الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللهُ في النفسِ الفردية والجَمْعِية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2024 / 5 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما يكون أعضاء الفريقين المتنافسين على الفوز في نفس المباراة من نفس الدين، الإسلام مثلاً؛ لا غرابة أن يتوجه كل واحد منهم قبل انطلاق المباراة ومع تسجيل كل هدف بالدعاء والشكر والسجود لنفسه وفريقه مقابل الفريق الخصم، المنتمي أعضاؤه أيضاً لنفس الدين وسيفعلون الشيء نفسه حيال الفريق الأول. ثم مع انطلاق صافرة انتهاء المباراة، سينصرف أعضاء كلا الفريقين كلٌ في حال سبيله، مع الفائز رافعاً صوته بالحمد والشكر لتوفيق الله له والمهزوم حامداً وشاكراً الله كذلك ولو بصوت أكثر خفوتاً وانكساراً. إذا كان الفائز يَرُد انتصاره في المقام الأول إلى التوفيق من الله، لكن ذلك لن يمنعه عن المضي في تعداد نقاط القوة الموضوعية التي لمسها في فريقه وضَمِنّت له النصر. كذلك الفريق الخاسر، لن يفقد أبداً إيمانه بربه لمجرد خسارة مباراة في لعبة كرة القدم. بعد أن يحمد الله ويشكر فضله ويجدد الإيمان بقدره ومشيئته ("قَدَّر اللهُ وما شاء فعل")، سيمضي في تعديد بعض من ظروف المباراة التي لم تكن في صالحه، مثل الإجهاد أو سوء التحكيم أو الجمهور أو أرضية الملعب أو اتجاه الرياح أو غير ذلك. في النهاية، الموضوع بسيط، مجرد مباراة واحدة في لعبة دورية لا تستأهل من الطرف الخاسر أن يُكفر الآخر الفائز ويستبيح دمه، لاسيما وأن فرص المكسب والتعويض ستظل دائماً قائمة ومضمونة بحكم القواعد المنظمة للعبة. لكن ماذا لو كانت الرهانات أكبر، ولا توجد قواعد مُنظمة، وفرص التعويض ضعيفة أو منعدمة؟

في عالم السياسية والاجتماع والاقتصاد، لا توجد ملاعب ممهدة أصلاً لإقامة المباريات والمنافسات وتغيب قواعد اللعب النظيف. وفق القواعد الرياضية، إذا تعمد أحد اللاعبين الخشونة ضد لاعب من الفريق المنافس، سوف يُعرض نفسه لكي يُشهر ضده حكم المباراة بطاقة صفراء أو حمراء، أو حرمانه من اللعب لعدد معين من المباريات يتناسب مع حجم المخالفة، أو حتى إلغاء قيده من هذه الرياضة كلياً وحرمانه من المشاركة فيها للأبد. في عالم السياسة والاجتماع والاقتصاد، لا توجد قواعد واضحة تُنظم اللعب وتردع المخالفين. أكثر من ذلك، لا يوجد دوري. الفرصة إذا أتت، ستكون لمرة واحدة وقد لا تأتي ثانية أبداً. الفائز يفوز بكل شيء، والخاسر يخسر كل شيء ولن تأتي فرصة للتعويض. وهو ما يخلق دوراً آخر مغاير بالكلية للدور الذي يؤديه الله في نفوس أعضاء فريق كرة القدم. إذا كان الله في نفوس اللاعبين مجرد إله معنوي يستنهض الهمم ويواسى المكروبين، الله وسط الفرق الدينية المتنافسة على مصالح سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية له مغزى مختلف تماماً.

في غياب القواعد الموضوعية المنظمة للتنافس، تتحول وظيفة الله من مجرد الشحن والتحفيز المعنوي بغرض الانتصار دون مخالفة القواعد إلى كونه هو القواعد ذاتها. وحين يصبح الله هو ذاته مرادف القواعد الموضوعية التي يحتكم إليها المتنافسون فيما بينهم لتقرير ما هو الحق وما هو الباطل، تنشأ مزايدات بلا نهاية في ادعاءات الأطراف حول من منهم الأصدق امتثالاً وتمثيلاً لقواعد الحق. كل طرف يتصنع القُرب من الله، وفي الوقت نفسه يتهم الطرف الآخر بالهرطقة والزندقة والتجديف بحق الله. وكلما زادت حدة التنافس والصراع على المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين الأطراف المنتمية لنفس الدين، زادت معها بالتوازي دعاوى كل منهم كونه الأقرب إلى الله والأصدق لتمثيله وسط المؤمنين به. هكذا يتحول الله من الوظيفة المعنوية الفردية مثلما في عالم الرياضة إلى أخرى وجودية جمعية. وجود جماعتنا بحد ذاته مُعلق بوجود الله؛ كذلك وجود الله ذاته مُعلق بوجود جماعتنا على وجه التحديد والحصر. نحن الإسلام. هزيمتنا هزيمة للإسلام، حتى لو كنا في تنافس أو صراع أو حرب مع جماعة مسلمة أخرى.

في غياب القواعد الموضوعية التي يُفترض أن تُنظم وتَحكم الاختلاف والتنافس الطبيعي والاعتيادي بين البشر، يضطر هؤلاء إلى الاستنجاد بأشرس غرائزهم الفطرية التي تضمن لهم النجاة والبقاء في عالم متقلب ومحفوف بالمخاطر. ويأتي استحضار قوة الآلهة في صفك في صدارة أقدم الوسائل وأكثرها تجريباً وفاعلية. هكذا ينزل الله من محراب الأماني والضمائر الفردية إلى الميدان الجمعي يتقدم الصفوف في نضال مقدس ضد المنافسين، حتى لو كانوا من نفس الدين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية