الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الزمان والمكان في الحاضرية الوجودية
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
2024 / 5 / 31
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في الحاضرية الوجودية، الزمان والمكان ليسا أُطر مجردة أو خارجية للوجود، بل هما جزء لا يتجزأ من طريقة وجودنا في العالم، الحاضر هو اللحظة الإنسانية الحية، حيث نُبدع أنفسنا وننغمس في الخبرة المباشرة، الماضي والمستقبل ليسا سوى طريقة لإدراك الحاضر وتفسيره، وليست حقائق موضوعية مستقلة. كذلك، المكان ليس مجرد موقع جغرافي محايد، بل هو مكان مشبع بالمعنى والخبرة الإنسانية، المكان هو حيث نعيش وننتمي ونحقق أنفسنا، فالعلاقة بين الذات والعالم هي علاقة تفاعلية وديناميكية، حيث يتشكل كلاهما تبادلياً. من هذا المنظور، الزمان والمكان في الحاضرية الوجودية هما طريقتان لإدراك وجودنا المباشر في العالم. إنهما ليسا قيودًا خارجية، بل هما جزء من طريقة وجودنا وخبرتنا الإنسانية الحية. السؤال المركزي هو كيف نختار أن نعيش في الحاضر وكيف نحقق من خلاله علاقتنا بالعالم، إن إدراك الزمان والمكان في الحاضرية الوجودية له تأثيرات عميقة على طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا من خلال:
التركيز على الحاضر: في الحاضرية الوجودية، نركز على اللحظة الحالية بدلاً من الانغماس في الماضي أو التوجه نحو المستقبل. هذا يعني أننا ننخرط بشكل أكثر حيوية وأصالة في الخبرة المباشرة.
المسؤولية الشخصية: بالتركيز على الحاضر، نتحمل مسؤولية أفعالنا وخياراتنا بشكل أكبر. لا نلقي باللوم على الماضي أو ننتظر المستقبل، بل نتخذ القرارات الحرة في الآن.
الاندماج مع المكان: نرى المكان كجزء متكامل من تجربتنا الإنسانية، بدلاً من اعتباره مجرد موقع محايد. هذا يعزز الشعور بالانتماء والتواصل مع البيئة المحيطة.
التركيز على التفرد والأصالة: بدلاً من التوجه نحو المعايير والتوقعات الاجتماعية، نسعى إلى استكشاف إمكانياتنا الفردية والتحقق منها في الحاضر.
قبول التغيير والحرية: ندرك أن الزمان والمكان ليسا ثابتين، بل يتطوران باستمرار. هذا يعزز قدرتنا على التكيف مع التغيير والتمتع بحرية الاختيار والتصرف.
بهذه الطريقة، إدراك الزمان والمكان في الحاضرية الوجودية يدفعنا نحو التركيز على الحاضر، تحمل المسؤولية، الاندماج مع البيئة، والسعي نحو التفرد والأصالة. هذا يؤثر بشكل عميق على طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا في العالم، في الحاضرية الوجودية، يعتبر التفكير المتحجر والمجرد أداة محدودة للوصول إلى الحقيقة الكاملة عن الوجود، فالعقل المحض ينطوي على محدودية بسبب:
انحسار في المفاهيم والتصنيفات المسبقة: العقل يميل إلى تقسيم الخبرة إلى أشياء وأحداث منفصلة، بينما الحاضرية الوجودية ترى الواقع كتدفق متصل.
اعتماده على التجريد والتعميم: العقل المحض يعمل عبر مفاهيم مجردة وعامة، بينما الحاضرية الوجودية تؤكد على الخبرة المباشرة والفريدة للحظة الراهنة.
ميله للتفكير الثنائي: العقل المحض يميل إلى تصنيف الأشياء إلى ثنائيات متضادة (صح/خطأ، جيد/سيء)، بينما الحاضرية الوجودية تقبل الغموض والتناقضات.
لذلك، الحاضرية الوجودية تؤكد على أهمية الإدراك الحسي والجسدي والانفعالي للزمان والمكان، بالإضافة إلى الإدراك العقلي، وهذا يتطلب فتح الحواس والوعي للخبرة المباشرة، بدلاً من الانخراط في تفكير مجرد ومعقد. بالطبع، العقل المحض لا ينبغي إلغاؤه بالكامل، إنما يكون دوره مكمّلاً للإدراكات الأخرى، وليس هو المسيطر والمهيمن في السعي هو نحو التوازن بين العقل والجوانب الأخرى من إدراك الزمان والمكان. في الحاضرية الوجودية، يُنظر إلى المكان والزمان بشكل مختلف عن المفاهيم التقليدية لهما:
المكان الوجودي
في الحاضرية الوجودية، المكان لا يُنظر إليه كموقع جغرافي محدد، بل كتجربة وجودية للفرد في لحظة معينة، المكان هو ما يتشكل من خلال الإدراك والمعنى الذي يُسبغه الفرد على البيئة المحيطة به. التركيز ينصب على الطريقة التي يعيش بها الفرد وينخرط بها في المكان بدلاً من الموقع المادي الجغرافي.
الزمان الوجودي
في الحاضرية الوجودية، الزمان لا يُنظر إليه كتتابع خطي للأحداث، بل كتجربة معاشه في الحاضر. الزمان هو ما يَنشأ من خلال الانخراط والتفاعل الحي للفرد مع اللحظة الراهنة، التركيز ينصب على كيفية عيش الفرد للزمن بدلاً من قياسه بالطرق التقليدية.
عدم الواقعية
المكان والزمان لا يُعتبران مقاييس موضوعية وواقعية، بل تجارب ذاتية متشكلة من خلال الإدراك والخبرة الإنسانية. هذه المفاهيم تنتقل من الطبيعة الخارجية إلى الطبيعة الداخلية للفرد ومعناها الوجودي.
بالتالي، في الحاضرية الوجودية، المكان والزمان لا يُنظر إليهما كحقائق موضوعية، بل كأبعاد وجودية تتشكل من خلال الخبرة الإنسانية المعاشة والمعنى الذي يُسبغه الفرد عليها. النظر إلى المكان والزمان كتجارب وجودية بدلاً من حقائق موضوعية له عدة آثار عملية مهمة في إطار الحاضرية الوجودية، منها التركيز على الخبرة المعاشة , إدراك متعدد الأبعاد، التركيز على الحاضر، والحرية والمسؤولية.
بشكل عام، هذا النظر للمكان والزمان كتجارب وجودية يؤدي إلى تركيز الفرد على خبرته المعاشة في الحاضر، مع إدراك أكبر لتعقيد وتشابك هذه التجارب وقدرته على التأثير عليها. هناك بعض المفاهيم الأخرى في الحاضرية الوجودية التي تساعد على فهم طبيعة الزمان والمكان بشكل أعمق:
مفهوم "الكينونة-في-العالم"
هذا المفهوم يشير إلى أن الإنسان لا ينظر إلى نفسه كمنعزل عن العالم، بل كجزء متلازم معه، وبالتالي، فإن تجربة الزمان والمكان تنبع من هذه العلاقة الجدلية بين الإنسان والعالم.
مفهوم "الرمي-إلى"
هذا المفهوم يؤكد على أن الإنسان ليس مجرد "موجود"، بل هو "موجود متجه نحو الى،" وبالتالي، فإن تجربة الزمان والمكان مرتبطة بهذا البُعد المستقبلي والتوجه الذاتي للإنسان.
مفهوم "الرعاية"
هذا المفهوم يشير إلى أن الإنسان ليس مجرد متلق سلبي للزمان والمكان، بل هو كائن يهتم بهما ويرعاهما. وبالتالي، فإن تجربة الزمان والمكان مرتبطة بهذا البُعد الوجودي والاهتمامي للإنسان.
مفهوم "الرمي-إلى-الموت"
هذا المفهوم يؤكد على أن الإنسان هو كائن محدود زمنياً وأنه مُرتقب للموت
وبالتالي، فإن تجربة الزمان والمكان مرتبطة بهذا البُعد المحدود والنهائي للوجود الإنساني.
مفهوم "الوجود-مع-الآخرين"
هذا المفهوم يشير إلى أن الإنسان ليس كائناً منعزلاً، بل هو كائن اجتماعي يعيش مع الآخرين، وبالتالي، فإن تجربة الزمان والمكان مرتبطة بهذا البُعد الاجتماعي والتواصلي للإنسان.
هذه المفاهيم الأساسية في الحاضرية الوجودية تساعد على فهم طبيعة الزمان والمكان بطريقة أكثر شمولية، وتبرز الطابع الوجودي والتفاعلي لتجربة الإنسان للزمان والمكان. لكن هناك عدة تحديات رئيسية قد تواجه الفرد عند محاولة تطبيق مفهوم "الرمي-إلى-الموت" في حياته اليومية ومنها, التغلب على الخوف والقلق تجاه الموت ليس بالأمر السهل، ويتطلب شجاعة وتأمل عميق, الخوف من المجهول قد يعيق التحرر من التعلق بالحياة والانخراط في اللحظة الراهنة, التخلص من الإدمان على الروتين والعادات, تتطلب عملية "الرمي-إلى-الموت" إعادة تقييم الأولويات الشخصية, التخلي عن الاهتمامات السطحية والتركيز على ما هو جوهري وهذا ليس بالأمر السهل, المحافظة على الوعي والالتزام المستمر بهذا المنهج الوجودي .
بصفة عامة، فإن التحديات الرئيسية تتمثل في التغلب على المخاوف والعادات الراسخة، وإعادة صياغة القيم الشخصية، والحفاظ على التركيز والالتزام على المدى الطويل. ولكن مع الممارسة المستمرة والتصميم والدعم، يمكن للفرد التغلب على هذه التحديات.
كيف تشكل الحاضرية الوجودية مصير الانسان بعد الموت وجوديا، في مفهوم "الحاضرية الوجودية هناك بعض النقاط الرئيسية حول كيفية تشكل مصير الإنسان وجوديًا. مثل عدم الوجود المطلق، الانتهاء والقلق، الإنسان في الفكر الوجودي مدرك أن موته أمر حتمي وأنه سيأتي في النهاية، هذا الوعي بالنهاية يخلق شعورًا بالقلق والانتهاء الدائم، ومع ذلك، فإن مواجهة هذا القلق بشجاعة تعطي الحياة معنى وأصالة، الإنسان مسؤول عن اختياراته وتحديد معنى حياته بنفسه، الاختيارات والفعل الحر هي ما تشكل مصير الإنسان وهويته. مواجهة هذه الحرية والمسؤولية بشجاعة تجعل من الإنسان كائنًا أصيلاً. بدلاً من الانشغال بالماضي أو المستقبل، الوجودية تؤكد على العيش في اللحظة الراهنة، الانخراط الكامل في الخبرات الحالية هو ما يعطي الحياة معنى وأصالة، هذا الوجود الأصيل في الحاضر هو ما يشكل مصير الإنسان الحقيقي. بهذا المنظور، المصير الوجودي للإنسان لا يتمثل في حياة أبدية بعد الموت، بل في كيفية عيش الإنسان حياته بأصالة وشجاعة في الحاضر.
هناك اختلافات جوهرية كبيرة بين الفكرالحاضري الوجودي والمعتقدات الدينية في تفسير معنى الحياة من حيث التالي:
منشأ المعنى والغاية
الحاضرية الوجودية ترفض وجود غاية أو معنى جاهز مسبقًا للحياة، ويتعين على الإنسان أن يخلق معناه بنفسه، أما المعتقدات الدينية فتؤمن بوجود معنى ومقصد للحياة مُعطى من قبل الله أو القوى الإلهية.
دور الإنسان
في الحاضرية الوجودية، الإنسان هو المسؤول عن إعطاء الحياة معناها من خلال اختياراته وتصرفاته، في المعتقدات الدينية، الإنسان عادةً ما يكون مكلفًا بالتعرف على المعنى المُعطى له والعمل وفقًا له.
طبيعة المعنى
في الحاضرية الوجودية، المعنى هو شيء خاص وفردي يختلف من شخص لآخر، في المعتقدات الدينية، المعنى هو عام ومُطلَق ومشترك لجميع البشر.
علاقة الإنسان بالموت
الحاضرية الوجودية ترى أن مواجهة الموت بشجاعة هي أساس اكتشاف المعنى الحقيقي للحياة.
المعتقدات الدينية تؤمن بحياة أخرى بعد الموت تتحدد فيها مصائر البشر، ومن هنا، يتضح أن الحاضرية الوجودية والمعتقدات الدينية تختلفان جذريًا في تفسيرهما لمصدر ونوع معنى الحياة والدور المنوط بالإنسان في خلقه أو اكتشافه. هذا الاختلاف الأساسي ينبثق من اختلاف جذري في الرؤية الأساسية للطبيعة البشرية والكون، والنظرة الى الزمان والمكان والمصير. وبالتالي ينعكس هذا كليا على السلوك الفردي والجماعي على الانسان وقد يغلق المساهمة الفعالة في تنمية الحضارة الإنسانية بشكل مستدام. لا شك أن مفهوم الزمان والمكان في الحاضرية الوجودية قد لعب دورًا مهمًا في تطوير وتقدم الحضارة الإنسانية بشكل عام، وذلك من خلال المساهمات الفكرية والثقافية والعلمية التي قدمتها على مر التاريخ. فالحاضرية الوجودية قد طرحت مفاهيم وأفكار جديدة حول طبيعة الإنسان والوجود والمعرفة، والتي أثرت بشكل كبير على تطور العلوم والفنون والفلسفة. على سبيل المثال، ساهمت الحاضرية الوجودية في إرساء مبادئ حرية الفكر والإرادة الفردية، وهو ما كان له انعكاسات على تطور الديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمعات. كما ساهمت في إثراء المعرفة الإنسانية في مجالات مثل علم النفس والفلسفة والأدب، من خلال طرح مفاهيم جديدة حول الذات والوعي والوجود. بالإضافة إلى ذلك، أثرت الحاضرية الوجودية على التطور التكنولوجي والعلمي، حيث طرحت مفاهيم جديدة في مجالات العلوم الطبيعية والتطبيقية، والتي ساهمت في ظهور اختراعات وتقنيات حديثة أثرت بشكل كبير على حياة البشر.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما هي آخر التطورات في الجبهة الشمالية لإسرائيل؟
.. رئيس البرلمان الإيراني يتفقد موقع الغارة الإسرائيلية الأعنف
.. عاجل | الكلمة الكاملة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع
.. معارك متواصلة بين كتائب القسام وجيش الاحتلال بمخيم جباليا
.. هل استطاع الجيش السيطرة على مناطق بجنوب لبنان؟