الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمانويل ليفيناس وإدموند راسل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الحزء الثامن)

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 6 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- المعنى كتوجه جديد نحو الآخر (2/1)
يتم تحقيق تجاوز مثال المعرفة، وفقا لليفيناس، في خطوة التوجه الذي يؤدي إلى الكشف عن المعنى العميق.
إن الاختلاف الذي يقدمه عرضه هو بمثابة خط فاصل بين المسار الذي يستهدف العالم والحركة التي في اعتباطيتها ترتقي إلى ما يتعالى على العالم. إنه توجه بلا وجهة ودون إمكانية تحديد ما يوقفنا، مثل الكشف عن وجه الآخر. إنه يتوقف، لكنه، في الوقت نفسه، ينتج إضاءة معينة تسمح بالتقدم. وبالتالي فإن الأمر لا يتعلق بظاهرة سطحية، بل يتعلق بالارتفاع أو ب"الزخم". تماما مثل الاستعارة، يشير هذا التوجه، عند لفيناس، إلى الإحالة إلى ما ليس له جاذبية ولا غائية، لكنه مع ذلك يدفعنا إلى الاعتراف بوجود طريقة أخرى تكشف عن معنى وجودنا غير تلك القائمة على التحديد والاعتراف. تتضمن هذه الجهة توجها متناقضا: ليس التوجه الذي نمنحه لأنفسنا، بل ذلك الذي نتلقاه من الآخر. إنها لا تسمح لنا بمعرفة طريقنا ولكنها مع ذلك تحافظ على معنى هذه الرحلة التي تكشف الرهانات الكبرى في حياتنا. ولكن هل حركة بلا توجيه هي التي تكشف لنا عنه؟ هل تيهان بدون غاية وبدون معايير موضوعية من شأنه أن يكشف لنا ما كان دائمًا وفي كل مكان هو المعنى الحيوي.
في غياب المعايير الموضوعية لنسق منطقي يعمل كنقطة انطلاق، يتبين أن طريق المعنى الذي يقترحه ليفيناس غير موجه بإرادة الاقتراب من عنصر مرغوب فيه، بل بل بانجذاب إلى شيء غامض. ما لا يمكن تصوره عند هوسرل يصبح ممكنا عند ليفيناس لأن ما يعبئنا لا يأتي مما هو مرغوب فيه بعد أن يتم تحديده كهدف، بل من المجهول بامتياز، مما لا يمكن تصوره جوهريا. مثل مغامرة ملك إيثاكا الأسطوري في قصص الأوديسا، فإن التوجه الليفيناسي هو رحيل غير مقرر دون تصميم ثابت يكشف مصيره غير المتوقع عن المعنى العميق. لكن على عكس رحلة عوليس الذي "لم تكن مغامرته في العالم سوى عودة إلى جزيرته الأصلية" بحسب ليفيناس، فإن المسار الحر لهذا التوجه الجديد لا يسمح لنا بتسجيل نهايته منذ البداية أو نتيجته منذ البداية.
يرى ليفيناس في مسلر التوجه الذي يتمثل في
"الذهاب نحو" من أجل القدرة على العودة إلى نقطته الأصلية، حركة نسميها ثنائية المعادلة ل"خط السير" المتنازع عليه بشدة في
الفلسفة المعاصرة، التي ليست إلا تحقيقا للتنبؤات، بلتوقعات وللتفكير الذاتي. ينصب هذا النقد أولاً على الفلسفة التأملية، ثم يعمم على فلسفة عصره في مجملها:
"المعرفة الفلسفية ما قبلية: فهي تبحث عن الفكرة الملائمة وتضمن الاستقلالية. وفي كل مساهمة جديدة، تتعرف على البنيات المألوفة وتحيي المعرفة القديمة. إنها أوديسا لا تكون فيها كل المغامرات سوى حوادث العودة إلى الوطن".
الرحيل من أجل العودة يعني إرادة إعادة اكتشاف عقلانية ما تم التفكير فيه سابقا من خلال منع العودة الجذرية إلى المعنى الأصلي (المعقول). في مواجهة تقليد معين في الفلسفة، يرفض ليفيناس إخضاع بحثه عن المعنى لأي شكل من أشكال التكييف المسبق الذي يمنعه من اكتشافه بحرية. إنه يريد تحرير التمشي الفلسفي من أي نقطة مرجعية سابقة ــ سلطة أو تشريع ــ من شأنها أن ترشده وبالتالي تلقي بظلالها على عفوية إيحاء دلالي قد يظهر خلال المسير. إن الجدة التي أتى بها، رغم كونها موضع شك نظرا للافتراض الذي تتمسك به فلسفته الخاصة، تتمثل في تقديم اتجاه خالٍ من أي قبلية مقاصدية أو متعالية أو حتى أنطولوجية، كدعم لهذا المسار. وهكذا لم ينصب نقده على مقاربة فلسفية معينة؛ مقاربة الفكرانيين الذين يشتغلون على ضوء المثل الأعلى للمعرفة بينما ينسون أن الحياة تسبق المعرفة، أو حتى مقاربة اللافكرانيين مثل هايدجر الذي يعترف بأن الوجود يسبق الفكر لكنه يستمر في اعتبار كل لحظة نختبرها في تجربتنا وسيلة للاحتفاء بالوجود الأساسي.
من خلال محاولته التأجيل الجذري، ناقش ليفيناس النموذج الثنائي للفلسفة المعاصرة بشكل عام والذي يتمثل في الذهاب نحو الغير (العالم، الآخر، اللانهائي) من أجل العودة إلى النفس (الكوجيتو، الذات، الوجود) وفق نهج وتطلعات لا تخلو من دوافع خفية. عدم القدرة على العمل إلا وفق ما تم التخطيط له، المضي قدما على أمل العودة لتأكيد التوقعات، الذهاب نحو المجهول - الغيرية بالمعنى الواسع - فقط من أجل تأكيد ما تم افتراضه قبلا، لا يتوافق مع مسعى مفتوح ولكن مع مجرد جيئة وذهاب.
(يتبع)
المرجع: https://www.cairn.info/revue-internationale-de-philosophie-2006-1-page-35.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسعى إلى إنشاء -منطقة ميتة- في جنوب لبنان


.. دعم واسع لكييف باتفاقية مع الاتحاد الأوروبي




.. سلاح الجو الإسرائيلي يجري تدريبات على مهاجمة أهداف بعيدة


.. خليل العناني: هذه أول مناظرة بين رئيس أمريكي حالي ورئيس سابق




.. ملفات داخلية وخارجية تواجه بايدن وترمب تعقد إقناع الناخب الأ