الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مترجم/ جان كافييس في إرث ليون برنشفيك: فلسفة الرياضيات ومشكلات التاريخ (الجزء السابع والأخير)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 5 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الواضح أن الحكم التاريخي قد تم حجبه من خلال الاختزال التعسفي للمسألة إلى مقارنة التصورات المذهبية، التي غالبا ما يتم تقديمها بشكل كاريكاتوري، لكرونيكر، مع تصورات ديديكند، أو خصمه القديم، كانتور. "وبينما يقول أ. ويل، كان كل سطر من الملحق الحادي عشر لديديكند في صيغه الثلاثة المتعاقبة "الخالصة" دوما أكثر، مفحوصا ومحللا، مبدها ومعمما، تنوسيت تقريبا Grundzüge…كرونيكر (أساسيات النظرية الحسابية للأعداد الجبرية)، أو لم ينظر إليها سوى كتقديم لمنهج أدنى وأقل صفاء بحيث لا يصل إلى نفس النتائج [...]" وأوضح أ. ويل كيف كان هدف أوسع بكثير من معالجة المشاكل الأساسية لنظرية المُثُل، التي شكلت الموضوع الرئيسي لديديكند. كان الأمر بالنسبة إليه يتعلق بوصف وافتتاح فرع جديد من الرياضيات، والذي كان سيحتضن في نفس الوقت، كفرعين محددين، نظرية الأعداد والهندسة الجبرية: تصور عظيم حقا، وهو لم يفعله، لم يمتلك، بمفرده، الوسائل اللازمة لتنفيذه، ولكن التطورات التي شهدتها هذه الفروع في الفترة الأخيرة سمحت لنا بالحصول على وجهة نظر هي بلا شك أكثر عدلاً من الإدانات الموجزة لتصورات كرونيكر "الحسابية". إن النجاح النهائي والكامل للنظرية الكانتورية عن المجموعات اللانهائية، ونتيجتها الأساسية، وهي الاعتراف بالمجموع اللانهائي الكامل كموضوع شرعي أساسي للرياضيات، والذي تم تأسيسه كعقيدة أدانها كرونيكر، قد استفادا من مشروعه. ما اعتبره كرونيكر أعظم فضيلة لعمله: بناء تعريفاته، وتقديم أدلة على الوجود بمصطلحات جبرية ومحدودة، وبكل صراحة، بمصطلحات خوارزمية، تم التستر عليه لفترة طويلة.
لفترة طويلة، ولكن ليس بشكل نهائي. هيأ التاريخ كرونيكر لينتقم، من خلال ظهور الآلات الحاسبة، ونجاح مدرسة جديدة، وهو ما يمكننا أن نطلق عليه باختصار التفكير الخوارزمي. إن إمكانية اختبار الفرضيات، وحساب البيانات بسرعة وسهولة لم يسبق لهما مثيل في الماضي، لم تغير طريقة التعامل مع المشكلات فحسب، بل أيضا طريقة التفكير فيها. ومنه يمكننا أن نكتشف أن هناك احتمالات أخرى للتطور غير مسار التنظير المجموعاتي المجرد الذي كان جميع علماء الرياضيات تقريبا سينخرطون فيها، على حدو كانتور وديديكند. كان من الممكن، وهذا بالضبط ما يشهد عليه عمل كرونيكر، التفكير في الرياضيات بمصطلحات مختلفة عن مصطلحات كانتور وديديكند، أي، حتى بمتطلبات مختلفة عن تلك الموجودة اليوم، بمصطلحات خوارزمية.
بإعادة قراءة كرونيكر اليوم، يبدو أنه لا يوجد امتياز رياضي محدد مسبقا لتعبير مجموعاتي عن المفاهيم، بما فيها تلك المعترف بها على أنها أساسية. في الواقع، لا ديريشليت ولا جوس، الذي يستحق أسلوبه أيضا أن يُوصف بالمفاهيمي، والذي كان لديه أيضا تصور راسخ للتعميم، لم يكن ليتعهدا بلا شك بصياغة مفاهيم رياضية أساسية بلغة المجموعات، ليس أكثر مما كانا سيقبلان بشرعية استخدام اللانهائي ككيان مكتمل. وهكذا، فإن ما تسميه Transfini et continu "المذهب الحسابي الدقيق" لكرونيكر، والذي يقارنه، دون أي فارق بسيط، مع المحاولات المماثلة التي قام بها ويلستراس (arithmétisation du calcul infinitésim)، وهيلبيرت (finitisme)، وديديكند نفسه (الذي يستشهد بشعاره: "الإنسان يقوم بالحساب دائما")، فهو بلا شك لم يحظ، من كافاييس، بالاهتمام الذي يستحقه. قد نميل إلى القول إن هذا في حد ذاته يشهد على حقيقة أنه لا تزال هناك حرية غير قابلة للاختزال في الحكم التاريخي، حتى عندما يتعلق الأمر بالرياضيات، لأنه لا يوجد إنجاز ضروري في التاريخ الحقيقي الذي كان في المقام الأول بسطا للاحتمالات.
بالنسبة لكافييس، فإن العمل التأملي، الذي تصوره برنشفيك كخاصية للفلسفة، يهم أولاً الرياضيات نفسها. إن ما ينبغي أن يقودنا إليه "العمل العميق لمدرسة بوريل-ليبيغ"، كما يشرح في بداية كتاب "المنهج الأكسيوماتيكي والنزعة الصورية"، هو "تأمل نقدي حول ماهية العمل الرياضياتي، "مراجعة نسقية" و"نكوص يقود إلى الحفر في ما وراء الرياضيات بمعناها الحصري، في الأرضية المشتركة للأنشطة العقلية".
اعتبار الرياضيات عملاً شبه تجريبي يشتغل على مضامين مفردة، ثم كمعالج ل «مادة» نؤكد أن فيها يتمثل موضوع التاريخ، وليس الذات الفردية أو الوعي، وضع "نظرية العقل" في منظورها الصحيح انطلاقا من ثمة، كان يعني حقا أخذ مسافة تجاه المثالية البرنشفيكية، وحتى، بطريقة معينة، من خلال عكس اتجاهها. ومع ذلك، لم يتوقف كافاييس أبدا عن التفكير في أن هذا الفهم لجوهر العمل الرياضياتي لا يمكن تحقيقه دون استخدام، أو حتى تجديد، مفاهيم أو مقولات الفلسفة. وفي هذا، لم يكن مخلصا لدرس برنشفيك، ويظل صحيحًا أن هذا الاستخدام لا يمكن فهمه حقا، في عمله، دون وساطة التأويلات التي أعطاها المعلم لكانط أو ديكارت أو سبينوزا.
حساسا للاحتمال التاريخي، ومستعيرا علنًا من ديديكيند تعبيرا عن ثقته في القدرة على الخلق الرياضياتي الحر، وحرصا على الحفاظ على أقرب مسافة من فعل أو أفعال عالم الرياضيات، أراد كافاييس أن يفكر في الرياضيات وتاريخها، في ظل جهة الضرورة. لقد فعل ذلك بنفس الثبات، ونفس الرغبة في رؤية العواقب، وبنفس التألق، باختصار، مثل ذلك الذي أضاء عمله كمقاوم. ولكن من واقع التجربة أنه بعد حدوث التدخل الفلسفي، مهما كان قويا، في التاريخ، كشف مسار الأخير، تدريجيا، ولكن حتما، عن الفجوات. دون الإفلات من القاعدة، يمكن لعمل كافاييس أن يقدم لنا خدمة أخيرة، وهي مساعدتنا على رؤية حدود تصور التاريخ الذي يمكن أن يتناسب مع إطار فلسفة الضرورة بشكل أفضل. إن حقل التاريخ التأملي، كما مارسه في مبحثي المنطق والرياضيات، بطابعه البرنشفيكي، وفي الوقت الذي تركته فيه الأحداث المأساوية، يمكن الحكم عليه اليوم بأنه ضيق بعض الشيء. قد نرغب في استئناف تأويله للضرورة التاريخية، والعودة إلى استبعاده للأنطولوجيا، عندما تتأسس على النظرية المنطقية، لتوسيع إطار التفكير نفسه، إلى درجة إفساح المجال لأحداث التاريخ التجريبي، لاقتراحات الفيزياء. إن علامة عظمة جان كافييس هي أن هذه الانعطافات، التي ربما تكون مرغوبة اليوم، في ممارسة التاريخ، لا تأخذ معنى حقيقيا بالنسبة إلينا إلا بشرط المطالبة بانعطافنا، وبالتالي قبول درسه.
المصدر: https://www.cairn.info/revue-de-metaphysique-et-de-morale-2020-1-page-9.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: فكرة وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة غير مطروحة ق


.. استقبال حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة




.. أسرى غزة يقتلون في سجون الاحتلال وانتهاكات غير مسبوقة بحقهم


.. سرايا القدس تبث مشاهد لإعداد وتجهيز قذائف صاروخية




.. الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يترشح لانتخابات الرئ