الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركس والنقد الديني

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2024 / 5 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين هو أحد المواضيع غير المكتملة والتي تفتقر إليها أعمال ماركس - سواء كتابات ماركس الخاصة أو تلك التي تعاون فيها مع انجلز. وعلى الرغم من وجود إشارات كثيرة إلى الدين في أعمال ماركس، إلا أن معظم اقتباساته عن الدين تتعلق بالمرحلة المبكرة من لتطوره الفكري، وهي الفترة التي حدثت فيها قطيعته الفكرية مع الشباب الهيغليين.
لقد كان الدين موضوعًا معقدًا و شائكا في فكر كارل ماركس. ففي شبابه تأثر ماركس بالشباب الهيغليين، الذين رأوا الدين تعبيرًا مغلوطًا عن الوعي البشري. وانتقد ماركس الدين على أنه أفيون الشعوب، إذ يخدّرهم ويُبعدهم عن الصراع الطبقي. وكتب مقالات نقدية لاذعة عن الدين انتقد فيها فلسفة الدين الهيغلية. لكن مع تقدمه في السن أصبح تحليله للدين أكثر تعقيدًا وتطورا إذ رأى الدين كظاهرة اجتماعية نابعة من الظروف المادية للمجتمع. وجادل بأن الدين يخدم مصالح الطبقة الحاكمة، حيث يُقدم التعزية للطبقة العاملة ويُصرف انتباهها عن الاستغلال. لكنه اعترف أيضًا بأن الدين يمكن أن يكون قوة ثورية، حيث يُلهم المقاومة ضد الظلم.
وأهم النقاط التي يجب أخذها في الاعتبار في موقف ماركس من الدين هي أنه:
• لم ينكر وجود الله بشكل قاطع.
• ركز على الدور الاجتماعي للدين أكثر من محتواه اللاهوتي.
• كانت آراؤه حول الدين مثيرة للجدل، ولا تزال موضع نقاش بين علماء الاجتماع والمهتمين بالدين وغيرهم.

كان صراع ماركس مع الدين معقدًا وشائكا. لقد انتقد الدين كأداة للسيطرة الطبقية، لكنه اعترف أيضًا بإمكانياته الثورية. ولا تزال آراؤه حول الدين حيوية وموضوعة نقاش وجدل ولذلك لا توجد نظرية ماركسية للدين – والفراغ النظري الذي ساهم في هذه الحقيقة حتى اليوم هو عدم وجود أي عمل أو مجموعة أعمال يمكن أن نعتبرها نظرية ماركسية شاملة للدين. وإن السبب الرئيسي لهذه المشكلة هو التعقيد الكبير للدين مقارنة بالأيديولوجيات التي من الواضح أنها سياسية. إن الآليات النظرية التي طورها ماركس لا تكفي وحدها للتعامل مع الجوانب المتعددة الأبعاد لهذه المسألة (الدين). إن المادية التاريخية أداة ضرورية، لكنها غير كافية لتفسير الدين. الدين موضوع يتطلب وجود كافة جوانب العلوم الإنسانية مثل الأنثروبولوجيا أو علم الاجتماع أو التحليل النفسي لمعالجته. علاوة على ذلك، بالمقارنة مع إنجلز، كتب ماركس أقل بكثير عن الدين. وربما يكون السبب في ذلك هو اهتمامه المحدود بالدين ومحدودية تجربته الشخصية في الدين مقارنة برفيقه. لذلك فوجود فجوة نظرية فيما يتعلق بالدين في الماركسية حقيقة، فلا توجد نظرية ماركسية شاملة للدين مكتوبة كتبها ماركس أو شارك كتابتها مع آخرين.

مع ذلك قدم ماركس تحليلاً قيّمًا للدين كونه أداة للسيطرة الطبقية انعكاسًا للظروف المادية للمجتمع وقوة ثورية محتملة. استكمل مفكرون ماركسيون آخرون تحليل ماركس للدين، مثل إنجلز جورج لوكاتش أنطونيو غرامشي تطورت النظرية الماركسية للدين وأخذت بعين الاعتبار الجوانب النفسية والاجتماعية للدين حللت تنوع أشكال الدين وتأثيره*ناقشت إمكانية التحرر من الدين في إطار المجتمع الاشتراكي.
ومع أنه لا توجد نظرية ماركسية شاملة للدين فإن تحليلات ماركس و الكتابات اللاحقة للماركسيين تقدم فهمًا غنيًا للدين و دوره
في المجتمع . إنّ الفجوة النظرية تُقدم "فرصة" لمزيد من "البحث والنقاش" حول هذا الموضوع "المعقد" و"المهم".

مع ذلك، هناك العديد من التعليقات التحليلية حول القضايا الدينية في كتابات ماركس (عدا التصريحات الشهيرة في شبابه). ويمكن تقسيم هذه الآراء إلى فئتين: من ناحية، عناصر التفسير المادي للدين، وهي في معظمها رؤى نظرية متناثرة وليست نظرية كاملة، ومن ناحية أخرى، الاستعارات والتشبيهات الدينية - أشهرها وهي "الصنمية" - وبالطبع هناك عدة حالات أخرى تظهر في كتابات ماركس الاقتصادية وليس لها فائدة تذكر في دراسة الدين في حد ذاته، بالإضافة إلى ذلك، تحتوي كتابات ماركس على العديد من البيانات السياسية التي تقدم رؤية سياسية ماركسية متماسكة للدين، والتي أولت اهتمامًا أقل بكثير لهذا البعد من فكره، والذي يندرج على نطاق واسع تحت المواقف السياسية البلشفية بشأن الدين.
تحليل آراء ماركس حول الدين:
تحتوي كتابات ماركس على العديد من التعليقات حول القضايا الدينية، ولكنها لا تشكل نظرية متكاملة فمعظمها رؤى نظرية متناثرة تفتقر إلى التماسك الشامل وتركز على التفسير المادي للدين وأن الدين انعكاس للظروف المادية للمجتمع وأنه أداة للسيطرة الطبقية.

نقد ماركس الهيجلي للدين

من الواضح أن ماركس الشاب يتعامل مع موضوع الدين في أطروحته بطريقة هيجلية إلحادية ومعادية للدين تمامًا. وفي مقدمة الرسالة وبعد نقل "صرخة أبيقور" ومضمونها ما يلي: "الملحد الحقيقي ليس من ينكر الآلهة التي تعبدها جموع الناس، بل من يؤكد نفي الناس لها" هذه الآلهة." «ثم يستشهد ماركس باعتراف بروميثيوس - أنا أكره كل الآلهة - باعتباره رفضًا أساسيًا للفلسفة ضد جميع الآلهة السماوية والأرضية التي لا تعترف بالوعي الذاتي الإنساني، وهو أعلى مراتب الألوهية. (5
في أطروحته للدكتوراه، "نقد فلسفة الحق عند هيجل"، يتعامل كارل ماركس الشاب مع موضوع الدين بطريقة هيجلية إلحادية ومعادية للدين تمامًا:
تأثر ماركس بشدة بـ فلسفة هيجل، التي تنتقد الدين كشكل من أشكال الوعي الزائف. فقد رأى هيجل أن الدين هو إسقاط بشري لمشاعر وأفكار غير مكتملة. واعتبر ماركس الدين تعبيرًا عن اغتراب الإنسان عن ذاته وعن الواقع.
كما انتقد ماركس الدين بشدة لكونه أفيون الشعوب، أى أن الدين يُخدّر الجماهير ويُبعدهم عن الصراع الطبقي. واعتبر الدين أداة للسيطرة تُستخدمها الطبقة الحاكمة.

يستشهد ماركس بـ "صرخة أبيقور" : "الملحد الحقيقي ليس من ينكر الآلهة التي تعبدها جموع الناس، بل من يؤكد نفي الناس لها". ويُشير إلى مقولة بروميثيوس: "أنا أكره كل الآلهة" كمثال على التمرد ضد الآلهة.

نرى أن ماركس قد ركز في أطروحته على نقد الدين من منظور هيغلي ولم يتعمق في دراسة الدين بشكل شامل. وبعد إكمال أطروحته بدأ ماركس بالقراءة عن الدين والكتابة عنه بشكل مكثف مستفيدا من مكتبة والده الغنية. وسجل ملاحظات مفصلة ومهمة حول مختلف جوانب الدين على هامش كتب قرأها في هذا الشأن.
مثل كتاب شارل دو بوروس: "عبادة الآلهة الوثنية" (1760) الذي يناقش بشأن أصول الدين. وتطوره وتأثيره على المجتمع. وكتاب لبنجامين كونستانت (1824-1831) يدرس العلاقة بين الدين والحرية ودور الدين في المجتمع المدني.
ساعدت هذه الكتب ماركس في تطوير تحليله للدين وأثرت على فهمه للدور الاجتماعي للدين وألهمته لكتابة المزيد عن الدين.

مفهوم الفيتشية لدى ماركس وتطوره
استعار ماركس مفهوم الفيتشية من شارل دو بوروس في كتابه: "عبادة الآلهة الوثنية". كما هناك تأثيرات أخرى، مثل بنجامين كونستانت وكان أول استخدام لماركس لهذا المفهوم قي مقال منشور في يوليو 1842 في صحيفة Rheinische Zeitung ويعتبر أول تعليق عام وشامل لماركس على الدين. والفَتَشِيَّة هي الاعتقاد بأن كائنا ما هو من صنع شخص له قوة خارقة، أو يمكنه التحكم في الآخرين.

أخذ ماركس بعين الاعتبار الجوانب النفسية والاجتماعية للدين. وحلل تنوع أشكال الدين و تأثيره. ولا تزال تفسيرات و تأثيرات مفهوم الفيتشية لدى ماركس موضوع نقاش بين العلماء. استعار ماركس مفهوم الفيتشية من دو بوروس و طوره لتحليل نقدي للدين. وأصبح مفهومًا مركزيًا في فهمه للدور الاجتماعي و التاريخي للدين. وساهم تحليله في تأسيس المادية الماركسية للدين.

إعادة صياغة ماركس للقضايا المادية في عام 1843:
في عام 1843، كتب كارل ماركس مقالات نقدية حول الدين، أهمها "في المسألة اليهودية" ردا على كتاب لبرونو باور ("المسألة اليهودية") . وقدم ماركس في هذا الكتاب تحليل العلاقة بين الدين والمجتمع، إضافة إلى النقد المادي للدين.
• "مساهمة في نقد فلسفة الحق عند هيجل" وكان تطويرا لفهمه للدين. وتأثيره على المادية التاريخية.
والجدير بالذكر أن ماركس كان لا يزال في هذه الفترة متأثرًا بالفلسفة المثالية. ولم يتخلّ بشكل كامل عن التقييمات الدينية. وكان يُركز على الدين كظاهرة اجتماعية. ويُحلل وظائفه و تأثيره على المجتمع. ويقدم نقدًا للدين كأداة السيطرة الطبقية.
مفهوم "المسألة اليهودية":
• يُجادل ماركس بأن اليهودية ليست دينًا بحد ذاتها، بل هي انعكاس الظروف المادية للمجتمع .
• يُؤكد على أهمية الاندماج الاجتماعي و التحرر السياسي ليهود أوروبا.
• يُنتقد التمييز ضد اليهود.
استمر ماركس بتطوير تحليله للدين آخذا بعين الاعتبار الجوانب النفسية و الاجتماعية للدين. كما حلل تنوع أشكال الدين و تأثيره.
تمثل مقالات ماركس في عام 1843 خطوة مهمة في تطويره المادية التاريخية. تُقدم تحليلًا نقديًا لـ الدين كظاهرة اجتماعية.
مقتبس ماركس عن الدين من "نقد فلسفة الحق عند هيجل": المعاناة الدينية هي في نفس الوقت تعبير عن معاناة حقيقية وأيضا احتجاج على المعاناة الحقيقية، الدين هو تنهيدة المخلوق المضطهد، وهو بمثابة القلب في عالم بلا قلب، والروح في وضع لا روح فيه، إنه أفيون الشعوب" .

واعتبار الدين سعادة الشعب الوهمية يعني ضمنا المطالبة بالسعادة الحقيقية للناس. إن المطالبة بالتخلي عن الأوهام حول الوضع القائم هي أيضا مطالبة بالتخلي عن الوضع الذي يتطلب الأوهام. ولذلك فإن نقد الدين هو المرحلة الأولى من نقد العالم المخيف، وهو نقد الهالة المسماة بالدين .

يُقدم هذا المقتبس من "نقد فلسفة الحق عند هيجل" لكارل ماركس تحليلًا نقديًا للدين.
نقاط رئيسية:
• الدين هو خلق بشري:
o ينبع من وعي الإنسان و سعيه للذاتية.
o ليس قوة إلهية.
• الدين هو انعكاس للعالم المقلوب:
o يعكس اغتراب الإنسان عن ذاته و مجتمعه.
o يُبرر الظلم و عدم المساواة في المجتمع.
• الدين هو أداة لـ السيطرة:
o تُستخدمه النخبة الحاكمة للتحكم في الجماهير.
o يُقدم العزاء و الأمل للمضطهدين كبديل عن النضال للتغيير
• نقد الدين ضروري لتغيير العالم:
o لا يكفي رفض الدين بحد ذاته.
o يجب معالجة الجذور الاجتماعية للدين.
مفاهيم هامة:
• الوعي المقلوب: حالة يُدرك فيها الإنسان عالمه بشكل مُشوه.
• الاغتراب: انفصال الإنسان عن ذاته و مجتمعه.
• النقد المادي:
o تحليل الظواهر من خلال أسبابها المادية.
تأثير:
• يُعتبر هذا المقتبس أحد أشهر اقتباسات ماركس عن الدين.
• ألهم العديد من الكتاب و الناشطين في النقد للدين و الدعوة للتغيير الاجتماعي.

ولا يزال تفسير و تأثير تحليلات ماركس للدين موضوع نقاش بين العلماء.

مالمو
2024-05-16








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرفيق حميد كشكولي
ادم عربي ( 2024 / 5 / 18 - 10:06 )
كارل ماركس كان له موقف معقد تجاه الدين. في أعماله، وصف الدين بأنه “أفيون الشعوب”، مشيرًا إلى أنه يُستخدم لإعطاء الطبقات العاملة أملًا كاذبًا ويُعتبر وسيلة للسيطرة الاجتماعية. ومع ذلك، رأى أيضًا الدين كشكل من أشكال الاحتجاج الاجتماعي ضد الظروف الاقتصادية القاسية.
ماركس لم يرفض الحياة الروحية بشكل كامل، بل اعتبرها ضرورية لتطور الإنسان نحو حرية أكبر. وفقًا للماركسية، يُنظر إلى الدين على أنه يؤخر التنمية البشرية،من المهم الإشارة إلى أن ماركس لم يقدم تفاصيل محددة حول طبيعة المجتمع الشيوعي المستقبلي، ولكنه توقع أن تنشأ الشيوعية نتيجة لعمليات تاريخية وليس لتحقيق نموذج أخلاقي معد مسبقًا. هذا يعني أنه كان يتوقع تطور الدين والمجتمع بشكل عام بناءً على الظروف التاريخية والاجتماعية. اعتبر سيتغير أو حتى يختفي في المجتمع الشيوعي المستقبلي، حيث ستُلبى الحاجات الأساسية للناس ولن يكون هناك حاجة للأوهام التي يقدمها الدين


2 - 1 رد على آدم عربي عن موقف ماركس من الدين
حميد كشكولي ( 2024 / 5 / 18 - 17:24 )
أشكرك رفيق على رسالتك المُثيرة للاهتمام حول موقف كارل ماركس من الدين. أودّ أن أشاركك بعض الأفكار حول هذا الموضوع:
صحيح أن ماركس وصف الدين بأنه -أفيون الشعوب-. كان يرى أن الدين يُستخدم من قبل الطبقات الحاكمة كمُسكن للألم والمعاناة، مما يُثبط روح الثورة ويُعيق التغيير الاجتماعي. اعتقد ماركس أن الدين يُوفر للناس أملًا كاذبًا في حياة أفضل بعد الموت، بينما يُهمل مشاكلهم الحقيقية في الحياة الحاضرة. لكن من المهم أيضاً أن نُدرك أن ماركس لم يُنكر تمامًا القيمة الروحية للإنسان. لقد رأى أن الدين يُمكن أن يكون شكلًا من أشكال التعبير عن المشاعر الإنسانية العميقة، مثل الحب والعدالة والأمل.


3 - 2 رد على آدم عربي:
حميد كشكولي ( 2024 / 5 / 18 - 17:26 )
اعتقد ماركس أن الدين يُمكن أن يُلعب دورًا إيجابيًا في المجتمع عندما يُستخدم كأداة للنضال ضد الظلم والقمع.وعلى الرغم من ذلك، كان ماركس مُقتنعًا بأن الدين سيتلاشى في النهاية في مجتمع شيوعي مثالي. اعتقد أنه عندما تُلبى جميع الاحتياجات المادية والبشرية للناس، فلن يكون هناك حاجة للأوهام الدينية. كما من المهم أن نُشير إلى أن أفكار ماركس حول الدين كانت معقدة ومتطورة بمرور الوقت. لم يقدم ماركس وصفًا محددًا لكيفية اختفاء الدين في المجتمع الشيوعي، وترك المجال مفتوحًا لتفسيرات مختلفة.
إنّ تحليل ماركس للدين هو موضوع جدليٌّ لا يزال يُثار حوله النقاش حتى يومنا هذا.

ختاماً، أعتقد أنّ أفكار ماركس حول الدين تُقدم لنا إطارًا مُفيدًا لفهم دور الدين في المجتمع.

مع خالص التقدير

اخر الافلام

.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran


.. 85-Ali-Imran




.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني