الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمتحانات الإشهادية بين الشواهد الورقية و الضحالة المعرفية

طارق الورضي

2024 / 6 / 4
التربية والتعليم والبحث العلمي


مضى وولى ذلك الزمن الذي كانت فيه شهادة الباكالوريا المغربية تحتل مكانة تسمو بحاملها إلى مراتب قيمة كان يحتفي بها المجتمع، و تنطبع دلالاتها بالتفوق و الامتياز في المخيال الاجتماعي المغربي، حيث ارتسمت لدى المجتمع انطباعات تؤكد أن شهادة الباكالوريا لا يتحصل عليها إلا كل من جد و اجتهد و سهر الليالي رغبة في التميز والتألق و التعالي.
على أن الزمن لم يعد هو الزمن، و صار الحصول على شهادة الباكالوريا لا يتطلب أي إخلاص في التحصيل و انقطاع إلى الدراسة و المراجعة و البحث، بقدر ما يتطلب قدرة التلميذ على المراوغة و حنكته في الغش و مهاراته المكتسبة في استعمال الوسائط الالكترونية وعلى رأسها الهاتف النقال. لقد كنا بالأمس نشهد مفارقة التلميذ الذكي مقابل الهاتف النقال، فصرنا اليوم نشهد العكس تماما، استعمال مهول للهواتف من طرف المترشحين في عملية الغش و اعتماد تام عليها، حتى صارت طقسا مقدسا عند التلاميذ و حقا مكتسبا لا يقبل النقاش أو المعارضة، و صار الأستاذ المكلف بالحراسة يعتبر عدوا لدى التلميذ، أو عقبة كؤودا في وجه النجاح يجب إزاحتها عن الطريق المعبد نحو الباكالوريا، فالعديد من الأساتذة يسجلون حالات متكررة من التهجم عليهم و استفزازهم داخل قاعات  الحراسة، أو رفع الدعوات و الابتهالات لهم من أجل دفعهم إلى التساهل مع عملية الغش الممنهج، و كل ذلك تحت طائلة أن الغش عنصر أصيل في المنظومة السياسية و الإجتماعية المغربية وأن الذين تحصلوا على أعلى المناصب في الدولة إنما بلغوا ذلك بسلاح الغش و المحسوبية و الزبونية، و بالتالي لا غضاضة من انتهاج نفس الأساليب الملتوية التي انتهجها من حققوا النجاح و نالوا المناصب و الامتيازات في دولة لا يكافؤ فيها المتميزون ، و تستنزف فيها الكفاءات الحقيقية لصالح الانتهازية و الوصولية.
عملية الغش صارت لدى التلميذ حقا مكتسبا لا يقبل النقاش أو المساومة، و أصبحت مسلما من مسلمات الواقع الدراسي المعيش داخل مؤسساتنا التربوية، و الأدهى من ذلك أن هذا الغش الممنهج يتم بإيعاز و دعم من بعض أولياء أمور التلاميذ، و قد شهدنا وقائع قيام بعض الآباء و الأمهات بتسليم أبنائهم أكثر من هاتف نقال، لاستخدامه احتياطا في حالة حصول التلميذ متلبسا في عملية الغش،و من أولياء الأمور كذلك من يقوم باستدراج أستاذ أو أستاذة مكلفين بمهمة المراقبة خلال الامتحانات الإشهادية و تقديم التوصيات لهم بغض الطرف عن هذا المترشح أو عن تلك المترشحة خلال القيام بمهمة المراقبة حتى يتمكنوا من استعمال الهواتف النقالة و استنساخ الأجوبة الجاهزة دون أدنى خجل و لا حتى إحساس بتأنيب الضمير.
بعض الأساتذة المكلفون بالمراقبة يحكمون ضمائرهم الحية و يحولون دون قيام المترشحين و المترشحات باستخدام الهواتف النقالة داخل قاعات الامتحان، مما يؤدي ببعضهم إلى الاصطدام باحتجاج و تطاول و تهكم بعض المترشحين، خصوصا من زمرة الأحرار، و قد يقدم بعض الاساتذة على تطبيق قوانين زجر الغش برفع تقرير باسم المترشح أو المترشحة إلى لجنة الكتابة لتبث فيما يمكن أخذه في حق هؤلاء من قرارات تأديبية و انضباطية. هناك نمط آخر من الاساتذة المكلفين بمهمة المراقبة لا يرى فيها غير عبء مضاف على أعباء رجال و نساء التعليم و محاولة لوضعهم في الصفوف الأولى أمام فوهة البركان، و أن مهمة المراقبة ليس من شأنها أن تكون جزءا من واجبات الأستاذ و الأستاذة، بل على الوزارة الوصية أن تتحمل مسؤوليتها فيمن تختارهم ليقوموا بمهمة الحراسة تلك، و قد يكونون عناصر تابعين لوزارة الداخلية أو أفراد من القوات المساعدة أو غيرهم، ناهيك عن أن بعض رجال التعليم يكلفون عنوة بمهمة المراقبة خارج إطارهم الأصلي مما ينافي و يناقض المرسوم الصادر في الجريدة الرسمية الذي يقر ابتداءا من تاريخ صدوره بعدم تكليف الأساتذة و الأستاذات بأي مهمة خارج إطارهم الأصلي.
أما الوزارة الوصية فهي تصم آذانها و تغلق أعينها عن ما  يكتنف المنظومة التربوية من أزمات، على اعتبار أن الوزارة تستسيغ و توثر منطق الوصاية و التعالي و  الاستفراد بحل مشاكل المنظومة بشكل أحادي بعيدا عن إشراك الأساتذة و الهيئات المدنية و النقابية و جموع الفاعلين التربويين في نقاش عمومي جاد يفضي إلى النهوض بالقطاع من وسط ركام الأزمات المتتالية.
فالمنهجيات البيداغوجية المعتمدة في صياغة بعض الامتحانات الإشهادية يجب إعادة النظر فيها، على أساس أنها لا تنمي حس المساءلة والنقد و التحليل و إعمال العقل في المادة التي يمتحن فيها المترشحون، بقدر ما تمنحهم فرصا مجانية للإجابة يسهل فيها الغش و المراوغة و استعمال الوسائط الاكترونية من أجل الحصول على الإجابة الصحيح دون تمحيص و لا تدقيق و لا مقارنة.
إن منظومتنا التربوية في حاجة ملحة إلى رجة حقيقية تضع النقط على الحروف، و تشكل قطيعة مع سنوات التساهل و الفشل و التذمر، لتقلع بقطاع التعليم إلى ركب مصاف الدول المتقدمة.









مضى وولى ذلك الزمن الذي كانت فيه شهادة الباكالوريا المغربية تحتل مكانة تسمو بحاملها إلى مراتب قيمة كان يحتفي بها المجتمع، و تنطبع دلالاتها بالتفوق و الامتياز في المخيال الاجتماعي المغربي، حيث ارتسمت لدى المجتمع انطباعات تؤكد أن شهادة الباكالوريا لا يتحصل عليها إلا كل من جد و اجتهد و سهر الليالي رغبة في التميز والتألق و التعالي.
على أن الزمن لم يعد هو الزمن، و صار الحصول على شهادة الباكالوريا لا يتطلب أي إخلاص في التحصيل و انقطاع إلى الدراسة و المراجعة و البحث، بقدر ما يتطلب قدرة التلميذ على المراوغة و حنكته في الغش و مهاراته المكتسبة في استعمال الوسائط الالكترونية وعلى رأسها الهاتف النقال. لقد كنا بالأمس نشهد مفارقة التلميذ الذكي مقابل الهاتف النقال، فصرنا اليوم نشهد العكس تماما، استعمال مهول للهواتف من طرف المترشحين في عملية الغش و اعتماد تام عليها، حتى صارت طقسا مقدسا عند التلاميذ و حقا مكتسبا لا يقبل النقاش أو المعارضة، و صار الأستاذ المكلف بالحراسة يعتبر عدوا لدى التلميذ، أو عقبة كؤودا في وجه النجاح يجب إزاحتها عن الطريق المعبد نحو الباكالوريا، فالعديد من الأساتذة يسجلون حالات متكررة من التهجم عليهم و استفزازهم داخل قاعات  الحراسة، أو رفع الدعوات و الابتهالات لهم من أجل دفعهم إلى التساهل مع عملية الغش الممنهج، و كل ذلك تحت طائلة أن الغش عنصر أصيل في المنظومة السياسية و الإجتماعية المغربية وأن الذين تحصلوا على أعلى المناصب في الدولة إنما بلغوا ذلك بسلاح الغش و المحسوبية و الزبونية، و بالتالي لا غضاضة من انتهاج نفس الأساليب الملتوية التي انتهجها من حققوا النجاح و نالوا المناصب و الامتيازات في دولة لا يكافؤ فيها المتميزون ، و تستنزف فيها الكفاءات الحقيقية لصالح الانتهازية و الوصولية.
عملية الغش صارت لدى التلميذ حقا مكتسبا لا يقبل النقاش أو المساومة، و أصبحت مسلما من مسلمات الواقع الدراسي المعيش داخل مؤسساتنا التربوية، و الأدهى من ذلك أن هذا الغش الممنهج يتم بإيعاز و دعم من بعض أولياء أمور التلاميذ، و قد شهدنا وقائع قيام بعض الآباء و الأمهات بتسليم أبنائهم أكثر من هاتف نقال، لاستخدامه احتياطا في حالة حصول التلميذ متلبسا في عملية الغش،و من أولياء الأمور كذلك من يقوم باستدراج أستاذ أو أستاذة مكلفين بمهمة المراقبة خلال الامتحانات الإشهادية و تقديم التوصيات لهم بغض الطرف عن هذا المترشح أو عن تلك المترشحة خلال القيام بمهمة المراقبة حتى يتمكنوا من استعمال الهواتف النقالة و استنساخ الأجوبة الجاهزة دون أدنى خجل و لا حتى إحساس بتأنيب الضمير.
بعض الأساتذة المكلفون بالمراقبة يحكمون ضمائرهم الحية و يحولون دون قيام المترشحين و المترشحات باستخدام الهواتف النقالة داخل قاعات الامتحان، مما يؤدي ببعضهم إلى الاصطدام باحتجاج و تطاول و تهكم بعض المترشحين، خصوصا من زمرة الأحرار، و قد يقدم بعض الاساتذة على تطبيق قوانين زجر الغش برفع تقرير باسم المترشح أو المترشحة إلى لجنة الكتابة لتبث فيما يمكن أخذه في حق هؤلاء من قرارات تأديبية و انضباطية. هناك نمط آخر من الاساتذة المكلفين بمهمة المراقبة لا يرى فيها غير عبء مضاف على أعباء رجال و نساء التعليم و محاولة لوضعهم في الصفوف الأولى أمام فوهة البركان، و أن مهمة المراقبة ليس من شأنها أن تكون جزءا من واجبات الأستاذ و الأستاذة، بل على الوزارة الوصية أن تتحمل مسؤوليتها فيمن تختارهم ليقوموا بمهمة الحراسة تلك، و قد يكونون عناصر تابعين لوزارة الداخلية أو أفراد من القوات المساعدة أو غيرهم، ناهيك عن أن بعض رجال التعليم يكلفون عنوة بمهمة المراقبة خارج إطارهم الأصلي مما ينافي و يناقض المرسوم الصادر في الجريدة الرسمية الذي يقر ابتداءا من تاريخ صدوره بعدم تكليف الأساتذة و الأستاذات بأي مهمة خارج إطارهم الأصلي.
أما الوزارة الوصية فهي تصم آذانها و تغلق أعينها عن ما  يكتنف المنظومة التربوية من أزمات، على اعتبار أن الوزارة تستسيغ و توثر منطق الوصاية و التعالي و  الاستفراد بحل مشاكل المنظومة بشكل أحادي بعيدا عن إشراك الأساتذة و الهيئات المدنية و النقابية و جموع الفاعلين التربويين في نقاش عمومي جاد يفضي إلى النهوض بالقطاع من وسط ركام الأزمات المتتالية.
فالمنهجيات البيداغوجية المعتمدة في صياغة بعض الامتحانات الإشهادية يجب إعادة النظر فيها، على أساس أنها لا تنمي حس المساءلة والنقد و التحليل و إعمال العقل في المادة التي يمتحن فيها المترشحون، بقدر ما تمنحهم فرصا مجانية للإجابة يسهل فيها الغش و المراوغة و استعمال الوسائط الاكترونية من أجل الحصول على الإجابة الصحيح دون تمحيص و لا تدقيق و لا مقارنة.
إن منظومتنا التربوية في حاجة ملحة إلى رجة حقيقية تضع النقط على الحروف، و تشكل قطيعة مع سنوات التساهل و الفشل و التذمر، لتقلع بقطاع التعليم إلى ركب مصاف الدول المتقدمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أب فلسطيني يفجع عند رؤية طفله شهيدا في مستشفى المعمداني


.. الشرطة السويدية تعنف متظاهرة في مسيرة داعمة لفلسطين




.. الحكومة الإيرانية: نرحب بأي مقترحات للسلام ومستعدون للعب دور


.. واشنطن تطالب بتعزيز المساعدات خلال 30 يوما في غزة




.. الغارات الإسرائيلية تعود لاستهداف ضاحية بيروت الجنوبية وتحدي