الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يفوز الاسلاميون في الانتخابات؟

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 5 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نبدأ بإزالة لَبْسٍ ما يزال يعتمل في أذهان كثيرين، بينهم مثقفون بالمناسبة، بخصوص الفرق بين "اسلاميون" و"مسلمون". من دون مقدمات، المصطلح الأول يشير إلى قوى وجماعات تمارس السياسة تحت يافطة الدين وبإسمه، والثاني ينحصر في ديانة الفرد.
من أبرز ثوابت خطاب الإسلاميين الإيحاء بأن أية مكاسب يظفرون بها، وبشكل خاص في الانتخابات بعامة، إنما تتحقق برعاية السماء ورضاها عن عباد الله المؤمنين الأتقياء الصالحين. ونحن نقول بصيغة توكيدية أن لا صحة لهذا الإدعاء، الذي يتغيَّا تنميط وعي بسطاء الناس لضمان انقيادهم وتسهيل السيطرة عليهم. السماء لم ولن تختار أحدًا بعينه من بني البشر ناطقًا حصريًّا باسمها، ولم تخص أحدًا دون غيره بعنايتها بحسبانه ينتمي إلى "شعب مُختار"، أو أي وصف من هذا القبيل. وعليه، يُفترض بمنطق العقل ومعايير العلم البحث عن أسباب فوز الاسلاميين بالانتخابات، في الواقع العربي القائم وليس خارجه. نتناول مجهر التشخيص والبحث والتحليل لمعاينة هذا الواقع، فماذا يتراءى لنا؟!
تُظهرنا عدسة المجهر، وهي لا تكذب، على دول عربية ودويلات أكثرها يتخبط في أزماته الاقتصادية والسياسية. بعضها انتقل إلى مربع الدول الفاشلة، بعد اندلاع أحداث ما يُعرف بالربيع العربي، وأفضلها ظروفًا معيشية تحرس وجودها الأساطيل والقواعد العسكرية الأجنبية. يتراءى لنا عالم عربي ينوء بحمولة ثقيلة من السلطوية والاستبداد، وينخر في مفاصله الفساد. نسب البطالة والفقر فيه هي الأعلى على المستوى العالمي، والآفاق أمام أبنائه موصدة. اخفاق في تحقيق الحدود الدنيا من التنمية بمعايير العصر، وعجز لا يعوزه الدليل عن مواجهة تحدي الاحتلال الصهيوني، وليس يفوتنا إضافة التخلف العلمي والتكنولوجي الرهيب.
في واقع مُثقل بهذه الأدواء وانسداد الآفاق، من الطبيعي أن تبحث الناس عن بدائل، لأن الحياة مثل الفيزياء لا تعرف الفراغ.
نتأمل الواقع العربي من مختلف الزوايا بتحريك المجهر في أكثر من اتجاه، فنجد الاسلام السياسي يواصل تقديم نفسه لملء الفراغ، منذ هزيمة 1967 حتى يوم الناس هذا. لماذا؟!
في الإجابة، نرى أكثر من سبب، أولها أن من طبيعي أمر الجماهير اللجؤ إلى مخزونها الوجداني عندما تفقد الثقة بمن كانوا محط ثقتها وعنوان أملها في خمسينيات القرن الفارط وستينياته. المشروع القومي تلقى ضربة قاسية، في هزيمة حزيران 1967، لم يستطع إزالة اثارها، حيث أخفق في تحقيق أهم شعاراته وبشكل خاص الوحدة وتحرير الأراضي المحتلة، ناهيك بارتباكه أمام تحدي الديمقراطية.
استثمر الاسلام السياسي في المحتوى الرئيس القابع في الوجدان الجماهيري، وهو الدين، مستغلًّا بيئات مناسبة وظروفًا مواتية وتحولات دولية مشجعة. دولة الحاضر العربية غارقة في أزماتها، والجماهير باتت قابلة لتتفاعل وتنفعل وتلتف، وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق ومعسكره الاشتراكي أضعف الخصوم في الفكر والأيديولوجيا بلا شك. وهناك خلف المحيطات، العم سام يراقب ويتغاضى، وربما يشجع ولا يمانع أن يكون الاسلاميون بدلاء من َتقَادَم وانتهت صلاحيته من "الأصدقاء" و "الحلفاء" التقليديين. فلا أصدقاء أو حلفاء للعم سام من الدول العربية الضعيفة، بل مصالح، وأتباع يؤمرون فيطيعون وإلا !


التبدي الأجلى لنفوذ الاسلاميين في الشارع يتمظهر في الانتخابات، النيابية منها خصوصًا. معظم الأنظمة مضطرة لإجراء هذه الانتخابات، لتبدو للخارج بصورة من يواكب تحولات العصر. لكنها بحكم الأدوار المرسومة لها وبطبيعتها الأمنية البوليسية، لا يمكن أن تسمح بانتخابات حرة نزيهة تفرز أغلبية غير مضمونة ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا. قد تتغاضى الأنظمة عن انتخابات اتحادات الطلبة مثلًا، أو انتخابات النقابات والروابط في حدود معينة لا تتخطاها. أما الانتخابات النيابية، فلا تتنازل عن "هندستها" بالكامل لتضمن أغلبية ساحقة لصالحها، ولا بأس من تمرير ممثلين لمختلف ألوان الطيف السياسي حسب تقديراتها لشعبية كل منها. في العديد من الدول العربية توزع حصص القوى السياسية من المقاعد النيابية، بما فيها الاسلاميون، بالتفاهم معهم تحت الطاولة. يعرف المواطن ذلك، وهذا ليس بعسير في عصر الفضاء المفتوح وتدفق المعلومات. ويعلم علم اليقين أن الانتخابات ديكورية مزورة، بشهادة بعض رموز الأنظمة واعترافاتهم بتزوير الانتخابات على رؤوس الأشهاد. لذا، يلجأ كثيرون ممن يشاركون في الانتخابات إلى ما يُعرف بالتصويت العقابي، بمعنى منح أصواتهم في الاتجاهات المضادة للنخب الحاكمة، والمستفيد الأول هنا الإسلاميون، لأسباب ذكرناها ونضيف إليها أربعة. أولها، توفر الاسلاميين على قدرات تنظيمية والتزام مؤيديهم وأنصارهم بالمشاركة، ولا نُغفل براعتهم في استنفار العواطف الدينية. وثانيها، شبكة الاتصالات الفاعلة المتوفرة للإسلاميين، والمعززة بأدوار جمعيات خيرية وبيوت زكاة وبنوك ومؤسسات تعليمية يمتلكونها أو يبسطون سيطرتهم عليها. وثالثها، الإنسان العربي ما يزال مُبعدًا عن المشاركة في تقرير مصيره لجهة اختيار من يحكمه ويمثله في انتخابات حرة نزيهة، ولم يعتد العمل المؤسساتي بعد. ثقافتنا تقدس الموروث، وتمجد الأشخاص، وبخاصة ذوو الشخصية الكاريزمية. وعليه، فما يزال دور العواطف أكثر فاعلية في تحديد المواقف عند التوجه إلى صناديق الاقتراع. أما رابعها، فيتعلق بتمادي الكيان الصهيوني اللقيط في عدوانه وصلفه وغروره بدعم أميركي مفتوح وتخاذل رسمي عربي مفضوح. في السياق، نشير أيضًا إلى تعريف الارهاب في قاموس البيت الأبيض، بعد الحادي عشر من أيلول 2001 لجهة ربطه بالإسلام، واحتلال أفغانستان وتدمير العراق، وكلها أسباب أججت الغضب الشعبي ضد السياسات الأميركية.
مقصود القول، في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ولعدم توفر البديل القادر على اقناع الجماهير برؤاه وبرنامجه، اتجه الناس إلى قوى الاسلام السياسي معتقدين أنها الطليعة المعبرة عن الهوية الجامعة. وهو اعتقاد خاطئ على كل حال، مهما بلغت أعداد المقتنعين به. فالإسلاميون في أدق تعاريفهم، جماعات تمارس السياسة بأقنعة الدين. وبذلك، فإن رؤاهم واجتهاداتهم في مضمار الدين ليس الدين ذاته، وهم في هذا الجانب مختلفون وليسوا على قلب رجل واحد. ولا ننسى أن الدين أحد مكونات الهوية، وليس الهوية كلها.
أخيرًا، نعتقد أننا قلنا ما فيه الكفاية للإنتقال إلى سؤال نرى أنه يدور في أذهان كثيرين، بعد تداعيات أحداث ما يُسمى "الربيع العربي" ومآلاته، مفاده، هل الرهان على الاسلام السياسي ممكن كمشروع نهضوي مستقبلي؟
الجواب، لا النافية قولًا واحدًا من دون تردد.
الأمم تتقدم بعقولها وأفكارها، وليس بأديانها. ولقد تأكد أن ليس لدى الاسلاميين تصور للدولة، بمفهومها الحديث. فالمستقر في مرجعيتهم المعرفية بهذا الخصوص، هو الخلافة. وهي بالمناسبة ليست من الدين بشيء، فلم تُذكر في آية أو حديث. الخلافة اجتهاد بشر أفرزته ظروف أزمنته، وقد انتهت صلاحيته وأعلن التاريخ حُكمه الفصل بشأنه وانقضى الأمر. ليس من مهمة الدين بناء الأوطان، والكتب المقدسة ليست مؤلفات في الدساتير والديمقراطية وكيفية بناء الدول. ولم يعرف تاريخنا العربي دولة دينية، حتى في مرحلة النبوة. الدين مطلق ثابت، والحياة نسبي متحرك. وأي محاولة لتكبيل النسبي المتحرك بقيود المطلق الثابت، ستقود لا محالة إلى واحد من خيارين: إما الجمود والتكلس الفكري والتقهقر الحضاري، أو الصدام الدموي. من هذه المعادلة على وجه التحديد، توصل الوعي الإنساني في واحدة من أرقى تجلياته الفكرية التاريخية إلى ضرورة إخراج الدين من ملعب السياسة والنأي به عن ألاعيبها والتواءاتها. وهكذا وُضع الدين في مكانه الصحيح، كشأن معتقدي تعبدي خاص لا علاقة له بالسياسة ولا بشؤون الاجتماع الإنساني.
لا نرى خيارًا آخر أمام العقل العربي سوى الأخذ بهذا النهج، كشرط رئيس للنهوض والتقدم، كما يُعلمنا التاريخ خير معلمٍ، وتجارب الأمم القوية المتقدمة. لسنا من طينة مختلفة عمن سوانا، ولن نتقدم إلا بما تقدم به غيرنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي