الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقديس و تقليد «السلف الطالح» مرفوض قطعاً !

أحمد إدريس

2024 / 5 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا بلاغ لِمَن يُعرفون في دنيانا هذه تحت إسم "المسلمون" : « مَن كان يعبُد السلف، الذين أحسنوا و أساؤوا و أصابوا و أخطؤوا، فإن السلف قد مضوا و بادوا و ماتوا ؛ و مَن كان يعبُد الله، الخالقَ الأزلي المُتفرِّد بالرُّبوبية و قَيومَ السماوات و الأرض، فإن الله حي لا يموت. » لَوْ لم يتخلل المسيرة الطويلة لهذه الإنسانية العجيبة أفرادٌ قلائل لا يكتفون بتقليد الأسلاف، بل لديهم الشجاعة للخروج على المعروف المألوف المُتوارَث فيجتهدون لإبتكار أشياء جديدة و يظهر إبداعُهم في شتَّى مجالات الحياة و هم بالطبع بشر يُخطئون و يصيبون كما أنهم في الغالب أبعد الخَلق عن ادِّعاء امتلاك الحقيقة المُطلَقة و احتكارِها أو الإعتقادِ بذلك، لَولا هؤلاء ما كُنا لِنَنعم اليوم بالهاتف و السَّيارة و الإنترنت و باقي منافع الحضارة الحديثة.

السلف فيهم الصالح، نعم، و فيهم أيضاً الطالح… عن السلف الطالح ورثنا طامَّات، منها هذه المقولة التي لا تصدُر حتى من سفيه أو مَعتوه، و لكنهم نَسبوها لرسول الإسلام : « لَيَجيئنَّ ناس مِن أُمتي بِذُنوب أمثال الجِبال، فَيَغفِرُها الله لهم، و يَضعُها على اليهود و النصارى. » هذا حديث نبوي مزعوم، مروي في صحيح مسلم.

المشايخ و الفُقهاء الذين نُسمِّيهم "أهل العلم" اختلفوا حول صحة هذا الحديث : هل يُعقل أن تكون مِصداقيةُ هذا الكلام مَحلَّ اختلاف و جدل ؟ هل هذا يليق بِدينٍ يزعم مَن نصَّبوا أنفسهم مُمثِّلين له و متحدِّثين حَصرِيين بإسمه، أنه يتعيَّن على الخَلق أجمعين إنساً و جِناً اعتناقُه للنجاة من إقامة مُؤبَّدة في جهنم ؟ ثُم نستغرب، و نتساءل : لماذا يُصر الغرب على تشويه ديننا الخالي مِن أيِّ نقيصة و الذي لا يُضاهي جمالَه و بهاءه حتى الطاووس ؟

من المُحتمَل جداً بل المؤكَّد أن ما أقوله لن يَرُوق بعض الذين تَملأُ نفوسَهم زهواً و نَشوَةً مقاطعُ يوتيوبية تُظهر أشخاصاً يمدحون أو يعتنقون الإسلام، و لكنَّ هؤلاء المُغتبِطين يتغاضون و يتجاهلون و يفِرُّون من أخرى تُبدي أفراداً غير قليلين و لا تافهين من هذه الأمة يُعلنون مَقتهم أو تركَهم للإسلام ! بالإضافة إلى ذلك هناك أشخاص دخلوا في الإسلام، ثُم خرجوا منه بعد فترة معيَّنة، إثْر اكتشافهم لبعض ما في تُراثنا الديني من طامَّات : حصل هذا مرَّات غير قليلة.

اختلقوا حديثاً بهدف تمرير فِكرة ظالمة و شريرة : مَن فعلوا ذلك هل حقاً يؤمنون بِوُجود و رقابة الله ؟ هذا "الحديث" لم يكفهم، فدعَموه بـ"حديث" آخَر : « إذا كان يَوم القِيامة، دفعَ الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيَقول : هذا فِكاكُكَ من النار. » و هذا أيضاً مروي في صحيح مسلم. و هو مكذوب دون شك مهما اخترعوا من تفسيرات أو تبريرات واهية تافهة لجعله معقولاً و بالتالي مقبولاً. الذي يُؤمن بالفعل بوجود الله، لا يكذب مُتعمِّداً على نبي الله… رجل الدين الذي يَقبل و يُروِّج لمثل هذه الأحاديث، المنسوبة كذباً و زوراً للنبي، مكانه الطبيعي مستشفى أمراض عقلية أو السجن. أو ينبغي أن يُقام عليه حد الردة، إذا كان من المُدافعين عن هذا الأخير و المُطالبين به، و ذلك لأنه أنكر و كفر بالقرآن : « يوم تأتي كل نفس تُجادل عن نفسها و تُوَفَّى كل نفس ما عمِلتْ و هُم لا يُظلمون »، « لا تزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » (أي لا يحمل إنسان إثم غيره)، « اليوم تُجزى كُل نفس بما كسبتْ، لا ظُلم اليوم، إن الله سريعُ الحساب. » كل هذا في القرآن.


« أكبر الموانع في سبيل العقل "عبادة السلف" التي تُسمى بالعُرف، و الإقتداء الأعمى بأصحاب السلطة الدينية (…). و الإسلام لا يقبل من المسلم أن يُلغي عقله لِيَجري على سُنة آبائه و أجداده، و لا يقبل منه أن يلغي عقله خُنوعاً لِمَن يُسخِّره بإسم الدين في غير ما يُرضي العقل و الدين. » (عباس محمود العقاد، "التفكير فريضة إسلامية"، 1962)


مِن أين أتى و كيف استقر في الوعي العام و العقل الجَمعي لِمَن يُسمَّون بالمسلمين، الإعتقادُ الوهميُّ بالصفاء الكامل و المُطلق لِمَجموع ما وَرِثوه تحت مُسمَّى الإسلام ؟ فلطالما سمِعتُ على لسان الأئمة و الوُعاظ أن النبي تركنا على مَحجَّة بيضاء لَيْلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلاَّ هالك، لكنْ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ أﺠﺪ أنهم أوَّلُ مَن حاد عن نهج النبي الذي ما زالوا حتى يومنا هذا ينسبون إليه هذه المقولة المُنكَرة : « مَن بدَّل دينه فاقتُلوه. » وَضْع مثل هذا الكلام على لسان الرسول هو أفظعُ إساءةٍ له على الإطلاق ! و الله ما أساء أحد في الدنيا لِسُمعة و شخصية الرسول، كالأمة المحسوبة عليه، بدءاً بأفراد منها أَطلقوا على أنفسهم لَقبَ ورثة الرسول : أليس فيكم إذاً رجل رشيد، يا فقهاء و أئمة هذا الدين ؟

سؤال أطرحه على الجميع بدءاً بنفسي : لو بعقليتنا و أسلوبِ تفكيرنا عاصرنا البِعثة المحمدية، هل كنا سنستطيع كسر أغلال المألوف و اتباعَ محمد ؟ أم أن الكثيرين بل الأعم الأغلب كانوا سيقولون للنبي : « بل نتَّبِع ما وجدنا عَلَيهِ آباءنا » (قرآن). و هم الذين يُرددون اليوم "الحمد لله على نِعمة الإسلام" دون كلل و بِعُجب مضحك… هذه العبارة التي أصبحت مثار تندُّر و سُخرية على الإنترنت. بل إن هناك مَن استوحى منها عبارة حمد طريفة، صادفتُها مرات على مواقع التواصل الإجتماعي : « الحمد لله على نعمة الإنترنت فقد أنار العقول و أخرجها من شقاوة الجهل إلى نعيم المعرفة. »

فكرُنا الديني المُتداوَل إنْ لم يتجدَّد، فإنَّ أحلامنا بمستقبل أفضل ستتبدَّد. آمُل أن تنتصر الأمة المُسماة إسلامية التي أنتسب إليها، قبل فوات الأوان، على عَدُوِّها الأول و الأكبر و الأعظم و الأكثر فتكاً بها : لا أعني عَدُواً خارجياً بل جُملة من التصوُّرات و الأفكار و المُعتقدات، التي لا أساس لها من الصِّحة كما أني أصفُها دون أدنى تردُّد بالشريرة - ليس لأن حامليها سيِّئُون بالضرورة و لكنْ لأن ثمارها في الواقع شريرة -، فلقد أبعدتها عن سماحة و سَعة آفاق و الرحمة الشاملة لدين الإسلام. مجموعة من التصوُّرات و المُعتقدات التي نَتوارثُها على مَر الأجيال و التي يستحيل أنْ يقوم عليها مجتمع سَوي. إن ما نحتاج إليه هو إصلاح فكري حقيقي، فالحلول الترقيعية الحالية ستبقى بلا جدوى.

و عليه فإني أهتف بحرارة أننا في حاجة مُلحة أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة شاملة فردية و جماعية لِمَقولاتنا الفكرية المتوارَثة و لأنماط تفكيرنا و أساليب حكمنا على الأمور و حلِّنا لمشاكلنا و لأدوات تحليلنا و تفسيرنا للوقائع و الأحداث و لِطُرق تعاملنا مع العالَم. هذا من شأنه أن يُوَسِّع أُفق النظر إلى الأمور كما أنه يُكسبنا قدرة أكبر على التفاعل مع الآخرين و الإنفتاح على ثقافاتهم و الإستفادة منها و من دروس و خبرات التجربة الإنسانية الطويلة بشكل عام. كل ذلك من أجل أن نكون في مستوى الإستجابة الإيجابية لا لأهواء و إنما لمُقتضيات العصر… و لِكَي ندخل التاريخ من جديد.

اللهم اهدنا سُبل الرشاد و ألهمنا الصوابَ في القول و الفِكر و العمل، اللهم زِدنا فهماً و حكمةً و رجاحةَ عقلٍ و طهارةَ نفسٍ و فطنةً و وعياً. ارتفاع مستوى الوعي العام هو بداية الحل : « الأزمة هي أزمة الوعي، و الثورة الحقيقية هي ثورة الوعي. » (كريشنامورتي)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ليس هناك سلف صالح والتاريخ شاهد على ذالك
سمير أل طوق البحراني ( 2024 / 5 / 5 - 05:30 )
اشكرك جزيل الشكر على هذا المقال الذي ابنت فيه حقائق واضحة وضوح الشمس . ان 99% من الاحاديث والوقآئع التي وردتنا هي مزورة ولا شك ان يد السياسة لعبت دورا فيها . واذا تجردنا عن التقديس الاعمى لافراد تبعد بيننا وبينهم مئات السنين والتاريخ الذي ورد عنهم يثبت بما لا مجال للشك فيه بانهم لم يؤمنوا بالرسالة المحدمدية وانما اتخذوها وسيلة للحكم لا غير. ان الاحداث التي جرت بين ما يسمون صحابة واهل بيت نبيهم توثق كذهم وزعمهم الايمان بالنبوة. هل الامويون والعباسيون جديرون بالثقة او انهم حق مسلمون ام ان الاسلام وسيلة لاستعباد الناس باسمه وهذا ما حصل. السلف الصالح هم اصحاب المصالح والمنافق منهم هو الرابح وان التبعية لهم هو دليل العبودية التي لا زالت مسيطرة على عقول المسلمين. في عصر التكنولوجيا لا حاجة لنا في السلف الطالح وما ورثناه عنهم ما هو كـ سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. روى البهلول عن المعلول عن المسلول هو كما روى السكران عن الحيران عن الجيران بان الدخان حرام شمه في آخر الزمان لانه يسبب الهيجان ويضمر الخصيان. قال وقال كلام لا فآئدة فيه
يا امة السوء لا سقيا لربعكم ** يا امة لم تراعي جدنا فينا
سلام


2 - نعم هناك سلف صالح
muslim aziz ( 2024 / 5 / 5 - 18:34 )
عندما نقول نعم هناك سلف صا لح فهذا لا يعني ان السلف الصالح كانوا ملائكة لا يعصون الله بل كانت اعمالهم الصالحة اكثر من هفواتهم


3 - الرد التوام لرد مسلم عزيز
سمير أل طوق البحراني ( 2024 / 5 / 6 - 03:24 )
عندما نقول نعم هناك دول امبرالية فهذا لا يعني انهم ملائكة لا يستعمرون الدول الضعيفة بل ان اعمالهم اكثر من هفواتهم لانهم يستقبلون اللاجئين والمطرودين من الدول الاسلامية دول العدل والانصاف.
اغاية الدين ان تحفو شواربكم *** يا امة ضحكت من جهلها الامم.


4 - الرد على رد السيد البحراني
muslim aziz ( 2024 / 5 / 7 - 02:12 )
تحية، يبدو ان السيد البحراني من اتباع مذهب الاثناعشري، اليوم نتفق مع الاخوة الشيعة سياسيا لكن نختلف معهم عقائديا، وكمثال بسيط يزعمون ان مئة الف من صحابة رسول الله ارتدوا بعد موته الا اربعة او خمسة، لذلك يطعنون بالسلف الصالح، واهل السنة لا يقولون بعصمة الصحابة او الخلفاء بل نقول انهم بشر وقد حفظوا لنا الاسلام واوصلوه الينا.
خفف الوطء اخي البحراني فإن احببت او كرهت السلف الصالح،لن يضرهم كرهك ولن ينفعهم حبك.


5 - الاخ الكريم مسلم عزيز
سمير أل طوق البحراني ( 2024 / 5 / 7 - 13:28 )
بعد التحية وفآئق الاحترام.انا اعتقد ان الصحابة لا يختلفون عني وعنك وهم بشر مثلنا والمصالح هي الرابط بينهم وانا احترم كل نسان بغض النظر عن معتقد وهذه عقيدتي:
ما دمت محترما حقي فانت اخي *** آمنت بالله ام آمنت بالحجر. اعبد من شئت وقدس من شئت ولوحجرا ولكن لا تضربني به. الاخ الكريم ان المسافة الزمنية بيننا وبين فجر العوة 1475 سنة ولا نعرف عن الصحايبة اي شيء الا ما تناقته الاهواء وكل انسان مسئول عن عمله. ام ان تضفي عليهم لقب السلف الصالح فهذا لا يليق ابدا لان ما ورد عنهم وبالرغم من التزييف واضفاء القداسة عليهم فاعمالهم تدل على عدم تفوقهم في العدالة. لا فرق بينهم وبينك في شيء ابدا. ائتني بمخلفاتهم التي افادت المسلمين او البشرية بشيئ لا شيء. صلاتهم وصيامهم يخصهم ولا شيء غير ذالك. انت حر فيما تعتقد اذا لم تكن عقيدتك تؤدي الى ظلم الآخرين. سلام عليك مبتدءا وختاما.


6 - نقطه هامه
على سالم ( 2024 / 5 / 7 - 20:04 )
من المؤكد ان الاسلام البدوى الصحراوى والهاله القدسيه الضخمه التى تحيط به منذ الف وربعمائه عام اصبحت محل شك وريبه وتساؤل كبير, وسائل التواصل الاجتماعى والنت سيكون لهم شأن محورى فى اماطه اللثام وكشف الحقيقه وتنوير العقول المؤدلجه


7 - رد على علي افندي
muslim aziz ( 2024 / 5 / 9 - 02:49 )
لا يا سيد علي افندي سالم ، الاسلام ليس بدويا ولا صحراويا، الاسلام قمة التوحيد وقمة الحضارة وقمة الاخلاق
خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين،


8 - muslim aziz
على سالم ( 2024 / 5 / 10 - 02:54 )
انت شخص غريب الاطوار , انا اعتقد انك كنت دائم التعليق فى موقع الحوار منذ سنوات طويله ؟ هل انت كنت فى حاله سفر او تقاعد او مرض ؟ افكارك داعشيه وواضح انك محمدى اصيل


9 - علي افندي سالم
muslim aziz ( 2024 / 5 / 11 - 01:36 )
من الاخير لستُ محمديا بل مسلما، لأن المسلم لا يعبد محمدا بل يعبد الله الذي هو رب محمد بل رب العالمين،
أما انني غريب الاطوار فما هو الغريب،؟ لاشيئ لا زلت على حالي، فما كنتُ مسافرا ولا متقاعدا ولا مريضا والحمد لله واخر مداخلاتي كانت سنة 2018 ويبدو ان الاكثرية الساحقة من المعلقين او
تركوا الحوار المتمدن
، اما انت فما زلت على ما انت عليهالكتاب قد رحلوا او

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah