الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة 153

آرام كربيت

2024 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإعلام
علينا أن نتذكر أن الإعلام هو صانع الرموز، والأبطال، تبعًا للفترة التاريخية التي يمر بها بلد ما أو شعب ما.
ما كان يصح سابقًا لا يمكن أن يصح اليوم.
والإعلام ليس بريئًا، وراءه أيدي خفية تحرك الخيوط الوهمية لعالمنا المعاصر، ترفع هذا وتحط ذاك، لهذا علينا الحذر من كل ما يدور حولنا.
إن لا نفرح بأي رمز من الرموز قبل أن نتأكد ما هي الغاية من وراء هذا الترويج.
حتى تكسير الرموز، له غاية وهدف، وممكن أن يحطم الرمز في أية لحظة.
جعلوا من الحركات السياسية الدينية في أفغانستان، رمزًا، أبطالًا للحرية، وبعد سنوات قليلة، حولوهم إلى إرهابيين، كريهين، منبوذين، بعد أن استهلكوهم.
وهكذا فعلوا مع غيره.
حولوا غورباتشوف إلى صنم يعبد، وبعد أن استهلك، تم رميه في سلة النسيان بالكامل.

الثياب
هل تعتقد أنك ترتدي الثياب التي تتناسب مع الثقافة التي كانت ثقافتك في ما مضى من الزمن؟
أما زلت في عصرك الذهبي كما تتخيل وتعتقد؟
وهل الهاتف المحمول الذي في يدك ليس ثقافة؟
كيف توفق ما بين أحدث تقنيات العصر، والثوب الذي يعود إلى القرون الوسطى؟
هذا الهاتف المحمول، كما تعلم، كتل هائلة معبأة بالثقافة، خزان من الرسائل والرموز والشيفرات تخترقك من رأسك وتمر من اسفلك ولا تقف عند قدميك.
إنه يهزك ويعيد إنتاجك في اليوم الواحد مئات المرات، لهذا نقول لك، لماذا تظن أنك لم تتغير كما تتغير عقارب الساعة؟
ما الذي يجعلك تحس أنك فريد عصرك، وأنك في مكانك لم تتبدل؟
الا ترى أن كل شيء حولك وإلى جانبك وفي المقدمة والمؤخرة يقتلعك ولم يبق منك أي شيء يستحق أن تتفاخر به؟
على من تكذب، على نفسك أم على الحضارة التي تفقأ عين من يرى أو لا يرى أو يشوف؟

النص الديني
قلنا، وسنقول، أن النص الديني كان ابن زمانه ومكانه وما يزال، خدم زمانه ومكانه، أدى غرضه التاريخي وأنتهى.
لا تحيوا العظام وهي رميم، هذا محال.
إن إحياء النص الميت سيجعلنا موتى، حطام، أنت ابن النص، والنص القديم الميت لن يتعرف عليك مهما حاولت.
هذا ليس تجنينًا على أحد. هذا واقع موضوعي.
والنفخ في الميت لن ينتج الجمال والفرح والعدالة والحرية والحب.
أنا أعلم علم اليقين، أن الحداثة لها جوانب متوحشة، بيد أن فيها جوانب رائعة، أنها ابنة عصرنا الثقيل.
علينا أن نعمل ونفكر في التغيير من داخل الحداثة، وليس من خارجها.
إن العمل داخل الحداثة موضوعي، والذاتي شبه معدوم.
إن العمل من خارجها مدمر، وقاتل لنا ولمستقبلنا، ولن نصعد نحو الأرقى والأفضل، وسندفع الفاتورة وراء أختها دون نتائج تذكر
علينا العمل من داخل الحداثة، ليس انتقامًا منها، وأنما بالعمل الخلاق، لنصل إلى عالم موضوعي أخر مختلف، اقل قسوة.
إن نبي فكرًا من أجل المستقبل، من أجل أولادنا، ومن أجل الطبيعة.

الدولة المعرضة للخطر
قبل سنوات، قلنا، عندما تتعرض دولة ما للتهديد أو الخطر من الداخل، من المجتمع تحديدا، تكشف هذه الدولة عن أنيابها أو مخالبها النائمة، وتنتقل نقلات نوعية، من دولة هادئة إلى وحش كاسر يأكل الأخضر واليابس.
في هذه الحالة، حالة التهديد، لا فرق كبير بين دولة استبدادية عالم ثالثية أو ديمقراطية.
الدولة قناع، مظهر مخادع، قناع جميل من الخارج، صندوق ملون، في داخل هذا الصندوق وحش يقظ، يبدو أنه غفيان، أو يتظاهر أنه نائم، ولكن ما أن يستيقظ بفعل فاعل، حتى ينهض، ليخرج سيفه من غمده، ويرفعه ملوحًا.
سيبطش بمنتهى القوة، ولن يفرق بين زيد وعبيد، وسيحول البلاد إلى بقايا حرب مدمرة.
لا تعبث مع جوهر الدولة، السلطة، إلا إذا كنت متمكنًا من قلب النظام القائم.
النصف عبث مع الدولة، سيأكلك، وستعطي المبادرة لهذه الدولة أن تعلن عن فاشيتها.
هناك أصوات في فرنسا بدأت تخرج من دائرة الصمت، الجيش، يحذر.
هذه الأصوات تشير إلى أزمة

الكذب
من يكذب هو عبد.
الحر لا يكذب، ولإن الواقع يجبرنا على الكذب، ونتمايل ونخضع مع حاجاته، لهذا نرهن أنفسنا لهذا الكذب كمقايضة على بقاءنا على قيد الحياة.
لا يمكن أن يعيش الحر في المجتمع العبودي، سيتنازل عن جزء منه مهما حاول أن يبقى منتميًا إلى نفسه.
الواقع هو المحك، والحاجة ترغمنا على وضع قناع أو أقنعة على وجوهنا لنمشي في العتمة، عتمة المجتمع المشكل سابقًا.
الواضح كالشمس، النقي، يرفضه المجتمع، ينبذه ويهرب منه، ويتهمه بالجنون.
المجنون هو العاقل، هو المستقيم لأنه يتجاوز الرموز القائمة، ولا يخضع للترسبات التي ترسخ عليها المجتمع الآسن.

في داخلنا
في داخل كل إنسان إنسان آخر، يتبادلان الأسئلة بين المتخيل والحقيقي، بين الواقع والحلم.
يأتي الطوفان من بعيد، محملًا بالخوف والقلق والأسئلة الغامضة، يتسلل رويدًا رويدا من الأول إلى الثاني، يتداخلان للحظات ويتباعدان للحظات يندغمان ويفترقان، يتبادلان الرسائل الغامضة، يتنافران للحظات ويتعايشان للحظات ثم يتباعدان ليقف المرء وجهًا لوجه أمام حقائق الحياة الصادمة.
الخوف هو المكان الذي لا سكينة فيه ولا تصالح، أنه أقسى من الموت. ووقعه أكثر من ألم واحد.

العظمة الكاذبة
الأديان السماوية زرعت في عقل المؤمن بها الإحساس بالعظمة، بالفوقية، وأنه سيد عظيم، وحامل رسالة عظيمة من كائن عظيم فوق الكون.
يشعر المؤمن أنه لم يعد ابن الأرض أو ملاصق لها، انه فوق، فوق السحاب، ووصي على الأخرين، الضالين.
جاء إلى الأرض مؤقتًا ليهدي الخطاة ثم يعود أدراجه إلى الأعلى بعد أن يكون قد أدى رسالته، وصيته المعبأة بالرموز والوصايا والأوامر.
كيف تريد أن تقنع أحدهم، موطنه السماء أنه إنسان عادي يأكل ويشرب وينكح لتسيير أموره بشكل مؤقت، ثم يعود إلى مسقط رأسه، السماء، ليكمل حياته الطبيعية؟
كيف يمكننا اقناعه أنه كائن عادي، وأنه بشر من أبناء البشر؟
كيف يمكننا أن نعيده إلى حضيرتنا العقلية، ونقنعه أن الله مجرد كذبة ووهم، وأن هؤلاء القادة للأديان مجرد كائنات عادية لم تنفصل عن الأرض في أي وقت من أوقات الزمن.
نعود للقول، أن الوجود موجود قبل الوجود، هذا لوحده كاف ليعرفنا على أن الكون لا يمكن لمخلوق كائن من يكون قادر على حمله مهما كانت صفاته.

الجني
كأن جني، آو عفريت كامن في عقل الإنسان، لا يتركه يهدأ، أو يرتاح، يبقيه في حركة دائمة، في حالة تشتت ذهني، متقلب غير مستقر لا يرضى عن نفسه، ولا عن عالمه، متأفف، قلق، متوجع ولا وجع فيه.
وكأن مهمتنا في الحياة وظيفية:
إن نصحح الخلل في بنية الإنسان؟

الجسر المعلق
في كل عصرونية أو المساء، أثناء الخدمة الإلزامية في بداية الشباب، كنت أمشي برفقة الحبيبة فوق الجسر المعلق في مدينة دير الزور.
كانت الحياة حنونة رقيقة كرقة النسيم.
فوق ذاك الجسر الساحر كنا نتبضع الحب والفرح والأفق الجميل، والهواء العليل مع كمشة رطبة من السماء إلى أن يهل علينا الليل الحنون.
وهناك غنينا مع العصافير في ذاك الزمن، ومع النسمات الراقصات فوق الماء، ومع نهر الفرات الخالد القادم من الأزل الذي لوح لنا.

الإسانية
الإنسانية كمفهوم عام يبدو جميلًا، بل براقًا، بيد أن تفكيكه إلى أجزاء سنرى ما لا نتخيله.
هناك قباحة في الشكل والمضمون، وفجور وجرائم ونهب وقتل وخيانات بالجملة والمفرد، وحقد وكراهية وعنصرية.
أخر شيء يفكر فيه الإنسان المفرد هو الصدق والحرية والعدالة أو المساواة، إن اللوحة البشعة هي نتاج عام للإنسانية التي لا قيمة لها مفهوميًا.
الإنسانية كتلة متساوقة، متناسقة مع من نضمها على مدار التاريخ، فخرجت لنا لوحة كما نراها ونشاهدها ونحسها، قبيحة بائسة لا جمال فيها لا في الظاهر ولا في الباطن.

سجن تدمر
في اليوم الثالث من شهر يناير، العام 1996 تم ترحيلنا إلى سجن تدمر، وتم وضعنا في مهجع، الشبابيك مفتوحة صيفًا شتاءً، وجزء من السقف.
لا صلة بين المهجع والأخر، الكلام ممنوع، ممنوع رفع الرأس، الرأس يجب أن يبقى منكسًا، حلاقة الشعر والدقن والشوارب كل ثلاثة أيام، النوم في الساعة السابعة مساء إلى الساعة السادسة صباحًا.
ممنوع دخول الحمام أو الشخير أو الحركة أثناء النوم، الضرب على الوجه والرأس أو فلقة. ممنوع الاحتكاك مع الشرطة العسكرية. السجن مستيقظ ليلًا نهارًا، الشرطة فوق الأسطح يراقبون المهاجع من فتحة في السقف.
الحمام بالماء البارد، وغسل الثياب أيضًا، وجلي الصحون، وأغلب الأوقات الطعام بارد، والشاي البائس بارد.
في السنوات الأربع الأخيرة نبقى في المهاجع طوال الليل والنهار، ولا نرى العالم الخارجي إطلاقًا، نخرج في حالة الضرب على القدمين أو الصفع على الوجه، أو أثناء إدخال الطعام التي تمتد إلى 23 ثانية فقط، كل يوم ثلاثة أفراد.
النوم وحده مأساة حقيقية، الضوء لا يطفئ ليلًا، وننام تحت مراقبة الشرطة وأصوات أحذيتهم العسكرية الخشنة أو القرع على السقف.
ديكور المهجع لوحده يدخل الكآبة والحزن والقهر في قلب وعقل الإنسان في مكان مغلق على مدار السنة.
علاقتنا بالعالم الخارجي الجميل كان عبر زقزقة العصافير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah