الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كذبة -الأغلبية-

فارس محمود

2024 / 6 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يالكثرة الأكاذيب الممجوجة في عراق ما بعد 2003! بيد ان أكبر هذه الكذب وأكثرها مغرضة هي كذبة "الاغلبية" التي صدّعوا أدمغتنا بها. يهيمنون على السلطة ويحتكروها ومعها الثروات والنفوذ بحجة "اغلبية المجتمع شيعية". ينفردون بالقرارات تلو القرارات الطائفية التي تستهدف بناء وارساء دولة "شيعية" و"مذهبية" تحت هذا المبرر واخرها "عيد الغدير" الطائفي، ومن هناك سيطالبون غدا من الاخرين بضرورة الانصياع للقرارات والقوانين الطائفية للدولة. ويهرطقون لماذا تنزعجون؟! أليست الديمقراطية تعني حكم "الاغلبية"؟! فيالديمقراطيتهم البائسة! بستار مثل هذا مفهوم، يقوموا باستبداد سياسي وإقصاء سياسي سافر تجاه "الاخرين".
كانوا لحد الامس يتباكوا حول "ظلم الشيعة" واقصائهم من الحكم، وها هم يمارسوا الدور ذاته بحق "الاخرين"!
تصنيف سياسي مغرض!
لا تُصنِّف عشرات الملايين نفسها وفق هذه التصنيفات، بل نبذتها وتنبذها، وبالأخص بعد 2003 وما راته من نهب السلطة المليشياتية الطائفية وفسادها وتنصلها عن ابسط الحقوق والضمانات والحريات. لم يكن لهذا التصنيف مكان لعقود مديدة في المجتمع. انه ليس بتصنيف علمي، أو يستند الى الحقائق العلمية. بل تصنيف سياسي يتعقب أهدافاً سياسية واضحة. اذ كيف يستطيع العامري والمالكي والخزعلي والصدر ان يتشبث بالسلطة والحكومة دون هذه المقولة؟! ماذا في جعبتهم غير مقولات مثل هذه؟!
التصنيف سياسي وذا أهداف سياسية. كل من يصنف المجتمع بمعيار ما، فانه يتعقب هدف واضح من ذلك. وان هدف التصنيف هو إخفاء الأهداف الحقيقية. فالقومي العروبي، وصدام بالامس، يرون المجتمع قومياً ويورد لك دلائل ذلك: اللغة العربية، التاريخ العربي، الارض المشتركة للعرب والقران العربي المشترك و"فلسطين قضية العرب الأولى" و"الوحدة العربية" و"الجرح العربي" و...الخ. ويتحفك العشائري بان هذا المجتمع عشائري ويحدثك: الا ترى الميول العشائرية في المجتمع، الا ترى القبائل؟!، الا ترى التاريخ المفعم بالشخصيات العشائرية؟ ألاتري القيم والتقاليد، الدلال والمضايف و....الخ وقس على ذلك. وكذلك الحال مع الاسلاميين. كلهم يشتركون في هذه التصنيفات ويتغاضون عن بديهية ان الانسان هو انسان بلحم ودم وحاجات ومشاعر ولديهم عوائل وأطفال ينشدون سعادتهم وطموح لحياة أفضل و... ينكرون الصفة المشتركة التي تجمع البشرية كلها وهي انسانية الانسان. ان هذه التصنيفات سياسية وأن هذا التصوير ليس خالياً من مصالح تتلخص في المطاف الأخير بمصالح الحكم والسلطة والثروة.
من جهة أخرى، بشكل استبدادي وكاذب وغير واقعي، يصورون جموع من أكثر من عشرين مليون انسان من سكنة بغداد ووسط وجنوب العراق بوصفهم "شيعة". بيد ان حياة هذه الاكثر من 20 مليون نسمة لا ربط للجزء الاعظم منها بمقولاتهم المغرضة. في هذا المجتمع "الجنوبي"، هناك ديانات وطوائف اخرى في هذه المدن، وقامت هذه المليشيات الطائفية الدموية بعمليات ارعاب وتهجير قسري، اي تطهير عرقي، ورأى الجميع ذلك ماقاموا به من إخلاء للسنة من البصرة وحول بغداد وديالى وغيرها.
في هذه المناطق، الاغلبية الساحقة لا تسير وفق التصنيفات والقيم الطائفية، وحتى ما تقوم به في احيان كثيرة فهو نتيجة الضغط السياسي-الاجتماعي وضغط الاجواء العامة وهيمنة المليشيات على المجتمع. من رحم تلك المدن، ظهر ابرز الشعراء والكتاب والادباء والفنانين، نساءا ورجالاً. هناك، تستهلك المشروبات الروحية اكثر مرات من مدن ستوكهولم وكوبنهاكن واوسلو...وغيرها، هناك تقام العلاقات الجنسية السرية وخارج اطر الزواج اكثر بكثير من الكثير من مدن اوربا، ويقتدي الشباب والشابات بقصات الشعر والازياء في اوربا وامريكا. اذا كان المجتمع شيعي، لماذا يتسابق رجال الدين من منابر الجمعة والفضائيات لرفع عقيرتهم ساخطين على ان المجتمع يبتعد عن الدين والاسلام وتغزوه القيم "الدخيلة"؟!!!! طبعا كل هذا في اوضاع ليست اوضاع حرية ومساواة، بل أوضاع قمع طائفي وديني واسلمة ممنهجة وعلى اعلى المستويات للمجتمع. من هناك انطلقت حملات "بغداد لن تتحول الى قندهار" وتطلق عشرات النكت اليومية حول رياء رجالات الدين وكذبهم و"باسم الدين باكونا الحرامية –سرقونا اللصوص"! في هذا المجتمع ملحدين ولا دينيين وشيوعيين وعلمانيين ومتمدنين ومساواتيين من الجنسين كثر، بالاضافة الى قوميين وليبراليين وفوضوين و.... ان فرض هوية على سكان هذه المدن وقولبتهم باطار محدد واحد هي محاولة استبدادية صرف تتعقب اهداف استبدادية صرف.
ليس هذا وحسب، بل ان "الشيعة" على صعيد السلطة، ليسوا حزباً واحداً، بل احزاب ومئات المليشيات المتصارعة "الشيعية"، قتلوا من بعضهم أكثر من اي جماعات مسلحة في العالم. القضية جماعات تنشد السلطة والحكم والنهب والثروة. وهذا دليل اخر على ان مقولة الشيعة هي كل واحد ليس سوى كذبة.
بيد ان المجتمع انساني والعلاقات فيه انسانية وطبقية. ان ما يجمع هذا المجتمع هو الهم المشترك وسعيه المشترك للرفاه والانسانية والتحرر والحياة الكريمة والسمة الانسانية المشتركة، لا تفصله الدين والقومية والمذهب، وفي المجتمع تجد الاف النماذج على ذلك يومياً.
"يزامطون" اننا الشيعية اغلبية، ولكنهم يغفلون قصداً وعمداً ان اكثر من 80% من الذين لهم حق الانتخاب لم يشاركوا في الانتخابات استنكاراً لهم ولحكمهم "الشيعي"! ان "الاغلبية" انتفضت عليهم لأشهر مديدة ونازلتهم نزال حياة أو موت من أجل كنسهم من حياة المجتمع وساندهم المجتمع بحيث هرع العامري لطلب السماح والعفو الكاذبين من المجتمع. ولم تقم احزاب "الاغلبية"، الأحزاب الطائفية "الشيعية" سوى بالرد عليهم وقتل ما يقارب 800 شاب وجرح اكثر من 20 الف أغلبهم من المناطق المحسوبة "شيعية"!! الامر واضح: لا يتعلق الامر بالطائفة، بل بالمصالح والطبقات المختلفة ذات المصالح المختلفة والمتناقضة والمتصارعة. وها هي ترد قوات مكافحة شغب السلطة "الشيعية" اليوم على متظاهري الناصرية" الشيعة" بالهروات والسحل والسجون، شباب طالبوا بحقهم في التعيين في شركة النفط، وهو ما يجري يومياً في كل مدن العراق.
انتهازية:
يعتبر دعاة "الاغلبية" كردستان جزء لا يتجزأ من العراق، وانهم مستعدون لارتكاب المذابح تجاه الناطقين بالكردية إن قرروا الانفصال. ان هذا الجانب الفاشي فيهم معروف وجاهروا به مراراً وتكرارا. بالمناسبة، اني لست دعاة انفصال، بل دعاة عالم حر لا مكان فيه لحدود من الاساس. ولكن وفق حساباتهم من مصلحتهم ان يستبعدوا كردستان من الامر، التي هي ذات أغلبية "سنية"، وفق تصنيفاتهم. أي لو حسبوا كردستان وفق منطقهم ذاته، لن يبقوا "اغلبية". اي في اطار الدولة يحسبونها، ولكن في اطار تقسيمهم "العلمي" الطائفي يستبعدوها، ويتعاملوا مع أناسها ككرد وليس وفق معيارهم الذي يختلقوا منه مفهوم "الاغلبية". انه تعامل انتهازي صرف. ويبين ان مقولة "الأغلبية" هي سياسية ومغرضة، لا أكثر.
"عيد الغدير": "الأغلبية" أم امر آخر؟!
ليس لخطوة اقرار الاعيادة الرسمية و"عيد الغدير" اي صلة بعلي والشيعة والحسن والحسين. انها مرتبطة فقط وفقط بسعي الصدر للعودة للساحة السياسية بعد اعتزاله السابع او الثامن! وليس لتاييد الاطار التنسيقي له الا من أجل التفويت الفرصةعلى مقتدى الصدر واستغلالها ضدهم لـ"وقوفهم ضد جعل بيعة علي عطلة". كل هذه ترهات ومناورات للخداع، لا أكثر، وليس لها اي ربط بطائفة وعمر وعلي والشيعة والاغلبية. فالحدث لم يكن يوما ما مهما، انه مهماً اليوم لتعقب هدف اليوم، العودة للعملية السياسية. انها اوراق لحرف انظار المجتمع عن أصل القضايا.
يصوروا الامر على ان الاغلبية شيعية وليس هناك شيء أكثر حقانية من اعلان "الاغلبية" مطلبها والمطالبة بحقها. ولكنهم يغظون انظارهم بسفالة على ان في هذا المجتمع هناك الف حق وحق واقعي وحياتي في الخدمات والعمل والضمانات وأحوال النساء وغيرها يُداس عليها يومياً، بل يتعرض اصحابها ودعاتها للسجون والمعتقلات والتعذيب والقتل جراء المطالبة بها؟! بيومين، أقر البرلمان الطائفي المسخ يوم الغدير بوصفه عطلة رسمية، فيما يعلوا الغبار مقترح قانون العنف المنزلي المجمد على الرفوف منذ سنوات!!!! من يريدوا ان يقنعوا بهذا الكلام؟! ليس "عيد الغدير" مطلب أحد! الا فئة قليلة جداً لها مصلحة خاصة وضيقة جدا في ذلك، الصدر وسعيه للعودة للعمل السياسي. قبل الصدر، لم نسمع بنداء ومطلب يذكر حول ذلك من أحد، ناهيك عن "الأغلبية"!
كلمة أخيرة:
وفق هذا التصنيف، ماذا يحل بالطرف الاخر وما هي مكانته؟! ان رد الجماعات الطائفية المنافحة عن موضوعة "الاغلبية" والاستخدام الاستبدادي والانتهازي للكلمة على كل أمر هي أننا "أغلبية". اي ان الطرف الاخر هو |اقلية" وعلى الاخيرة ان ترضى باملاءات الاولى. ان مقولات "أغلبية" و"أقلية" ليست بمقولات مجتمع حر ومتساو. انها مقولات تمييزية، تراتبيه، درجاتيه. انها ليست مقولاتنا. تصنف المجتمع الى درجات: درجة أولى ودرجة ثانية. انها مقولة تفرض الدونية على قسم من المجتمع بحجة الدين والطائفة والقومية والخ، مثلما هو الحال مع دونية المرأة. ولهذا فانها مقولة تعسفية واستبدادية ولا تصلح لأي مجتمع ينشد العدالة والمساواة بين البشر.
واخيراً، المجتمع في العراق انساني ذا مطالب انسانية وحياتية واقعية تتمثل بعيش كريم، هذا ما ناضلت من أجله، وهذا ما دفعت تضحيات ودماء من أجله بوجه أحزاب الطائفة الأكبر. عبر المجتمع كثيراً هذه الاوراق المتهرئة، ولن يعود الى المربع الطائفي حتى لو جاء الف صدر والف اكاديمي طائفي ضيق الافق وانتهازي و"يراعي خبزته" ومتملق!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي