الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعات الليبية : الأولوية الأساسية : جودة التعليم أم التصنيفات الدولية.

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2024 / 6 / 1
التربية والتعليم والبحث العلمي


قبل الحديث عن الأولوية الأساسية للجامعات الليبية خلال هذه المرحلة، لا بد من العودة إلى بعض المؤشرات الإحصائية المهمة. ولعلنا نروم من وراء كل ذلك أن تساعدنا هذه المؤشرات في تحليل واقع التعليم الجامعي بشكل موضوعي، وتعزيز فهم الأوضاع والاتجاهات السائدة، وتوفير أساس علمي لاتخاذ القرارات وتطوير السياسات والممارسات الهادفة إلى تحسين جودة التعليم الجامعي في ليبيا.
إن الحديث عن مختلف المؤشرات المتعلقة بوضع الجامعات الليبية أمر واسع ومعقد. لذا، سأركز على عدد محدود من أهم هذه المؤشرات بناءً على ما ورد في التقارير الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بحكومة الوحدة الوطنية، وهي على النحو التالي:
• عدد الجامعات الليبية الحكومية إلى (27) جامعة حكومية.
• عدد الجامعات والكليات الخاصة (61) جامعة وكلية خاصة.
• عدد الكليات بالجامعات الليبية الحكومية " حوالي (394 ) كلية.
• عدد الطلبة في الجامعات الحكومية (464288) طالبا وطالبة في العــــــام الجامعي2021/2022م.
• عدد الطلبة في الجامعات والكليات الخاصة (32690) طالبا وطالبة في العــــــام الجامعي2021/2022م.
ربما يكون القارئ قد أدرك من خلال هذه المؤشرات وجود عدد من التحديات الرئيسة التي تواجه التعليم الجامعي في ليبيا. فمن جهة، هناك توسع كبير في عدد الجامعات والكليات الخاصة مقارنة بالعدد الأقل للجامعات الحكومية. ومن جهة أخرى، هناك تفاوت كبير في أعداد الطلبة بين الجامعات الحكومية والخاصة، حيث تستوعب الجامعات الحكومية الغالبية العظمى من الطلبة.
وحتى نقرب المعنى أكثر سنقوم بتحليل ظاهرة التوسع في إنشاء الجامعات الخاصة مقارنة بالجامعات الحكومية، وما ينطوي عليها من مؤشرات وتداعيات مهمة. ولكي نقف على جوهر هذه الظاهرة بشكل أعمق، سنقوم بتفكيك بعض جوانبها البارزة والمثيرة للجدل.
• يلاحظ في البداية التباين الكبير بين أعداد الجامعات والكليات الخاصة (61) والجامعات الحكومية (27)، وهو ما يُعَد مؤشرًا على ارتفاع الطلب على التعليم العالي في البلاد. ولكن هذا التوسع يُثير تساؤلات حول معايير ومتطلبات إنشاء تلك الجامعات الخاصة، وما إذا كان ذلك قد تم على حساب الجودة التعليمية أو إمكانية توفير فرص متكافئة للجميع. كما يطرح هذا التحول سؤالاً حول الأهداف التي تسعى وزارة التعليم العالي لتحقيقها من خلال زيادة عدد الجامعات الحكومية، خاصة في ظل الانقسامات السياسية والضغوطات القبلية والمناطقية التي قد تؤثر على هذه العملية.
• علاوة على ذلك، يُلاحظ التباين الكبير بين أعداد الطلبة الملتحقين في الجامعات الحكومية (464,288) مقابل الجامعات الخاصة (32,690). فهذا يعكس الاعتماد الأكبر على التعليم الحكومي، ولكنه في الوقت ذاته يُثير تساؤلات حول قدرة هذه الجامعات على مواكبة الطلب المتزايد على التعليم العالي في البلاد.
وبشكل عام، تطرح هذه المؤشرات مجموعة من التحديات والقضايا المهمة التي تستحق المزيد من الدراسة والتحليل، بهدف تطوير منظومة التعليم العالي وضمان تحقيق أهدافها بشكل أكثر فاعلية، كما إن كل ذلك يدفعنا إلى القول بأن الأولوية الأساسية للجامعات الليبية يجب أن تركز على تحسين جودة التعليم وتطوير البنية التحتية والموارد البشرية والمادية في الجامعات، وذلك للأسباب التالية:
1. مع التوسع الكبير في عدد الجامعات والكليات الخاصة، فإن ضمان الجودة في كافة المؤسسات التعليمية أمر ضروري لضمان تقديم تعليم عالي الجودة للطلبة بغض النظر عن ملكية الجامعة.
2. الفجوة الكبيرة في أعداد الطلبة بين الجامعات الحكومية والخاصة تتطلب تطوير البنية التحتية والموارد البشرية والمالية في الجامعات الحكومية حتى تتمكن من استيعاب الطلب المتزايد بمستوى جودة مناسب.
3. الأضرار الجسيمة التي لحقت ببعض الجامعات نتيجة النزاعات تستدعي إعادة بناء البنية التحتية وتطوير الكوادر التعليمية قبل السعي للتصنيفات الدولية.
ولن يخفى على فطنة القارئ بعد قراءته التحليل السابق الأسباب الكامنة وراء ضعف تصنيف الجامعات الليبية دوليًا، كما يتضح أيضًا بأن التركيز خلال هذه المرحلة ينبغي أن ينصب على تحسين جودة التعليم وتطوير البنية التحتية والموارد في الجامعات الليبية. فهذه المسائل ذات الأولوية العليا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ التعليم العالي في ليبيا، بدلاً من مجرد محاولات تحسين التصنيفات الدولية.
لذا، على صانعي السياسات في التعليم الجامعي أن يُركِّزوا على اتخاذ إجراءات محددة في هذا الشأن، وذلك من خلال:
4. ضمان استمرارية وإتاحة التعليم الجامعي وتوفير بيئة آمنة للطلبة والأساتذة في جميع أنحاء البلاد.
5. تخصيص الموارد المالية اللازمة لتطوير البنى التحتية للجامعات الليبية وتحديثها لتقديم تعليم ذي جودة عالية.
6. رفع كفايات أعضاء هيئة التدريس من خلال برامج تدريبية مكثفة، فضلا عن تحسين أوضاعهم المهنية.
7. تنمية مهارات الطلبة وقدراتهم العملية بما يؤهلهم للتوظيف.
8. تطوير المناهج والبرامج التعليمية لتتماشى مع المعايير الدولية وتلبي احتياجات سوق العمل، وذلك من خلال استحداث برامج جديدة مرتبطة بسوق العمل والتنمية، وهنا أتذكر مقولة مالك بن نبي يقول فيها " العلم الذي لا يترجمه عمل، يظل ترف لا مكان له، في وطن ما يزال فقيرًا في الوسائل والأطر".
9. تعزيز البحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال في الجامعات وربطها بالقطاعات الإنتاجية والخدمية.
10. التفكير في نماذج جديدة للتعليم الجامعي ربما يكون أكثر فاعلية من مجرد إنشاء جامعات حكومية أو خاصة. فالبحث عن صيغ جديدة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الأهلي (مثل الأوقاف والمؤسسات المجتمعية) يمكن أن يفتح آفاقًا جديدة لتطوير التعليم الجامعي في ليبيا. وبدلاً من التركيز على افتتاح جامعات حكومية جديدة، قد يكون من الأنسب مثلا : النظر في إمكانية فتح فروع لجامعات أجنبية مرموقة في ليبيا. لتحقيق ذلك، يتطلب الأمر فتح حوار موسع وموضوعي مع جميع الأطراف ذات الصلة - الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني - لمناقشة هذه الخيارات بشكل شامل وتقييم جدواها وتداعياتها. فالوصول إلى نموذج تعليمي جامعي أكثر فعالية وارتباطًا باحتياجات المجتمع الليبي سيتطلب جهودًا متكاملة من مختلف الجهات المعنية.
نخلص من كل ما تقدم، إلى أنه إذا تم التركيز على هذه الجوانب أولاً، ستتمكن الجامعات الليبية من بناء قاعدة صلبة تسمح لها بالمنافسة على المستوى الدولي في المستقبل. فالأهم هو ضمان جودة التعليم وارتباطه باحتياجات المجتمع الليبي في الوقت الحالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتابع إيران الجدل المتعلق بها وبالرد عليها؟


.. أم فلسطينية تنزح مع بناتها وسط القصف الإسرائيلي شمال غزة




.. هل يمكن لإيران أن تصل إلى صنع سلاح نووي فعال خلال الفترة الق


.. خسارة مؤقتة ونتائج عكسية.. ماذا يعني استهداف إسرائيل لمنشآت




.. 14 ولاية أميركية تتهم تيك توك بالاضرار بالصحة العقلية