الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (2)

جعفر المظفر

2024 / 6 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن عملية النشوء (البعثة النبوية) ومن ثم الإرتقاء (تشكيل الأمة) كانت لها ظروفٌ محيطة ساعدت كلها على صيرورة الكيان القومي السياسي برفقة الكيان الديني الإسلامي, ولقد ظل الإثنان متلازمين إلى حد كبير, وكان في مقدمة العوامل التي صنعت تلك الصيرورة وجود نبي مع رسالة سماوية ومعهما شخصيات تاريخية من الصعب تكرارها, وسيصير من الصعب توقع عودة الأمة كمثل ما كانت عليه لاستحالة تكرار العوامل والظروف المؤسسة. وإن من الحق التمني لكن على شرط أن تكون الأمنية ناشئة من الواقع لغرض الإرتقاء به مسترشدة بالتاريخ وليس من خلال إسقاط لتاريخ على الواقع المختلف قطعياً عما كانت عليه المقدمات التي صنعت ذلك التاريخ.
وحينما انتقلت الراية الدينوقومية من العرب إلى العثمانيين والصفويين وذهب العرب إلى حالة من التشتت والتمزق فإنه ما عاد ممكناً الجمع ما بين الإسلامي السياسي مع الوطني أو القومي كما هي الحالة إيرانياً وتركياً. لقد ظل هذان البلدان يمتلكان كيانهما الجيوسياسي الموحد عكس العرب الذين صاروا في الوقت الحالي أوطاناً مستقلة يعمل فيها الإسلام السياسي العربي تحت شعار أن وطن المسلم هو دينه ضارباً بعرض الحائط كل الظروف والشروط والقوانين التي صنعت عالم هذا اليوم.
ولعل هذا من ناحية المبدأ هو الذي واجهته حركة الإخوان المسلمين في مصر في عام تمكنها من النظام هناك. فلقد إنكشف سريعاً غياب قرار الحركة الوطني المستقل بغياب صلتهم مع تاريخ قومي أو وطني مصري يتكئون عليه ويلتزم به فكرهم السياسي. ولقد غابت صلة هذا الأخير السيادية وزادت فرص تبعيته حتى لدولة صغيرة مثل قطر بفعل وجود فقيهَهُم السياسي القطري المصري الشيخ القرضاوي وإلتزامهم بشعار (إن وطن المسلم هو دينه).
لقد مارس الإخوان المسلمون في عامهم القصير ذاك ممارسات متقاطعة مع مصلحة الدولة الوطنية المصرية العميقة من خلال علاقتهم بحماس مثلاً واقتراباتهم التركية الخارجة على الدور القومي المعروف لمصر.
إن هذه التقاطعات لم تكن تأسست حينها بفعل من ضغط اللحظة السياسية الفاعلة, وإنما كانت تأسست على فقه إسلامي أممي يجعل التركي المسلم أقرب إلى مرسي العياط من القبطي المصري, ثم دخلت الدولة الصغيرة (قطر) في ساحة التأثير الواضح بفعل وجود شيخ الإخوان المسلمين فيها, ألا وهو القرضاوي, الذي كانت تنحني له جباه قادة السلطة في مصر من الإخوان, فمسخوا بالتالي ما تعنيه كلمة مصر سواء في تاريخها الفرعوني العميق أو على مدار تاريخها في العصور التي تلت, وجعلوا أبا الهول يكاد أن يخر ساجداً لشيخ قبيلة قطرية صغيرة.
وقصة الإخوان في تونس على قصرها كشفت أيضاً عن ميول للتبعية في الإتجاه نفسه الأمر الذي أدى إلى تصاعد حركة المعارضة ضد سلطتهم ثم ضياعها منهم سريعاً.
إن المَثَلين, المصري والتونسي, كشفا بسرعة عن انطواء عقيدة الإخوان المسلمين على خلل بنيوي سرعان ما تظهر تأثيراته السلبية وتداعياته المؤذية حال وجود الإخوان في السلطة.
مع كل ما تقدم فإن أنموذج دولة الخلافة التي حاولت داعش أن تبنيها, وبغض النظر هنا عن الإتهامات التي طالتها لاعتبارها حالة ذات منشأ مخابراتي تابع لإسرائيل أو أمريكا, أو لإيران أو تركيا تارة أخرى, إلا أنها مع ذلك كانت محاولة سياسية وفقهية لبناء دولة إسلامية من خارج النَص التاريخي العثماني أو الفارسي, وهي بالتالي كانت محاولة لملء الفراغ السياسي بين أمة ناشئة وبين غياب صلتها التاريخية بدولة قومية عريقة, وهي على فرض امتلاكها لمقومات القرار السيادي السياسي المستقل عن الأمتين, العثمانية ذات الفقه السني الحنفي, والفارسية ذات الفقه الإثني عشري الإمامي, إلا أنها خلاف تلكما التجربتين لم تكن تمتلك علاقة ايجابية حقيقية مع عمقها الإجتماعي لكونها إخوانية وهابية متناقضة وحتى متقاتلة مع أنصار المذاهب الأربعة, لذلك رأيناها وهي تذهب للقتال مباشرة, ليس ضد الشيعة الذين تكفرهم وتفتي بجواز قتلهم, وإنما أيضا ضد السنة الذين تتناقض مذاهبهم الفقهية مع المدرسة الوهابية الحنبلوتيمية.
وبالتأكيد فأنا أتحدث هنا عن غياب الصلة مع تاريخ قومي أو وطني لبلد الإسلام السياسي, أي غياب الصفة (القوموطنية) التي من شأنها أن تؤسس لحالة السيادة الوطنية للحركة, أي أن حديثنا هنا ينصب حول قدرة الحركة على بناء واحترام البنية التحتية للسيادة الوطنية التي تفترض مسبقاً وجود انتماء هُويّاتي لها.
إن غياب هذه الصلة بين الإسلام السياسي العربي بشقيه السني (الأخوان المسلمون كإنموذج) والشيعي (الدعوة .. على سبيل المثال) يُفقد هذه الحركات القدرة على بناء بنية تحتية للإستقلال الوطني ويجعلهما عرضة للإستقواء والتبعية لدول مجاورة (تركيا وإيران) الّلتيْن تمتلكان هذه الخاصّة.
بكل تأكيد، إن غياب الولاء الوطني والإنتماء التاريخي يعرضان الحركة لخطر الولاء لتجربة مجاورة ويفقدانها في الوقت نفسه صفة الإخلاص لبلد المنشأ, حيث يرافق ذلك تأخر عمليات البناء الوطني أو حتى الرغبة في عدم تحقيق هذا البناء وحتى تهديمه.
ويبقى أن ما همني هنا هو عمل مقارنة نسبية بين التجارب الثلاث, الإيرانية والتركية والعربية, وعلاقة بعضها ببعض من ناحية الولاءات والتبعيات, وأيضاً محاولة العثور على الأسباب الحقيقية للفساد الأخلاقي والإداري الذي يصاحب التجارب العربية تحديداً.
وفي كل الأحوال فإن ذلك لا يعني غياب ظواهر الفساد المصاحب لأنظمة الإسلام السياسي في كل من تركيا وإيران, لكن من الضروري التمييز بين أنظمة فيها فساد, أي أن الفساد هنا هو ظاهرة مرافقة, وبين أنظمة كلها فساد, أي أن الفساد فيها بنيوي ولا سبيل للتخلص منه سوى بالتخلص من النظام الذي أنشأه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية