الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مترجم/ جان كافاييس في إرث ليون برنشفيك: فلسفة الرياضيات ومشكلات التاريخ (الجزء الخامس)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 5 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من وجهة النظر تلك، لا يمكن للعقيدة الكانطية حول المفهوم، المفتقر للمعقولية، أن تقنع كافاييس، الذي ينتمي هنا بالكامل إلى تقليد العقلانية الكلاسيكية القادمة من ديكارت: تقليد الفهم باعتباره قوة تفكير، وقوة إيجابية لتوليد المفاهيم الكاملة، المشبعة بالمعقولية، المناسبة لمعرفة الأشياء. سحب جوهر "الطبيعة البسيطة" الديكارتية من نمطه الجبري التجريدي طابع الكونية المفردة، الذي جعلها قمينة بتأسيس علم الفهم الخالص. وهذا ينطبق أكثر، إن أمكن، على سبينوزا، الذي رأينا أنه طبع بطريقة معينة، بالنسبة إلى ليون برنشفيك الذي لم يخف أبدا ارتباطاته السبينوزية، طريقة لتحقيق اللحظة الديكارتية. نحن ندرك أن الأخير لمس في ذاته القدرة على أن يظن نفسه مخولا هنا للاستسلام للحظة للمفارقة التاريخية مقترحا أن نرى في حكم العلاقة الديكارتي تسليط الضوء على الطبيعة الحقيقية للحكم التركيبي القبلي، المتحرر من الحكم المسبق الأرسطي لصالح المفاهيم والمقولات.
عند ديكارت، يسمح التفرد الذي يدركه الفهم بأن ندرك، في بساطة صيغة وحيدة وفريدة، قانون العديد من الأسباب الأخرى، المتفردة نفسها، في مجال أكثر تقييدا. معنى التفرد، بما هو غياب الامتداد بحسب تعريف المناطقة، حاضر هنا ليميز استبعاد التصور التجريدي باعتباره عمومية تجريبية لا تأتي حقيقتها إلا من المحسوسات التي تتحدر منها. إن "الجوهر المفرد" السبينوزي لا يتناسب مع المفهوم النوعي.
في التطور البرنامجي الذي يتم الاستشهاد به كثيرا والذي اختتم منشوره بعد وفاته، يؤكد كافاييس أن نظرية في العلم لا يمكن أن تأتي إلا من "فلسفة المفهوم" وحدها القادرة على السماح لنا بالتفكير في "الضرورة المولدة"، وهي ضرورة "جدلية". أن التقدم، كما يوضح، يتم "بين جواهر مفردة"، وأن "ما بعد أكثر مما قبل، لا لأنه يحتويه أو حتى يمتد إليه، بل لأنه يخرج منه بالضرورة، ويحمل في مضمونه العلامة، المفردة في كل مرة، على تفوقه". ولذلك نجد مجددا، في ما يمكن أن نعتبره فكره التاريخي النهائي، سيطرة الضرورة. يتم التعبير عنها بلغة فلسفية تستعير في آن واحد من سبينوزا ("الضرورة"، "الجوهر المفرد")، وتحيل في زمن متأخر إلى هيجل ("الجدل"، "لحظات الوعي") - دون أن نكون متأكدين من قدرتنا على جعل محتوى الفكر يتطابق مع هذه الأفاهيم بما يتوافق تماما مع المذاهب التي تستحضرها. ومن الطبيعي أن يؤكد مفسرو هذه المقاطع الغامضة بعص الشيء إما على أحدها أو بالأحرى على آخر، حسب حساسيتهم الفلسفية. من المستحيل بالطبع، ومن غير المجدي بلا شك، الاختيار بين الاثنين، على افتراض أن الإحالات غير متوافقة، وهو ما لم يكن بالتأكيد في ذهن كافاييس على أي حال.
في عمل سابق اعتقدت أنه من الممكن تسليط الضوء على هذا التطور للجواهر المفردة من خلال مرحلة بارزة بشكل خاص في تاريخ الرياضيات، والتي لم يتجاهلها كاتبنا أبدا، لأنها تتعلق بمفاهيم القياس والتكامل. لنفكر في مفاهيم تكامل كوشي، وتكامل ريمان، وقياس بوريل، وقياس ونكامل ليبيسغ، وقياس وتكامل ستيلتجيس، ثم ستيلتجيس-ليبيسغ
، وقياس رادون، والقياس والتكامل بمعنى دانييل. سوف نعثر من جديد على جوهرها المعقول الرياضي في تعريفها وعلاقتها بالنظرية، وعلى وضعها باعتبارها "جواهر مفردة" في واقعة أن خصائصها المميزة تكشف، في كل مظهر من مظاهرها التاريخية، عن تفوق يمكن التعبير عنه بمصطلحات إجرائية خاصة. سواء تعلق الأمر، في المجال الدالي، بالخصائص المطلوبة للدالة المراد تكاملها (استمراريتها، رتابتها، إلخ..)، أو، في حقل التعريف، بطبيعة المجال الذي ندمجها فيه (نهائي أو لا نهائي، واقعي أو معقد، تتضمن أو لا تتضمن نقاط انقطاع، إلخ..)، يترجم كل غزو للعمومية إلى زيادة في الإمكانات العاملية، بالنسبة إلى لكل خصائص في كل مرة محددة. وهكذا، فإن تكامل ريمان سمح بتفادي إكراه الاستمرارية (الكلي) على الدوال التي حدد لها كوشي نهجه التكاملي، وبألا يتطلب منها بالتالي سوى التكامل بمعنى ريمان، وهو شرط أكثر عمومية من الاستمرارية. وهكذا، بالنسبة لقياس جوردان، المقتصر على المحدود، فإن مقياس بوريل يصل إلى التناهي القابل للعد، وهي علامة فريدة من التقدم التي ستجعل تعريف ليبيسغ لتكامله ممكنا.
وهكذا، بالمقارنة مع تكامل ريمان، يؤذن تكامل ليبيسغ، من بين المزايا العاملية الأخرى، بالمرور إلى الحد على التسلسلات المتزايدة للدوال، الذي يسمح بالوصول إلى الإكمال في مساحات الدوال التي يمكننا تحديدها انطلاقا منه. أما في ما يخص"قياس ستيلتجيس" فتتمثل خصوصيته في تعميم أفاهيم ذات أصل فيزيائي مرتبطة بقياس الأحجام، مثل أفهوم القياس الفوري، المعرف بطريقة مباشرة، المستقلة عن أي تعريف مسبق للكميات، ثم أفهوم المجموع المرجح. يمكننا اعتبار تكامل ستيلتجيس، على سبيل المثال، دالة محددة على قطعة حقيقية مقسمة إلى فواصل، مثل المجموع المرجح لهذه الدالة لأجل قياس محدد على أنه يأخذ كقيمة، في كل فاصل زمني، فرق القيم المأخوذة بالدالة عند حدود الفواصل. ستظهر الميزة العاملية لهذا المفهوم لاحقا، مع مبرهنات التمثيل التي تجعلها ممكنة، خاصة بعد أن أظهر فريجيس ريسز أن أي دالة خطية تدع نفسها تعبر من خلال تكامل ستيلتجيس عن دالة مقيدة بخاصية معينة محددة جيدا (كونها "مع تغير محدود"). يصبح التكامل "معاملا"، أي وسيلة للحصول على دالة من دوال أخرى، ووجهة نظر أساسية للتحليل الدالي. إن الجمع بين تكامل ستيلتجيس وتكامل ليبيسغ، وصياغته من حيث الشكل الخطي، اللذين يفتحان مجالات جديدة للعمل، يؤديان إلى تعريفات حديثة.
يبقى تحديد الاختلافات التي تفصل تصورات تاريخ الرياضيات التي كانت، في رأينا، تلك الخاصة بكافييس، عن تصورات برنشفيك، الأكثر عمومية، المتعلقة بتاريخ المعرفة العلمية. ربما تحتفظ بكل معانيها، إذا كنا على استعداد لقبول الموقف الذي نتمسك فيه بالسؤال الرئيسي الذي تغطيه، وهو جهة الحكم التاريخي.
(يتبع)
المصدر: https://www.cairn.info/revue-de-metaphysique-et-de-morale-2020-1-page-9.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكي مدان بسوء السياقة ورخصته مسحوبة يشارك في جلسة محاكمته


.. ثوابيت مجهولة عند سفح برج إيفل في باريس • فرانس 24




.. جنوب أفريقيا: حزب المؤتمر الوطني ينوي إجراء مشاورات لتشكيل ح


.. ولي العهد الكويتي يؤدي اليمين الدستورية نائبا للأمير | #مراس




.. تواصل وتيرة المعارك المحتدمة بين إسرائيل وحزب الله