الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الفلسفة الحاضرية الوجودية والوجودية
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
2024 / 5 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
فلسفة الحاضرية الوجودية والفلسفة الوجودية لهما وجهات نظر مختلفة حول طبيعة الوجود والجوهر، الحاضرية الوجودية ترفض فكرة أن للإنسان جوهرًا أو طبيعة ثابتة، فالإنسان هو نتاج لوجوده وليس العكس. الفلسفة الوجودية، ترى أن الوجود يسبق الجوهر أو الماهية. أي أن الإنسان يولد وهو يحمل طبيعة أو جوهر محدد، ويصنع جوهره من خلال اختياراته وأفعاله، لكن الإنسان هو كائن حر يملك القدرة على اختيار مصيره وتحديد ماهيته، وترى ان الوجود ليس محكومًا بالجوهر والمعاناة، بل بالحرية والمسؤولية. في الجوهر، تختلف الفلسفتان في رؤيتهما للطبيعة الأساسية للوجود الإنساني، هل هو محكوم بالجوهر أم محكوم بالحرية والمسؤولية. هذا الاختلاف الأساسي ينعكس على نظرتهما للإنسان وكيفية تحقيق الذات.
لا تختلف كثيرا الحاضرية الوجودية عن الوجودية حول مصير الانسان، بل تجعله متمردا على وجوده وبالتالي عليه بناء وجود له معنى، لكن الفرق الرئيسي هو في طريقة التعامل مع هذا المصير. في الحاضرية الوجودية، الإنسان ينظر إلى وجوده كشيء فاقد للمعنى، فيتمرد على هذا الوجود ويرفضه، بينما في الفلسفة الوجودية، الإنسان يعترف بفقدان المعنى الجوهري للوجود، لكنه يتحمل المسؤولية عن خلق المعنى والهدف لحياته بنفسه، فالمشكلة هنا ليست في تشخيص مصير الإنسان، بل في الطريقة التي يتعامل بها مع هذا المصير. الحاضرية الوجودية تقود إلى التمرد والرفض، بينما الفلسفة الوجودية تقود إلى تحمل المسؤولية وبناء الوجود ومنحه معنى.
يمكن للإنسان في الحاضرية الوجودية ان يبني معنى لوجوده وهو حامل جوهر قد لا يستجيب كليا لقيم المعنى، هذه نقطة جوهرية. إن القول بأن الإنسان قادر على بناء معنى لوجوده يواجه تحديًا كبيرًا، وهو أن الإنسان هو في جوهره كائن عبثي وفاقد للجوهر الأصيل، ومع ذلك، تقدم الفلسفة الحاضرية الوجودية بعض الحلول المحتملة لهذا التناقض:
الخيار والمسؤولية: الفلسفة الحاضرية الوجودية ترى أن الإنسان، بالرغم من عدم وجود معنى جوهري مسبق، حر في اختيار قيمه ومعانيه الخاصة. وهذا الاختيار يحمله مسؤولية تجاه تحقيق هذه المعاني.
التفرد والأصالة:الحاضرية الوجودية تؤكد على أن الإنسان الأصيل هو من يخلق معنى حياته بنفسه، بدلاً من البحث عن معنى جاهز. وهذا التفرد هو ما يمنح الوجود قيمة وأصالة.
الالتزام بالمشروع الوجودي:الحاضرية الوجودية ترى أن الإنسان يجب أن يلتزم بمشروعه الوجودي الخاص، أي ببناء معنى لحياته بنفسه. وهذا الالتزام هو ما يعطي الوجود هدفًا وقيمة.
التفاعل مع الواقع:الحاضرية الوجودية تؤكد على أن الإنسان يبني معنى وجوده من خلال التفاعل الإيجابي مع الواقع المحيط به، وليس من خلال الانعزال أو التمرد. بهذه الطرق، تحاول الفلسفة الحاضرية الوجودية التغلب على إشكالية جوهر الإنسان الفاقد للمعنى، وتمكينه من بناء وجود ذي قيمة رغم هذا الجوهر العبثي. إنها محاولة جريئة لتأكيد قدرة الإنسان على إعطاء الحياة معنى.
المعنى الاخر الاساسي للحاضرية الوجودية هو ان الوجود والجوهر متلازمان بلا اسبقية، وهذا يتعارض مع الوجودية المادية والمثالية. لذا يمكن أن نجد نوعًا من التوازن بين فكرة تلازم الوجود والجوهرفي الحاضرية الوجودية، وذلك من خلال التمييز بين المستويات المختلفة للوجود والجوهر:
المستوى الوجودي الكوني
على مستوى الوجود الكوني العام، قد يكون هناك نوع من التلازم بين الوجود والجوهر. فالطبيعة والكون لهما خصائص وقوانين ثابتة تحكمها.
المستوى الوجودي الإنساني
على مستوى الوجود الإنساني الفردي، هنا تبرر الحاضرية الوجودية حرية الاختيار. فالإنسان هو من يتمثل جوهره ويصنع ذاته عبر اختياراته وأفعاله.
التفاعل بين المستويين
قد يكون هناك نوع من التفاعل والتكامل بين المستوى الكوني والمستوى الإنساني. فالإنسان يعيش في عالم له قوانينه وخصائصه، لكنه في الوقت نفسه يتفاعل معه ويخلق منه مشروعه الخاص.
المرونة والتوازن
الإنسان الحاضري الوجودي ليس منفصلاً تمامًا عن العالم الموضوعي، لكنه في الوقت نفسه لا يكون أسيرًا لماهيته المحددة. هناك نوع من المرونة والتوازن بين الوجود والجوهر.
بهذا المعنى، يمكن أن نرى أن الحاضرية الوجودية والتلازم بين الوجود والجوهر ليسا متناقضين تمامًا، بل قد يكون هناك نوع من التكامل والتوازن بينهما عند النظر إلى مستويات الوجود المختلفة. الإنسان الحاضري الوجودي ليس منفصلاً عن محيطه، ولكنه في الوقت نفسه يتمتع بحرية اختيار وبناء ذاته، من منظور الفلسفة الحاضرية الوجودية، الإنسان يمكنه تحقيق السعادة الحقيقية حتى في ظل القلق الوجودي الذي يمثل جزءًا لا يتجزأ من وجوده.
أن مفهوم التزامن بين الوجود والماهية في الفلسفة الحاضرية الوجودية له علاقة وثيقة بتطور وتغير الوعي الإنساني عبر الحقب التاريخية. ان إمكانية تغير الماهية وتأثيرها على الوجود وخلق المعنى هو سؤال فلسفي عميق له إسقاطات واسعة. هناك جدل فلسفي كبير حول هذه القضية، ويمكن النظر إليها من زوايا مختلفة:
الماهية والوجود
بعض الفلاسفة يرون أن الماهية والوجود شيئان مختلفان - الماهية هي ما يجعل الشيء ما هو عليه، بينما الوجود هو حقيقة كون الشيء موجودًا. البعض الآخر يرى أن الماهية والوجود مترابطان بشكل وثيق، وأن إمكانية تغيير الماهية سيؤثر بالضرورة على الوجود.
التغيير والهوية
إن القدرة على تغيير الماهية والهوية تطرح سؤالاً عن المعنى والغرض من الوجود.
هل يمكن للكائن أن يخلق معناه الخاص به، والمعنى المرتبط بطبيعته الأساسية؟ لا توجد إجابة حاسمة على هذا السؤال، ولكن النظر إليها من خلال التنوع الوجودي والإمكانات التي يتيحها قد يساعد في تطوير رؤى جديدة حول هذه الموضوع المعقدة. إمكانية تغيير المعنى المرتبط بالكائنات والأشياء هي أمر واقعي وحاضر في كافة المجتمعات البشرية. هناك عدة طرق يمكن من خلالها تغيير المعنى:
التغيير الثقافي والاجتماعي
المعاني والدلالات المرتبطة بأشياء وممارسات معينة قد تتغير مع تغير السياق الثقافي والاجتماعي. ما كان له معنى وقيمة في مجتمع قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر أو في فترة زمنية مختلفة.
إعادة التفسير والتأويل
الكائنات والأشياء قد تبقى هي ذاتها، لكن تغير التفسيرات والتأويلات الموجهة لها وهذا قد يغير المعنى المرتبط بها، الممارسات الرمزية والدينية مثال على كيفية تغيير المعنى من خلال إعادة التفسير.
السياق والاستخدام
نفس الكائن أو الشيء قد يحمل معاني مختلفة حسب الأنماط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، تغيير السياق الذي يُستخدم فيه شيء ما يمكن أن يغير المعنى المرتبط به.
النقد والتحول الفكري
المراجعة النقدية للمعاني والدلالات المرتبطة بالأشياء والكائنات يمكن أن تقود إلى تغييرها، الحركات الاجتماعية والفكرية قد تحدث تغييرات جذرية في المعاني المتداولة. إن القدرة على تغيير المعنى تظهر مدى ديناميكية وتعدد المعاني المرتبطة بالكائنات والأشياء في المجتمعات البشرية. ان إعادة التفسير والتأويل لا تعني بالضرورة تغيير الماهية أو الجوهر المرتبط بكائن أو شيء ما. بل قد يكون التغيير على مستوى المعنى والدلالة فقط. لكن حتى المصادر الأثرية والأركيولوجية ليست بمنأى عن التحيز في التفسير. لذا هناك بعض الإجراءات والممارسات التي يمكن اتباعها لتقليل هذا التحيز الوجودي:
تعدد الفرق البحثية والتخصصات
الاستعانة بفرق بحثية متنوعة من تخصصات مختلفة (آثار، تاريخ، أنثروبولوجيا، إلخ.........) تشجيع التعاون بين هذه التخصصات للنظر في المصادر من زوايا متعددة.
الاعتماد على البيانات الأولية والأدلة المادية
التركيز على المعطيات الأولية للمصادر الأثرية والأركيولوجية, تجنب الاعتماد المفرط على التفسيرات الثانوية أو النظريات المسبقة.
إتباع المنهج العلمي الصارم
وضع فرضيات واختبارها بشكل موضوعي، استخدام الأساليب التحليلية والتجريبية المعتمدة في العلوم الأثرية.
الشفافية في التوثيق والتفسير
توثيق الإجراءات والأساليب المتبعة في التنقيب والتحليل بشكل دقيق، إتاحة البيانات والأدلة للمراجعة والنقد من قبل الباحثين الآخرين.
تعدد المنظورات الثقافية والحضارية
استدعاء خبرات وتفسيرات من مختلف السياقات الثقافية والحضارية، الاستفادة من المعارف التقليدية والشفهية للشعوب المحلية ذات الصلة. من خلال هذه الممارسات، يمكن تقليل التحيز الذاتي والثقافي في تفسير المصادر الأثرية والأركيولوجية وتحقيق مزيد من الموضوعية والدقة في فهم الماضي.
يُعد المنهج العلمي الصارم ضروريًا لتحقيق الموضوعية والدقة والموثوقية في تحليل المصادر الأثرية والأركيولوجية، مما يعزز تطور المعرفة التاريخية والأنثروبولوجيا، بشكل عام، هناك توتر محتمل بين النظرة الوجودية الحاضرية المركزة على الحاضر والوجودية وممارساتها الأركيولوجية المركزة على فهم الماضي. ومع ذلك، يمكن للمنهجين أن يكملا بعضهما البعض إذا تم التعامل مع الماضي بإدراك لانعكاساته على الحاضر والمستقبل.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تنديد دولي بمهاجمة إسرائيل قوات حفظ السلام التابعة لليونيفيل
.. -لقد خذلتنا حكومتنا-.. مظاهرة في تل أبيب تطالب بصفقة تبادل أ
.. بعد عام على الحرب كيف تحولت المخيمات في رفح وخان يونس؟
.. الرئيس الفرنسي: باريس لن تقبل تعمد إسرائيل استهداف جنود اليو
.. طفلة عمرها ساعات أصابها القصف على شمال القطاع في رأسها