الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نرسيس وغولدمند 2020:غولدمند الذي ظل طوال حياته أسيرا لصورته الذاتية

بلال سمير الصدّر

2024 / 6 / 7
الادب والفن


إخراج:Stefen Ruzowitzky
عن رواية هيرمان هسة الشهيرة
مقدمة عن رواية هيرمان هسة نرسيس وغولدمند:
نرسيس يعتقد بالرهبنة المسيحية،بينما غولدمند في مقابله مٌشّكل من قبل هيرمان هسة على المعتقدات الطاوية،وكانت الرواية توحي أن غولدمند يسير في هذا المعتقد تلقائيا دون شعور أو احساس أو خاطر مؤسس مسبق،ولكن،ولأن هناك يد تحيك المطلوب منه-وهي يد هيرمان هسة بالطبع-فالتلقائية لايمكن ان تكون سوى محض رواية مبنية بالاساس على قصدية معينة.
اقتباس:يعتقد الطاوي بأن الوصول الى الله يبدأ من الاسفل،أي من الأرض والحياة والمكابدة،وانه لايمكن الوصول اليه إلا من خلال امتحان الجسد وانهاكه،والانغماس التام في السفر والملذات والتعرف الى الشعوب ومعاينة مصائرها،اي الاندماج من جديد مع الطبيعة بوصفها أما....
التعقيب للناقد:الطاوية تهدف الى تحقيق التناغم التام مع الجسد ومع الذات،لأن الانسان هو جزء من الطبيعة:
أي تحقيق التناغم بين فكرة الخير في الانسان وما يدل عليها
وفكرة الشر وما يدل عليها
المقدمة تقول ان الشر هو طبيعة في الانسان،فيجب التوافق مع هذه الرغبة بوصفها مكون طبيعي أصيل في الانسان،أي أنها ضرورة.
فاللذة حاجة وضرورة،وما وجود الانسان في ذاته ولذاته سوى لتعظيم مبدأ اللذة-حسب فرويد طبعا-والتوافق يعني الحقيقة،لأن الحياة قائمة على المثنوي،وأفضل تحقيق فكرة الله في الانسان بدلا من كبتها.
كان غولدمند عشيقا لكل النساء،ولكنه رفض من قبل المرأة عندما صار عجوزا،وهذا يدل على ان قبوله كان يدل على فكرة الخير التلقائية المتمثلة بالحب،ولكن،في كل خير هناك نقطة غامضة من الشر قد لاتكون واضحة ولكنها ستفهم لاحقا وقريبا...والعكس صحيح
كانت فكرة خروج غولدمند من الدير وملاحقة الرغبات التلقائية للجسد كانت في ظاهرها شرا كبيرا،لكن هناك نقطة غامضة من الخير ستظهر قريبا،بل قريبا جدا...جدا
والخلاصة،وحدة الوجود تعني أن هناك اتحاد بين الخالق والمخلوق من جهة معينة،وبطريقة معينة عصية على الفهم والادراك بالطرق المألوفة حتى انه لايمكن الاحساس بها،والمخلوق الطبيعي عليه ان يعايش كل الطبائع سواء الخيرة أو الشريرة،والحل لن يكون بطمس واحدة على حساب الأخرى،فهناك اصلا تناغم في الطبيعة يدعى بالتوازن،وعلى الانسان ان يحقق التناغم بين الجانب الشرير أو الذي ينظر اليه على انه شرير،والجانب الخير.
وعند تحقيق هذا التوازن والتناغم الموسيقي،سيحقق الانسان السلام الداخلي ولن يعد ينظر الى الجانب الشرير على انه شرير لأنه سيحقق التوازن على شاكلة الطبيعة الأم.
على الانسان أن يتذكر دائما الوحدة،فهو متوحد مع الطبيعة في جزئيتها البشرية،فكل انسان هو تماثل كامل مع الآخر،حتى لو أخفت ذلك سطحية المظاهر...الكل متصل مع الله والكل سيصل الى الله مهما اختلفت الطريقة.
التناغم هو الشكل الايجابي التام للحياة،بينما الطمس هو الشكل السلبي غير الممكن تحقيقه.
فالقديس:حقق التوازن والتناغم
والمتشرد الرحال حقق التوازن والتناغم ولكن...الكل حسب طريقته ومن هنا يبدأ العرض
ومن هنا يبدأ العرض ويبدأ التحليل الضيق للفيلم في مقارنة دقيقة بينه وبين الرواية....
نرسيس شاب مستقيم جدا في مأواه الكنسي....وحدها العزلة تتيح لي التفكير في خلوة مع الرب
بينما غولدمند،انه هنا للتكفير عن عار أمه الذي جلبته علينا...أريد ان اصبح قسا بأسرع وقت كي أصلي لأمي لأن الرب يكرهها...كانت بغيا
غولدمند ونرسيس أصدقاء والعلة الرئيسية في الرواية ان تطرح الصداقة بين العالمين،بحيث تبدأ المغامرة الدنيوية لغولدمند والتي هي في اعماقها دينية تماما،كشكل مخالف ومقابل للتجربة الدينية العظيمة،ولكنهما في الاساس متوافقان الى درجة الوحدة...
التجربة التي يتحدث عنها هيرمان هسة مختلفة عن التجربة الصوفية التقليدية ومنها الاسلامية ايضا،فالتقشف عنصر مهم للزاهد الصوفي،ولكن هرمان هسة يتحدث عن تجربة صوفية أخرى،لأن التطهر لايكون بالانعزال،بل بالخطيئة التي ستكسب الانسان المعرفة بالواقع،للتناغم معه،والتوافق مع هذا التناغم تنتصر التجربة وليس مع اي شيء آخر...ليس بأي شيء آخر
ينطلق غولمند في رحلة دنيوية عنوانها الرئيسي سيكون النساء والتي ستطلق كل دوافع الجسد مع اختصار كبير جدا من الفيلم،الذي كان يسلط الضوء على الكثير من الشخصيات من خلال التلميح والاقتضاب مكتفيا في احيان كثيرة بالتلميح ليس إلا...
هذا الاختصار لم يكن ناجحا،ولم يكن في مكانه أبدا،فليس من الصعب تحويل هذه الرواية بالذات الى فيلم،ولكن الفيلم فشل تماما في التعبير عن روح الرواية.
لكن...هناك شيء ملفت للنظر...سيقع غولدمند في غرام التصوير...النحت والمثال
يبحث عن نيكولاس:لقد رأيت التمثال الذي اقمته لمريم العذراء في الكاتدرائية،اود أن اتعلم منك كيف انفخ الروح في قطعة خشب.
أنني أبحث عن أمي،أنها تسكن وجداني،لكنني لا أذكر سوى شعور،وان تمكنت من تصوير ذلك الشعور فستتجلى صورتها لي...
يقول أحدهم:يالك من أحمق كبير...أتريد نحت شعور...؟!
يقول نيكولاس:هو مشغول بمصارعة شياطينه
غولدمند،الشخص المشحون بالموهبة الدفينه وبالكثير جدا من الغواية يحاول ان يقدم التجلي،الوصول لتجليه الذاتي عن امه وهو لايدرك أن حياته بالكامل عبارة عن تجلي،وان ما يراه ليس في الحقيقة سوى تجلي...ان الانسان محكوم بالوحدة مع الطبيعة الأم،وهو أكثر من عنصر،لأن العنصر يفقد اهميته في حال عدم اهميته،أنه الذات،انه الحياة، انه الذات المدركة التي تتصل مع المحيط بالوحدة،المحيط المتصل بالاله على مايجب ان يكون...الوحدة تعني الارتباط بين كل المكونات...كل المكونات
الوجود يشي بالخالق،يقول عنه كل شيء،ولولا المُحدث ما كان الموجود،ومن ناحية معنوية من الممكن ان يكون الموجود تجليا للواجد مرتبطا به بكثافة على انه اساس الوجود...لا يمكن للموجود ان يكون موجود دون واجد،ولا يمكن للموجود أن يتحرك دون قدرة الواجد،فالحركة هي تعبير عن وجود الواجد،أي ان الموجود ليس سوى تجلي للواجد...
كل انسان مرتبط بالآخر بفكرة التجلي،لأن القدرة محكومة للمتجلي والحركة منك أو مني هي قدرة واجد،والاساس هو التوحد مع الطبيعة ليس من خلال الاتحاد بل من خلال التوازن والتناغم،أي النظر الى ارادة المتجلي فيك...عند ادراك هذا التماثل،تصبح انت والنهر شيئا واحدا....من ذلك تتحقق الموهبة الاولى المتفق عليها:تمثال نرسيس
لقد اعجبني صديقك،يبدو كما لو انه يملك قلبا تجري الدماء في عروقه ويحمل دموعا في عينيه...
لم يعرف هذا الشخص أن غولدمند ما رسم إلا نفسه....على نمط دميان او سدهارتا
لينا حامل،ولكن عليه ان يتحمل اثم القتل للذي اغتصب زوجته واصابها بالطاعون...
الطاعون:اسطورة قديمة جدا تحطم البقاء،وتحطم الوهم وتشي بالحقيقة دوما،وفي ظل الطاعون يستعيد الالهام أو يستقبل الالهام،فهو يرسم الشخصيات المتعفنة الميتة بأوضاعها كما هي....
عليك ان تواجه الحكمة من البقاء،التأمل من الباقي وليس الباقي نفسه،فالباقي نفسه مجرد هباء،مجرد هباء مشتعل
التأمل من الباقي يحقق التوازن والتواءم مع فكرة الفناء،وقبول الموت كعنصر متمم للوحدة مع الوجود أو مع الطبيعة.
يقول غولدمند:طوال هذه السنين حاولت فهم العالم والحياة،اردت تجربة كل ما استطيع تجربته،الألم والحزن والموت والثمالة والنشوة،كل شيء باقصى درجاته...كل شعور
لقد جبت اقاصي الارض وعشت الاروع والاشنع،ورايت الموت وابشع الجرائم،لكنني رأيت الجمال كذلك.
لقد رأيت شيئا عاش برغم هذا العالم المليء بالشدائد،برغم النزاعات الحمقى المريرة الميتة،لقد رأيت اعمالا فنية نجت بالرغم من الزمن....
يقوم غولمند بنحت مذبح للكنيسة يتضمن كل النساء اللواتي صادفهن في حياته منحوتات بكمال وجهي...
يقول نرسيس:هذا المذبح عمل عظيم،انه نتاج كل ما عشته....
غولدمند:اجل وهو جاهز الآن بفضلك
نرسيس:لا،أنت من شيد كل هذا بنفسك،أما أنا فأختبأت خلف الكتب طيلة حياتي،لاشيء في العالم أشجع من ارتكاب الخطايا وتكفيرها سوى العيش في استقامة من جديد،والعيش في الدير كان الخيار الأمثل لي...
غولدمند:لقد رايت كيف جثا الأخوة على ركبهم حين تلوت ترنيمتك،نرسيس،ان غاية وجودك هي هنا
هذه هي حياتك...
نرسيس:حياة بلا حب...لقد فاتني الجزء الأهم
لكن لوثر يحرق المذبح الألهي،احرق الحياة نفسها،او دعونا نقول أحرق الجانب الطبيعي من الحياة
ظل غولمند طوال حياته اسيرا لصورته الأخرى،ألا وهي نرسيس،أسير حبه لنرسيس،وهو مع التحفظ-يمثل قمة الخطيئة،ولكن،وكما قلنا،هناك في كل خطيئة جانبا واضحا من الفضيلة،والعكس صحيح،ومن الممكن القول إذا ان غولدمند كان اسيرا فعلا لصورته الخاصة،لأنها خلطة من نرسيس وغولدمند،وعندما يقول له والده في نهاية الفيلم عن اسم امه (ماجدلينا)،فماجدلينا من الممكن ان تكون قديسة هي أيضا.
في اللوحة التي رسمتها جوليا له،ووقعت عليها:
العزيز غولمند:
كل الفنون منشأها الخوف من الموت ورفض التقاليد،في هذه اللوحة ستبقى شابا الى الابد،مفعما بالحياة وجذابا وحتى وان كبرت بالسن،فستظل دوما أصغر واجمل من ان تكون في لوحة المسيح المقتول،لهذا غيرت رايي وارسلت لك هذه المسودة.....ابقى دوما فتيا وخلابا في داخلك
عزيزي غولدمند:من جوليا
30/12/2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجدى أحمد على عن -عصافير النيل-: قللت شجن الفيلم وإبراهيم أص


.. طرد بطل الفنون القتالية حبيب نور محمدوف من طائرة أمريكية




.. محمد الشرنوبي يتحدث عن رأيه فى فيلم بضع ساعات


.. مهرجان الأقصر يحتفي بالسينما الموريتانية في ندوة بحضور رئيس




.. عمر متولي يثير جدل في الوسط الفني بسبب حديث عن موهبة الراحل