الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (1)

جعفر المظفر

2024 / 6 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (1) *

حين البحث عن العوامل الأساسية ذات التأثير على مسارات الحركات الإسلامية في كل من إيران وتركيا ودول العرب، سنكون حتماً في مواجهة تأثير الإنتماء القومي على الهوية السيادية لكل من هذه الإسلامات الثلاثة, ومما رأيته أن كلا الإسلاميْن, التركي والإيراني, يمتلك صلة مباشرة وتفاعلاً حقيقياً وفاعلاً مع العمق التاريخي لبلد المنشأ بما جعلهما مؤهليْن لحيازة الهوية الوطنية وامتلاك فاعلية الصلة ما بين التاريخ القومي والفقه الديني السياسي, وكلاهما معاً أختزلهما هنا بكلمة (القومَطَني).
إن إمتلاك النظام لقراره السيادي (القوْمَطَني) يحقق أمرين هامين, أولهما الحفاظ على السيادة الوطنية للبلد الذي يحكمه النظام, وثانيهما توطيد العلاقات بين النظام أمميّ الفقه والبلد صاحب المنشأ من خلال معادلة تضع الإقليمي في خدمة الوطني في كل قضية تتطلب تحديد مَنْ في خدمة مَنْ.
وقد يكون ذلك أحد الأسباب الرئيسة التي نبحث عنها هنا لفهم تأثير غياب الهوية القوْمَطَنية على مستويات البناء أو مستويات التخريب والفساد في البلد الذي يحكمه الإسلام السياسي العربي, وبخاصة ذلك الذي نشهده بشكل صارخ في العراق حيث تغيب كاملةً نيّات بناء البلد بارادة وطنية عراقية مستقلة من خارج دائرة التبعية لإيران. ولقد وجد هذا الإسلام نفسه على خصومة تاريخية عميقة مع الدولة فرأيناه وقد راح يهدمها بدلاً من أن يبنيها... ويسرقها بدلاً من أن يحرسها، منتقلاً من مساحة التناقض مع الدولة إلى التناقض مع الوطن نفسه.
وحيث يرفع الإسلاميون العرب بشقيهم الشيعي والسني شعار أن هوية المسلم هي دينه, متناقضين بذلك مع الجغرافيات السياسية لأوطانهم الحالية, فإن الأتراك والإيرانيين يؤمنون بالشعار ذاته على أن تكون أوطانهم هي وطن الإسلام, ولهذا فهم لا يعيشون حالة تناقض ما بين الدين والوطن كذلك الذي يعيشه الإسلام العربي الذي فقد ميزة الوحدة ما بين الوطني والديني.
وما سوف نلاحظه هنا أن الإسلام التركي, ونتيجة لاعتزازه بتجربة الإمبراطورية العثمانية, وبالأصل تناغمه الفقهي الحَنفي معها, يمتلك فاعلية الصلة ما بين الفقهي (الدين) والسياسي (الوطن) والتي هي أساس تشكيل الهوية (القومدينوطنية).
إن إسلاماً كهذا غالبا ما يتجه لعثمنة المنطقة, مقابل إسلام فارسي يمتلك الخواص ذاتها التي تدفعه لفرسنة المنطقة. وبالأصل فإن الإسلامين يعيشان وحدة فقهية سياسية تجعلهما منسجمين مع بلد المنشأ وعامِليْن في خدمته.
إن الحركتين الإسلاميتين, العثمانية والفارسية, تمتلكان خاصّة التماسك ما بين الوطني والقومي بالمستوى الذي يضع في يديهما قدرة امتلاك خاصّة القرار السيادي الإقليمي المستقل, مثلما يوفر لهما رصيداً وطنياً قومياً لجعل عواصمهما الوطنية عواصم إقليمية وحتى عالمية تتغذى من أممية الإسلام نفسه.
أما الإسلام السياسي السني العربي فهو لا يتبع مذهباً فقهياً واحداً بل يتبع مذاهب أربعة, إضافة إلى الطريقة الوهابية التكفيرية التي يجتمع عليها الإرهابيون والتكفيريون.
مع المذاهب العربية الأربعة فإن من الصعب إيجاد علاقة تاريخية متماسكة لأحدها مع إحدى الدولتين العربيتين, العباسية والأموية, فالذي يقرأ التاريخ العربي سيعثر بسهولة على ما يساعده لتقرير أن أياً من المذاهب الأربعة لم يكن بذي صلة حقيقية مع أي من الدولتين بما يساعد ذلك المذهب لبناء حالة انتماء سياسي قومي كذلك الذي تقدر عليه الحركة الإسلامية العثمانية والفارسية. ولعل ذلك سيفسر حالة غياب التلازم والتفاعل ما بين الوطني والقومي الذي سيشتّت بدوره وحدة الخطاب السياسي.
على أن هذه المسألة تستوجب بحثاً أعمق, وفي جميع الحالات علينا أن لا نغيب في التاريخ على حساب حاجات الحاضر وتصورات شكل المستقبل, حتى لا ينقلنا ذلك من حالة الغياب إلى حالة الغيبوبة, فالوطن العربي الذي كان الإسلام في الأصل هو الذي شكّلَه (من دولة الرسول في المدينة مروراً بالدولة الأموية وحتى إنهيار الدولة العباسية) لم يعد له وجودٌ فعليٌ على أرض الواقع بل نراه سكن في كتب التاريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*من كتابي (ثلاثة إسلامات)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية