الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في الدين والسياسة - العروبة

سارة صالح

2024 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تواصل وجود فكر ما أو أيديولوجيا أو فلسفة أو دين لا يعني بالضرورة صحته وضرورته للبشر، بل يعود ذلك إلى عامل التلقين والنشأة عليه والعيش تحته وأيضا إلى المصالح الاقتصادية والسياسية المختفية وراءه.
الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الواعي المسؤول عن منتجات وعيه عكس الحيوان، هو بذلك الوحيد الباحث والمنتج للمعنى من كل ما يحيط به،
في بحثه ذاك، يصطدم بحتميات كثيرة تجعل من وجوده دون معنى، ومن رفضه لتلك الحقيقة يفسر ويخلق المعاني ليطمئن وليستطيع مواصلة المسير،
من ذلك نشأت الأديان والفلسفات والأيديولوجيات، وكلها حاول بها الإنسان تفسير الظواهر الطبيعية القاسية المحيطة به،
حاول بها تفسير مواقف غيره من البشر وفهم تصرفاتهم وتحزباتهم.
وبما أن البشر يختلفون في مداركهم، كان للبعض السبق على غيرهم فكانت تفسيراتهم دساتير تبعها غيرهم ورضوا بها، فنشأت السيطرة وحكم ذلك البعض القليل للأغلبية،
منطق لا يمكن رفضه أو الهروب منه ولا يزال حاكما إلى اليوم، وهو "إن الحكم والسيطرة إلا للقوي"، هذا القوي الذي سن أسلافه طريق الاستعباد التي فرضت وقبلتها الشعوب، ليس بالضرورة أنه يحكم بقوة الحق بل غالبا ما يحكم بحق القوة، وهذا ما لا يمكن نفيه عن أي فكر بشري.
كل فكر سيدعي أنه الأحق بالحق، لكنه لم يستطع طوال التاريخ ولن يستطيع الدفاع عن عيوبه إلا بالسلطة، وعلى رأي الراحل الجليل نبيل فياض: "كلما ازدادت الفكرة هشاشة، كلما ازداد إرهاب أصحابها في الدفاع عنها".
ويحق لنا أن نتساءل عن أكثر الأفكار هشاشة اليوم، وأن نجيب بأن الدين يأتي في أعلى هرمها،
ويتصدر الإسلام القائمة دون منازع.
لماذا لم يتطور هذا الدين ولماذا لم تحدث فيه نهضة إلى الآن؟
المسألة الأولى التي يجب التطرق إليها والتي يغفلها الكثيرون هي عروبة الإسلام التي قضت على الهويات الحقيقية للشعوب، وفيها رد على من يرون الحل في العمل على إعادة الهويات الأصلية،
بعيدا عن العواطف وعندما نلتزم بمنهج علمي صارم، علينا أن نسأل أنفسنا هل هذا الحل قابل للتحقق أو لا؟ إذا كان الأمل مستحيلا علينا أن نقر بأن مواصلة الدعوة إلى هذا الحل لن يكون إلا أوهاما ويوتوبيا لا يجب على من يتصدر ساحات التنوير والتغيير مواصلة النداء به،
هذا الحل مستحيل التحقق لأنه ببساطة مرتبط باللغة، واللغة العربية ليست أي لغة، وهي ليست لغة دينية فحسب بل هي لغة هوية، فمن تكلمها أصبح عربيا،
ولا يهم هل هذا العربي يرى نفسه كذلك بالعرق أو بالثقافة والدين، الشعوب ترى أنفسها عربية لأن لغتها عربية ولا يمكن لهذه الشعوب أن تخرج من اعتقادها ذاك إلا بانقراض العربية عندها كلغة وهذا أستطيع الجزم أنه لن يحدث.
ليس قولي دفاعا عن هوية أعرف أنها ليست أصلية لكنه قول يبني على واقع يجزم أن المناداة بإعادة الهويات الأصلية ليس إلا يوتوبيا لا يمكن أن تتحقق،
وإذا كانت كذلك فلماذا مواصلة النداء بها كحل؟
القائلون بالهويات الأصلية عندهم حجة تظهر قوية لكنها ليست كذلك، وهي أنه كلما اجتمع الإسلام والعروبة حل الخراب، ويقولون أنه عندما نقارن الدول التي لا تستعمل اللغة العربية نجد أنها أرقى ولو قليلا من التي تستعمل اللغة،
قد يصدق قولهم مع أندونيسيا لكن ماذا عن أفغانستان؟
مثال أفغانستان أتصور أنه يفند الزعم بأن الهوية العربية هي أصل الداء ويثبت أن الإسلام هو الألف والباء، لكن مع التأكيد على أن الممجدين لهوية بدوية صحراوية قاحلة لا يمكن أن يكونوا أصحاب حق، ولا أتصور أنه يمكن أن يكون لهم مكان في مسيرة التنوير والتحرير.
نعم الإسلام وبنسبة كبيرة هو هوية ومعتقدات بدو القرن السابع، لكن وللأسف فات الفوت اليوم وحصل ما في الصدور بالنسبة للهوية العربية، والحل ليس في القضاء عليها وهو وهم ويوتوبيا بل في تهميشها وهو نفس الحل مع الإسلام، التهميش حتى لا يبقى منها ومنه غير الأسماء هذا ما يجب العمل عليه لا غيره.
تجربة الأوربيين تختلف، فقد تزامن فيها صعود البرجوازيات والتنوير والاستقلال اللغوي، هذا لن يحدث في دولنا وهو واقع للأسف يجب قبوله.
أصحاب هذا المنهج فيهم الكثيرين ممن يمكن وصفهم بالتكفيريين، لأنهم يخرجون كل من ليس منهم من مسيرة التنوير، يصفونهم بالعروبيين وتحت هذا التوصيف يضعون الجميع في سلة واحدة (اليساريون، العلمانيون، المتدينون بشتى فرقهم حتى من يحاربون الشريعة والإخوان والسلفيين...)، والرد عليهم ببساطة ومن أرض الواقع: ما نسبة نجاح ما ترمون إليه ولو بعد قرون؟
أظن أن هؤلاء يتناسون أمرا مهما وهو دور الغرب في إعاقة النهضة المأمولة في مجتمعاتنا.
مارتن لوثر عندما ترجم البايبل للألمانية كان عنده عدوا واحدا أمامه وهو الإمبراطورية المقدسة، لم يكن عنده في الخارج إمبراطوريات تعاديه وتحرص على تواصل تخلف مجتمعه، ولا يجب علينا أن نتجاهل هذه الحقيقة التي تجعل من الهدف المنشود يوتوبيا حتى لا أقول وهما.
لكن بالمقابل، أولئك الذين يمجدون العروبة وقوميتها ولغتها، ونراهم في دول عديدة فرضوا اللغة العربية كلغة تدريس حتى للعلوم، هؤلاء حقيقة ديناصورات آن لها أن تنقرض، ويجب تخليص تدريس العلوم بل والفلسفة من براثن اللغة العربية.
العربية لغة دين كاللاتينية، فات وقت جعلها لغة مساجد فقط مثلما حصل مع اللاتينية، وهي باقية، قد تصلح للآداب والأشعار، أما للعلوم والفلسفة فهو المستحيل بعينه، والمنصفون يرون مستويات الطلبة في الدول التي عربت التعليم وغيرها ممن تستعمل لغات أوروبية.
أخيرا، في هذه النقطة، نعم من لا يتكلم عن العروبة لم يفهم حقيقة الإسلام، لكن شتان بين الأحلام وبين حقيقة الواقع وإملاءاته، في هذا الواقع يجب العمل لكيلا نكون كأسلافنا الذين تركوا لنا هذا الإرث الثقيل، قد يعذرون بجهلهم لكن ما عذرنا نحن اليوم؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع


.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية




.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا


.. 161-Al-Baqarah




.. 162--Al-Baqarah