من بعض أراضى فلاحى الإصلاح الزراعى المتميزة بشرق الإسكندرية ببيعها بالمزاد او بدون مزاد لكبار المتنفذين وعدد من حكام الأقاليم والمسئولين السابقين.

وخرق قوانين أخرى فى وضح النهار مثل قانون الزراعة 53 / 1966 ( مادة 90 ) التى تحظر صرف مستلزمات الزراعة إلا لزارع الأرض الفعليين بصرف النظر عن علاقتهم القانونية بها.

هذا وقد ذكر د. محمد عبد السلام جمعة رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق الملقب بـ أبو القمح فى صالون ابن لقمان بالمنصورة فى ديسمبر 2007 قائلا : فوضى الزراعة جعلت كل حائز أرض يتصرف فيها حسب هواه بصرف النظر عن المصلحة العليا للزراعة وتجاهلا للبديهيات المفترضة في هذا الشأن مما سمح للبعض أن يزرعوا ما مساحته 170 ألف فدان بمحصول لب التسالى.. فى بلد يسكنه آنذاك 80 مليون نسمة ويعانى من ضيق الرقعة الزراعية.

هذا وقد شكل التخلى عن دعم مسلزمات الزراعة ، والقروض الزراعية - بتحويل بنك التسليف لبنك تجارى يستخدم أسعار الفائدة التجارية ، وسُمِح له بالاستيلاء دون حق علي رءوس أموال الجمعيات التعاونية الزراعية بقوة القرار السياسى- وهو ما كان النتيجة المباشرة للعزوف عن حرفة الزراعة والتى انتشرت بالتدريج حتى باتت صورة واضحة فى الريف .

وقد فتح ذلك البابَ أمام دخول البذور الأجنبية لتصير بديلا عن البذور المحلية.. وتقليص ميزانيات البحث العلمى فى مجال الزراعة والإرشاد الزراعى وتهميش دور محطات الغربلة وإكثار التقاوى.. ومن ثم الاستغناء عنها.. وساهم ذلك فى نسج وشائج التبعية الزراعية للخارج.

وعلى غرار ذلك ما جرى فى مجال منح غيرالأمناء والمختصين حق استيراد المبيدات المحظورة دوليا فى عهد د. يوسف والى ومنذ ذلك التاريخ تحول الريف المصرى إلى مرتع لأوبئة الفشل الكلوى والكبدى والسرطان وسوء التغذية .. حيث لاتخلو قرية فى مصر من انتشار تلك الأوبئة في الجزء الأكبرمن السكان.

وماذا بعد ..؟

لقد ساهمت كل تلك الإجراءات سواء كانت بموجب تشريعات (مستحدثة أو معدلة أو أخرى ملغاة ) أو نتيجة لها ، أو كانت بنت السياسة العامة أو السياسة الزراعية أيا كانت تلك السياسة موثقة أو شفهية .. فى التدهور الحالى للزراعة المصرية وحالة القنوط والعزوف عن العمل الزراعى التى تنتاب الأغلبية الساحقة من الفلاحين المصريين خصوصا الصغار والفقراء.لقد شاركت تلك الحالة فى تدهور الوضع الاقتصادى المصرى عموما وفى التدنى المستمر للقوة الشرائية للعمْلة المصرية .. وبالتالى فى تدهور مستوى معيشة الفقراء إلى حدود تتجاوز ما كان قائما فى أشد عصور الملكية قسوة ورجعية .

فلم نسمع علي مدارالثمانين عاما المنصرمة عن دولة أو شعب تجاوز محنته أو أزماته أيا كان نوعها دون النهوض بالتعليم والزراعة والصناعة والاستخراج.
أو باتباع روشتات صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى أو منظمة التجارة الأمريكية الدولية ، أو بتسليم زمام قيادة الاقتصاد القومى لقطاع المقاولات فالطوب والأسفلت والأسمنت وأسياخ حديد التسليح لايمكن أن تقود التعليم والزراعة والصناعة ولكم فى ماليزيا ومهاتير محمد أسوة حسنة .

كذلك لايمكن أن تنهض بالعملة وتوقفها علي أرجلها وسط الدينار واليورو والريال والروبل والدولار حتى لو قام كل فرد من المائة مليون مواطن مصرى بحمل شيكارة أسمنت أو كوريك أو جاروف علي كتفه لعدة أعوام لأن العقارات لم تتبوأ فى أي يوم زمام القيادة فى علوم الاقتصاد والتنمية ومشروعلتهما..الغربية والشرقية..الرأسمالية والاشتراكية .

فالدولة تحتاج إلى توجهات علمية خلاقة تحتضن الشعب وتحنو عليه وإلى إبداعات مبتكرة تحفزه للمشاركة فى البناء والإقدام عليه بادئة بالتعليم والزراعة والصناعة والاستخراج وأن يشعر في كل خطوة يخطوها بجدية الدولة وبقدر ولو محدود من تحسن أحواله ؛ ومن هنا لا يحتاج الإصلاح لمقاولين ومعدات عقارية وآلات حاسبة.. ولا إلى روشتات مؤسسات اللصوصية الدولية.. ولا صبيانها وسماسرتها من الخليجيين العرب.

خاتمة:

لذا كان تذكيرنا بالمبادرات الرائدة لابن قرية كمشيش الشهيد صلاح حسين سواء فى قيادة أبناء قريته نحو العصيان علي السخرة فى أرض الإقطاع وعلي التنبيه لمكامن الخطرومصادرها الداخلية والخارجية علي الوطن، واقتراح الإجراءات الكفيلة بتقييد النشاط المعادى وحرمانه من أسلحته ومواطن قوته ، والتصويب علي نقاط ضعفه؛ فالشعب المصرى غنى بأبنائه المخلصين - من نوعية شهيدنا المقدام- الذين تركوا تراثا ثمينا من الأفكار والمواقف والنصائح النضالية الحقيقية.

الثلاثاء 30 إبريل 2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب


.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال




.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني




.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ