الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثير أفكار ابن خلدون في الحضارة العربية والغربية

فتحي البوكاري
كاتب

(Boukari Fethi)

2024 / 5 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ولد عبد الرحمن بن محمد، ابن خلدون، في تونس في القرن الرابع عشر، وألّف المجلد الأول من تاريخه في قلعة ابن سلامة في الجزائر، وذلك قبل انتقاله إلى مصر ليشغل خطّة رئيس للقضاة المالكيّة حيث أنهى تأليف بقية أجزاء الكتاب، وبالمقدّمة اشتهر، فهي تنفرد عن مؤلفات المؤرخين الإسلاميين التقليديين التي تمّ التركيز فيها على الأحداث التفصيلية للتاريخ السياسي والديني، باهتمام الدارسين، إذ أنّها العمل المؤسس لعلم الاجتماع وفلسفة التاريخ، تدرس صعود وسقوط الحضارات الإنسانية والقوى السياسية وتطوّر والأفكار الجديدة وموتها، وتقدم نظرية للتاريخ، وتحلّل الأنماط الاجتماعية الكامنة وراء الأحداث التاريخية، حيث تولد سلالة وتنمو وتنحط فيتم غزوها من قبل سلالة جديدة.
تلك الملاحظات النظرية والواسعة جدًا، لدرجة أنها غالبًا ما تعتبر تاريخًا عالميًا، كان لها تأثير دائم على العرب والغرب بسبب المقارنات التي أجراها بين نظرياته والنظريات الموجودة في أعمال علماء الطبيعة والمأخوذة أيضا من علماء الحديث عندما درسوا عادات شخص ما سيجمعون الحديث منه قبل أن يقوموا حتى بتحليل النص للتأكد من توافقه مع القواعد واللغة والمحتوى مع مجموعة نص الحديث المتاح، وكذلك لأن تحليلاته للتغير الاجتماعي تركز على تحديد الآليات التي تعمل، بدلاً من النظر إلى السمات الفريدة لأي فترة معينة من التاريخ، وفي هذا السياق قام ابن خلدون بتحليل ديناميكيات العلاقات الجماعية وأظهر كيف تؤدي المشاعر الجماعية إلى تقدم الحضارة الإنسانية وتيارات التاريخ، ومنها طور مفاهيم العصبية (التضامن الجماعي) والعمران (الحضارة) كوسيلة لشرح نجاح وفشل المجتمعات والسلالات. يمكن القول أن هذا التحول في التركيز من الخاص إلى العام والمجرد يمثل نقطة تحول بين نماذج التحليل التاريخي في العصور الوسطى والحديثة. وكانت هذه الخطوة لدراسة الأحداث التاريخية في سياق المبادئ العلمية العامة وتأثيرها على المجتمع الإنساني ثورية في ذلك الوقت، وشكلت نقطة تحول في العلوم الاجتماعية سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب، خاصّة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، حيث تم إنتاج ترجمات أكثر في المائة عام الماضية مقارنة بالقرون الخمسة السابقة، لأنه في البداية، تم تجاهل المقدمة وفصلها عند وفاته عام 1406.
ولا يمكن تجاهل تأثير ابن خلدون في الفكر السياسي العربي، تحتوي المقدمة على العديد من النظريات السياسية المدروسة بناءً على تجاربه كرجل دولة ودبلوماسي وقاضي. وفي ظل غياب التأريخ الإسلامي والعربي، سعى المثقفون العرب والمفكرون المعاصرون، بالإعتماد على أفكار ابن خلدون حيث تشكل مقدمته حجر الزاوية، إلى إعادة دراسة القضايا التي ابتليت بها الأمّة، ولا تزال تعصف بها إلى اليوم، لتفسير سبب سقوطها وتأخر ركبها، بعيدا عن مستخلصات تفسير الآخر الغربي، التي لا علاقة لها بالثقافة والمجتمع العربي، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الكتابات التاريخيّة العربيّة التي ألّفت بعد مقدّمة ابن خلدون قد جاءت على غرارها،متأثّرة بها.
وفي العالم الغربي، عُرفت أفكار ابن خلدون وأعماله على نطاق واسع في القرنين التاسع عشر والعشرين، وعُرضت مقدمته بشكل خاص كمثال بارز لفلسفة التاريخ، نظرًا لظهور علم الاجتماع كفرع من فروع المعرفة في الغرب في ذلك الوقت، وقد تم إعادة اكتشاف قدر كبير من أبحاثه حول المجتمع والثقافة أثّرت في مثقّفي ومفكّري وعلماء الغرب من مختلف التخصصات منذ أول لقاء مباشر لأوروبا مع مقدمة ابن خلدون من خلال ترجمتها إلى الفرنسية في أوائل القرن التاسع عشر، وحتّى في صانعي السياسات، فقد قرأها نابليون بونابرت، أثناء منفاه إلى جزيرة سانت هيلانة، ومن خلال أعمال الفيلسوف الألماني فريدريش راتزل وعالم الاجتماع الفرنسي مونتسكيو بدأت أفكاره في جذب انتباه الأوساط الأكاديمية الغربية في العصر الحديث، قام راتزل بدمج هذه الأفكار في عمله حول الجغرافيا البشرية ووضع الأسس للمدرسة الجيوسياسية الألمانية، في حين طبق مونتسكيو مفاهيم الحتمية البيئية لصياغة فكرة الحتمية المناخية في جزر الهند الغربية وأمريكا.
. لقد وجد أنه مقدمة عميقة للمبدأ الحديث لعلم الاجتماع، الذي ضعفت سمعته وتعرفت على أفكاره وتلقى منحته الدراسية في أوروبا الغربية عبر إيطاليا وعلى مراحل عديدة..
وها هو براوننج يقول في زمن العولمة: "إن الأفكار واضحة ومباشرة وهي على الأقل في جزء منها رسومية ومقنعة؛ فالحضارة تميل إلى التراجع، وهي تفعل ذلك لأنها متأصلة في طبيعة المجتمعات البشرية"، وبناءً على دراسته لابن خلدون، أبدى توينبي الملاحظة التالية: "إن فشل الحضارة في البقاء كان نتيجة لعدم قدرتها على الاستجابة للتحديات الأخلاقية والدينية، وليس للتحديات المادية أو البيئية"، ويقول أرنولد توينبي: "إن نجم ابن خلدون يضيء أكثر سطوعًا على النقيض من رقائق الظلام التي يومض عليها؛ لأنه في حين أن ثوسيديدس ومكيافيللي وكلارندون يمثلون جميعًا عصورًا وأماكن رائعة، فإن ابن خلدون هو نقطة الضوء الوحيدة في ربعه من السماء"، وما يزال تأثير ابن خلدون على التخصصات الأكاديمية الأخرى قائما، فهو على الرغم من أنه لم يستخدم أبدًا الأدلة التجريبية بنفسه، إلا أن كتاباته ألهمت أمثال إميل دوركهايم وماكس فيبر، وكلاهما من آباء علم الاجتماع الحديث، يقول سورتال: "إن مفاهيم خلدون الاجتماعية ومنهجه التاريخي تسبق تحليل إميل دوركهايم للتماسك الاجتماعي وتقسيم العمل وتتفوق عليه في بعض النواحي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص