الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوفان الجّهل المُقدّس

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2024 / 5 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


----------------------
أرى أنّ ما يُسمى بـ الرأي العام الجارف ، بات يسود بيسرٍ ملحوظ و سهولة بالغة ، بالأخص في المجتمعات التي تعاني من انتشار ظاهرة التدهور العقلي، و تفشّي وباء الأصولية، أو إرهاب الجماعات الإنسانية المُغيّبة ،
التي يحكمها التأخر الشامل تقريباً ، في الوعي العلمي ، والعقلي ، والفني ، والثقافي ,,
و ذلك لأسباب عديدة، يصعب شرحها الآن في هذا العجالة : كـ الفساد والجهل والاستبداد الديني والسياسي و والخ.
لكن كما يبدو لي ، فإنّ السبب الأهم ، لهذا الإنتشار المريب، ليس لأن تلك الخرافات المُقدسة المستبدة في مخيال المجتمع ، لها رهبة وجدانية مميزة فقط ، أو أن الأخبار المروية و المروّج لها ببغائياً ، تحمل جزءأ كبيرا من الجاذبية، و السرد العاطفي الآسر وحسب ،
بل أظن بسبب التطور الهائل في " فن الإعلام الساحر وأدواته " ، الذي يعتمد - بالدرجة الأولى - على الدلالة البصرية ، في ترويج السطحية وتعزيز التفاهة.
بمعنى أن هذه الطوفانات العجيبة ، من الأفكار الغرائبية والخرافات اللاعقلية ، بات يسهل نشرها وتفعيلها ،
والعمل على إكثار جمهور تصديقها ايضاً ، بموازاة نمو جمهور تكذيبها ،
بخاصة إذا تمّ دعمها بالحوافز الاقتصادية ، و رفدها بدهشات الصورة الصناعية الرائجة حالياً .
اعتقد إن أفهام الناس بعامة ، و أفهام المجتمعات التي تسيطر عليها الثقافة الدينية بخاصة، تميل - عادةً - إلى الافكار التي ترغب بها ، أو تتمناها ، وكثيرا ما تعتقد بالأراء التي تتمنى حدوثها .
والمعلوم ان هذا النمط من التفكير يسمى عادة ، بـ " التفكير الرغائبي، wishful thinking أو التفكير الرغبوي، أو تفكير التمني ،
و هو خلل ذهني شائع جدا في الشرق العاطفي ، و يقوم في جوهره على تكوين ذهن الفرد للأحكام و الاعتقادات ودفعه إلى اتخاذ القرارات القاطعة ، حول الاحوال الهامة ، والأحداث القائمة ، بناءً على رغبات الفرد و حسب ،
بمعنى ، يُصدّق الإنسان من وسائل الاعلام مثلاً ، ما يريد تصديقه ، ويتمنى حصوله ، عوضًا عن التفكير المنطقي والتمحيص النقدي ، الذي يستند إلى الأدلة العقلية، أو البحث والتفكير بواقعية.
بالطبع ، يعتبر هذا النوع من التفكير، انحرافًا معرفيًا خطيراً ، وطريقةً سيّئةً لاتخاذ القرارات ، لأنه يعتمد على مناشدة العاطفة فقط ، دون أية أسس واقعية.
الامر الذي يمكن أن يؤدي إلى عمى الجمهور التام عن الحقيقة ، وتشويه القيم السامية ، وقلب الحقائق ، و اضطراب المفاهيم ،
وبالتالي ، يندفع المُتابع أو المشاهد بسهولة ويسر ، إلى الإرتماء في حظائر الاستنتاج المُزيف ، كي يصل - كما هو مرسوم له - إلى يقينيات كبرى ساذجة ، تكون عمادها ، نتائج ذهنية مشوشة ، غير واضحة مبثوثة ، او تهويمات مقصودة، مُحكمة و مدروسة .
و هذا ما يمكن جلاءه ، و بوضوح ، في متون الإعلام العربي الراهن بعامة ، حيث تتمّ تحويل الهزيمة إلى انتصار ، والإرهاب إلى إفتخار ، والتخلف العقلي إلى تنوير وأنوار ، والجهل المُركّب إلى عزّة و اقتدار. وهكذا .
أقول أخيراً :
بالطبع ، أيّ فرد من أفراد هذه المجتمعات الغائبة ، سيعاني جداً ، إن هو رغب أو فكر ، في توعية الناس ، وإيقاظها وتنويريها ، أو حتى مجرد لفت إنتباهها ، إلى الخلل العقلي، أو إلى مكامن التزوير و الزيف الذي اقتنعت به .
و تؤمن بالصواب المطلق ، أنها على تمام الرضى و الإيمان والقناعة .
فـلا أصعب من إيقاظ نائم ، لا يُريد أن يستيقظ .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم انه طوفان الجهل المقدس.
ابو علي آل ثائر ( 2024 / 5 / 19 - 03:17 )
اولا اشكرك جزيل الشكر على هذه الاضآءة التي ابنت فيها حقآئقا واضحة لا ينكرها الا مكابر. اقتباس:
(و هذا ما يمكن جلاءه ، و بوضوح ، في متون الإعلام العربي الراهن بعامة ، حيث تتمّ تحويل الهزيمة إلى انتصار ، والإرهاب إلى إفتخار ، والتخلف العقلي إلى تنوير وأنوار ، والجهل المُركّب إلى عزّة و اقتدار. وهكذا ) انتهى الاقتباس: . وهذا ينطبق تماما على ما قامت به حماس في طوفان الاقصى من دون مشورة واتفاق اصحاب الراي والسياسة في الشعب اللفلسطيني ومما يزيد الطين بلة هو الاعلام العربي المزيف الذي يصور ان ما حدث هو تمريغ لاسرىئيل وانتصار مبين لحماس علما بان ما حدث ويحدث في غزة لا يحتاج الى مناظير لمعرفة نتآئجه.اللف والدوران والتزوير في الاعلام العربي ليس وليد اليوم وكل ما نسمعه سبق ان سمعناه في حرب 73 بين مصر واسرآئيل والنصر المبين في الاعلام العربي الذي ادى الى احتلال سيناء ودخول القوات الاسرآئيلة مصر وهي هزيمة نكراء والتاريخ يعيد نفسه.لكن لا تقلق ايه الاخ الكريم لان لا هزيمة في قاموس الاخوان. (قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار) وبهذا يجب ان نشكر حماس على حرصها لدخول اهل غزة الجنة.

اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي