الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأريخ الخرافة ح 8

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 5 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تديين الخرافة وخرفنة المعبد
الديانات جميعها تمتلك مبررات وجودها العقلي والمنطقي حينما تظهر لأول مرة بأعتبارها حدث تصحيحي، هذا مبدأ أساسي ربما يظن البعض أنه عبور على الحقائق ولكن بالفحص الدقيق يتبين صواب الكلام، عندما أتخذ الإنسان طريق الإيمان بالغيبيات ومنها الدين، لم يفكر بأكثر من حاجته للإصلاح أو لجعل أمور الوجود أكثر تناسبا مع واقعه المنشود، لم يفكر الإنسان الأول بأكثر من تحقيق فرصة ليعيش في أمان...... ربما هذا الأمان يكون مفتاحه في مكان بعيد ولا بد له من وسيلة ما، ربما كان الرمز الغيبي يختبئ وراءه عجز أو قلة حيلة ولكنه خيار أخير بكل تأكيد.
في بادئ الأمر مع أن للجوء للغيب هو فعلا تفكير طوباوي أو يسميه البعض خرافي النمط والدوافع، لكن واقع الحال في تلك الظروف مع قلة المعرفة وتضاءل فرص التحقق والأمتحان، كانت خيارا صائبا من خيارات العقل المعرفي، أحيانا عندما تكون في وسط البحر وأنت في عطش شديد ولا ماء للشرب معك... ستكون أمام خيارين... الأول أن تشرب ماء البحر كله لكي تلقى على أمل، أو تموت من الجفاف... وأنت تعلم ربما الحل الأول عير منطقي بالمرة، لكن الخيار الثاني خيار فناء.... تماما كان خيار الإنسان الأول الغيب أو الفناء...
من مبررات وجود الأديان أنها توفر حد أدنى من قناعات اتية تسكن القلق والهم والتشوش الإنساني الملازم للطبع البشري كونه كائن متعدد الخيارات لكنه قليل القدرة على التقرير المناسب إلا ضمن بيئة مشجعة على القرار وموفره له رؤية، وهذا الشرط لا يمكن ان يكون متوفرا دائما أو متاحا حين تكون الحاجة له ضرورية، فخيار الدين الذي يمنح العقل البشري مساحة واسعة من مضلة أحلام وأمان وأطمئنان تبقى الملجأ الأول له في أي وقت يمكن أن يكون متوفرا، وما على الإنسان سوى اللجوء إلى التجوال في عقله التصوري ويخاطب الغيب بصيغة الحضور... العملية في حد ذاتها تشمل جانبيين، الأول ترحيل الأزمة إلى جهة مظنون بها أنها تستوعبها، ثانيا إضفاء نوع من الأستقرار عندما نتخلى عن حمل ثقيل لنمارس التحمل لقضية أخرى، هنا نكون أمام حالة إفراغ شحنات سالبة ومنح الذات الكثير من الإيجابية الدافعة.
ان الظهور الاول للخرافة كان مع بداية نشوء التفكير العقلي المبكر في أول محاولة منه لأقتحام المجهول مما يسمى ( التفكير في العماء الكوني).. الانسان حين وجد للكثير من الظواهر البيئية والكونية والمناخية والشعورية المحيطة به ودون تفسير ولا قدرة لديه على فهم نظامها، فانه لجأ الى التعامل الفطري الطبيعي مع هذه الظواهر والحالات الى استحضار خليط مشوش من انماط التخيل الذاتي، وأول ما أصبغ عليها تفسيرات عاجلة أو ظاهرية من التفكير السطحي، مستخدما الخيال الجامح الذي هو جزء من طبيعة العقل حين يستفز دون أن يكون مهيأ للسؤال، فتكتسب هذه الظواهر عنده بعدا تصوريا ذهنيا غير مشروط لا بدليل ولا برهان لكنه كان حد أعلى من القناعة به، وهذا ما ينسجم مع إنعكاس تأثيراتها العميقة في طريقة التفكير مع الآليات الأولية والبدائية في نظم العقل الأول، فأقنع النفس بأعتبارها المعنية الأولى بالمحسوسات وهي التي تريد تفسيرا من العقل، حتى لو كان ذلك يلبسها مظهر وهمي احتمالي قد لا يكون له مصداق حقيقي، كان الوهم أول تشكيل عند الإنسان لا منطقيا لاحقا لكنه كان حقيقيا في حينه وعقليا، بحيث ان الصور المترسبة في الذات الإنسانية بعد مرحلة وعي الأكتشاف المنتجة من عملية التوهم سواء كانت دينية او شعورية لا تبدو فنطازية ولا غرائبية مع أنها بتفكير اليوم لا تمت الى حقيقتها بصلة.
هذه الحقيقة بدأت مع ظهور أفكار أولية عن أرتدادات الدهشة والتعجب والسؤال الأول، ومنها بدأت إشكالية التساؤل التي لم تنقطع لليوم، لماذا؟ كيف؟ متى ؟ وأين؟,,, لم يتوقف السؤال في أي وقت ولا تحت أي ظرف، فالوجود المحض للإنسان هنا لا يدعه يتوقف وكل شيء متحرك متبدل متغير وإن كان تراتبيا ومتكرر، هذا التكرار هو أيضا عامل ضاغط من أجل المزيد من البحث والتحري، الغريب أن الإنسان بعد أن عرف بعض الأجوبة المريحة لم يهدأ ولم يستكين، بل حاول أن يذهب بعيدا نحو عمق الوجود... وفي ذات الوقت حاول أن يربط ما بين الأشياء حتى بحث فيما هو عموديا من علاقات ومواضيع، لماذا يحدث كل هذا؟ ومن هو المسئول، تلك كانت بدايته الحقيقة مع الغيب ... مع الدين.. بحثا عن رب يحمله المسئولية...
من الحقائق المنطقية والتي تمثل واقعا فكريا معروفا عند العقل ونتاجه المعرفي، هي أن المواضيع التي لا يمكن إثباتها بدليل مقنع وعلمي، كما لا يمكن نفيها بنفس المستوى والحجية لا يمكن تصنيفها بأنها حقيقية أو غير حقيقية، ولكن يمكن عدها من الممكنات أو التي من الممكن بحثها في مجالها الخاص دون حسم أو جزم بنتيجة معينة، القضية الدينية واحدة من المواضيع التي تدور في هذه الدائرة بالنسبة إلى وجوده الأول علة أو سبب أو حتى مصدر نشوء، لا يمكنني أن أنفي ان الدين مصدره خارجي فوقي غيبي، ولا يمكن إثبات وضعيته البشرية دون دليل وحجة قاطعة، وكل شيء ممكن في ذلك.... ما عدا حقيقة واحدة وهي أن الدين رافق الإنسان القديم من أوليات أكتشاف الوعي عنده، وهذا ثابت على الأقل فيما هو مكتشف من أدلة مادية تركها الإنسان الأول خلفه.
إذا نحن نتكلم عن معطيات بين أيدينا عن موضوع غير قابل للحسم الأن، المهمة هي فحص هذه المعطيات المتيسرة هل بإمكانها أن تعطي جوابا ممكنا؟ أم أنها أيضا تبقى أمرا أحتماليا بنسبة ما؟ المعطيات تلك تحمل لنا دلائل وهي أنه طالما بدأ الإنسان رحلة الجهل مبتدأ في أكتشاف وعيه تدريجيا، فلا بد أنه أستغرق زمنا ما ليكتمل عنده الوعي الممكن في أن يساهم في تلقي ما هو خارج قدرته على التنظيم والربط والتواصل، وهنا أقصد الدين كمنظومة متكاملة، السبب لأن الدين لا يمكن أن يكون مجزأ أو تجريبي يأتي على شكل حلقات متتالية، يسقط مها ما هو غير صالح ويبقى الجيد، هذا مع لحاظ أن إيماننا الحالي بأن الدين لا بد أن يكون مصدره عقل كامل، والعقل الكامل مكتمل في تصوراته وليس تجريبيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح