الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأريخ الخرافة ح 4

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 5 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا تحديد نوع الجهل على إثره نحدد نوع الخرافة تبعا لذلك، فهناك خرافات كاملة نابعة من جهل كامل، مردها أن الإنسان بنى تصوره وجسد الخرافة دون أن يفهمها بعلاتها وأسبابها، ولو قدر له أن يفهمها ما عاد يؤمن بالخرافة، مثال ذلك عندما يحدث زلزال أو كارثة بيئية لأول مرة في حياته وهو لا يملك أي معلومات مسبقة عنها، سرعان ما سينسج تصور عنها كردة فعل تفسيري مبني على جهل تام وكامل، فيتصور وفق المعلومات البسيطة المتراكمة عنده من قضايا اخرى ليوهم نفسه أو ليقنعها أن ما حدث يعود مثلا لنفس الأسباب والمسببات، فمثلا يتصور الزلزال انه من فعل قوة متحفية أو موجوده خلف الجبال او في وسط السماء هي التي حركت الأرض لأنها غاضبة، هذا تماما ما يحصل وعشناه نحن عندما كان يؤمن البعض من الناس بأن كسوف القمر ما هو إلا نتيجة ابتلاع الحوت للقمر، فلابد من إخافة الحوت حتى لا تبتلعه كاملا، لذا يلجؤون إلى الطرق وإحداث الضجيج حتى يفزع الحوت ويلفظ القمر.
الخرافة من النوع الثاني هي الخرافة المركبة والتي من تسميتها تتكون من صنف معرفة وكثيرا من جهل فاشي، فهي مركبة من النقيضين في وقت واحد فهي لا تنتسب لهذا أو لذاك لأنها لا تنطبق مع معيار التمييز لكل منهما، وهذه نشأت لاحقا في حياة الإنسان وتطورت وكبرت وتواجدت مع المعرفة، فهي ليست وليدة جهل كامل ولا وليدة معرفة صحيحة، من خصائص هذه الخرافة أن جذرها التكويني أو أساسها قد يكون صحيح ولكن ما بني على الأسس هو من جهل العقل في متابعة طريقة البناء، يمكن تسمية هذه الخرافة بالجهل المعرفي أو بالمعرفة الجاهلة، وتحدث عادة هذه الخرافات في دائرة المعرفة الشائعة أو التي مر عليها زمن دون أن تخضع للضبط أو التصحيح، فتتراكم التصورات حولها وفيها ومنها لتشكل فكرة أخرى غير تلك التي نشأت منها، ونجد هذه الخرافات عادة في مجالي التاريخ أو الفكر التاريخي للشعوب نتيجة عدم التدوين والحفظ، كما نجدها كثيرا في دائرة الفكر الديني والأسطوري العقائدي.
بقول أحد الكتاب الذين درسوا الخرافة في المجال الأكثر شيوعها لها وهو المجال الديني العقائدي، محللا سبب هذا الشيوع في هذا النوع تحديدا من المعرفة الإنسانية دون أن يفرق بين الخرافة الكاملة أو الخرافة المركبة فيقول (لأن الخرافة وانطلاقاً من الإدراك العلمي لجذورها والأسس الذاتية لها، تولد وتنتشر من عنصرين اثنين، لتصبح مع مرور الزمن تلك الحقيقة التي لا يمكن التخلّي عنها، والتي يبذل الغالي والنفيس من أجلها: أـ عنصر نفاذ الأفكار والمفاهيم غير الواقعية، ب ـ المسلكيات غير الصحيحة المرتبطة بها أو الملتصقة فيه) الحقيقة أن صاحب هذا الرأي وإن أدرك جزء من الإشكالية لكنه لم ينجح في تحليلها صحيحا، فالعناصر التي تجعل من الخرافة شائعة في الفكر الديني تعود أولا لفهم الناس أن مصدر الفكر الديني دائما غيبي، وبالتالي فالغيب مرتع مهم في تكوين الصور الذهنية الخاصة عن أي موضوع.
النقطة الأخرى وهي أن قبضة الدين على عقول الناس من خلال النصوص المدونة تكون عادة قوية وتامة، لكن الأنفلات وتعشعش الأفكار الخرافية يظهر في اللا مدون منها أي العقائد الشائعة بالإنتقال شفاهه أو من خلال الممارسة دون أن تكون قواعدها مكتوبة ومحددة وبينة، وحتى المدون القابل لتفاسير عديدة وتأويلات مختلفة وأجتهادات شخصية على حسب الأعتبار الزماني والمكاني والحالي لا تسلم هي الأخرى من الخرفنة والأسطرة، خاصة وأن المستوى العقلي والفكري في كل المجتمعات ومنها المجتمع الديني كقاعدة عامة تتفاوت في الإدراك والفهم وهضم الفكرة الدينية بشكل أو أخر، هذه الأسباب والعلل التي ترافق النص الديني وليس فقط في الأديان المدونة بشكل عام، بل وحتى في الأيديولوجيات الفكرية والميثولوجيا الإنسانية.
ولعل هذا ما يفسر ارتباط تلك الفئة التي تلتزم بالدين من دون أن تكون لها حصانة علمية أو معرفة منطقية رقيبة على الأعتقاد الذاتي أو منحازة له بالخرافة، والسقوط في تراكيب ما تنتج منها حتى بصل الحال ببعضهم ان يقدموا مفهومها وتصورها الخرافي على أساسيات الدين، ومن أمثلة ذلك الغالين الذين انحرفوا في بعض رموزهم الفكرية والشخصية وألهوها دون أن يكون مبدأ الوحدانية الشائع في دينهم مانع من ذلك الأمر، الإنعزال ربما أو التوقف عند نقاط فكرية وتحريم تجاوزها لسبب ما أو قد يكون إدخال البعض جزء من عقيدة أخرى كانت سابقة موجودة في المجتمع أو مقبولة وفقا للأخلاقيات المحلية خاصة تلك الفئات التي لا تربطها بالفئة المؤسساتية للدين بعلاقة، هذه الفئات سريعا ما تقع في أحضان الخرافة ووقوعها في شراكها، كما يفسر كذلك سلوك الفئة الأخرى التي لا تعير أي اهتمامٍ للبحث في أمور دينها أهتمام لازم، ولا تتعب نفسها في البحث والتحقيق، فتكون صيداً لصانعي الخرافات، وأرضية سهلة لنشر الأفكار المنحرفة والخرافية.
التاريخ البشري في كل تفاصيله مما وصلنا منه أو وصلنا له بالبحث والأكتشاف والدراسة يثبت حقيقة واحدة، وهي أن الإنسان كان كائنا معرفيا منذ اللحظة الأولى وبأمتياز ومنذ أن أمتلك الوعي بوجوده، وهذا الأمتلاك في الحقيقة لم ينشأ من مجرد حركة حدوثية أو بفعل فاعل خارجي كما في الفهم الديني الذي عليه غالب الناس، لكنه أضافة إلى ذلك كان مجرد الوجود في الوجود ومع الطبيعة السيكولوجية والفيسيولوجية له، جعله أمام تحدي "أكتشاف الوعي"، مجرد البحث عن الطعام كان ذلك جزء من عملية الأكتشاف، الشعور الحسي بالبيئة من حوله وأثارها عليه، هذا جزء من الأكتشاف، تفاعله مع ما حوله من مظاهر حياتية وتقلبات جوية وتبدلات الليل والنهار وما فيها من شروق الشمس وظهور النجوم واختفائهما، أثارت فيه أنواع كثيرة من الأسئلة تزاحمت على عقله وقادته للجوء إلى تفسيرات محدودة في البداية، سرعان ما تطورت وتضخمت مع الأيام وتراكم الأكتشاف، من ضمن هذا الوعي المكتشف كانت أجزاء كبيره منه في وقتها حقائق لا تقبل النقاش، مع أننا نعدها اليوم وفق تعريفاتنا مجرد خرافات بدائية مضحكة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج