الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميثولوجيا مادية الجن والملائكة

طلعت خيري

2024 / 5 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ظهرت عبادة الجن تاريخيا من بعد موت سليمان ، وانهيار المملكة السبئية ، وشتات سكانها الى مناطق العربية ، كالعراق وشبه الجزيرة وبلاد الشام ، لعبادة الجن قاعدة جماهيرية واسعة في مكة ، ارتبطت سياسيا واقتصاديا بعقيدة الملائكة بنات الله ، مستمدة أفكاره من ميثولوجيا غيبية عالم الجن والملائكة بتوافق سياسي على المصالح ، ففي مطلع سورة سبأ صحح التنزيل العقيدة الظنية ، موضحا لهم ، ان الجن المسخر لسليمان خصوصية من الله ، انتهت بعد موته ، سبب الاعتقاد بالجن هو ان العقيدة الظنية رسخت مادية الجن والملائكة في فكر القاعدة الجماهيرية المكية ،على اعتقاد ان وجودهما المادي ، له دور في خلق السماوات والأرض ، مدعين ان للجن وللملائكة شراكة في خلق الله ، لأنهما أعانوه في خلق السماوات والأرض، أبطل الله الوجود المادي لهما ، طالبا من المشركين استدعائهما ماديا ، قل لهم يا محمد ، أدعو الذين زعمتم من دون الله الجن والملائكة ، بما ان العقيدة الظنية عجزت عن إحضارهما ماديا ، إذن هم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، وما لهم فيهما من شرك ، أي شراكة مع الله ، وما له منهم من ظهير ، ظهير مساعد ومعين

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ{22}

لم تكتفي العقيدة الظنية بمادية الجن والملائكة ، بل جعلوا لهما شفاعة أخروية ،على اعتقاد هما يشفعان عند الله ، لشراكتهما في خلق السماوات والأرض ، فالشفاعة معتقد ديني سياسي ريعي ينتفع منه الأسياد والرأسماليين ومنظري العقيدة الظنية ، ولكن للشفاعة مضار اقتصادية على الشرائح الأخرى ، لأن الفرد سيخصص جزء من دخله لنيل الشفاعة ، ولكي ينفي الله مادية الجن والملائكة دنيويا ، جعل لهما وجود مادي فعلي يوم القيامة ، لينكروا شفاعتهما أمام مدعين الشفاعة ، قائلا ولا تنفع الشفاعة عنده ، مستثنيا ، إلا لمن إذن له ، إلا لمن شفع الله له ، حتى إذا فزع عن قلوبهم ، أي غاب الشفيع عن قلوبهم ، قالوا أي الجن والملائكة ، ماذا قال ربكم في الدنيا عن الشفاعة ، قالوا الحق ، بمعنى لا وجود للشفاعة ، وهو العلي الكبير


وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{23}

بسط الله الرزق للعباد بغض النظر عن الدين ، وذلك يعتمد على مدى سعي الإنسان ونشاطه في الكسب ، فالعقيدة الظنية جعلت لشركاء الله ، وشفعائه الجن والملائكة ، دورا في بسط الرزق للعباد ، لبلورة فوبيا فقدان مصادر العيش ، مما يضطر الفرد الى تقديم جزء من كسبه أو رزقه للأوثان والكهنة والمنتفعين ، قل لهم يا محمد ، من يرزقكم من السماوات والأرض ، قل الله ، إما إنا على حق ، وإما انتم في ضلال مبين ، وأنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين

قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{24}

بما ان التنزيل أبطل الشفاعة ، وشراكة الجن والملائكة في خلق السموات والأرض ، وبسطهما الرزق للعباد ، اعتبر منظري الجن والملائكة ، ان ما جاء به محمد هو إجرام بحق الله ، فان كان ما جاء به هو إجرام بحق الله ، فلا تسالون عما أجرمنا ، ولا نسال عما تعملون ، أنهى الله الحوار العقيم ، بترك الجدال الى يوم القيامة للفصل فيه ، قل يا محمد ، يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم

قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ{25} قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{26}

ادعى المشركون ان للجن وللملائكة وجودا ماديا في السماوات والأرض ، الادعاء له أبعاد سياسية ، لإقناع القاعدة الجماهيرية المكية على مدى تأثيرهما المادي على حياة الإنسان ، طبعا ادعاء كاذب ، لان الله لم يطلع أين من خلقه على خلق غيره ، فالملائكة والجن وادم لم يشهدوا خلق السماوات والأرض والعكس كذلك ، ان ادعاء مادية الجن والملائكة في السماوات والأرض ، يعكس تدخلهما المادي في التغيرات المناخية والظواهر الطبيعية وحركتها الكونية ، لذا طلب الله من المشركين ، إثبات مادية الجن والملائكة ، قل لهم يا محمد ، اروني ، أي رؤية واقعية مادية الذين ألحقتم به شركاء، الجن والملائكة ، بما ان العقيدة الظنية لم تثبت وجود الجن ولا الملائكة ماديا ، كلا بل هو الله العزيز الحكيم ، الخالق الفعلي للكون

قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاء كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{27}

بعث الله الرسل بالبشرى والإنذار للدعوة الاخروية ، لان العقيدة الظنية والدين السياسي ، طمسا الإيمان بالله واليوم الأخر ، فمعظم الناس لا يعلمون بالآخرة ، تاركا للفرد حرية الاختيار بين الدنيا والآخرة ، وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{28}

ان الإنذار بالعذاب ، سواء ان كان دنيوي أو أخروي، له رد فعل على المتلقي ، فيبادر الى الاستفسار عنه ، لا الى الإيمان به ، فعد وقوعه يزامن الإيمان مع العذاب ، ثم يبادر الى التغير العقائدي ، ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين ، من إسرار إخفاء الساعة ، ليعلم الله من هو مؤمن بها ، ومن هو في شك منها ، قل لهم يا محمد ، لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{29} قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ{30}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا قال النائب الفرنسي الذي رفع العلم الفلسطيني في الجمعية


.. لا التحذيرات ولا القرارات ولا الاحتجاجات قادرة على وقف الهجو




.. تحديات وأمواج عاتية وأضرار.. شاهد ما حل بالرصيف العائم في غز


.. لجنة التاريخ والذاكرة الجزائرية الفرنسية تعقد اجتماعها الخام




.. إياد الفرا: الاعتبارات السياسية حاضرة في اجتياح رفح