الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
بين اليابانيين ونحن العرب.. سر تقدمهم وأسباب تخلفنا
الطيب طهوري
2024 / 5 / 24العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أدرك اليابانيون بان هناك حضارة أقوى من حضارتهم، هي حضارة الغرب..أدركوا أيضا وجوب الأخذ من تلك الحضارة، وبعقلانية ، وبما يجعلهم يخرجون من تخلفهم ويلتحقون بركبها..في هذا الإطار لم يناصبوا حضارة الغرب العداء، بل درسوها وعرفوا الأسس التي قامت عليها وعملوا على تبني الكثير منها(( الأسس)..
من أبرز الأسس التي تبنوها بناء الدولة على أساس الديمقراطية ، بكل ما تعنيه الديمقراطية..تبنوا العلمنة..أنشأوا لهم مؤسسات تشبه مؤسسات الغرب ( تبنوا استقلالية المؤسسات ،حرية التفكير والتعبير،حرية الإعلام..والأهم من كل ذلك التعامل مع تراثها على أساس عقلاني وبشكل نقدي،وتأويله بما يتناسب والعصر ويساهم من ثمة في انخراطها في حضارته..وعلينا ان ندرك هنا ان ذلك النقد للتراث واجه الكثير من الصعوبات، حيث عارضته القوى السلفية ورأت فيه التخلي عن الخصوصية اليابانية والذوبان في ثقافة الغرب..عمل العقل الياباني باعتباره عقلا عمليا في الأساس على جانبي الحضارة معا المادي والثقافي، حيث لجأ إلى تغيير البنية الأساسية المادية وفي نفس الوقت تغيير البنية الأساسية الثقافية بما يحقق التوازن بينهما ويجعل البلاد تمشي بخطى مدروسة وواثقة نحو المستقبل.. وكان العقل والواقع هما أساس العمل في البنيتين وهكذا انتصرت قوى التغيير على قوى الجمود.. وكانت اليابان التي نرى..
جاء في كتاب أركيولوجيا العقل العربي لشوقي جلال ما يلي:
(ظهرت تيارات سلَفية محافظة وأخرى متطرفة، وظهرت تيارات تغريب متطرفة
في موقفها السلبي من التراث. وناهض هؤلاء وأولئك تيار العقل والتنوير الذي سعى إلى
تهيئة العقل الياباني للتفكير العلمي والتعامل العقلاني مع الواقع.
واشتدَّت حركة المعارضة عنفًا في أواخر القرن ١٩ ، وأعرب أنصارها عن احتجاجهم ضد الغزو الفكري
وتشكَّلت جمعية سلَفية عام ١٨٧٦ م باسم Tokyo Shushin Gokusha.« لتشجيع أخلاق السلف.
. وصدَرت كتابات كثيرة تُهاجم أخلاق وفكر ومعتقدات الغرب، وشهدت اليابان كذلك محاولات لإحياء النشاط الطائفي بين البوذيِّين، والتحريض ضد كل ما هو أجنبي، وضد الأفكار الحديثة بوجهٍ عام، ووصل الأمر إلى حدِّ مُعارضة استخدام مصابيح الغاز باعتبارها ثقافة غربية.
وشكَّل المحافظون مؤسسة عام ١٨٨٨ م أصدرت مجلة رسالتها الحفاظ على جوهروثوابت الثقافة القومية اليابانية.
وظهرت على النقيض تيارات التغريب الداعية إلى التدريس باللغة الإنجليزية، وتشجيع
الدراسات الغربية، ونشر ثقافة الغرب عن طريق إصدارات الكتب والمجلات والمقالات.
وظهرت حالة من الهوس بالغرب امتدَّت عشرين عامًا أطلق عليها بعضهم اسم فترة
السُّكْر بالغرب.
وتجلَّى هذا في الفنون وفي السلوكيات الاجتماعية. وبين هذا وذاك عاشت اليابان حقبة
من الاضطراب والصراع الفكري وازدواجية الثقافة في ظاهر الأمر. ثم كانت الغلَبة لتيار
العقل والواقع الذي تبنَّته أجيال الشباب. وتركزت الجهود من أجل هدف محدَّد المعالم: أن
تكون اليابان أمة غنية وجيشا قويا..
وسارت عملية التحديث بشكلٍ انتقائي لصالح هذا الهدف وَفقًا لخطوات محدَّدة مع
الاستفادة بالغرب:
حكومة على النمط الأوُروبي. _
نظام تعليم طموح للتعليم العالي. _
نظام قضائي على النمط الفرنسي، بعد المواءمة مع الأوضاع _
الاجتماعية اليابانية.
نظام مالي ونَقدي وضرائبي. _
تحديث الاقتصاد وإقامة نظام مصرفي حديث وإصلاح النظام النقدي. _
التوسُّع في البِنية الأساسية اللازمة للتطوير الاقتصادي. _
إقامة صناعة الأسلحة والصناعات الاستراتيجية.) _
وأخيرا الاهتمام بالتعليم بالكيفية التي تجعله يبني عقل الفرد المواطن الواعي المسؤول..
في نفس الطريق التي مشت فيها اليابان لتحقق وجودها كدولة فاعلة في العصر مشت الهند وحققت وجودها أيضا..ومثلهما فعلت دول اخرى، ومنها دول إسلامية كتركيا وماليزيا وأندونيسا..إلا العرب..لماذا لم يمش العرب في نفس الطريق؟..
في تصوري، تتمثل العوامل/الأسباب التي منعت العرب من المشي في نفس الطريق والالتحاق من ثمة بالدول الفاعلة في هذا العصر في النقاط التالية:
عقلية الاتكال بما تعنيه من انتظار السماء لحل مشاكلنا وأزماتنا،وذلك بالإكثار من الادعية، بدل التدبر والتفكير والبحث عن الحلول والتخطيط لتنفيذها..
الريعية فكرا ومادة المسيطرة على المجتمعات العربية،حيث اللجوء الدائم إلى الأسلاف، والفقهاء منهم خاصة،لاستعمل احكامهم في الحاضر، واعتبارها احكاما مقدسة، أو المطالبة بتطبيقها، بدل التفكير والاجتهاد في إيجاد الأحكام بأنفسنا ..
الاستبداد السياسي والاجتماعي والديني الموروث والمترسخ عبر التاريخ، والذي يتحكم فينا بشكل لا حد له..
الاستعمار الغربي لنا جعلنا نربط الحداثة به ونعاديها من منطلق ذلك ،بدل أن ننظرإليها على انها حضارة شاركت فيها كل شعوب الأرض عبر التاريخ ،وان تسميتها بالغربية ماهو إلا نتاج لهيمنة الغرب في الحاضر..وزادنا رفضا لتلك الحداثة ما نراه من وقوف الغرب مع النطمة التي تحكمنا وجعلها في خدمة مصالحه بدل خدمة مصالحنا..
وجود مؤسسات دينية قوية كالأزهر مثلا وقفت ضد التفاعل مع حضارة العصر ودراستها والاستفادة منها، وهي مؤسسات تمولهاالأنطمةالحاكمة وتجعلها في خدمتها..
ظهور البترول في دول عربية بدوية وتوظيفه لمحاربة الفكر الحديث،وفي المقابل ترسيخ الفكر المناهض للحداثة ،مثلما هو حال السعودية مثلا..
كل هذه العوامل المشتركة والمتفاعلة مع بعضها ادت إلى جعل الانسان العربي انسانا يخاف من الٱخر المختلف..يخاف من الحرية..يخاف من المغامرة..ويميل الى الكسل والخضوع..ويشعر بالعجز والنقص..وينكفئ على ذاته ويهرب إلى ماضيه ويتعلق بأسلافه ،ويعوض بافتخاره بهم عن فشله في حاضره..وهكذا يتواصل الحال..
في واقعنا نحن الذين نسمى عربا نجد:
-أنطمة حاكمة تفتقد الشرعية الشعبية وتعوض عنها بالاحتماء بالغرب ، من جهة، واستعمال الماضي الثوري أو الأسري الزاهي في كل المناسبات والافتخار به تعويضا عن تلك الشرعية وترسيخا لحكمها..واستعمال كل وسائل الإخضاع لإبقاء شعوبها خاضعة لها..
- قوى دينية تتحكم في ذهنيات الناس ومشاعرهم ولا تجد ما تقدمه لهم في الواقع العملي كتنظيم ونضال يغير من اوضاعهم نحو الأحسن،ومن منطلق وضعها ذاك تلجأ إلى الماضي وتصوره كماض مثالي بشخصياته ووقائعه وتدفع بهم إلى التعلق به والبكاء الدائم عليه والحنين الشديد إليه، بعيدا عن واقعهم الحقيقي ووجوب التفكير فيه..
والطرفان معا يحرصان على بقاء نفس العقل المكبل باجترار أسلاف ماضينا وبمعاداة كل فكر جديد مخالف..
- قلة من المفكرين النقديين الذين يتعاملون مع الواقع بعقلانية، وينتقدون الطرفين السابقين ويبينون مدى إفلاسهما وتغييبهما للناس عن واقعهم وإبقائهم يعيشون في تخلفهم الذي صار مزمنا،بعيدا عن العصر والبحث عن كيفية الاندماج في حضارته كفاعلين بدل وضع المفعول بهم..للأسف، هؤلائ المفكرون النقديون محاصرون من الطرفين..من الأنطمة بسلاح الاتهام بالعمالة والمس باستقرار المجتمع و..و..ومن القوى الدينية بسلاح الاتهام بالزندقة والإلحاد والمس بالدين..و..و..
والمسافة ما تزال طويلة طويلة بيننا والعصر الذي نعيش فيه بأجسادنا فقط..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. المقاومة الاسلامية في العراق: استهدفنا بالمسيرات هدفا حيويا
.. المقاومة الإسلامية في العراق: هاجمنا بالمسيرات هدفا حيويا في
.. نديم الجميل للطائفة الشيعية الكريمة: نحن لبنانيون “مثلنا مثل
.. المقابلة | الأكاديمي والباحث الأمريكي نورمان فنكلشتاين.. يهو
.. كنيسة تجمع المسلمين والمسيحيين في إسطنبول • فرانس 24