الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأريخ الخرافة ح 9

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2024 / 5 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من نقطة أخرى الدين الذي نتعامل به اليوم في شكله النهائي المدون أو المنقول لنا عبر أشكال التواصل الأخرى، ما هو إلا مجموعتين من الممارسات السلوكية الضابطة والمنضبطة بأطر محددة غير فوضوية، والأفكار النظرية التي تسوق الإنسان نحو المثل العليا أو ما يعرف بالفضيلة، وكلاهما يربطهما رابط في وحدة الرؤيا في إطار من القداسة والتعظيم ثم الرهبة من مخالفة المحتوى، لو أمنا إن هذا الدين جاءنا خارجيا فلا بد أن يكون للإنسان فكرة مسبقة عن معنى القيم وعن مفهوم النظريات حتى يستوعي ما جاءه، بمعنى أن تجربة الدين الخارجي لا يمكن أن تطبق خارج وعي الإنسان بما هو في جوهر الدين، وأول جواهر الدين القيم الأخلاقية ثم يأت مفهوم الخضوع الذي ينتهي بالتسليم بأن الدين حامل معرفي عال المستوى وضروري للوجود.
إذا منذ البدء نحن نحتاج إلى مقدمات الدين وأسس ومفاهيم عن روابط شراكة الغيب البعيد مع الحضور الراهن، هذه المقدمات والروابط لا يمكن أن تأتي تعليميا من الخارج بواسطة بشر مثلنا، والسبب أن هذا البشر أيضا يحتاج لمقدمات وروابط مسبقة حتى يستوعب ما ينقله لنا، وبالتالي نحتاج إلى سلسلة من أشكال وأنماط الوعي التدخلي الخارجي حتى تتم عملية أستلام وتسليم الدين من السماء للأرض، هذه العملية التي تبدو غير منطقية إلا في حالة واحدة، وهي أن التدين في الأساس مزيج من فطرة عقلية أولية تكوينية متعلقة بالعقل الإنساني الأول المطبوع، وبين أجتهاد العقل اللاحق المصنوع والمهيأ بتجربة حسية ومادية وتأملية ممتدة ومشتركة مع أخرين، ربما أمتدت طويلا حتى نضجت بالشكل الذي يمكنها أن تقبل وتفهم وتدرك التدخل الخارجي في وعي الإنسان الكلي بالوجود وقوانينه ومضمونه الحاضر والغائب والبين والخفي.
البعض يسمي العقل عموما دون ان يشير إلى كيفية تكوينه أو وجوده إلى عقل علمي وعقل خرافي، حتى أن البعض من المفكرين يرى أن العقل الخرافي عقل منحرف عن طبيعة العقل الأساسية (لّما وجدت مفهومًا ملتبسًا كمفهوم “الخرافة”. وكذلك لم أجد ما يناظره ضمن الحيثيات الشائكة، والمتداخلة، والمتنوعةِ المنطلقات والنوازع، الموجودة في ما سمّي “العقل الخرافي”. وهي التسمية التي يحلو للبعض إطلاقها على النزعة الأنحرافية في الشخصية الفردية وفي الاجتماع)، يقول الباحث الإيراني الشيخ محمد علي ميرزائي في بحثه المعنون (الخرافة بوصفها انحرافًا في العقل الإيماني الغيبي) ومكملا للإقتباس السابق أن العقل الخرافي شكلا من إنحرافات مشوهة لعمل العقل الطبيعي فيقول (أن المعضلة الكبرى في الخرافات لا تكمن في الاستحالة العقلية في إمكان وقوع ما يتصوره، أو يتخيله، أو يتكهنه أو يراه الإنسان في هذه الحالات، بقدر ما تكمن في الطبيعة الإنحرافية لهذه الطرق، فضلًا عن الأخطاء الفادحة التي تقع في أثناء تحليل هذه الأحداث، وطريقة وقوعها، وسلسلة العلل، والأسباب المنطقية والعقلية، في تكوّنها).
فعند هؤلاء ومن يشاركونه الرأي خلاف ما عندي أن الخرافة لا يمكن أن تصدر عن عقل سليم طبيعي، وبهذا المعنى يريد أن يقول هذا الكاتب أن العقل الأول الذي يسمى عند البعض بدائي على حالتين نوعيتين، أولا أما أنه كان عقل طبيعي في أول الأمر ثم أنحرف لاحقا، دون أن يبين ما هي أسباب الإنحراف وعلته ومظاهره العامة، أو يقول أن ذاك العقل الذي عاش الخرافة زمنا طويلا كان منحرفا طبيعيا بدويا، حتى جاء من هو خارجا عنه فصحح مساراته، في كلا التصورين لا يمكن القبول بهذا المنطق، العقل البشري بدأ سليما وطبيعيا وحاول أن يشق طريقه بما يملك من أدوات وأليات ومناهج ووسائل حسب الإمكان، فما نجخ منه كان علما ومعرفة نسبية وما فشل فيه كليا أو جزئيا فهو ليس إنحرافا حقيقيا، بقدر ما هو قصور أما موضعي وأما ذاتي في الطرائق وفي التصورات التأملية وقلة التجربة وحداثتها.
العقل الديني عندما يصنف العقول التي مرت بتجارب معرفية وتراكمت لديها أنواع شتى من المعارف والعلوم بحكم التجربة الطويلة لها في الوجود، وفقا لمقاساته الخاصة التي تجعل من عقله هو علامة دالة رئيسية وقياسية، فيصنف الخرافة بأنها أنحراف عقائدي فقط ومحاولة لخرق النواميس العقلية والمنطقية، وكأن ما يؤمن به من خلال التسليم بما وصله هو نهاية العلم ومطلق التجربة البرهانية، نعم قد يكون في إيماننا منطق عقلي وتسليم بأشياء قد لا تحتاج لبرهان عملي لأنها من أساسيات معادلات الوجود ومنها أن الفاعل الأكبر والأساسي وخالق الوجود واحد، لكن ها لا يعطيه أبدا أن يكون صاحب النظرية وبرهانها ونتيجتها في نفس الوقت.
هناك من يعتقد جازما ان الخرافة اقترنت بمرحلة الجهل الفكري الأفتراضي الأول بأعتبار أن الجهل هو القانون السائد في تحديدات الشخص الإنسانية، طبعا هنا الجهل لا يقصد به فقدان المعلومة المناسبة التي بها وبأستحصالها الطبيعي تحول إلى كائن معرفي أكتشافي فضولي تدخلي، بل يقصد به هؤلاء صفة الهمجية عندما لا يكون الإنسان أن يفترق بذاته عن البهائم والحيوانات، هذا التصور فيه غلو وتجني على الإنسان الأول الذي ولد بحد أدنى من العلم الذي يجعله قادرا على التعامل مع العالم الجديد، في جزء كبير منه مع الفطرة التكوينية والجزء الأخر هو ردة فعل الحواس عما يعيش أو يتعرض له من المحيط، من خلال هذين العنصرين تحول من إنسان فطري تام إلى إنسان يريد أن يعرف ليتخلص من الجهل الطبيعي بالأشياء وليس بالجهل الطبيعي الذاتي له، فهو كائن يجهل وليس كائن جاهل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني