الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرحلةُ المقدسة … عيدًا مصريًّا

فاطمة ناعوت

2024 / 6 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في آخر يونيو من كل عامٍ، نتذكّر ثورةً خالدة أنقذت مصرَ من ويلات الاحتلال الإخواني البغيض، الذي لولا وعي شعبٍ عظيم، ولولا بسالة جيش قوي، ولولا ذكاء قائد جسور، لضاعت مصرُ من بين أيدينا. وفي أول يونيو من كل عام، نتذكّرُ يومًا مهيبًا من تاريخ مصر الثريّ، وقع قبل أكثر من ألفي عام، وصل فيه السيدُ المسيح طفلاً، مع أمه العذراء "مريم"، عليهما السلام، إلى أرضنا الطيبة؛ يحتميان بها من بطش "هيرودس" ملك فلسطين. وكأن شهر "يونيو" قد اِفتُتحَ بيوم خالد، واختُتم بيوم خالد، يؤكد كلاهما على عظمة مصرَ وفرادتها بين دول العالم.
فقط أرضُ مصرَ، من بين أراضي الله، اختارتها العائلةُ المقدسة ملجأً وسكنًا، فأحسنتْ أرضُنا الطيبةُ استقبالَ الوفدَ الكريم، وضمّت بين شغاف القلب طفلاً قدسيًّا، لتحميه من قاتل الأطفال. وكبر الطفلُ ليغدو رسولَ السلام "يجولُ يصنعُ خيرًا"، فطوّبه اللُه في كتابه العزيز: "وسلامٌ عليه يومَ وُلِد ويومَ يموتُ ويم يُبعثُ حيّا". كانت أرضُنا الطيبة لتلك العائلة “ربوةً ذات قرار ومعين". جالت فيها سيدةُ الفضيلة فتفجّرتْ تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت بكل بقعة وطئتها زهورُ البيلسان، فامتلأت أرضُنا بخصب لا يبور، وإن بارت بقاعُ الدنيا.
طافت العائلةُ المطوّبة من شرق مصرَ إلى غربها إلى جنوبها ثم عادت من حيث أتت. هجروا فلسطين ودخلوا مصرَ من باب "رفح"، ثم "العريش". ومن "سيناء" الشريفة، دخلوا "تل بسطا" بالزقازيق. وظمأ الطفلُ ولم ينجدهم أحدٌ بشربة ماء، ولما بكت الأمُّ الصغيرةُ، تفجّرت بئر ماء تحت جذع شجرة؛ وارتووا. واستأنفوا الرحلة إلى "مسطرد" ثم "بلبيس" ثم شمالا نحو "سمنّود" ثم غربًا نحو "البُرّلس" ثم "سخا"، ثم "وادي النطرون". بعدها دخلوا منطقة "المطرية" و"عين شمس". ثم ارتحلوا إلى "الفسطاط"/بابليون، بمصر القديمة واختبئوا في مغارة محلّها الآن كنيسة "أبو سرجة" الأثرية. بعدئذ دخلوا "المعادي"، ثم سافروا جنوبًا نحو صعيد مصر ومكثوا برهة في قرية "البهنسا". ومن بعدها ارتحلت العائلة المقدسة جنوبًا نحو "سمالوط" ومنها عبرت النيل شرقًا حيث "جبل الطير". ثم عبروا من جديد من شرق النيل إلى غربه حيث بلدة "الأشمونيين" التي شهدت معجزات عديدة للسيد المسيح. ثم ساروا جنوبًا نحو "ديروط" ثم "القوصية" ثم غربًا حيث قرية "مير". إلى أن دخلت العائلةُ المطوّبة منطقة "دير المحرّق"، وهي أهم محطّات الرحلة المقدسة، حيث استقرّت بها الأسرةُ قرابة نصف العام، وتٌعدُّ تلك أقدم كنيسة في التاريخ لأنها شهدت طفولة المسيح عليه السلام. بعدها كانت محطتّهم الأخيرة بمغارة في "جبل درنكة" بأسيوط، لتبدأ بعدها رحلة العودة إلى أرض فلسطين.
طوال تلك الرحلة الشاقة، كانت أرضُنا تذوبُ رحمةً تحت قدمي الفتاة التي اصطفاها الُله لتحملَ في خِصرها الرسولَ المُطّوب؛ فكان وأمُّه آيةً. تفجرت عيونُ الماء في الصحراء القواحل، ونبتت زهورٌ بين طيّات الصخور، وتساقط فوق كتفي البتول، من جافّ النخيل، رطبٌ شهيٌّ يسُرُّ الناظرين. لهذا بارك الكتابُ المقدس أرضَنا الكريمة التي استقبلت المُصطفاةَ، وبارك ابنُها شعبَنا الطيبَ قائلا: “مباركٌ شعبي مصر".
ربما ذلك العهدُ القدسي الذي سطرته مصرُ في قلبها للمسيح وأمه، ودوّنه التاريخ في كتابه، هو سبب تلك العروة الوثقى التي تربط الأقباطَ المسيحيين بمصر، التي سمّاها أجدادُنا الفراعنة: "ها كا بتاح"، أي "منزل روح بتاح"، وتحوّرت إلى: “ كَبَت”، (قَبَط)، ثم "إيخبت" ثم "إيجبت" Egypt.
أُكررُ مناشدتي للدولة المصرية بأن تجعل (أول يونيو) عيدًا قوميًّا رسميًّا وشعبيًّا، يحتفل فيه المصريون كافة، بذلك الحدث الاستثنائي. فنحتفل أول يوينو بعيد، ونختتم يونيو بعيد ثورتنا الخالدة ٣٠ يونيو. وأتمنى أن تكمل وزارة السياحة مشروعها الوطني المهم في تشدين رحلات سياحية لمحطّات تلك الرحلة. فيكون لها مردٌّ هائل على إنعاش السياحة، والأهم، إنعاش المعرفة التاريخية عن مصر العريقة في عقول النشء الجديد.
ـــ
ومن نُثارِ خواطري:
***
(دمعُ العذراء)

شُقّي عند الصدرِ
وقُصّي الأوتارَ
ليتحررَ قلبٌ مسكونٌ بالخوفْ
لُفّيه لسبعِ ليالٍ
في مِنديلٍ مغسولٍٍ بدموعِ العذراءْ
رشّي بعضَ العطرِ
وضميهِ إلى صدرِكِ
علَّ القلبَ الخائفُ يتدفأُ
والجُرحَ ينامْ.




***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية