الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام وبشار ورئيسي

رائد قاسم

2024 / 5 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في ظل الاصطفافات الطائفية والمذهبية الطاغية في الكثير من الأوساط العربية بسبب غياب المشروع العربي وانحسار الهوية العربية الجامعة فأن المواقف المتخذة من الاحداث كثيرا ما تتخذ بناء على خلفيات شعبوية وعواطف هوجاء ناتجة عن ثقافة طائفية راسخة في الذات الجمعية ويصعب في الكثير من الأحيان السباحة ضد تيارها الجارف لعدم وجود بدائل انتبرلوجية تؤسس لنشوء قوى جديدة تقوم على الانتماءات المدنية الاكثر استيعابا لشرائح وفئات وطبقات المجتمعات.
في وسائل التواصل الاجتماعي يمكن رصد اتجاهات الثقافة والوعي في الشارع العربي ، فعندما سقط صدام حسين لم يسقط حزب البعث في العراق بل سقط حكم السنة ، وعندما اعدم صدام حسين لم يعدم صدام البعثي بل صدام السني ، واليوم وبعد اكثر من عقد على اعدامه لا يزال يحضا بتأييد واسع رغم كونه بعثيا ، ولكن العقل الجمعي تجاهل بعثيته وكون شخصية جديدة له هو صدام السني الذي قتله الشيعة يوم العيد امعانا في الانتقام منه، والذي اوجد هذه المشاعر الراسخة هو ضعف الحكم الحالي في العراق الذي نشا بعد الغزو الامريكي ومارس الحكم بنفوذ إيراني وقام على نظم طائفية فاضحة، وكان من مخرجاته ضعف الدولة العراقية بينما كانت سلطة الدولة في عهد البعثيين قاهرة وكان العراق مستقلا والإيديولوجية البعثية كانت قوية ونافذة ، فاتخذ صدام البعثي رمز لقوة العراق وقوة الحاكم العربي الذي لا يخضع لاحد ، خاصة مع عدم وجود شخصية عربية ملهمة بعد رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
فالانسان العربي لم يعتد على سلطة المؤسسات ولا يزال يحتاج الى القائد ذو الشخصية الكاريزمية بينما تجاوزه الانسان الأوربي منذ الحرب العالمية الثانية ، لذلك تجد المحتوى العربي على وسائل التواصل لا يزال يمجد هتلر رغم ما ارتكبه من فضائع وتسببه بدمار العالم ، والتاييد شبه المطلق للغزو الروسي لاوكرانيا ، ويرجع ذلك الى التخلف الحضاري الواسع النطاق الذي يعيشه الانسان العربي الذي يقوم على تمجيد الفرد وتقديس الموروث والعبودية السياسية ، مما جعلته حتى هذا القرن يؤمن بالمستبد العادل والطاغية الرشيد ويفضلهما على المجتمع المدني ودولة المؤسسات وسيادة القانون.
صدام الذي حارب ايران واعترفت الأمم المتحدة بانه المتسبب بالحرب ، والذي قتل الاكراد في حلبجة بالغازات السامة وغزا الكويت وقتل من شعبها المئات ، وتسبب بقتل اكثر من مليون عراقي في حروبه العبثية ، صدام الديكتاتور الذي دمر العراق بمغامراته الطائشة ، البعثي الذي الذي يعتنق آيديولوجيا البعث الذي افتى العديد من العلماء بمخالفته للإسلام ، الا ان هذه المثالب تتوارى ليصبح بطلا قوميا يفتقده الشباب العرب، بطلا سنيا حارب ايران الشيعية التي تسعى للهيمنة على العرب، وعربيا حارب الامريكان ، في مقابل نظام حكم جاء بعد غزو امريكي وأوجد للإيراني نفوذا ما كان يحلم به ، علاوة على فساد وفشل وضعف لم يعرفه العراق في عهد صدام ومن قبله .
في المقابل سوريا صورة عكسية تماما عن العراق ، فبينما كان العراق يحكم من البعث بأقلية سنية وال المجيد راس الحكم، كان البعث السوري يحكم بأقلية شيعية وال الأسد راسه، والبعث كان مجرد واجهة في كلا النظامين لحكم عصبوي شوفيني طاغي.
بعد زوال نظام صدام كان الامر جليا وذلك في ظهور المشاعر المذهبية المعادية وخلفياتها التاريخية المشوبة بالكراهية العميقة والمتجذرة ، واتضح ان السنة هم من يحكمون العراق وانه قد حان الوقت لتصحيح مسار التاريخ، وعندما اندلعت الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد عام 2011 سرعان ما سقط قناع البعث وظهر ان الشيعة هم من يحكمون وان الأكثرية العربية السنية تريد استرجاع حقها في السلطة ، ودارت رحى حرب مدمرة اشترك فيها الكثير من الأطراف، وكان النظام السوري في كلا الاحول هو النظام الشيعي النصيري وليس حزب البعث العربي الاشتراكي ، والشيعة هم الحاكمون وليس البعثيون.
ناصر الشيعة نظام الأسد البعثي وتجاهلوا تماما فتاوى علماء الشيعة في البعثيين ، فقد نظروا اليه على انه شيعي وان سوريا يجب ان تبقى تحت حكم الشيعة ، ولم يعترفوا بفشله في ادارة البلاد وفساده وظلمه المريع لشعبه ، في اطار الاصطفاف الطائفي الذي ينخر في المنطقة.
ان انتفاضة 1991 ضد صدام والتي يسميها العراقيون بالانتفاضة الشعبانية والتي لم تشارك فيها المحافظات الغربية ( السنية) ، قام بنظيرها السوريون عام 2011 ولم تشارك فيها المحافظات العلوية كطرطوس واللاذيقية ، وتاييد صدام في مجتمعات التواصل الاجتماعي
كحاكم عربي قوي وديكتاتور رشيد تحدى وحارب امريكا والغرب يقابله تاييد بشار كرئيس مناضل ضد الصهيونية ومؤيد للمقاومة واحد محاورها الاساسية ، وفي كلا الحالتين كان صدام قد تسبب بدمار العراق وهو سبب رئيسي لما يعانيه العراق حتى هذا اليوم، ودمار سوريا سببه كذلك النظام السوري والتاريخ سيكتب ان خرابا هائلا حدث في عهد الرئيس بشار
اذى الى تشريد الملايين وقتل ما يناهز النصف مليون من السوريين الذين تعرضوا الى ماسي فضيعة وانتهاكات رهيبة .
وقبل أيام قتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية ، وكانت وسائل التواصل منقسمة ما بين غلو في الكراهية وغلو في الولاء ، فالشيعة كانوا يرثونه وكأنه رئيس بلادهم وليس رئيس لدولة مجاورة ، بينما كان قطاع واسع من رواد مواقع التواصل يعبرون عن كراهيتهم له ، فقط لكونه شيعيا وينتمي لدولة شيعية ، ووصل الامر انه حتى التعزية المعتدلة كانت كافية لمهاجمة من ينشرها على حسابه ويتهم بالولاء للدولة الإيرانية ، وبغض النظر عما يتهم به الرئيس الراحل عن دوره في اعدامات 1988 وقمع احتجاجات 2022 وغيرها فانها بينه وبين شعبه لا علاقة للشعوب الاخرى به ، الا ان رئيسي كان حاضرا بزيه وموقعه ومواقفه كعالم دين شيعي اكثر من كونه رئيس دولة ، كان في العراق حاضرا باعتباره رئيس لدولة لها نفوذ قاطع ، وهو في المنطقة رئيس لدولة تقود محور سياسي ذو هوية مذهبية واضحة ، فرثيه رواد التواصل بالأشعار والمشاعر الجياشة وكانه رئيسا للعراق او لبنان او اليمن، بينما تلقى سيلا من مشاعر الكراهية من اخرين لكونه كان يقود دولة لها نفوذ غير شرعي يقترب من كونه انتداب على هذه البلدان، لا سيما سوريا التي تتهم الميلشيات الموالية لدولته بارتكاب فضائع بحق السوريين ، وبنظر الطائفيين عالم دين شيعي كغيره يحمل آيديولوجيا منافسة لغيره من اتباع المذاهب ، ويقود دولة لديها مشروع سياسي طائفي اساسه هيمنة الدولة الإيرانية على المنطقة ليس سياسيا فقط بل دينيا أيضا.
والحق ان النظرة الى شخص ما او كيان وفقا لما يقدم نفسه للآخرين، فالإسرائيليين يقدمون انفسهم للعالم على انهم يهود وان دولتهم دولة يهودية ويريدون من العرب وغيرهم ان يعترفوا بأن اسرائيل دولة يهودية ، وبهذا فان نظرة العرب وغيرهم لهم ستكون بناء على كونهم يهود ، تجر كل الخلفيات المعرفية والتاريخية عن اليهودية وإسقاطها على العلاقة بهم والنظرة اليهم.
ايران قبل مجي علماء الدين للحكم لم تكن تقدم نفسها على انها دولة شيعية ، وكانت دول المنطقة تتعامل معها على انها دولة قومية ، وكان الشاه محمد رضا بهلوي يزور بعض دول المنطقة بحفاوة وتقام له استعراضات شعبية ، وقد طالب بالبحرين واجري استفتاء كانت نتيجته عدم رغبة المواطنين الانضمام الى ايران ، وزواجه عندما كان اميرا من الاميرة المصرية فوزية فؤاد ، ولم يشكل الانتماء المذهبي أي عائق ، ولكن مع مجي الاسلاميين الشيعة للحكم تغيرت ايران واصبحت دولة شيعية ويقدم النظام الايراني نفسه على انه نظام حكم اسلامي على المذهب الشيعي ، فمن الطبيعي ان تكون النظرة لايران مبنية على الخلفية المذهبية بكل ما تضمه من خلفيات تاريخية ومناكفات دينية وصراعات مذهبية وطائفية بكل نتائجها وافرزاتها على مدى عشرات القرون .
النظام العراقي قدم نفسه على انه نظام حكم قائم على ايديولوجية حزب البعث العربي الاشتراكي الذي اسسه ميشيل عفلق العربي المسيحي الا ان بروز حركات الاسلام السياسي وانبعاث الثقافة الدينية التقليدية بقوة ابتداء من منتصف السبعينات الميلادية ادت الى تحوله الى قناع اكثر من كونه دولة بعث ، وقد تجلى ذلك في الانتفاضة التي اندلعت بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 حيث ثار شعب الجنوب واغلبهم من الشيعة ضد حكم صدام حسين ، فكانت ساحة لإظهار المشاعر المعادية لهم من قبل قادة النظام من قبيل " لا شيعة بعد اليوم" ، وبين المقاتلين الشيعة الذين نادت نسائهم في مرقد العباس بقولهن " نريد قائد جعرفي" وكذا كان الوضع في سوريا حيث سقط قناع البعث سريعا وظهر النظام بوجه الطائفي وهويته المذهبية في احداث عامي 81- 82 حيث تبادل مع المعارضة المسلحة ارتكاب المجازر ضد المدنيين السوريين بناء على الانتماء الطائفي ، وتكرر سقوط قناعه في احداث 2011.
في اليمن عندما اتحد الشمال مع الجنوب لم يكن في خلد احد ان اليمن الشمالي كان وما يزال يحكمه الزيدية ، سواء في العهد الملكي او الجمهوري الذي غلب عليه العسكر، وعندما اندلع الصراع بين الجنوب والشمال عام 94م لم يكن بين الزيدية والشافعية ، بل بين حزب المؤتمر الشعبي الذي يقوده علي عبدالله صالح والحزب الاشتراكي الذي يقوده علي سالم البيض، وكذلك كانت احداث انتفاضة 2011 فقد كانت شعاراتها متسامية ومتعالية على اية هويات دونية ، ولكن بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية السياسية التي كانت تمثلها الحكومة المؤقتة بقيادة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي ظهرت النزعات الطائفية في اليمن بقوة وسادت وترسخت ، فغدا الشمال زيدي والجنوب شافعي ، واصبح جزء كبير من الصراع دو نزعة طائفية صريحة لاول مرة منذ حرب صيف 94، فالحوثيون خاصة بعد مقتل صالح واستفرادهم بالسلطة قدموا انفسهم على انهم شيعة وجاهروا بذلك في احيائهم المناسبات الشيعية بطابع جماهيري ورسمي واسقاط الهوية المذهبية بكل صلافة على الدولة ، لا سيما في الاعلام والتعليم والاعلام، وقولهم انهم الاحق بحكم اليمن لكونهم من السلالة الهاشمية المتوكلية التي حكمت البلاد قبل انقلاب العسكر، بينما كان اليمن الشمالي وان كان قادته من الزيدية قبل ظهور الحوثيين يقدمون انفسهم على انهم قادة سياسيون لا طافئيين ولا مؤلجين، وكان تعامل الدول الاخرى مع اليمن على انه دولة عربية لا مذهبية ، واليمن اليوم لا يعاني فقط من حرب اهلية بل من تفشي واستفحال الهوية المذهبية والانتماءات ما دون الوطنية.
اوربا دينيا تعتنق المسيحية حتى ان ملك بريطانيا من مناصبه رئاسة الكنيسة الانجليكانية ، ولكنها لا تعرف امام العالم بانها مسيحية عدا الفاتيكان، وتعرف بكونها دول ديمقراطية ليبرالية علمانية ، وفي احدى السنوات اطلت مسئولة استرالية على الفضائيات وهي تعاتب الاسلاميين المهاجرين الذين طفح الكيل بهم بعد ان زادت مطالبهم بدور اكبر للاسلام في استراليا،فقالت لهم بانهم ان كانوا يرديون ذلك فعليهم بالهجرة للبلاد الاسلامية ، وذكرتهم بان استراليا مسيحية ولن تتخلى عن العذراء ويسوع ، في نفس الوقت الذي تقبل فيه كافة معتنقي الاديان والثقافات، ويمكن الاستشهاد هنا باذربيجان ، حيث يسودها نظام قومي علماني مستقر في نفس الوقت التي هي فيه بلد مسلم يعتنق اغلب سكانه المذهب الشيعي، الا انه لا احد ينظر لها على انها دولة شيعية والحكومة والشعب لا يقدمون انفسهم على اساس الانتماء الروحي والجذور الدينية ، رواد مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ( التي تعد ساحة انسانية مفتوحة ومسرح لتفاعلاتها وانعكاس لاثارها ) لا ينظرون لها على كونها تعتنق هذا المذهب او ذاك بل ان الكثير منهم لا يعرفون المذهب الاسلامي السائد فيها ، وتتعامل اذربيجان مع دول العالم الاسلامي باريحية ومن دون توترات ولا يكن لها احد مشاعر كراهية مذهبية او دينية وذلك لكونها دولة قومية علمانية لا تتعامل مع غيرها من الدول من منطلقات عقائدية ضيقة ومستفزة.
ان ايران بتاريخها الموغل في القدم اكبر من ان تحصر في طائفة ، والعراق الذي كان فجر الحضارة البشرية اسمى من ان يقيد بمذهب ، وسوريا التي شهدت نشوء اقدم حضارات العالم ارفع من ان تحسب على جماعة دينية او حزبية.
ان بناء دول قومية قوية مستوعبة لكافة مكوناتها لا شك بكونه الكفيل بتآكل الثقافات المتطرفة في مقدمتها ثقافة التبعية بما ينعكس على العالم العربي الذي اذا ما شاء العرب ان يكون قويا ومزدهرا فلا بد ان يسعون لان تكون دوله وشعوبه قوية ومقتدرة ومعتزة بانتماءاتها الوطنية والقومية ليكون انسانها متعاليا على الهويات الضيقة والمصالح الفئوية الانانية ، حينها سيتمكن الانسان العربي من بناء حضارة واعدة تساهم بفاعليه في تنمية العالم وازدهاره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عواطف الأسدي: رجال الدين مرتبطون بالنظام ويستفيدون منه


.. المسلمون في النرويج يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك




.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل