الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحاضرية الوجودية ودور التحرير اللاهوتي ثقافيا
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
2024 / 5 / 25
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
من وجهة نظر الحاضرية الوجودية، الثقافة هي عنصر أساسي وضروري للتجربة الإنسانية الكاملة. هذه الفلسفة ترى أن الوجود الإنساني هو الأساس، وأن الثقافة تساعد البشر على التعبير عن تجربتهم الوجودية وتفسيرها. الثقافة تشمل الفنون والأدب والموسيقى والفلسفة والدين والتقاليد والممارسات الاجتماعية. هذه المكونات الثقافية تسمح للبشر بالتعبير عن معنى الحياة والوجود والعلاقات الإنسانية. بدونها، سيكون الوجود الإنساني ناقصًا وفقيرًا. لذلك، من منظور الحاضرية الوجودية، الثقافة هي أمر ضروري للسماح للبشر بالتعبير عن تجربتهم الإنسانية الفريدة والعميقة. إنها جزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني نفسه. من خلال التعبير الثقافي عن القيم والمعتقدات والتقاليد، تساعد الثقافة البشر على إعطاء معنى وغرض لحياتهم. وهذا هو المعنى الأساسي للوجود الإنساني المُرضي، الممارسات والتقاليد الثقافية تساعد الناس على تطوير إحساس بالذات والانتماء، يساعد البشر على الشعور بالاكتمال والتحقق كأفراد وكجماعات، اللغة والرموز الثقافية تتيح للبشر التواصل والتفاهم مع بعضهم البعض، وهذا يسمح بالعلاقات والتفاعلات الإنسانية الضرورية للوجود. التعبير الثقافي، سواء في الفنون أو العلوم أو التكنولوجيا، يحفز الإبداع والابتكار الذي يدفع البشر إلى التطور والتحسين المستمر لظروف وجودهم، بهذه الطرق المختلفة، ترى الحاضرية الوجودية أن الثقافة هي جزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني وضرورية لتحقيق الذات والمعنى الكامل للوجود.
في الحاضرية الوجودية، يُعتبر المعنى الوجودي عنصرًا أساسيًا للتجربة الإنسانية، البشر بطبيعتهم يبحثون عن أسباب وجودهم والغرض من حياتهم، الحاضرية الوجودية ترى أن هذا السعي وراء المعنى هو محرك أساسي للوجود البشري، الشعور بالمعنى والغرض يمنح الحياة تماسكًا وإحساسًا بالقيمة، ويساعد الأفراد على الشعور بالاستقرار والاتزان النفسي. رغم أهمية المعنى الوجودي بشكل عام، فإن استيعاب وتفسير هذا المعنى يختلف بشكل كبير من فرد لآخر. كل شخص يبحث عن معنى فريد حسب خبراته وسياقه الشخصي، الممارسات والتقاليد الثقافية توفر للأفراد وسائل للتعبير عن المعنى الوجودي وربطه بسياقات أكبر من الحياة الفردية، البحث عن المعنى هو عملية مستمرة ومتغيرة. لا توجد إجابة نهائية أو ثابتة، بل على الأفراد المواصلة في هذه الرحلة البحثية طوال حياتهم، لذلك، تؤكد الحاضرية الوجودية على أهمية المعنى الوجودي كمكون أساسي للوجود البشري، مع الاعتراف بتنوع طرق استيعابه والتحديات المستمرة في البحث عنه. تلعب الثقافة والتقاليد دورًا كبيرًا في تشكيل وتوجيه استيعاب الأفراد للمعنى الوجودي. هناك عدة طرق يمكن أن تؤثر بها الثقافة والتقاليد على فهم الفرد للمعنى الوجودي:
توفير إطار مرجعي: الممارسات والمعتقدات الثقافية توفر للأفراد طرقًا ووسائل للتعبير عن المعنى الوجودي وربطه بسياق أوسع من الحياة.
التأثير على القيم والأولويات: الثقافة تؤثر على القيم والأهداف التي يعتبرها الأفراد مهمة وذات معنى، والتي تشكل بدورها فهمهم للوجود.
تقديم نماذج للمعنى: التقاليد الدينية والفلسفية تقدم للأفراد نماذج وأطر مرجعية لفهم المعنى الوجودي والغرض من الحياة.
تنشئة اجتماعية: خلال عملية التنشئة الاجتماعية، يتعلم الأفراد الطرق الثقافية للتفكير في المعنى والوجود البشري.
خلق مجتمعات معنى: الممارسات والمؤسسات الثقافية توفر للأفراد مجتمعات ومساحات للتعبير عن المعاني الوجودية والبحث عنها، بهذه الطرق المتنوعة، هذا الدور المؤثر للثقافة يوضح التنوع في استيعاب المعنى الوجودي بين الأفراد والمجتمعات.
من الممكن أن تكون للتقاليد الدينية بعض التأثيرات السلبية على استيعاب المعنى الوجودي للأفراد. بعض التقاليد الدينية الصارمة قد تفرض قيودًا على حرية التفكير والاستكشاف الفلسفي للمعنى الوجودي، مما يضيق من مجال الأفراد للتأمل الحر. تمسّك بعض الديانات بتفسيرات محددة للمعنى الوجودي قد يؤدي إلى جمود فكري وتعصب، مما يعيق الحوار والتطور الفكري, تأكيد بعض التعاليم الدينية على الخطايا والجزاءات الأخروية قد يدفع الأفراد نحو القلق والخوف بدلاً من الاستكشاف المتفتح للمعنى, التركيز المفرط على الجوانب الروحية والأخروية قد ينأى بالأفراد عن الانشغال بالقضايا الوجودية الملموسة في الحياة اليومية, تأكيد بعض التعاليم الدينية على خطيئة الإنسان وعدم كفايته قد يُضعف شعوره بالقيمة الذاتية والجدارة, بالطبع، لا ينطبق هذا على جميع التقاليد الدينية، فهناك الكثير من المذاهب التي تشجع على الاستكشاف الحر للمعنى الوجودي, لكن في بعض الحالات، قد تؤثر التقاليد الدينية بشكل سلبي على فهم الأفراد للوجود وإدراكهم لغايات الحياة. يشكل اللاهوت التحريري مقاربة ثقافية مع النظرة الشمولية للحاضرية الوجودية، اللاهوت التحريري هو تيار في الفكر اللاهوتي المسيحي ظهر في أمريكا اللاتينية في منتصف القرن العشرين. أبرز ملامحه:
التركيز على تحرير الفقراء والمضطهدين
اللاهوت التحريري يضع قضايا العدالة الاجتماعية والتحرر من الظلم والفقر في صميم الرؤية اللاهوتية. يرى أن البشارة المسيحية تتضمن التزامًا بتحرير الفئات المهمشة.
دور التحليل الاجتماعي
يستخدم اللاهوت التحريري التحليل الاجتماعي والسياسي لفهم الواقع الاجتماعي والاقتصادي، ويربطه بالنص الإنجيلي والتقاليد اللاهوتية.
الأولوية للتجربة والممارسة
بدلاً من التركيز النظري المجرد، يعطي اللاهوت التحريري الأولوية للتجربة الحية للإيمان والالتزام العملي تجاه العدالة.
التأكيد على الحرية والاستقلالية الفكرية
يدعو اللاهوت التحريري إلى التأمل الحر والاستقلال الفكري في فهم الإيمان المسيحي، بدلاً من التقيد بالتفسيرات المؤسسية التقليدية. بالرغم من وجود تداخل محتمل بين اللاهوت التحريري والنظرة الوجودية الشمولية على النحو التالي:
التركيز على التجربة الحياتية
الاهتمام بالحرية والاستقلالية الفكرية
الالتزام بالعدالة الاجتماعية
التركيز على الوجود الملموس
الا ان الحاضرية الوجودية تركز على الوجود البشري الحي والملموس، وهذا يتقاطع مع اهتمام اللاهوت التحريري بالتجربة المعاشة للإيمان لكن يمكن للاهوت التحريري والنظرة الوجودية الشمولية أن يلتقيا في رؤية إنسانية متكاملة تجمع بين التأمل الذاتي والالتزام الاجتماعي. وهذا قد يفتح آفاقًا إبداعية جديدة في البحث عن المعنى الوجودي. لكن يتقاطع اللاهوت التحريري مع الحاضرية الوجودية وذلك لاختلاف الأسس المرجعية بينهما، اللاهوت التحريري يستند إلى النص الديني والرؤية اللاهوتية المسيحية، بينما الحاضرية الوجودية تستند إلى فلسفة غير الدينية. هذا الاختلاف في المرجعية الأساسية يجعل من الصعب الالتقاء بينهما الا في الهوامش. اللاهوت التحريري ينظر إلى الإنسان في سياق علاقته بالله والمجتمع، بينما الحاضرية الوجودية تركز على الإنسان كفرد مستقل عن السياق الاجتماعي والديني. اللاهوت التحريري يهدف إلى تحرير الإنسان من الظلم والاضطهاد والنمو الروحي والأخلاقي، بينما الحاضرية الوجودية تركز على تحقيق الذات والعيش الصادق في اللحظة الراهنة. هذا الاختلاف في الغايات يجعل من الصعب التوفيق بينهما. اللاهوت التحريري يعتمد على الوحي الإلهي كمصدر للمعرفة، بينما الحاضرية الوجودية ترفض المطلقات وتؤكد على الخبرة الذاتية كمصدر للمعرفة. هذا الاختلاف في مصادر المعرفة يُعيق الالتقاء بينهما. المحور الأساسي في الحاضرية الوجودية هو فكرة "الوجود يحمل الجوهر"، بمعنى أن الإنسان لا يُولد وهو يحمل جوهراً محدداً مسبقا، بل هو من خلال اختياراته وأفعاله يصنع جوهره وماهيته. وهذا يعني أن الإنسان مسؤول تماماً عن تشكيل هويته وتحديد قيمه الأخلاقية، من هذا المنطلق، ترى الحاضرية الوجودية أن الحرية هي الشرط الأساسي لتحقيق الذات والوجود الحقيقي، فالإنسان بحاجة إلى حرية الاختيار والتصرف لكي ينخرط في صنع مصيره وتحديد معناه في الحياة. تؤكد الحاضرية على مسؤولية الفرد تجاه اختياراته وأفعاله وعدم التهرب من هذه المسؤولية, كما تشدد الحاضرية على أهمية الالتزام الأخلاقي الذي ينبع من حرية الفرد، بدلاً من الالتزام بقيم أخلاقية مفروضة من الخارج, فالقيم الأخلاقية في هذا المنظور هي نتاج تفاعل الإنسان مع وجوده ومع الآخرين في العالم، وليس مجرد امتثال لمعايير جاهزة, وبالتالي، فإن تحرير الفرد وتحقيق ذاته في الحاضرية الوجودية يتم من خلال هذه الحرية والمسؤولية والالتزام الأخلاقي الذاتي، والذي يمكّن الإنسان من أن يكون مؤثراً ومتفاعلاً في صنع مصيره. من وجهة نظر الحاضرية الوجودية، الحرية هي الشرط الأساسي لتحرير الذات وتحقيقها. فالإنسان بحاجة إلى حرية الاختيار والتصرف لكي ينخرط في صنع مصيره وتحديد معناه في الحياة. ولكن هذه الحرية لا تعني التحرر المطلق من أي التزام أخلاقي. على العكس، الحاضرية الوجودية ترى أن الالتزام الأخلاقي الذاتي والمسؤولية هما ضروريان لتحرير الذات الحقيقي. فالإنسان من منظور الحاضرية الوجودية هو مسؤول عن اختياراته وأفعاله، ويجب عليه أن يتحمل هذه المسؤولية وأن يصوغ قيمه الأخلاقية بنفسه، وبالتالي، تحرير الذات في الحاضرية الوجودية هو عملية ديناميكية تتطلب من الفرد الجمع بين الحرية والالتزام الأخلاقي الذاتي. وهذا ليس التزاماً ثقافياً عاماً، بل هو تحرر فردي أخلاقي يتطلب من الإنسان المسؤولية والتفرد في تحديد معناه ومصيره.
من منظور الحاضرية الوجودية، يمكن أن يكون هناك توازن بين تحرير الذات والالتزام الأخلاقي. هذا التوازن هو في الواقع شرط أساسي لتحقيق تحرير الذات الحقيقي. الفكرة الأساسية هي أن الحرية والالتزام الأخلاقي لا ينبغي أن يكونا متعارضين، بل متكاملين ومتوازنين. فالحرية بدون أي التزام أخلاقي تؤدي إلى انعدام المسؤولية والفوضى، بينما الالتزام الأخلاقي الصارم بدون حرية يقيد الإنسان ويجرده من إنسانيته. في الحاضرية الوجودية، يتحقق التوازن عندما يختار الإنسان بحرية التزاماته الأخلاقية ويتبناها كجزء من هويته الذاتية. بهذه الطريقة، تصبح الأخلاق والحرية وجهان لعملة واحدة - حرية مسؤولة وأخلاق حرة. هذا التوازن يسمح للإنسان بتحرير ذاته عبر تبني قيم أخلاقية معينة، ولكن دون أن يشعر بالقيود أو الإكراه. بل يصبح الالتزام الأخلاقي جزءًا من مشروعه الوجودي الحر والمتفرد. لذلك، في الحاضرية الوجودية، ليس هناك تعارض بين تحرير الذات والالتزام الأخلاقي، بل هما وجهان لعملة واحدة، يكمل كل منهما الآخر في تحقيق الوجود الإنساني المتكامل، ولن يكون بحاجة الى التحرير اللاهوتي كمرجعية ثقافية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كيف ستفاجئ إسرائيل إيران بضربة قاسية؟
.. أمريكيون يكتبون أسماءهم على أجسادهم بسبب إعصار -ميلتون-
.. هل تقدم إسرائيل تفسيرا لإيطاليا بسبب قصفها مقر اليونيفيل؟
.. لماذا فشلت منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية في اعتراض المسير
.. كوريا الشمالية ترصد منشورات في سمائها وتهدد جارتها الجنوبية