الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الرجل الملثم

رياض سعد

2024 / 6 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اللثام لا يقصد منه تغطية الوجه فحسب ؛ بل تغطية أمر اخر معه , وقد يكون ذلك الامر سرا او جريمة او خيانة او غدرا او تضليلا … الخ ؛ وقد اقترنت بأصحاب اللثام ذكريات أليمة لا تمحى من ذاكرة الامة والاغلبية العراقية , فقد كان فدائيو صدام ملثمين بملابسهم السوداء ومظهرهم المرعب ، وتاريخهم الطويل مع الاجرام والارهاب ؛ فهم وليد لقيط للأجهزة القمعية البعثية الصدامية السابقة , ومن الواضح ان الحكومة التي يتلثم رجالها وعناصرها الامنية هي حكومة غارقة في الاجرام والارهاب وجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الانسان ومخالفة الاعراف والقوانين , وان ادعت غير ذلك … ؛ لذا نلاحظ ان ظاهرة الرجل الملثم او اصحاب اللثام لاسيما جلاوزة الامن و زبانية التعذيب وعملاء المخابرات لم تفارق الحكومات الطائفية الهجينة و العنصرية الدموية قط (1920- 2003 ) .
فالرجل الملثم شخص مجهول الهوية والاصل , ولا تعرف حقيقته الشخصية , لاختباه خلف اللثام , وما من انسان طبيعي الا ويحب ان يعرف , وان يفتخر بحسبه ونسبه او شكله وخلقه او شخصيته وشجاعته واقدامه ؛ الا ذلك الرجل الذي يختبئ خلف قطعة من القماش الاسود , فهو ذو شخصية ضعيفة بل أوهى من بيت العنكبوت وان ادعى القوة والجرأة والشجاعة .
منذ القدم والجريمة مقترنة بصاحب اللثام , فكان السارق لا يسرق الا وهو ملثم , وكذلك قاطع الطريق والغادر , فضلا عن الجلاد والسياف الذي يقطع رؤوس العباد , فعندما ترى الرجل الملثم يتبادر الى ذهنك فورا شخصية القاتل والجلاد والسارق والغدار والجاسوس والمخرب … الخ .

وعندما ترجع بذاكرتك الى الوراء وتراجع اخبار الصحف و وسائل الاعلام الاخرى , تلاحظ ان المجرم الملثم قد اغتصب امرأة هنا او ارتكب جريمة قتل هناك , او ان عناصر التنظيمات الارهابية والفصائل المسلحة كلهم من اصحاب اللثام , وكل الجرائم والمجازر لا يقترفونها وكل العمليات الارهابية لا ينفذوها الا وهم ملثمون كالغربان السود التي حيثما تحل يحل الدمار والخراب معها … ؛ لذلك منعت الحكومات الرشيدة والوطنية ارتداء اللثام على العسكريين والمدنيين كافة ومن دون استثناء ؛ نعم هنالك استثناءات محدودة ومعروفة غايتها ومعلومة عناصرها وتأتمر بأمر الحكومة فحسب وقد انشئت لإرهاب وتخويف الاعداء وبث الرعب في قلوبهم .

ومن عجائب وغرائب الحكومات الدكتاتورية الغاشمة والانظمة القمعية البوليسية ؛ ان عناصرها ومرتزقتها وجلاديها يرتدون اللثام ؛ بينما المعارضة والمواطنين العزل والمناضلين والمجاهدين الوطنيين يخوضون غمار التحديات والثورات والانتفاضات والمواجهات المسلحة مع هذه الحكومات والاجهزة القمعية وصدورهم عارية و وجوههم مكشوفة , كما حدث في الانتفاضة العراقية الخالدة عام 1991 والانتفاضة الصدرية عام 1999 وغيرهما ؛ وهذا الشيء ان دل على شيء فإنما يدل على خوف ورعب وضعف شخصية الملثمين ؛ فمهما طغت وتفرعنت تلك الحكومات والانظمة والجماعات والتنظيمات والحركات الدموية تبقى اضعف من ارادة الشعوب , واجبن من مواجهة الجماهير الثائرة وجه لوجه ومن دون قناع او دعم خارجي مشبوه .

الا ان هنالك ضغوط خارجية وداخلية واوضاع مضطربة قد تجبر بعض الحكومات الوطنية عندما تمر الدول بتحولات سياسية ومنعطفات اجتماعية وامنية خطيرة , وفوضى عارمة تضرب البلاد بطولها وعرضها , الى تأسيس اجهزة امنية خاصة ترتدي اللثام لمواجهة الفصائل المسلحة المنفلتة والعصابات المنتشرة في كل مكان من ارض الوطن وعملاء الخارج المرتبطين بأجهزة المخابرات المعادية , وذلك لحماية عناصرها ورجالاتها من الاغتيال او تهديد عوائلهم ؛ اذ ان كشف هوية من يعمل في ضبط هؤلاء المجرمين قد يعرض حياته وأهله وخاصته للخطر، وعليه يعتبر اللثام ضرورة امنية تقدر بقدرها وحسب الحاجة الوطنية والحالة السياسية , ولزرع الخوف في نفوس الخارجين عن القانون … ؛ واحيانا يلجأ المتظاهرون في بعض الدول التي تسيطر عليها انظمة دكتاتورية وقمعية الى ارتداء اللثام , اذ يقوم هؤلاء بإخفاء وجوههم اثناء خروجهم في المظاهرات ومشاركتهم في الاحتجاجات ؛ لكي لا تتعرف عناصر الامن وجلاوزة الاجهزة القمعية التابعة للنظام على شخصياتهم , وهذه الحالات تعتبر حالات استثنائية , وعليه عموم الناس والمواطنين يرعبهم تواجد اصحاب اللثام بينهم او في مناطقهم ومدنهم عندما يعم الامن والاستقرار او حتى في حالات الاضطراب التي يزيدها وجود الرجل الملثم سوءا وارهابا واجراما واضطرابا , لذلك تعرض الملثمون الى حملات انتقاد لاذعة من قبل الجماهير والمواطنين في اغلب الاحيان والمناطق , بل ان بعض الناشطين في سوريا وغيرها شنوا حملات اعلامية قوية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة ومنها حملة : (( لماذا انت ملثم )) و (( انزعوا اللثام )) و(( لا للثام )) و (( لثامكم يخيف أطفالنا ))ورفع البعض شعار : (( الملثم شخص أضمر شرًا فأراد أن يخفيه )) ولان اغلب حوادث الاغتيالات فضلا عن جرائم التخريب والعمليات الارهابية قام بها اشخاص ملثمون ؛ طالب الناس بضرورة تجريم من يرتدي اللثام , وكتب الناس في تلك المناطق المنكوبة عبارات شجب واستنكار لهذه الظاهرة على الجدران وفي كل مكان ومنها : (( انزع لثامك لنرى طلتك البهية *** لا يخفي وجهه من يدافع عن قضية !! )) و بالرغم من الدعوات المتكررة لناشطين ومدنيين، والحملات الشعبية لمحاربة ظاهرة اللثام، لم تلق تلك الدعوات استجابة، ما طرح تساؤلات حول كيفية محاربة الظاهرة ؟! .

مر عليكم ان الناس تنظر الى الرجل الملثم نظرة شك وريبة , وكأن النقاب الاسود واللثام سدا منيعا يفصل بين المواطنين واصحاب اللثام , بالإضافة الى ان الرجل الملثم عندما يغطي وجهه كاملًا ، لا يرى الدنيا بصورتها وألوانها الحقيقية، و يتخذ موقفا متعصبا من الناس ويتعامل معهم كالروبوت تعاملا جافا خاليا من المشاعر الانسانية او الرحمة او الشفقة ؛ فالبعض عندما يرتكب الجرائم او ينتهك حقوق الانسان لا يستطيع الكشف عن وجهه ؛ فهم مجرمون ملثمون وقتلة من دون ملامح … ؛ مخافة من ردة الفعل او من سطوة القانون او الثأر او للتظليل والتدليس … ؛ ومن هنا تعرف سر اخفاء جلاوزة صدام ومجرمي البعث وذباحي التنظيمات الطائفية والتكفيرية لأسمائهم والقابهم الحقيقية و وجوههم او عندما يقوموا بتغطية عيون المعتقل او الضحية بقطعة من القماش اثناء تعذيبه وقتله ؛ فقد كانوا يضعون اللثام لأنهم يدركون تمام الإدراك أن ما يقومون به هو خارج القانون والشرف والانسانية والشجاعة .

وكل المناطق التي سقطت بيد التنظيمات الارهابية والفصائل المسلحة الاجرامية والعصابات والحركات المرتبطة بالسفارات والمخابرات الخارجية ؛ او تلك التي انتشرت فيها الفصائل المسلحة والحركات السياسية , ارتدى عناصرها اللثام , اذ أصبح اللثام جزءًا أساسيًا من وجودهم إلى جانب السلاح والجعبة ، و لم يكن اللثام جديدًا بالنسبة لهم ؛ لكن الأمر الذي تغير هو طريقة استخدامه، ففي بادئ الأمر ارتبط بـ “التمويه” وخص العمليات العسكرية فقط ، أما اليوم فتحول إلى وسيلة للتخفي في أثناء تنفيذ الجرائم، سواء القتل أو السرقة او التخريب دون كشف الهوية... ؛ لذا لاحظ العراقيون ان اغلب جرائم الاغتيال والقتل والسرقة والتخريب ؛ قام بها الملثمون , والذين اعتمدوا بعملياتهم أيضًا على سيارات دون لوحات تظهر رقمها، إذ إنه ورغم معرفة لون السيارة ونوعها، يصعب تحديدها من بين السيارات والآليات المنتشرة في عموم العراق … ؛و الذي يتابع سلوك هذه التنظيمات يلاحظ اعتمادها على إخفاء شخصياتها الحقيقية، لأنها ارتكبت ولا تزال جرائم بحق ابناء الاغلبية والامة العراقية وغيرهم احيانا، وبالتالي اللثام كان بمثابة الحصن للمجرم، وكلما حاولت الاجهزة الامنية تتبع الجرائم والمجرمين تصل الى طريق مسدود وتسجل القضية ضد مجهول لأن الشخصيات التي قامت بالجرم غير معروفة، وبالتالي يسهل على التنظيمات والحركات والعصابات التنصل من الجريمة ؛ لذا يعتبر الهدف الرئيسي من وراء وضع اللثام , تسجيل الجرائم ضد مجهول ؛ وذلك لخلط الاوراق وتزوير الوقائع والاحداث وقلب الامور رأسا على عقب ؛ فضلا عن افلات المجرمين الملثمين من يد العدالة والقانون والعقوبة …؛ وقد حرصت بعض الجهات المشبوهة على ديمومة ظاهرة اصحاب اللثام بل واعطاء شرعية لبعض المجموعات التخريبية والإجرامية الملثمة للقيام بعمليات غادرة ضد أهداف وطنية وانسانية … ؛ بل وصل الامر بالملثمين الى الانتشار في كل مكان والتجوال بحريتهم من دون حسيب ولا رقيب .

وقد حرص المسؤولون الحكوميون والرجال الوطنيون والاحرار والشجعان واصحاب المشاريع والدعوات الوطنية والانسانية والسياسية عن الابتعاد عن التشبه بالحركات الارهابية والعصابات الاجرامية , اذ لم ينهجوا نهج أولئك في لبس اللثام والتخفي خلف قطع القماش الاسود ,فهم أشخاص كشفوا عن وجوههم وأسمائهم الصريحة والحقيقية وهذا أدى إلى دعم مصداقيتهم او احترامهم امام شعوبهم وجماعاتهم وقومياتهم ؛ وهذا يدل على ان انتشار ظاهرة الرجل المثلم في مجتمع ما ؛ تعني الاضطرابات والصراعات والفوضى وانعدام الامن او المخاطر المحدقة بالحكومة والوطن والمواطن ؛ واختفائها يدل على سيادة القانون وشيوع الامن والامان والاستقرار … ؛ وكأنها معادلة تلازمية ؛ فأينما وجد اللثام والملثمين سواء كانوا عسكريين ام مدنيين ؛ دلت هذه الظاهرة على ضعف وخلل ما , فوضع اللثام يعبر عن حالة غاية في الحساسية لأنها تعبر عن فقر الثقة وربما إدمان الخوف من التداعيات كما إنها تكرس لعادات جديدة في تجنب المواجهة وربما يشير ذلك إلى الكثير من المدلولات , فأن كان الملثمون خارج دائرة الحكومة فهم اما مجرمون او مخربون او عملاء او مرتزقة او معارضون سياسيون او مواطنون خائفون … الخ ؛ وان كانوا ضمن دوائر الحكومة الامنية ؛ فهم اما جلادون او اداة ارهابية بيد الدكتاتور او الظالم , او ان الاوضاع العامة في البلاد ليست مستقرة وعلى ما يرام ؛ باختصار : ان ارتداءك للثام اثناء قيامك بعمل او امر ما يدل على انك غير فخور به وتستحي او تخاف من سمعته ؛ فكن شجاعا وافعل ما تؤمن به في وضح النهار , ولا تكن كخفافيش الظلام لا تعيش الا في الكهوف الاسنة والمظلمة ولا تحلق الا في الظلام الدامس … الخ .

وحتى لا يتحول هذا اللباس إلى وسيلة تنكرية للمجرمين ومدخلا لفكر ظلامي وسلوكا يوميا شاذا ؛ ولكي يعزل اصحاب اللثام عن المجتمع , وتسحب منهم الشرعية , و للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة لابد من تشريع قانون يمنع ارتداء اللثام في الاماكن العامة و تجريم مرتدي اللثام، اذ لا يمكن محاربة الظاهرة إن لم تكن هناك حملات تجريم حقيقية ومساءلة ومحاسبة قانونية ؛ والكل يعرف أن منع ارتداء اللثام يسهم بشكل كبير في الحد من الجرائم والاغتيالات والانتهاكات ؛ فظاهرة الرجل الملثم بكل تشكلاتها وتمظهراتها ؛ تثير الهلع والرعب والخوف في نفوس المواطنين ؛ حتى عناصر الاجهزة الامنية مشمولون بهذه النظرة السلبية , فالناس تنظر الى الاجهزة الامنية كقدوة حسنة , ومختلفة تمام الاختلاف عن المليشيات والعصابات والمجاميع المسلحة , بل البعض يعتقدها الملاذ الامن والحصن الاخير للمواطن ؛ فاذا شاهد المواطنون رجال الامن والقانون وهم ملثمون , واغلب سياراتهم بدون لوحات تعريفية , ولا توجد على بدلاتهم العسكرية ارقام تسلسلية بحيث اذا اساء رجل الامن الملثم للمواطن ؛ استطاع المواطن رفع دعوى ضده من خلال رقمه التعريفي خاف الناس منهم وساورهم الهلع والقلق والاضطراب , ومن الواضح ان مهمة قوات الامن نشر الامن والامان بين المواطنين واشعارهم بالطمأنينة والسكون والهدوء وليست ارعابهم وتخويفهم , لان المواطن ليس عدوا للحكومة , نعم هنالك الكثير من رجال الامن لا يحترمون حقوق الانسان وينتهكون القوانين ويخالفون قوانين السير والمرور , ويتعاطون الرشوة , ويظلمون الناس , ويميلون لاستخدام العنف معهم , فاللثام منظر مليشياوي بائس متخلف لا يليق بالقوات الامنية الا للحالات الاستثنائية التي ذكرناه انفا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب حرب غزة.. متظاهرون في كندا يطالبون بفرض عقوبات على إسرا


.. الموت يغيب الأسطورة الهولندية يوهان نيسكينز عن ثلاثة وسبعين




.. -صرنا ميتين-.. فلسطينية من غزة: نعيش في رعب وحياة أطفالنا مد


.. خط طويل من المركبات على طريق رئيسي في فلوريدا.. بعد أوامر إخ




.. ألسنة اللهب تشتعل في المخبز الوحيد بمخيم جباليا بعد قصفه