الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس ثقافية وفكرية 185

آرام كربيت

2024 / 5 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سألني صديقًا لي:
كيف يتم الأمر آرام عندما يتم تداول السلطة، و تصبح المعارضة في السلطة والاخرون يصبحون معارضة؟
كتبت هذا النص الصغير:
يتبادلون الأدوار، الحكومة والحكومة، لكن دون معارضة.
بمجرد أن تصل المعارضة إلى السلطة تمسك زمام الأمور وتفعل فعل الحكومة السابقة.
لم تنتج البشرية معارضة للسلطة، لم تنتج معارضة حقيقية تعمل من ذاتها لذاته.
البشرية لا زالت في الطور الأول من نشأتها، لا زالت في العراء دون مفاهيم تعيد للإنسان إنسانيته المسروقة.
البشرية تتحرك في ملعب السلطة، مجرد تابع ذليل لها.
السلطة زيفت الصراع، ميعته، دجنته، أنتجت الدولة، وهذه الدولة فرخت لها أولاد لقطاء تم تسميتهم بالحكومة والمعارضة، كلاهما كبنية حقيقة جاءا من أرومة واحدة، من خارج النسق الإنساني، من السلطة.
الهوامش على مر التاريخ كانوا بعيدين عن المركز، أنهم الهوامش في بنية السلطة، خارج الانتماء لها، لا يدخلون في جوهرها، أنهم فضلاتها.
الذي يكتب التاريخ هو من يقيم في بنية السلطة.
لكن الهوامش هي التي تستحق أن نبقى على اتصال دائم بها في محاولة أن نضع الاستراتيجيات لها حتى نفهم كيف تكونت بنية السلطة.
السلطة انفصلت عن الهوامش، بل ولدت واستمرت وعاشت على ظهر الهوامش.
في الحقيقة أن تاريخ الإنسان كله هو تاريخ السلطة، لا مكان للهوامش أو المعارضة في أي مكانة أو مكان.

لم يعد الإعلام الأمريكي حرًا.
في العام 1990 بعد انهيار المنظومة السوفييتية، وانكشاف قدرة الولايات المتحدة على الهيمنة والسيطرة العالمية لوحدها.
لم يعد الإعلام حرًا، ولم يعد يواكب التنافضات القائمة في الدولة.
لو دققنا النظر في هذه الحروب الأخيرة التي تشنها واشنطن على العالم المسمى الثالث، وتابعنا ودققنا كيف يواكب إعلامها مجريات الأحداث وكيف يتم تسييس الصراع عبر الإعلام لصالح موقعها ومكانتها.
لم يعد مقبولًا أي رأي مخالف، ولتذهب الديمقراطية بعرض الحائط.
الأقنية التلفزيونية العالمية كلها، المسيطر عليها من قبل الولايات المتحدة، متشابهة، كلهم يكررون الاسطوانة ذاتها، لم نعد نرى رأي مخالف إلا ما ندر.
كل الامور تسير بالسر التام، والحقيقة مطموسة مغيبة بل مغلقة بالتمام والكمال.
تاكر كارلسون أكبر دليل على قولنا هذا بعد طرده من قناة فوكس نيوز دون أي سبب يذكر سوى أنه عرى الدولة الأمريكية في ملفات كثيرة منه بقاءها في سوريا لأن هذه الأخيرة هي الأغنى عالميًا والأنظف بمادة السيليكون الأكثر من مهم، حيث تصل نسبة نقاوته إلى ثمانين بالمئة، لحاجة الصناعات الألكترونية، والحواسيب الدقيقة، ولأنها تدخل في صناعة الرقائق الألكترونية.
وموجودة في حمص في أخصب أراضي السيليكون في العالم.
الولايات المتحدة كانت تراقب صحراء حمص وأرسلت بالسر أربع طائرات استكشاف، نزل منها خبراء في العام 2004 ودرسوا المنطقة بدقة شديدة. ووجودها هناك خير دليل على هذا.
إذا استطاعت الولايات المتحدة شراء ولاء بشار الأسد لها ربما تسحب قواتها من سوريا.

الكثير من الأصدقاء يحرد، أو يزعل لأنني عريت قوميته أو دينه، أتفهم هذا، وأثني على هذا الحزن الساكن في قلوبهم.
أنا ضربت الطفل في أعماقهم، أمه الحنون، وعلى الأرجح أبوه، لقد تسللت إلى أعماقه بقوة ووضوح ودون لبس، إلى العقل الباطن وطعنته في الصميم.
أغلبنا يبكي على أبوه الأول وربما جده، على بنيته النفسية والعقلية عندما يمسهما السوء أو تعريتهما أو كشف حقيقتهما
فهؤلاء الأطفال في التفكير يعودون في لحظة الحقيقة إلى الأب الأول أو الجد الأول، يشكي له سبب حزنه، والدموع تترقرق من مآقيه، يشكو له أن الأخر يتكلم عنه بطريقة قبيحة حسب تصوره، وأن هذا الأخر لم يترك عليه ستر مغطى أبدًا.
إنه صراع بين الأب الأول الميت، والحفيد الصغير الذي لا يزال يبكي إلى هذه اللحظة.
هناك أصدقاء كثر بمجرد أن تقترب من مرتكزات تفكيرهم يرجمك، لو بيده سكين سيطعنك.
يجب تعرية العقل الباطن لنا جميعًا.
أنا أيضًا أطعن نفسي واتمرد عليها علنّا نتغير، نحن مرضى بحب الماضي وتقديسه، وهذا الماضي رحل، رحل ولن يعود، علينا الاقرار بهذا.

من غادر بيته لن يعود إليه، ففي العودة أنت كائن ميت.
لنقل بشكل أخر:
من غادر بيته لن يعود إليه ثانية، ففي العودة أنت كائن أخر.
هذا الكائن الأخر ليس أنت، على الرغم من أنك تبدو أنت.

لم يترسخ عصر التنوير دون صراع بين العقلانية والوهم، بين الكانطية وهيجل.
كان الصراع في كل جوانب الحياة إلى أن توج بالثورة الفرنسية الذي جاء تأسيسًا للأخلاق والمعرفة بدلا من الدين.
ضمن العقلانية جرت تحولات هائلة اسفرت عن نشوء طبقة برجوازية طموحة سخرت العلم والتنوير لمصلحتها إلى أن تحولت تحولات نوعية في داخلها، أخذت معها المجتمعات الغربية إلى التشيء، بينما ذهبت مع الخارج إلى استعماره وتحويله إلى تابع منهك.
حضارة الغرب بدأت كرد فعل على الخرفات والوهم والدين.
بدأت مع الفن، وسارت دون تخطيط مسبق إلى أن انفجرت اوروبا كلها بكل أنواع العلوم، الفلسفة الأدب، الفن الموسيقا النحت المسرح الاكتشافات العلمية وتدفق الأموال في حروب البحث عن عوالم جديدة.
اليوم عالمنا في أزمة وجودية نتيجة التلوث والنهم للسيطرة على ثروات الطبيعة واالحروب.
حتى الدول المستعمرة سابقا كالهند والصين وغيرهما، أصبحوا مساهمين في نهب العالم مثلهم مثل غيرهم.
الحضارة اليوم كلها أصبحت بيد طبقة واحدة مهيمنة، طبقة عالمية تنحو نحو السيطرة الكاملة على مقدرات الطبيعة والمجتمع والحياة وعلى وجود البشر كله الذي أصبح في خطر.
لم يعد هناك فارق بين بيل كيتس أو علي بابا أو التيك توك الصيني أو الأوليغارشية الروسية أو غيرها في كل مكان.
لم يعد بينهم صراع أنما منافسة حول كيفية اغتنام الغنائم.
عالمنا اليوم في خطر سواء في الغرب أو في البلدان التابعة له سابقًا اقتصاديا أو سياسيًا نتيجة النهب الذي يرفقه التلوث في البيئة كلها.

هل تعذب الله حتى يعرف عذابات البشر، آلامهم، وأوجاعهم؟

عمر عبيد
الی الأحبّة الساهرين الذين يقاومون ما تَيَسّر في بيوتهم ...
الرواية : يريفان .. هي عاصمة أرمينيا بالمناسبة ...
الروائي : جيلبيرت سينويه
المُعرّب : عبد السلام المودني
" هلُمّوا فَلتُدمّروا أرمينيا ! ولْتنظروا إن كان بإمكانكم فِعلُ ذلك . إبعثوهُم إلی الصحراء واتركوهم من دون خبزٍ وماء ولْتحرقوا منازلَهُم وكنائسَهُم . ولْتنظروا بعد ذلك إن لم يضحكوا من جديد ، ذلك أنّهُ يكفي أن يلتقي إثنانِ منهم في أيِّة بقعةٍ من العالم حتی يصنعوا أرمينيا جديدة " .. وليم سارويان ..
جيلبيرت سينويه كاتبٌ فرنسيٌّ وُلِدَ في القاهرة لأبٍ مُستشرقٍ ، لذلك جاءت أعمالُهُ كلُّها مُستوحاةً من التاريخ أو مُستلهَمَةً منهُ والرجلُ كتبَ كثيراً وجميلٌ ما كتب ، فَلَهُ رواياتٌ جميلةٌ عن تاريخ مصر القديم مثل (أخناتون الإله اللعين) و (صمتُ الآلهة) وكذلك عن تاريخِها الحديث مثل (المصريّة) (إبنة النيل) (محمد علي الفرعون الأخير) وكذلك المُعاصِر مثل (الكولونيل والملكُ الطفل) وكتبَ عن إبن سينا روايةً بديعةً هي (إبنُ سينا أو الطريق إلی أصفهان) وغيرها .
لكنّهُ في هذه الرواية يرصُدُ حَدَثاً رهيباً وقصّةً مُروِّعةً حدثت أوائلَ القرن الماضي ولا زالت تداعياتُها مُستمرّةً إلی الآن .
القصّةُ عن الشعبِ الأرمنيّ العظيم المُبدع الجميل والذي شاءَ لهُ مكرُ التاريخ وصُدَفُ الجغرافيا أن تكونَ أرضُهُ مَمرّا ًللغزاة ونقطةَ صدامٍ بين إمبراطورياتٍ متجاورةٍ وجميعُها يطمعُ بأرضهِ لِغناها وأهمّيتِها وكان علی الأرمن أن يدفعوا ضريبةَ التاريخِ الثقيلة .
مذابحُ الأرمن علی يد الأتراك عام 1915 لم تكن الأولی من نوعها.
نعم ، كانت مَهولةً في حجمها ورعبِها لكنّ الأرمن ومع تَداعي الامبراطورية العثمانية وجدوا أنفسهم ضحيةً في كلِّ مرّةٍ تُهزم فيها تركيا .
لكنّ الجريمةَ الكُبری أثناء الحرب الكونية الأولی لم تكن كالعادةِ (فشّة خُلْق) أو تنفيساً عن هزيمةٍ مؤقّتة بل كانت سياسةً واعيةً مُمنهَجةً اعتمدها (باشوات) الاتحاد والترقّي الحاكمون في اسطنبول علی طريقةِ التطهيرِ العِرقيّ والإبادةِ الجماعية .
يقولُ هوفانيس طوماسيان في ردّه علی السفير البريطاني أثناء محاورةٍ بينهما :
" السفير : وتعتقدون أنكم ستنجحون ؟ سيُحطّمونَكُم أيّها السيّد إذ إنّهم يملكون القوةَ بينما لا تملكون شيئاً ...
هوفانيس : معكم حق ، يُمكنُ للقوّةِ أن تُحطّمَ كلَّ شيء. لكنّها تقفُ دوماً عاجزةً أمام الأفكار . لايوجدُ جيشٌ في العالم مهما بلغت درجةُ قوّتهِ يقدرُ أن يدخلَ رأسي لينزعَ منهُ أفكاري " .
الأرمنُ الفقراءُ الفلاّحون المعلّمون البارعون في أيّةِ مهنةٍ عملوا بها وأينما حلّوا ، حتی لغتُهُم حمَلوها معهم هويّةً أينما عاشوا ، ولو استطاعوا لَحَملوا معَهُم جبلَ أرارات لكنَّهُم حفِظوا موسيقاهُم لِتُذكِّرَهُم بكُلِّ ذلك .
في الرواية الجدُّ والحفيد يتحدّثان عن الدودوك (آلة نفخية خاصة بالأرمن تشبه المزمار والناي) :
" الحفيد : هل هناك ساعةٌ معيّنةٌ مناسبةٌ لعزفِ الدودوك ؟ ... الجدّّ : طبعاً ، عندما تغربُ الشمسُ وعندما نحزنُ للغائبين وعندما تُفتَنُ الروحُ ، حينها يشفينا غناءُ الدودوك وعدا ذلك فإنّ لهُ نتائجَ عكسيّةً .. "
يقول الجَدُّ هافي: " أنتَ لاتفهم ، تُريدوننا أن نرحلَ لننقذَ أنفسَنا لا تعلمون إذاً إنّهُ ما إن يتنازل المرءُ وما إن يقبل بأن يتخلّی عن حبة قمح من حقله عن قطرة ماء من نهره عن حصاة من جبله فلن يجد في يوم عودته حقله أو نهره أو جبله من أخذوا مكانه صادروا حياته هذا ما سيحدث إن هجرنا منزلنا " .
الأرمنُ الآن لا يطلبونَ ثأراً ولا يسعونَ وراءَ انتقام ،ٍ فهم أوّلُ مَن يدركُ أنّ الحقدَ لن يقودَهُم لأيِّ مكانٍ ، وهو يُخالفُ طبعَهُم الودودَ البَنّاءَ ، وكلُّ ما يُريدونَهُ إقرارٌ بأنَّ شيئاً فظيعاً حدَثَ ما كانَ لهُ أن يحدثَ لو توفّرَ العقلُ والحكمةُ، ويعرفونَ أنَّ الأتراك الحاليّين ليسوا مسؤولينَ عن جرائم ارتكبَتْها عصابةٌ حَكَمتْ يوماً ما سوی المسؤوليةٍ الأخلاقيّةٍ ، مسؤوليةُ الصمت عمّا جری ، ويعلمونَ أنّ الأوروبيين والغربَ عموماً باعَهُم وتاجرَ بهم كثيراً .
جُلُّ ما يُريدونَهُ أن تتوفّرَ الشجاعةُ الأدبيّةُ والأخلاقيةُ عندَ كلِّ البشرِ ليقولوا : [ لا ] واضحةً قاطعةً أمامَ أيةِ جريمةٍ تَمُسُّ بشراً آخرين عسى لجرحهم أن يبرأ ، فلا يوجدُ أيّةُ قضيّةٍ مهما كانت عظيمةً أو كبيرةً تُبيحُ قتلَ إنسانٍ بريءٍ فما بالُك بشعبٍ عن بكرةِ أبيه .
أرمينيا ليست جغرافيا فقط إنّها هويّةٌ ، هي كفلسطين قضيّةُ شعبٍ بعينهِ لكنّها قضيّةُ البشر جميعاً ، والكلُّ علی الاختبار .
بعضُ الأدباءِ الأتراكِ وقَفوا مع إنسانيَّتِهِم وحاولوا مَدَّ الجُسورِ مع إخوتِهِم في الإنسانيّة مثل (أليف شافاق) الجميلة في روايتها البديعة ( لَقيطةُ إسطنبول ) لعلَّ الأدبَ يكونُ رافعةَ التخلُّصِ من جرائمِ الماضي وبوّابةَ المستقبلِ الأفضلِ لكُلِّ البشر .

الرجال والنساء في عصرنا في حالة ضياع، يبحث كل واحد عن ذاته في الآخر دون قناعة ببعضهما.
هناك حلقة مفقودة في علاقتهما، اساسها عدم الثقة.
لم يعد الحب كافيًا ليكون رابطًا بين الرجل والمرأة.
الحياة المعاصرة اعطتنا مساحة كبيرة من حرية الاختيار لم نكن مستعدين لها، بهذه الحرية ضاعت المرأة أولا ثم تبعها الرجل.
لا يعرف الرجل والمرأة ماذا يريدان من بعضهما بدقة، هل هو عاطفة، جنس، اكتشاف، استقرار، شغف في الوصول إلى المجهول، إشباع عاطفي وسلوكي وأخلاقي، إملاء الفراغ النفسي، ترميم التكوين النفسي أم بحث عن ترميم الضياع والغربة الذاتية أو البرودة المتأصلة في الذات والحياة؟

كل قارئ له قرأته، من موقع رؤيته وثقافته وقناعته.
فكيف يستوي أن نأخذ الأخبار من هذا أو ذاك على أنها حقيقة دون تمحيص؟
العرب لا يوثقون، يكرهون الكتابة، يكرهون التوثيق. السومريون وثقوا، والأكاديين والبابليين والأشوريين والآراميين والأغريق والرومان وغيرهم.
الأمة التي لا توثق أمة ميتة، تخاف من تاريخها لهذا تلتف عليه وتتركه.
في ثقافتنا الشفهية نقبل كل ما قال أو قيل، دون تمحيص أو غربلة أو معرفة.
التاريخ العربي والإسلام المتعلق به ما زال شفهيًا في أغلبه.
لم نوثق أكثر اللحظات التاريخية خطورة أو اللحظات المفصلية لغياب المعارضة، تصفيتها. وبسبب الخوف منها جرى قتلها أو تعامل معها على أنها عدو وجب الحجر عليه وإلغاءه.
في ثقافتنا، في العمق والسطح، نكره المعارضة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعة، ونقبل السلطة بكل عهرها وكذبها وسلوكها وممارساتها، ونذهب أبعد من هذا، أننا نقدسها وندافع عنها بمخالبنا وأنيابنا وأحجارنا وجمودنا.
لهذا فإن قيم مجتمعنا جاء إلينا من قيم السلطة من حيث الممارسات والسلوكيات والأخلاق.
يفترض أن تكون المعارضة هي صدى المجتمع، راعيه وموثقة له ومدافعة عنه، نراها مكروهة ومذمومة منه، لهذا نسجت السلطة تاريخًا سيئًا على مقاسها، وجعلت المجتمع يعبد هذا التاريخ ويقدسه على أنه تاريخه.
كيف تريدون مجتمعًا ينسجم مع نفسها وجزء كبير منه مغيب بالكامل؟
كلهم كتبوا تاريخ العرب، والعرب لم يكتبوا تاريخم، وكل واحد من موقعه، فأين الحقيقة؟

يتعمد البعض إهمال الحبيب أو الصديق أو الشريك عبر اللعب على مشاعره وأحاسيسه.
إن الإهمال اسوأ أنواع العلاقات الإنسانية، وأكثرها دونية وقذارة وجريمة.
يظن من يقدم على هذا الامر أنه يستطيع بفعلته هذه أن يسيطر على الحبيب، ووضعه تحت سيطرته عبر اللعب بعواطفه، بيد أن هذا المريض ينسى أو يتناسى أنه يدق مسمارًا في نعش العلاقة، ويمزقها من الداخل، ويفتح جرحًا عميقًا فيه لا يمكن للأيام أن ترممه.
المرضى يتفننون في تمزيق ذواتهم، وذوات أحبتهم، دون إدراك لمخاطر فعلتهم وآثارها عليهم في المستقبل.


الفيلسوفة هيباتا التي تم تعريتها من قبل الرهبان المسيحيين المتعصبين قبل عشرات القرون ما زالت إلى جانبي وبالقرب مني. لم تمت. صرخها في فمي وحنجرتي وعيني ورأسي.
إنني أراها بكامل زينتها وجمالها على المسرح الكبير، العالم، تسحل في الشوارع. وفي الأزقة الضيقة والكبيرة. دمها على كتفي. وفوق يدي وعلى ملمس شعري وفجوة أنفاسي.
بكت من الحرقة والوجع. ونزفت إلى حد الموت. نزيف زمنها في زمني. وضلوعها المكسورة في ضلوعي.
نظرت في وجهي بعيون محروقة. نادت بصوت مبحوح وموجوع أن أمد لها يد المساعدة:
ـ إنني عارية أمامك بالكامل، ممددة في العراء كما ترى وتشاهد. اغتصبوني أمام عينيك ولم تحرك ساكناً.
لا أريد منك شيئاً لأنني أعرف أنك عاجز. والعاجز لا يلام.
أتمنى أن تستر عري في هذا العراء. إن تغطي جسدي الموجوع المفروش على الزمن بجسدك ليحتمي بك من برد هذا الاغتراب.
راهبتي هيباتا، كانت وثنية، فيلسوفة، ممتلئة بالحياة والفكر والعطاء.
كانت رمزًا، موهبة.
لقد سحلها الدوغمائيون الممتلئون كرها وحبًا للموت، الرهبان المعبأون بالأمراض النفسية والعقلية لأنها فيلسوفة وتملك من الجمال وقيم جمالية لا يملكها المرضى.




التواضع يتضمن التكبر، كلاهما يحملان في ذاتهما احتقار للآخر.
كن أنت كما أنت، لا تواضع ولا تكبر.

ولد الإنسان غريبا, منبوذا, في عزلة كاملة عن ذاته والوجود, بالرغم من وجود الناس والأشياء حوله. غربته منه وفيه لهذا يسعى جاهدا أن يكون محط اهتمام الاخرين لأخذ شيء من الاعتراف به, ليبدد عن نفسه الغربة والتجاهل.
لا تهيم على وجهك بعيدا, فغربتك ستبقى معك, إنها ظلك, حاول أن تتصالح معها.

عقلي يذهب بعيدًا, وعيني تحدق في اللاشيء. قلت:
هذه الليلة, تلك الليلة, الليالي السابقة كنت برفقتها, فوق جسدها. ضاجعتها بيد أني كنت غريب عنها وهي غريبة عني. لم أعرفها ولم تعرفني. أظن أنني عشقتها, وهي عشقتني, وكلانا غرباء لا نعرف الاتجاهات. وجسد رجل غريب عصر فمها وهي في أفق فرحها تتأوه. تذكرت يدي عندما لامس يدها وهربنا كأرجوحة أطفال, حلقنا وعدنا ادراجنا. لا أعرف من غرز تلك البذرة الحنونة, تلك الرغبة المجنونة في أعماقي. كيف نما وترعرع وتحول إلى جنون, عشق, قدر محتوم. غمرني كهالة نور لا يمكن العيش دونه. وتساءلت:
هل جسدها الجميل, اخضرار أشجارها وينابيع ماءها أم تلالها المخضبة بالاحمرار هو السبب. هل جسدها رغبة, نحس أم أن الدوافع الكامنة في خاصرتي تدفع ما تبقى مني أن اتوه في هذه البراري البعيدة وأموت ككلب أجرب.
وزفرت الهواء من فمي بعد أن انغمر بالمطر وتحول إلى فيضان, أضفت:
آه منك يا شرق, أيتها الحبيبة, المهاجرة. تتوهين أم تتوهمين؟ تنتقمين مني أم من نفسك؟ ضائعة أنت أم أنا؟ عشقتك منذ كنت صغيرًا وسرى حبك في وجداني ورسى في جسدي وأنفاسي كقدر على مرافئك. سلمتك جسدي كبيدق مطيع وجعلتك مداسًا لكل الغزاة. وهناك بوم, رف بوام يلوك بي. وانسل كنهر جاف فوق نفسي طوال الزمن أو كقنديل يتأرجح في مكانه لا ينطفئ ولا يبرق. التفت إلى نفسي قليلًا, وتذكرت أنني في حالة توهان أو في حالة اغمضاضة عين. وبين هذا وذاك مضيت أزفر الريح:
أنا الشرق, لقد ضاجعت الليل البارد, وشربت من أنفاسه حتى وصلت للتخمة.

بالعموم رجال الدين يحبون العسكر, القوة الواحدة, الموحدة, المنظمة في لباس واحد. إنهم متشابهون في كل شيء, بالعقل والركوع والخضوع للأوامر والنواهي.
سيكولوجيًا, أنهم على دين واحد. يمجدون القوة على حساب العقل.
ويكرهون الدولة العقلانية, لأنها تهمشهم

المأساة كبيرة جدًا للأخوة العلويين. النظام لا يقبل بهم إلا إذا دخلوا تحت عباءته بالكامل. والمعارضة تشكك بهم وبوطنيتهم. ويبدو لا توجد منطقة وسطى. أي لا اعتدال ولا عقل ولا منطق يحكم حياتنا. والتوحش يأخذ طريقه إلى أخر مدى.
كان الأجدى محاولة استقطاب الناس في المنطقة الرمادية إلى جانبا. لكن ما يحدث أننا ننفر حتى المقربين منا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي