الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن كون ولا كون الكائن

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2024 / 6 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٨١ - كون ولا كون الكائنات

لقد رفض بارمينيدس كما سبق القول إمكانية العدم ككائن، رافضا كينونة العدم، مؤكدا على أن الكينونة وحدها هي التي تكون، رغم أن بعض الفلاسفة السقراطيون فيما بعد رفضوا حتى فكرة الكينونة ذاتها. إفلاطون أعتبر الكينونة مجرد فكرة مثل بقية الأفكار، فعندما نقول عن شيء ما أنه يكون، فذلك يعني أنه يشارك بقية الأشياء في فكرة الكينونة، كما يمكن أن يشارك هذه الأشياء في فكرة الحرارة أو الإمتداد أو الرطوبة أو الحركة. أما السفسطائي جورجياس Gorgias فقد واصل هذه الحركة الإنكارية إلى حدودها القصوى، حيث كتب رسالة في اللاكائن le non-étant، تدحض فيها رسالة بارمنيدس " في الطبيعة " التي نحن بصددها Περί Φύσεως - Peri Physeos. يقول بارمنيدس أن الكينونة غير متولدة أوغير مخلوقة، ويجيب جورجياس بأنها لا متولدة ولا غير متولدة، لذا فهي ليست كائنًا ولا وجود لها. يقول بارمنيدس أن “الكينونة تكون” (τ΄ἐὸν ἔμμεναι) أما جورجياس فيقول “إنه لا شيء” (Οὐκ εἶναί φησιν οὐδέν). قائلا بكل بساطة ببطلان فكرة الكينونة وأنه لا شيء يكون إطلاقا، وإذ يكون أي شيء فإننا لا يمكننا معرفته، وحتى لو عرفناه بمعجزة ما فإنه من المستحيل قوله أو التعبير عنه. ويبدو كأن جورجياس يأخذ كل برنامج بارمينيدس ويقلبه رأسا على عقب، ويطبق ما يقوله بارمينيدس عن اللاكينونة على فكرة الكينونة ذاتها. ذلك أن السفسطائيين أستعملوا اللغة والديالكتيك كوسيلة رئيسية وكسلاح فتاك لتفكيك الأفكار والمقولات الفكرية السائدة. فكون الكينونة أو لاكونها مسألة وإشكالية لغوية، وجوجياس لم يكن مسطولا أو فاقدا لعقله أو يعيش في سماوات الخيال ليرفض حقيقة العالم وواقعيته، فهو لا يرفض وجود الأشياء والعالم المحيط به ولا وجود الكائنات الحقيقي والحسي، لكنه يرفض هذه الفكرة المتعالية والمجردة من كل تعيّن والتي تفقد الصلة بينها وبين حقيقة العالم الخارجي. بالإضافة إلى أنه في حالة كينونة العدم فإنه من المستحيل بعد ذلك التفرقة بين الكينونة والعدم بإعتبارهما مقولات متعالية وغير متعينة. وربما هذا هو الذي دفع كانط في نقده الشديد للدليل الأنطولوجي للتركيز على أن الكينونة ليست شيئا ملموسا ولا تضيف أي شيء جديد على الموضوع بل وأعتبرها ليست محمولا للموضوع على الإطلاق، بمعنى أنه لا فرق عقليا بين أن يكون الله أو لا يكون. أما هيجل فقد تساءل بسخرية عن هدف هؤلاء الفلاسفة الذين يميزون بين الكينونة والعدم ويؤكدون على التفرقة بينهما، وأنه بالأحرى بهم أن يبحثوا عن ماهية هذه الفروق وقولها والإعلان عنها. أما برتراند رسل Bertrand Russell الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني، فقد أعتبر أنه من العار على الجنس البشري أن يختار إستعمال نفس الكلمة being للتعبير عن فكرتين مختلفتين تماما، وهو عار يمكن للغة المنطقية والرمزية الرياضيه أن تزيله. ذلك أن أفلاطونية رسل تتضمن اعتقادًا بوجود كيانات مستقلة عن العقل لا يلزم وجودها المتعين أو الحسي لتكون حقيقية، أي ليس من الضروري أن تكون كائنة ماديا. وكل الكيانات، أو كل ما هو كائن (وقد يوجد أو لا يوجد حسيا) تسمى مصطلحات أو شروط terms في فلسفته، وتشمل أي شيء يمكن التفكير فيه. لذلك كتب في مبادئ الرياضيات (Principles of Mathematics 1903)، "كل ما قد يكون موضوعًا للفكر، أو يمكن اعتباره كذلك، أسميه مصطلحًا. سأستخدمه كمرادف لكلمات الوحدة والفرد والكيان. ... [كل] مصطلح له كينونة، أي أنه موجود بمعنى ما. الرجل، أو اللحظة، أو الرقم، أو الفئة، أو العلاقة، أو الوهم، أو أي شيء آخر يمكن ذكره، من المؤكد أنه مصطلح ... ". (المبادئ، ص 43) يربط رسل أفلاطونيته الميتافيزيقية بنظرية المعنى وكذلك بنظرية المعرفة. وهكذا فإن جميع الكلمات التي تمتلك معنى فإنها تفعل ذلك من خلال الإشارة إلى أشياء معقدة أو بسيطة، مجردة أو ملموسة، والتي ندركها من خلال نوع من الإدراك المعرفي knowledge يسمى المعرفة acquaintance. فالكائنات إذا هي التي يمكن أن تكون موضوع العلوم المختلفة، كالرياضيات والفيزياء وعلوم الأحياء والجيولوجيا وغيرها من العلوم الطبيعية والتي تدرس هذه الكائنات أو المتواجدات المدركة بالحواس أو بأدوات القياس المختلفة، والتي يمكن وصفها وتعيينها وقياسها من حيث الكم والكيف والحرارة والحركة والوزن والكثافة .. إلخ ينظر العلم إلى هذه الكائنات في خصوصيتها وعزلتها أو إتصالها وعلاقاتها ببقية الكائنات المحيطة. والفلسفة اليونانية في بدايتها، كما سبق التوضيح، كانت تمارس من قِبل علماء في الطبيعة والرياضيات والفلك والطب .. وأكاديمية إفلاطون كانت تشترط دراسة الرياضيات أولا قبل الإلتحاق بها. أما أرسطو في بحثه عن عن أساس العلوم أو العلم الأول، لاحظ أن كل هذه الأشياء التي تكون مواضيع العلوم المختلفة ومن ضمنها العلوم الرياضية ذاتها، تشترك جميعها في خاصية واحدة عامة، تتواجد في كل شيء يمكن أن يدرسه العلم، وهذه الخاصية المشتركة هي "أنها تكون". ومن هنا إفتراض أرسطو بضرورة وجود علم أولي يدرس هذه الخاصية ويكشف كينونة الأشياء من حيث أنها "كينونة".وقد أطلق أرسطو على هذه الدراسات إسم الفلسفة الأولى، وهو ما سمي فيما بعد في الدراسات الفلسفية بـ "الميتافيزيقا-metaphysics" أو ما وراء الطبيعة.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرشحون لخلافة نصرالله | الأخبار


.. -مقتل حسن نصر الله لن يوقف مشروع الحزب وسيستمرفي المواجهة -




.. الشارع الإيراني يعيش صدمة اغتيال حسن نصر الله


.. لبنان: مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلي




.. المنطقة لن تذهب إلى تصعيد شامل بعد مقتل حسن نصر الله