الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة العثمانية والإصلاح

قطران عباس مجبل راشد

2024 / 5 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ظلت الدولة العثمانية و لفتره طويله من الزمن على مد السمع والبصر تعيش على رقعه واسعه تمتد عبر قارات العالم القديم وفيها يحيا اجناس مختلفة وشعوب متنوعه واديان متعددة وكانت القوه العظمى التي توثر على مجرى السياسة العالمية، لكن ابتداء منذ القرن الثامن عشر(1)، اتى عليها حين من الدهر ان اخذ الضعف يأكل وصالها، وامارت الشيخوخة تأخذ طريقها في جسد الدولة ابتداء من القرن السابع عشر بدأت الدولة العثمانية تسير تدريجيا نحو التدهور والضعف إلى غاية القرن التاسع عشر ميلادي ويرجع معظم المؤرخين سبب لجوئها لهذه الإصلاحات إلى أسباب داخلية وخارجية، وفي خضم هذه الأسباب اندفع رجال الدولة إلى تغيير هذا الوضع.
أسباب التوجه العثماني للإصلاح
عرفت الدولة العثمانية أسباب داخلية وخارجية، دفعت إلى انتهاج حركة الإصلاح وهي كالآتي :-
اولاً: أسباب داخلية:-
وتمثلت الأوضاع التي عاشتها الدولة العثمانية قبيل ظهور فكرة الإصلاح إلى الاضطرابات والثورات التي تسبب فيها عدة أطراف من الدولة نذكر منها :
1- ضعف السلاطين
إن ضعف السلاطين كان سببا في ضعف الدولة العثمانية في حد ذاتها، فبعد وفاة السلطان سليمان القانوني في (١٥٦٦م) تولى العرش سلسلة من السلاطين الضعاف، حيث اعتلى العرش سبعة عشر سلطانا، فمنهم من مات سريعا، ومنهم من تولى العرش في من طفولته(2). فأحمد الأول (١٦٠٣ - ١٦١٧م) وعثمان الثاني (١٦٢٣١٦٤٠م) كانا في الرابعة عشر من عمرهما، ومراد الرابع كان في الثانية عشر، ومحمد الرابع (۱٦٤٨۱۹۸۷م) كان ابن سبع سنين، وبعد أن كان السلطان يخرج للحرب بنفسه، أصبح الجيش يقاتل تحت إمارة القائد الأكبر.
فكان هذا التغيير سببا في تقاعس أغلب السلاطين عن الخروج من قصورهم الباذخة، وتفضيلهم البقاء مع غلمانهم وجواريهم المختلفة الأجناس، من تكبد مشاق القتال.
2- فساد الجيش الإنكشاري:-
اعتبر الجيش الإنكشاري أساس الدولة ، فالحكم العثماني في طبيعته عسكري، كما أن هو الذي يحكم إلى جانب وظيفته الأصلية في الحرب، فهذا الأخير تحول من جيش قاد الدولة إلى النصر، وترجيح كفتها في المعارك إلى جيش مستهتر كثير التمرد والعصيان، يهزم في أغلب المعارك التي يخوضها وتحول إلى أداة تخريب وفتك بمن وقف في طريقه، وتدخلت الانكشارية في السلطة مستغلة الصراع بين أبناء السلاطين، مما أفسح لها المجال بتولية وعزل من أرادت على حسب أهوائها الشخصية ورغباته المادية، فضعفت تربيتهم الإسلامية وتعاطوا الخمر، وانتشرت الرشوة والفساد وعدم الطاعة للسلطان ، ولما دب الفساد في صفوف الانكشارية، تحطمت القوانين التي أنشأ على أساسها الجيش، فحدث اندماج بين الانكشارية والأهالي عن طريق الزواج ومن أبرز الجرائم التي اقترفوها قتلهم السلطان إبراهيم الأول ( ١٦٤٠١٦٤٨م) والسلطان محمد الرابع (١٦٤٨۱۷䕾م) كما ثاروا على سياسة السلطان أحمد الثالث ( ۱۷۳۰ - ۱۹۸۷م) . لطعنهم لسياسته السلمية مع الدولة الصفوية فإيقاف الحرب في نظرهم سوف يحرمهم من الغنائم لذلك عزلوه من منصبه ونصبوا ابن أخيه السلطان محمود الأول (١٧٣� م) ومن جرائهم كذلك سلب المدن المفتوحة وتخريبها ثورات الإنكشارية استمرت ضد كل من يعترض مصالحهم(3).
3- تعدد مراكز السلطة:-
قسمت الدولة العثمانية إلى مجموعة من الولايات وتولت بعض الأسر حكم هذه الولايات، فحكموا حكما وراثيا وأحيانا مستقلا عن الدولة، منها أسرة آل العظم (١٧٢٤ ١٧٨٦) في، سوريا والأسرة الجليلة بالموصل في العراق (۱۷۷۵ - ۱۷۳۷م) ، وحكم الدايات بالجزائر(۱۸۳۰۱۹۷۱م) والبايات بتونس والقرمانلية بليبيا (۱۷۱۱_۱۸۳۵م) وهذا التعدد لمراكز السلطة وبعد المسافة بينها واسطنبول مركز الخلافة أوجد صعوبة على الدولة العثمانية في السيطرة على زمام الأمور.
مثلما حدث فعلا في ولايات الجزائر التي انفصلت وأصبحت تبعيتها أسمية فقط تمثلت في الدعاء للسلطان في الخطبة في الجمعة والتعاون معها في الحروب بتقديم المساعدات العسكرية للبحرية التركية في حالة تعرضها لاعتداء(4).
4- فساد الوزراء:-
أما بالنسبة لنفوذ الوزراء فقد تنامي على حساب السلطان وسلطاته وأصبحت زمام الأمور بيدهم وأشرف الصدر الأعظم على أكثر وظائف الدولة كالجيش والإدارة المركزية وإدارة الولايات ففي عام (١٦٥٦م)، عين في منصب الصدارة "بكر بكي محمد " الذي نشر الخوف وقضى على ٦٣ الف شخص وانتشرت الرشوة، فأصبح المرشح لتولي المنصب الإداري أو الوظيفة المهمة يقدم الهدايا لشراء المنصب، بدلا من اعتمد معيار الكفاءة والخبرة في اختيار الحاكم أو الوالي، وانعكس ذلك على الواقع الإداري والوظيفي، فلجأت الدولة في مجال الأرض وضرائب إلى نظام و عرف بنظام الالتزام حيث تمنح بعض الأشخاص حق الواردات أو العائدات المالية حيث استغل الملتزم الأرض ومحاصيلها ووارداتها والماشية والفلاح حق بشكل تعسفي، فأصبح هذا النظام عبئا ثقيلا على المواطن في الريف والمدينة وعلى مؤسسات الدولة
5- تعدد القوميات:-
شهدت الولايات العثمانية بعض الاضطرابات بسبب تعدد القوميات مثل لبنان التي عاشت انقسامات طائفية الاجتماعية والدينية تمثلت في الصراع بين القيسية واليمنية. المدعمة من طرف الدولة العثمانية وكذلك الصراع بين الموارنة والدروز كانت نتيجتها مذابح في كلا الطرفين أما سوريا فقد عاشت ثورات متعاقبة نظرا لسياسة الحكام مثل أحمد باشا الجزار " الذي عرف بشدته الدموية في تعامل مع الناس واستمرت الثورات في بلاد الشام إلى غاية (١٧٩٨م) ثم توالى عليهم حكام كل حاكم يطيح بالآخر كما شهد العراق صراعا بين العرب المؤيدين من طرف محمد علي والأكراد المؤيدين من طرف شاهاة إيران، واستمر الوضع غير مستقر بالعراق بسبب انقسامه إلى سنة وشيعة وحضر وبادية(5).

6- الحركات الانفصالية :- لقد ظهرت عدة حركات أرادت الانفصال عن الدول العثمانية منها :
أ‌- حركة" ظاهر العمر.
ب‌- حركة على بك الكبير.
ج‌- حركة محمد علي .
ثانيا : الاسباب الخارجية:-
1- حروب الدولة العثمانية الطويلة(6):
خاضت الدولة العثمانية حروبا طويلة المدى مع اختلاف جبهات القتال فيها، وأنهك كاهل الجند واستنزفت أموال وموارد البلاد وألحقت بها هزائم كثيرة كهزيمتها إمام روسيا وتوقيعها معاهدة صلح عام (١٦٩٩م) بكارل وفتر بموجبها، تخلت الدولة العثمانية عن تران لفانيا وسلوفانيا وكرواتيا بالمجر وإقليم بووليا للبولنديين كما وقعت معاهدة بلروفتز (۱۷۱۸م) في عهد السلطان أحمد الثالث (۱۷۰�م) تنازلت بموجبها عن أراضي جديدة في بلغاريا وحول الدانوب للنمسا ان سبب ضعف الدولة العثمانية المعاهدات كشفت عن ضعف الدولة بسبب عدم مواكبتها للتطورات الحديثة كما أنها كشفت عن استراتيجية روسيا اتجاه مواطن في البلقان والمشرق العربي وذلك لا عطائها حق التدخل في الشؤون الداخلية.
2- الامتيازات الأجنبية:
التدخل الأجنبي ونتائجه وعليه جاءت التنظيمات العثمانية في ظروف عصيبة لا تخلو من الضغوط الأوربية للسيطرة على الدولة العثمانية، ويمكن رصد مظاهر هذه الضغوط مع تراجع السادة العثمانية في الداخل والخارج على عدة مستويات أهمها المستوى الاقتصادي عبر ضغط الامتيازات الأجنبية، وسياسيا عبر إثارة الأزمات الداخلية ودفع البنى الداخلية العثمانية لمزيد من التصادم والانفجار، تمهيدا لإدخال مشاريعها الإصلاحية التنظيمات التي حولت السلطنة العثمانية تابعة بالقوى الغربية وحضارتها كالأزمة السورية وأزمة القرم(7).
فصار لكل من فرنسا وبريطانيا وروسيا نفوذا كبيرا من خلال رعايا الكاثوليك والبروتستانت والروم الأرثوذكس على التوالي وغدت قيودا طوقت عنق الدولة ولقد أساء ممثلو القوى العظمى استخدام هذه الامتيازات وتوسعوا فيها مدة طويلة تزيد عن ثمانية عقود من السنين وهدف السلاطين العثمانيين ومن حولهم من دعاة التجديد وراء محاولات الإصلاح العسكري إلى إقناع الدول الأوروبية بإصلاح يجري في الدولة، لعل ذلك سيؤدي إلى إقناعهم بصلاحياتها في البقاء، ويرفع من سلطتها المنهارة لدى الرأي العام الأوروبي فتخفف من حدة تدخلها في شؤونها الداخلية تحت حجج حماية الأقليات المسيحية(8).

المصادر
1) أحمد هريدي علي صلاح، دراسات في تاريخ العرب الحديث، دار الوفاء لدنيا، القاهرة ( ١٩٩٠ - ۲۰۰۰م)، ص ۸۰ .
2) عمر عبد العزيز عمر ، دراسات في تاريخ العرب الحديث، الشرق العربي من الفتح العثماني حتى نهاية القرن الثامن عشر، ج ۱، دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت (۱۹۷۱م)، ص109.
3) غربي الغالي، دراسات في تاريخ الدولة العثمانية والمشرق العربي (١٢٨٨ – ١٩١٦م) الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية، ص ١٣١
4) الهاشمي عبد المنعم، الخلافة العثمانية، دار ابن حزم، أبو ظبي، ص ٣٨٥.
5) عبد العزيز الشناوي، الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، ج ۱، مكتبة الانجلو مصرية بدون مكان الطبعة (۱۹۸۰۱۹۸۳م)، ص75.
6) قيس جواد العزاوي، الدولة العثمانية، قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، ط1، مركز دراسات الإسلام والعالم تامبا، فلوريدا الولايات المتحدة الأمريكية، (١٩٩٤م)، ص ١٤.
7) ساطع الحصري: البلاد العربية والدولة العثمانية، دارالعلم للملايين، بيروت (١٩٦٠م)، ص ٤٧،48.
8) نقولا زيادة، أبعاد التاريخ اللبناني، معهد البحوث والدراسات العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، جامعة الدول العربية، (١٩٧٢م) ص٨٦.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |