الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاضرية الوجودية والتهافت القيمي

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 5 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


الحاضرية الوجودية هي فلسفة تركز على الخبرة الحالية والواقع المباشر، وترى أن الوجود هو جوهر الحياة، وليس هناك معنى أو غاية مسبقة. وفي ظل هذه الفلسفة، يصبح دور المثقف هو التأمل في الواقع والخبرة المباشرة، وإيجاد المعنى والقيمة من خلالها، بدلاً من الاعتماد على أيديولوجيات أو منظومات فكرية جاهزة. أما التهافت القيمي فيشير إلى حالة من عدم الاستقرار والتشظي في المنظومة القيمية للمجتمع، مما يخلق إحساسًا بالفراغ والغياب المعنوي. وقد ينعكس هذا على المثقف في شكل اضطراب فكري وأزمة هوية، حيث يجد نفسه عاجزًا عن الارتباط بقيم أو أهداف محددة. في هذا السياق، قد يسعى المثقف إلى إيجاد توازن بين الحاضرية الوجودية والالتزام بقيم ومبادئ ثابتة. فمن ناحية، عليه التأمل في الواقع والخبرة المباشرة دون تقييد نفسه بمعتقدات أو أطر جاهزة. ومن ناحية أخرى، عليه أن يحاول بناء منظومة قيمية مترابطة تعطي معنى وهدفًا لنشاطه الفكري والإبداعي. إن إيجاد التوازن بين الحاضرية الوجودية والالتزام بالقيم الثابتة هو تحد مستمر يواجها المثقف. ولكن يمكن له أن يحقق هذا التوازن بما يعزز دوره الفكري والأخلاقي في المجتمع. المثقف هو الفرد الذي يُدرك حقيقة وجوده الإنساني وحرية اختياراته، يتحمل المسؤولية الكاملة عن قراراته وأفعاله، ولا يلقي باللوم على الآخرين أو الظروف الخارجية، المثقف الحاضري الوجودي ملتزم بقيمه وأخلاقياته التي اختارها بحرية، يجسِّد هذه القيم في واقع حياته اليومية بشكل متسق وصادق. المثقف الحاضري الوجودي ينظر بروح نقدية إلى المعطيات الثقافية والاجتماعية، يسعى إلى التحرر من القيود والجمود الفكري والتقليدي. المثقف الحاضري الوجودي مدرك لأهمية اللحظة الحاضرة وحيويتها. يركز على الواقع المعاش دون الانشغال بالماضي أو الانغماس في الحلم بالمستقبل.
باختصار، في ظل الفلسفة الحاضرية الوجودية، يُعتبر المثقف فردًا متحررًا ومسؤولاً عن اختياراته، ملتزمًا بقيمه، نقديًا في تفكيره، وواعيًا بأهمية اللحظة الحاضرة، هذا هو الباراديغم الذي يتبناه المثقف الوجودي في نظر هذه الفلسفة.
الأسئلة المتعمقة التي يمكن للمثقف الوجودي طرحها للتحرر من القيود الفكرية والتقليدية، ما هي حقيقة وجودي كإنسان...؟ ما هي ماهيتي الحقيقية...؟ ما هي العوامل التي شكلت هويتي وثقافتي...؟ هل أنا حقًا ما أنا عليه...؟ ما هو الغرض من وجودي في هذا العالم...؟ ما الذي أسعى لتحقيقه في حياتي...؟ طرح هذه الأسئلة المتعمقة والإجابة عنها بصدق واستقلالية فكرية هي السبيل إلى التحرر من القيود الثقافية والتقليدية للمثقف الحاضري الوجودي والابتعاد عن التهافت القيمي. عبر التاريخ لعبت الثقافة دورًا محوريًا في تشكيل الوجود الإنساني. هناك عدة طرق رئيسية يمكن أن نفهم بها تأثير الثقافة على الوجود الإنساني:
اللغة والرموز: اللغة والنظم الرمزية التي نستخدمها لفهم العالم والتواصل مع الآخرين تشكل بنية التفكير والإدراك لدينا. هذا يؤثر على كيفية تجربتنا للعالم.
القيم والمعتقدات: الأنظمة الثقافية تنقل مجموعة من القيم والمعتقدات التي توجه سلوكنا وتحدد ما نعتبره ذا معنى وأهمية في الوجود.
التقاليد والممارسات: الطقوس والتقاليد والممارسات الاجتماعية تنقل نماذج محددة للوجود والهوية والعلاقات الاجتماعية.
البناءات الاجتماعية: الثقافة تشكل البناءات الاجتماعية مثل المؤسسات والأدوار والطبقات والهياكل السياسية التي تنظم حياتنا اليومية.
الفنون والأدب: الإبداعات الثقافية مثل الفن والأدب تعكس وتشكل رؤانا للوجود وتجربتنا الإنسانية.
بهذه الطرق تتدخل الثقافة بعمق في تكوين إحساسنا بأنفسنا وعلاقاتنا بالآخرين والعالم. فهم هذا الدور الحاسم للثقافة أمر بالغ الأهمية لفهم طبيعة الوجود الإنساني. العلاقة بين هوية الفرد والحاضرية الوجودية وإمكانية التشكل والدور الذي يلعبه العبث في هذه الديناميكية. هناك بعض النقاط الأساسية التي يمكن إثارتها حول هذا الموضوع:

هوية الفرد والحاضرية الوجودية
هوية الفرد ليست ثابتة أو جوهرية، بل هي حالة مستمرة من التشكل والإعادة التشكيل، الحاضرية الوجودية تعني وعي الفرد بحريته وقدرته على صناعة وجوده في اللحظة الراهنة، التفاعل بين هوية الفرد والحاضرية الوجودية يخلق إمكانية لإعادة تشكيل الذات باستمرار.
دور العبث
العبث يشير إلى غياب المعنى أو التناقضات غير الحاسمة في الوجود الإنساني مواجهة العبث تدفع الفرد إلى البحث عن معنى وقيم يختارها بحرية العبث يمكن أن يكون محفزًا للإبداع والابتكار في تشكيل الذات والوجود.
إمكانية التشكل
الهوية ليست جامدة أو محددة مسبقًا، بل لها إمكانية مفتوحة للتغيير والتطور، التفاعل بين الحاضرية الوجودية والعبث يخلق فضاء للفرد لإعادة ابتكار نفسه باستمرار، هذه الإمكانية للتشكل تمنح الفرد الحرية والمسؤولية لصناعة معنى وجوده الخاص. بهذا المعنى، فإن هوية الفرد ليست جوهرًا ثابتًا، بل عملية مستمرة من التفاوض والتشكيل في ظل الحاضرية الوجودية والتصدي للعبث، مما يخلق إمكانيات لتشكيل الذات بشكل مستمر.
تتعامل الحاضرية الوجودية مع التناقضات الثقافية في الوجود والتاريخ بطريقة تتسم بالشجاعة والمرونة. فهي لا تنكر هذه التناقضات أو تحاول التهرب منها، ولكنها تواجهها بوعي ومسؤولية. هناك عدة جوانب رئيسية لهذا الأسلوب:
الاعتراف بالتنوع والاختلاف
الحاضرية الوجودية تقبل وجود تعدد في المعتقدات والممارسات الثقافية، تدرك أن هذا التنوع يعكس غنى الوجود البشري وتعقيده.
التأمل النقدي في الأصول الثقافية
تفحص الافتراضات والقيم الثقافية بموضوعية واستقلالية فكرية، تسعى لفهم جذور هذه التناقضات في السياق التاريخي والاجتماعي.
الالتزام بالحرية الفردية
تؤكد على حق الفرد في اختيار هويته الثقافية بحرية، تشجع على تبني موقف شخصي متسق مع القيم الذاتية.
الانفتاح على الحوار والتفاهم المتبادل
تدعو إلى الحوار البناء بين مختلف التيارات الثقافية، تسعى لإيجاد نقاط التقاء وتعزيز التفاهم المشترك.
التأكيد على المسؤولية الأخلاقية
تؤكد على ضرورة التزام الفرد بقيم أخلاقية عامة، تدعو إلى البحث عن معايير أخلاقية متسقة عبر الحدود الثقافية. بهذا الأسلوب، تتعامل الحاضرية الوجودية مع التناقضات الثقافية بطريقة بناءة، تعزز من حرية الفرد وتعميق وعيه الأخلاقي، وفي الوقت نفسه تعزز التفاهم والتعايش بين مختلف الثقافات.
التأمل النقدي في الأصول الثقافية من منظور الحاضرية الوجودية وتأثير التقاليد الدينية، تُعتبر التقاليد الدينية جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية، ومع ذلك، فإن الحاضرية الوجودية تدعو إلى فحص هذه التقاليد بموضوعية واستقلالية فكرية. قد تتساءل الحاضرية الوجودية عن الأصول التاريخية والاجتماعية لبعض المعتقدات والممارسات الدينية. ما هي الظروف التي أدت إلى نشوء هذه المعتقدات...؟ كيف تطورت على مر الزمن...؟ ما هي المصالح والسلطات التي ساهمت في تشكيلها؟ كما قد تنظر في مدى اتساق هذه التقاليد الدينية مع القيم الإنسانية العامة مثل العدالة والحرية والكرامة، هل تُعزز هذه التقاليد هذه القيم أم تتعارض معها في بعض الجوانب...؟
من خلال هذا التأمل النقدي، يمكن للفرد أن يطور فهمًا أعمق لأصول وتأثيرات التقاليد الدينية. وهذا يمكّنه من اتخاذ موقف واعٍ وشخصي تجاهها، بدلاً من مجرد اتباعها دون تفكير. وهذا هو جوهر التأمل النقدي في الأصول الثقافية من منظور الحاضرية الوجودية.
الأدوات التي يمكننا استخدامها للتأمل النقدي في الأصول الثقافية، هناك العديد من الأدوات والتقنيات المفيدة للتأمل النقدي في الأصول الثقافية. البحث والتحليل التاريخي في المصادر التاريخية والأكاديمية للتعرف على نشأة وتطور الأصول الثقافية. محاولة فهم السياقات السياسية والاجتماعية التي شكّلتها، إبعاد أي افتراضات مسبقة أو أحكام مسبقة وفحص الظاهرة الثقافية بطريقة متجردة وموضوعية. الأصول الثقافية المختلفة في مجتمعات وثقافات متنوعة. هذا يساعد على تحديد القواسم المشتركة والاختلافات. مناقشات مفتوحة حول الأصول الثقافية. الاستماع إلى وجهات نظر متنوعة ومحاولة فهم الديناميكيات الاجتماعية والسياسية المؤثرة. تأثير الأصول الثقافية على الهوية الشخصية والقيمية. ما هي الافتراضات والمعتقدات التي شُكّلت بهذه الطريقة...؟ فحص النصوص والخطابات المرتبطة بالأصول الثقافية محاولة تحديد الأجندات والمصالح المضمرة. استخدام هذه الأدوات بشكل متكامل يمكن أن يوفر رؤى قيّمية حول كيفية تشكيل الأصول الثقافية وتأثيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل ما تحتاج معرفته عن أمراض الكبد وسبل الوقاية |صحتك بين يدي


.. حقيقة ارتباط بنين ستارز




.. عاجل | المتحدث باسم اليونيفيل لسكاي نيوز عربية: استهداف إسرا


.. سياق | تاريخ السود في أمريكا.. من المسالخ إلى المساهمة في بن




.. ما أبرز إنجازات اللاعب الإسباني رافاييل نادال؟